نشرة كنيستي- الأحد ١٦ من متّى (الوزنات الخمس)- العدد ٦
كلمة الرّاعي
تحدّيات العائلة المسيحيَّة (3) – وسائل التّواصل الاجتماعيّ والعالم الافتراضيّ
زارني أحدهم في موعد عمل، وفي سياق الحديث أخبرني عن مسألة أدهشته من كثرة ما فيها من الانفصام والرِّياء ألَا وهي أنّ أخًا عايد أخته في عيد ميلادها على إحدى وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، في حين أنّه هو وإيّاها كانا في المنزل نفسه في تلك اللَّحظة، وأنّها هي نفسها أجابته على معايدته أيضًا بنفس الطَّريقة، والأهمّ أنّ الإثنين يعيشان في نفس البيت وهما متخاصمان لا يكلّم أحدهما الآخَر.
مع تَطوُّر التِّكنولوجيا وانتشار وسائل التَّواصل الاجتماعيّ والوصول السَّهل إلى العالم الافتراضيّ، تواجه العائلات المسيحيّة تحدِّيات جديدة تؤثِّر على حياتها وتفاعلاتها اليوميَّة. يتعيَّن علينا أن ندرك أنَّ هذه التَّحدِّيات ليست فقط تقنيّة، بل لها تأثيرات عميقة على العلاقات الأسريَّة والقيم الدِّينيَّة. في هذه المَقالة، سنُلقي نظرة على بعض التَّحدِّيات الَّتي تواجه العائلات المسيحيَّة في عصر الوسائل الاجتماعيَّة والعالم الافتراضيّ.
* * *
1. فقدان الاتّصال الواقعيّ:
مع التَّركيز المُتزايِد على استعمال وسائل التَّواصل الاجتماعيّ والتَّفاعلات الافتراضيّة في الحياة اليوميَّة لكلّ شخص، نرى أنّ ازدياد التَّواتر في استعمال هذه الوسائل يتسبَّب في فقدان الاتِّصال الواقعيّ بين أفراد العائلة. يصبح الوقت الَّذي يقضيه الأفراد في استخدام الهواتف الذّكيّة والأجهزة اللّوحيّة أكثر من الوقت الَّذي يقضونه معًا، ممّا يؤثّر على العلاقات الأسريّة وقدرتها على التَّواصل الفعّال، ممّا يدمِّر العائلة كشركة حياة ومحبَّة…
2. التَّعرُّض للمُحتَوى الضّارّ:
مع زيادة استخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يتعرَّض الأفراد، وخاصَّة الأطفال والمراهقين، لمَخاطِر التَّعرُّض للمُحتوى الضّارّ وغير المُلائم. هذا يولِّد تأثيرات سلبيّة على الالتزام الإيمانيّ وعلى قبول القيم النّابعة منه والسُّلوكيّات الأخلاقيّة للأسرة ولكلّ أفرادها ويزيد الفساد الأخلاقيّ ويُبعد أفراد العائلة عن كلّ التزام في حياة الكنيسة وعيش الوصيَّة، ويشكّل حافزًا وسببًا لكثيرين حتّى ينحرفوا عن الطَّبيعة الإنسانيّة والفضائل المَسيحيَّة…
3. انعدام الخصوصيّة:
إنّ مشاركة الحياة اليوميَّة على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، يُعرّض أفراد العائلة لانتهاك الخصوصيَّة وفقدان السَّيْطرة على معلوماتهم الشَّخصيّة، وهذا ما يؤدّي أحيانًا إلى مشاكل بين الأزواج وازدياد الخلافات بينهم، ممّا يهدّد أحيانًا بتدمير العلاقات الزَّوجيّة وخراب العائلة. لذا، وجب التّنبّه لهذه المسألة في العائلة ووضع ضوابط لها، وأن يكون هناك توعية على أهميّة الحِفاظ على الخصوصيّة الشَّخصيّة والعائليّة ورسم حدود معينة لمشاركة المعلومات على الإنترنت.
4. انخفاض الانخراط الاجتماعيّ:
من نتائج الاعتماد المفرط على وسائل التّواصل الاجتماعيّ انخفاض الانخراط الاجتماعيّ لأفراد العائلة خارج العالم الافتراضيّ. يجب على العائلات المسيحيّة التّشجيع على القيام بأنشطة خارجيّة وتعزيز التَّواصُل الشّخصيّ مع الأصدقاء والجيران وأفراد المجتمع للإبقاء على التّواصل الواقعيّ مع العالم وبنيان شخصيّة مؤمنة طبيعيَّة متوازنة حقيقيَّة.
5. الإدمان على التّكنولوجيا:
الاعتماد المفرط على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ قد يَصل بالمَرء إلى إدمان التّكنولوجيا، ممّا يؤثّر على صحّة العقل والجسد والعلاقات الأُسَرِيَّة. يجب أن تكون هناك استراتيجيّات لتقليل الاعتماد الزّائد على التّكنولوجيا وتعزيز التّوازن في الحياة اليوميّة. لا بُدَّ من العودة إلى الطّبيعة وإلى الاعتماد على الذّات والتّعاون مع الآخَر وتعزيز روح المشاركة والتَّعاضُد لئلَّا يَصير الإنسان أسير التّكنولوجيا فيجفّ القلب وتنشّف الرّوح وينقطع التّواصل، فينغلق الإنسان أكثر فأكثر على نفسه ويدخل في مرضٍ روحيّ ونفسيّ وجسديّ…
* * *
ايُّها الأحبّاء، يتعيَّن على العائلات المسيحيّة الاعتراف بالتّحديات الَّتي تواجهها في عصر الوسائل الاجتماعيّة والعالم الافتراضيّ، واتّخاذ الخطوات اللّازمة للتّعامل معها بشكلٍ فعّال. يجب أن يكون هناك توازن بين استخدام التّكنولوجيا والحفاظ على القيم الإيمانيَّة والأخلاقيّة الَّتي تشَكِّل أساس العائلة المَسيحيّة. على الأهل أن يتابعوا أولادهم في استعمالهم لهذه الوسائل، وهم أنفسهم عليهم أن يختاروا ما يستعملونه منها، وأن يكون هذا الاستعمال لما يجلب الفائدة على النَّفس والفكر وما يبني.
علينا جميعًا أن ننتبه لئلّا تجرفنا وسائل التَّواصل في سيلها فتأخذنا حين لا يجب أن نكون. المسؤوليَّة الكبرى اليوم تكمن في لا محدوديّة ما يمكن الغَوْص فيه من معلومات على وسائل التّواصل، ومنها الغثّ ومنها الثّمين. لذا، لا بدّ من التّمييز في استعمال هذه الوسائل لئلّا يزيد انغلاق الإنسان على نفسه وتباعده الفعليّ عن عائلته والعالم الحقيقيّ، وكي لا يدخل في عمليَّة غسل دماغ طوعيَّة عبر إدمانه على ما يُفسد الأخلاق وما يقوَّي حركة الأهواء في نفسه.
وسائل التّواصل الاجتماعيّ هي سيف ذو حدَّين، فلننتبه كيف نستعملها للخير والبُنيان لئلّا تكون لنا وللّذين حولنا للشّرّ والخَراب…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما