Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (13) بعد العنصرة- العدد 38

22 أيلول 2024

كلمة الرّاعي

بعض في أقوال القدِّيس سلوان الآثوسيّ حول محبَّة الله ومعرفته

تُعَيِّد الكنيسة المقدَّسة للقدِّيس سلوان الآثوسيّ في الرَّابع والعشرين من أيلول. ولد قدِّيسنا عام 1866 في إحدى قُرى مقاطعة طامبوف، في روسيّا الوسطى. ومِن خطاياه الَّتي ذكرها، فيما بعد، أنَّه كان على علاقة جسديَّة بإحدى الفتيات، وأنّه كاد أن يَقتُل شابًّا من أهل القرية تحدّاه. وقد ولّد كلا الحدثَين في نفسه إحساسًا عميقًا بالخطيئة. هاجس الإلهيَّات لم يغادره منذ الطُّفوليَّة. والده كان مؤمنًا تقيًّا حكيمًا، حليمًا، لطيفًا، هادئًا، صبورًا.

في التَّاسعة عشرة من عمره منحه الرَّبُّ نعمة الصَّلاة، وكان يبكي خطاياه. واستمرّ هكذا ثلاثة أشهر. تذَوَّق حلاوة الرَّبّ وحنانه، فاتَّجَه ذهنه إلى الرَّهبنة. ووصل إلى دير القدِّيس بندلايمون – جبل آثوس في خريف 1892. عاش هناك حياة الرُّهبان بالتزامٍ صارم: صلوات في القلَّاية، صلوات في الكنيسة، أصوام، أسهار، اعترافات، مناولة، قراءة، عمل وطاعة. قليلون عَرَفُوه حقًّا. ومن هذه القِلَّة تلميذه القدِّيس صفروني (سخاروف) الَّذي كتب سيرته وجمع أقواله واهتمَّ بإبراز قداسة سيرته إلى أن أعلن المجمع المقدَّس القسطنطينيّ قداسته في تشرين الثَّاني عام 1987.

حباه الله نعمة كبيرة إذ أعطاه أن يعرفه معرفة كيانيّة أنّه حنان ومحبَّة ورحمة، وذلك بعد خبرة قاسية حُرم منها تعزية النَّعمة لمدّة خمسة عشر عامًا.

* * *

بالنِّسبة للقدّيس سلوان، الله يحبّ البشر كأبناءٍ له: “في نفسي شهوة كبيرة: أن تظلِّل رحمة السّيّد جميع البشر، حتّى يدرك العالم بأسره ويعرف النّاس بأيّ حنان يحبّنا السّيّد… إنّه يحبّنا مثل أولاده الأعزّاء جدًّا”. خبرة هذه المحبّة الأبويّة الَّتي عاشها جعلته يتوسّل إلى الله أن يهبها لكلّ البشر، وأن يمنحهم نعمة معرفة رحمته وحنانه وأبوّته. لكنّ، هذه المعرفة لا تأتي دون ألم، أي دون توبة عاصفة تهزُّ كيان الإنسان، وهذه (أي التّوبة) لا يعرفها إلَّا مَنْ قَبِلَ أن ينكسر كبرياؤه، وفي هذه الخبرة وجعٌ كبير وثورة، ربّما، على الله بداية من ثمّ عودة إلى إدراك الإنسان لحقيقته وحجمه الحقيقيّ وليس الوَهْميّ الَّذي يقنعه به الشِّرّير بشتّى الوسائل المباشَرَة وغير المباشَرَة. القدِّيس سلوان عرف حنان الله أخيرًا بعد أن اتّهمَهُ قائلًا “أنت ظالم”. خبرة الجحيم لا بُدَّ منها لمعرفة سرّ النِّعمة: “سأموت وستنزل نفسي المسكينة إلى ظلمات الجحيم. هناك، وَحيدًا في اللَّهب المظلم، سوف أبكي وأصرخ إلى سيّدي أين أنت، يا نور نفسي؟ لماذا تركتني؟ أنا لا طاقة لي على العيش من دونك…”. هذا ما عاشه القدِّيس سلوان خمس عشرة سنة، إلى أن فهم بكلامٍ مُباشَر من الرَّبّ يسوع أنَّ عليه أن يحفظ ذهنه في الجحيم دون أن ييأس، “احفظ ذهنك في الجحيم ولا تيأس”…

النّفس البشريّة تعسو بسبب كثرة الخطايا الَّتي تُقسِّي القلب فلا يَلِين (القلب) إلَّا بتحمُّل كثرَةِ الوَجَع الَّذي تولّده فيه خطاياه وأهواؤه، لا سيّما منها الكبرياء. جحيم الإنسان نفسه المتوقِّدة إلى الألوهة في ذاتها ومن ذاتها، لأنّ الإنسان كيانيًّا يطلب أن يكون شبيهًا بالله غير المحدود، وهذا ليس غريبًا لأنّه مخلوق على صورة الله، وبالتّالي هذا التَّوْق الدّاخليّ إلى الألوهة وَضَعه اللهُ فينا لأنّه يريد لنا أن نشابهه أي أن “نتألّه”. المشكلة تكمن في أنّ الإنسان حين يختبر شيئًا من مَجْدِ الله وقوَّتَهُ يأتي الشِّرِّير ليُسقطه في الغرور فيتوق إلى نسب ذلك إلى نفسه وقدرته وعمله هو وليس إلى نعمة الله، وهنا تكمن المشكلة، فيخسر النِّعمة ويُدرك حينذاك أنّه “دُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ” (مز 22: 6).

* * *

أيُّها الأحبّاء، من يعرف الله ويحبّه لا يستطيع أن يكون غريبًا عن إخوته لا بل يَصير الأخ له هو حياته في المسيح بنعمةِ الرُّوح القدس الَّذي يهبه أن يفرح بالآخَر ويجد الله فيه ويفرح، وهكذا يصير هو نفسه في سلام ومصدرًا للسَّلام للَّذين حوله بالنِّعْمَة الَّتي تَشِعُّ منه، “طوبى للنَّفس الَّتي تحبُّ الإخوة، فإنّ أخانا هو حياتنا. طوبى للنَّفس الَّتي تحبُّ أخاها، فَرُوح الرَّبِّ يَحْيَا ويَتَجَلّى فيها، ويُنعِمُ عليها بالسَّلام والبَهْجَة”. يعلِّمُنا القدِّيس سلوان أنّ محبّة الله تولِّد فينا محبّة الإخوة، ومحبّتنا للإخوة تستنزل علينا النِّعْمة الإلهيَّة، وثباتنا في محبّة الإخوة يحفظ فينا استقرار النِّعْمة، “النِّعْمة تأتي من محبّة الإخوة، ومحبّتي للإخوة تحافظ على النّعمة. أمّا إن كنّا لا نحبَّ الإخوة، فلن تَحُلّ نعمة الله في نفوسنا”. من يختبر حبّ الله ورحمته عليه وحنانه لا يمكنه إلَّا أنْ يَسْكُن المحبَّة الإلهيَّة الَّتي تَسكنه وتجعله ممدودًا ومبذولًا في المسيح وله بواسطة الإخوة. هذا استباق وتَذَوُّق مُسْبَق لِسِرِّ الوَحدة في الله بين البشر في الدَّهر الآتي…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة