بيان صادر عن المجمع الأنطاكي المقدس
البلمند، 18 تشرين الأول 2022
انعقد المجمع الأنطاكي المقدس برئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) في دورته العادية الثالثة عشرة ودورته الاستثنائية الرابعة عشرة من الثاني عشر وحتى السابع عشر من تشرين الأول 2022 في البلمند وذلك بحضور كل من أصحاب السيادة المطارنة:
الياس (أبرشيّة بيروت وتوابعها)، الياس (أبرشيّة صيدا وصور وتوابعهما)، دمسكينوس (أبرشية ساو باولو وسائر البرازيل)، سابا (أبرشيّة حوران وجبل العرب)، جورج (أبرشيّة حمص وتوابعها)، سلوان (أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما)، باسيليوس (أبرشية عكّار وتوابعها)، أفرام (أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما)، إغناطيوس (أبرشية فرنسا وأوروبا الغربية والجنوبية)، إسحق (أبرشية ألمانيا وأوروبا الوسطى)، غطاس (أبرشية بغداد والكويت وتوابعهما)، سلوان (أبرشية الجزر البريطانية وإيرلندا)، أنطونيوس (أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما)، نقولا (أبرشية حماه وتوابعها)، باسيليوس (أبرشية أستراليا ونيوزيلاندا والفيلبين)، إغناطيوس (أبرشية المكسيك وفنزويلا وأمريكا الوسطى وجزر الكاريبي)، أثناسيوس (أبرشية اللاذقية وتوابعها)، يعقوب (أبرشية بوينس آيرس وسائر الأرجنتين)، أفرام (أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما) ونيفن صيقلي متروبوليت شهبا وممثل بطريرك أنطاكية لدى بطريرك موسكو. وحضر الأسقف غريغوريوس خوري أمين سر المجمع المقدس.
واعتذر عن الحضور المطران سرجيوس (أبرشية سانتياغو وتشيلي). وقد حضر المطران بولس يازجي المغيّب بفعل الأسر في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم.
وبعد الصلاة واستدعاء الروح القدس واستمطار الرحمة الإلهية تناول الآباء أولاً قضية مطراني حلب المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم واستنكروا الصمت الدولي المطبق تجاه القضية التي تدخل عامها العاشر. ودعوا إلى إطلاقهما ووضع نهاية لهذا الملف الذي يختصر شيئاً مما يعانيه إنسان هذا الشرق من ويلات.
استعرض الآباء واقع الأبرشيات الأنطاكية في الوطن وفي الانتشار وتداولوا في معيشة الكاهن وفي مسألة الإعداد الكهنوتي. عرض غبطته الزيارات الرعوية والرسمية التي قام بها ومنها زيارة أبرشية حماه وتكريس كنيسة الرسولين بطرس وبولس في السقيلبية وزيارة سلطنة عمان وتكريس كنيسة الشهيد حارث بن كعب في مسقط. كما عرض أيضاً الزيارة إلى مصر للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط والزيارة إلى ألمانيا للمشاركة في الجمعية العامة لمجلس الكنائس العالمي في كارلسروه-ألمانيا كما وزيارته حلب وإعادة افتتاح كنيسة السيدة والمطرانية القديمة فيها. تناول الآباء أيضاً موضوع العائلة وشددوا على الدور المفصلي المناط الذي تلعبه العائلة ككنيسة صغيرة. ومتابعةً لورشة العمل المجمعي التي أصدرت وثيقة “العائلة فرح الحياة” في تشرين الأول 2019، يؤكد الآباء على أن التجارب التي تواجهها حياة العائلة اليوم تتطلب من الرعاة والمؤمنين في الوطن وبلاد الانتشار تكثيف جهودهم للحفاظ على الأُسرة وإرشاد الشباب، بدءًا من ضرورة العمل على برامج التهيئة للزواج والرعاية الروحية للمتزوّجين، لأنّه “إن لم يبن الربّ البيت، فباطلًا يتعب البنّاؤون”. وأمام ظروف صعبة تعيشها بلادنا، وانحدار القيم الانسانيّة بشكل عام، تأتي مبادرات كهنة الرعايا لاحتضان أعضاء العائلة ومرافقتهم بدورهم التربويّ والتوعية على مسؤولياتهم كأب وأم، وكزوجة وزوجة، تلبية لنداء الرب لخدّامه: “أتُحبُّنِي. ارعَ خرافي” (يوحنا 21: 15). تطرق الآباء إلى النشاط الإغاثي الذي تحاول من خلاله الكنيسة الأنطاكية الوقوف إلى جانب أبنائها في هذه الظروف الصعبة. وأثنوا على الجهود المبذولة في هذا الخصوص. تناول الآباء أيضاً واقع المحاكم الروحية وتناولوا أيضاً مسألة انتقال الكهنة من أبرشية إلى أخرى وشددوا على ضرورة اتباع الأصول الكنسية بهذا الخصوص. كما تداولوا في لائحة الأهلية للأسقفية وأقروها. كما أقر الآباء تشكيل عددٍ من اللجان المجمعية، منها لجنة قانون الأحوال الشخصية ولجنة أخلاقيات علم الحياة ولجنة القداسة والقديسين.
أطلع صاحب الغبطة، آباء المجمع المقدس على التطورات الأخيرة التي شهدتها أبرشية أمريكا الشمالية، وتقديم المطران جوزيف زحلاوي تقاعده من رعاية الأبرشية. وبعد النظر في المعطيات الأخيرة والتداول فيما هو لخير هذه الأبرشية المباركة وسلامة مؤمنيها، قبل آباء المجمع تقاعد المطران جوزيف واستقالته وشكروه على خدمته الطويلة للكنيسة الأنطاكية ولأبرشية أمريكا بشكل خاص وقرروا اعتباره متروبوليتًا سابقًا لأبرشية أمريكا الشمالية، غير عضو في المجمع الأنطاكي المقدس. كما أعلنوا أن الأبرشية أصبحت أبرشية شاغرة.
ونتيجة لشغور الأبرشية، سيقوم صاحب الغبطة بتعيين معتمد بطريركي، لكي يتولى الإشراف على إدارة الأبرشية ريثما يتمّ استكمال الإجراءات المتعلقة بملء الشغور.
وقبل الآباء تقاعد الأسقف باسيل عيسى واستقالته من الخدمة في أبرشية أمريكا الشمالية وأثنوا على خدمته الكنسية التي قضاها في خدمة الكرسي الأنطاكي والأبرشية الأنطاكية في أمريكا الشمالية
أكد آباء المجمع، احتضانهم لأبنائهم في أبرشية أمريكا الشمالية المحروسة بالله، وحرصهم على تفعيل التعاون المثمر مع هيئات هذه الأبرشية وأبنائها من أجل تمتين الروابط، وتوفير كل مقومات النمو والنجاح للشهادة الأنطاكية على مدى هذه الأبرشية التي هي فخر للكرسي الأنطاكي وذخر له.
أطلع صاحب الغبطة آباء المجمع، على ما تمّ اتخاذه من تدابير تأديبية وإدارية وقانونية لمعالجة الأزمة التي طالت أبرشية عكار – وادي النصارى، بناءً لخلاصة التحقيق الكنسي والتدقيق المالي اللذين أجريا من قبل اللجنة المجمعية التي شكلها غبطة البطريرك لهذه الغاية بالاستعانة بشركة تدقيق مالي ومحاسبة مختصة ومرخصة، والتي انتهت إلى نقل الأموال العينية والعقارية إلى ملكية أبرشية عكار.
عبّر آباء المجمع المقدس عن فرحهم وشكرهم لله على عودة الكنيسة الأرثوذكسية في دولة مقدونيا الشمالية إلى الشركة الإفخارستية مع الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة، وعن تطلعهم إلى أن يتم التوافق الأرثوذكسي العام حول اسم هذه الكنيسة ووضعها القانوني في أقرب وقت.
انتخب الآباء الأشمندريت رومانوس الحناة رئيس دير سيدة البلمند أسقفاً ووكيلاً بطريركياً بلقب أسقف سلوقية.
يدعو الآباء إلى رفع الحصار الاقتصادي الآثم المفروض على سوريا. وهو الحصار الذي يستهدف أولاً وأخيراً الإنسان السوري وينعكس أيضاً على دول الجوار هجرةً وتهجيراً. يهيب الآباء بالأسرة الدولية ضرورة تغليب منطق الحوار والتلاقي بين الشعوب بدلاً من فرض الحصارات التي تستهدف الشعب والمواطن بالدرجة الأولى. يدعو الآباء إلى تكثيف الجهود من أجل تغليب منطق الحوار والحل السياسي في التعامل مع الأزمة السورية التي ومع انحسارها في هذه الآونة لا زالت تثقل كاهل الإنسان في سوريا غلاءً وحصاراً وتهجيراً وصعوبة حياةٍ بعد أن أنهكته إرهاباً وخطفاً وحروباً. يشدد الآباء على وحدة التراب السوري وعلى مبادئ المواطنة والعيش الواحد سبيلاً للنهوض بسائر المجتمعات والدول.
يعبر آباء المجمع عن حزنهم الشديد لما آلت إليه الأوضاع في لبنان الحبيب، بسبب السياسات المدمرة، وعجز الدولة عن عزل الصراع السياسي عن دورها في ممارسة الحكم. وهم يناشدون القائمين في السلطة، وضع حد لهذا الفساد المنظم في إدارة موارد الدولة، والإقلاع عن اعتماد السياسات غير الملائمة، التي تزيد في مآسي الشعب، وتدر الأرباح الطائلة على المتحكمين بمصير البلاد. كما يدعونهم للإسراع في توفير الخدمات الحياتية اللازمة، والسعي لتخفيف هموم الناس المعيشية على كل الصعد، والانصراف إلى وضع خطة إنقاذية للوطن بدل التلهي بمحاولة إنقاذ مصالحهم وضمان استمرارهم في السلطة.
وأمام تقاعس الدولة وتلكؤها عن القيام بواجباتها، وفي ظل الاختناق المعيشي الذي يصيب معظم اللبنانيين الذين باتوا عاجزين عن تأمين أبسط مقومات الحياة، والذين بات بعضهم يلقي بنفسه في قوارب الموت، هربًا من جحيم انعدام الأمان الاجتماعي، يعزي الآباء أهل الضحايا، ويناشدون المسؤولين فتح ورشة اصلاحية لرسم سياسية اقتصادية واجتماعية، ولوضع خطة تضمن النمو الاقتصادي، وتستأصل مكامن الفساد وهدر المال العام. ويشكرون جميع الجهات المانحة والجمعيات الخيرية التي تعمل على تخفيف معاناة اللبنانيين، ويثمنون عمل الأبرشيات الإغاثي والاجتماعي، ويدعون أبناءهم، ولاسيما القادرين من بينهم، في الوطن والانتشار، إلى تمتين خدمة المحبة والتعاون في التخفيف من أثقال الحياة على إخوتهم المحتاجين. يناشد الآباء الجميع إحقاق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت، ذاك الجرح الذي لم يندمل منذ أكثر من عامين.
يعبّر آباء المجمع عن رفضهم الشديد لكل ما يحكى حول شغور سدّة رئاسة الجمهورية. ويدعون السادة النواب إلى تحملّ مسؤولياتهم الوطنية وإتمام هذا الاستحقاق الدستوري في موعده، وانتخاب رئيس للجمهورية مؤهل وقادر على وضع لبنان على طريق الاصلاح والتعافي والنهوض واستعادة دوره الريادي.
توقف الآباء عند ما جرى ويجري في فلسطين التي تُتناسى قضيتها المحورية. ودعا الآباء جميع دول العالم إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية القائلة بحقّ العودة وضمان حق الشعب الفلسطيني.
يصلي الآباء من أجل العراق ومن أجل سائر شعوب وبلدان المنطقة كما ويسألون الله أن ينير عقول المسؤولين عن مصائر الشعوب في العالم والمنطقة لكي يتحسسوا أولاً وأخيراً آلام إنسان هذه الديار الذي يكتوي بنار الصراعات ويدفع من دمع ودم أبنائه ضرائب الحروب والصراعات.
توقف الآباء عند ما يعصف بعالمنا اليوم من أزمات ناتجة عن الصراعات بين قوى هذا العالم، ترخي بوطأتها بشكل خاص على المستضعفين في الأرض وعلى الشعوب الفقيرة التي باتت مهددة بسلامتها وبأمنها الغذائي. وفي ظل ما يشهده العالم من نزاعات، أكدوا على دور الكنيسة وقادتها في العمل على تحقيق المصالحة من خلال نشر لطف المسيح.
تابع آباء المجمع بألم عميق وحزن شديد الأحداث المؤلمة في أوكرانيا والتي تترك ارتداداتها على العالم أجمع، ورفعوا صلواتهم الحارة من أجل السلام في أوكرانيا وفي العالم أجمع، ومن أجل أن يلهم الرب القدير أصحاب القرار تغليب منطق السلام واعتماد لغة الحوار من أجل تجنيب الجميع المزيد من الدمار والخسائر البشرية والمادية.
يتوجه الآباء إلى أبنائهم في كنيسة أنطاكية أينما حلوا بسلام المحبة مشاركين إياهم في الصلاة ورافعين تضرعهم إلى رب كل معونة أن يكتنفهم بعونه الإلهي. يصلي آباء المجمع من أجل السلام في العالم أجمع ويسألون المسيح يسوع ربَّ السلام وإلهَ كل تعزية أن يضع سلامه في القلوب ويلمس العالم بنفحة محبته ومراحمه الإلهية ويبلسم جراح المحزونين في عالمٍ يتخبط ويتوق إلى سلامه تعالى، له المجد إلى الأبد آمين.