نشرة كنيستي- الأحد (10) بعد العنصرة- العدد 34
21 آب 2022
كلمة الرَّاعي
المرض النّفسي وجذوره وعلاجه
يرفض النّاس القبول بالاعتراف أنّ عندهم أمراضًا نفسيّة لأنّ هذا مرتبط، في نظرهم، بالجنون. المريض النّفسيّ في النّظرة العالميّة المجتمعيّة هو مجنون.
الأمراض النّفسيّة أنواع لا تُعَدّ ولا تُحصى. تتأتّى بمعظمها من مشاكل تربويّة في البيت ومن الوراثة وهي كالأمراض الجسديّة لها علاجات مُتعدِّدة. لكنّ مرض النّفس مُرتبط بشكلٍ عضويّ بالمرض الرّوحيّ الّذي هو الخطيئة.
* * *
خطيئة آدم، الإنسان الأوّل، وَلَّدَتْ تراكمَ خطايا للبشـريّة على مرّ الأزمنة. العَطَبُ الّذي أحدثه السّقوط في الطّبيعة الإنسانيّة، أي انغلاق الإنسان على نفسه ورغبته بأن يكون مصدر ومحور كلّ الوجود من دون الله، جعل المرض الرّوحيّ يَصير جزءًا لا يتجزّأ من طبيعتنا. من هنا، يولد الإنسان حاملًا عَطَبًا روحيًّا لأنّه يأتي ممَّن هم مرضى في الرّوح. هذه هي الوراثة الَّتي فُرِضَت علينا لأنّها تنتقل بالطّبيعة، والطّبيعة البشريّة نفس وجسد. النّفس ميّالة إلى الشّر والجسد ميّال إلى ترابيّته، إلى الأرض الَّتي منها أُخذ في البدء. لا يُولَد الإنسان خاطِئًا لأنّ الخطيئة مُرتبطة بالإرادة الحرّة، لكنّه يولد مستعدًّا للخطيئة أكثر من البِرّ لأنّ البشرية كلّها والطّبيعة صارتا تحت سلطان الموت والانقسام الكيانيّ والوجوديّ، إلّا إذا وُلِد الإنسان في بيئة مملوءة من حياة التّقوى والبِرّ والسَّلام والصَّلاة والمحبّة اللّامتناهية والنّعمة الإلهيّة…
* * *
كلّ إنسان مريض في نفسه وعنده عُقَدٌ كثيرة ومتعدِّدة الأنواع. تصير حالة الإنسان مع ضعفاته ومَشاكله وأوجاعه مَرَضًا نفسيًّا لمّا تتخطَّى حدود سيطرته عليها، أي حين يُقاد الإنسان من أمرٍ ما مدمِّر له أو لغيره من دون أن يستطيع مقاومته أو ردعه. ولهذا سببان اثنان:
الأوّل: هو استلاب الإرادة من الإنفعال وعدم قدرة العقل على ضبط ما يصدر عن الإنسان، لأنَّ العقل الواعي يصبح مشلول القدرة على التَّحكم بالإنفعالات؛
والثّاني: هو الخَلَل في وظائف الدِّماغ النّاتج عن أسباب عديدة منها اضطراب الهرمونات.
في كلّ الأحوال، مصدر هذا التَّصَدُّع في الشّخصيّة هو تراكمات خطايا وأمراض البشريّة، كبيئةٍ ينمو فيها الإنسان، وخبرات الشّخص المؤلمة منذ وجوده في أحشاء أمّه. هذا كلّه مخزون في اللّاوعي الّذي يتحكّم بمعظم انفعالات الإنسان غير العارف لنفسه في الأعماق.
* * *
ماذا على الإنسان أن يفعل ليعود إلى اتّزانه الكيانيّ وليعيد للكون نظامه؟!
بداية، كلّ خلَلٍ نفسيّ في حياة الإنسان مَرَدَّهُ إلى عدم الحبّ أو إلى الحبّ المُشَوَّه، وبالتّالي العلاج والدّواء هو المحبّة النّقيّة.
لا وجود لمحبّة نقيّة خارجًا عن الله. الله وحده مصدر الحبّ النّقيّ في هذا العالم وفي الدّهر الآتي. طالما أنّ الإنسان يحيا خارج دائرة الله فهو سيبقى في الألم واليأس والاكتئاب والضّغط والحزن. لا يوجد فرح حقيقيّ ولا سلام قلب ولا رجاء من دون وجود الله في حياة الإنسان وأمَّا ”الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ“ (2 كورنثوس 3: 17) وهناك انعتاق من كلّ قيد نفسيّ أو جسديّ يكبِّل حياة الإنسان ويدمّره. ما يسعى إليه البشر هو هذا: ”مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ …“ (غلاطية 5: 22) وهذه هي ثمار الرّوح القدس. لا يستطيع الإنسان أن يستعيد توازنه الكيانيّ ويعيد في ذاته توازن الكون إلَّا متى رجع إلى الله من كلّ قوّته وذهنه وقلبه وفكره. فقط في المسيح نجد الحرّيّة والحبّ الإلهيّ والنّور والفرح الّذي لا ينتهي… وما عدا ذلك ”باطل الأباطيل“ (الجامعة 1: 2). لا شفاء حقيقيّ إلّا في المسيح، والمسيح يهبنا شفاءه في الكنيسة، في الأسرار، بنعمة الرّوح القدس. شفاؤنا موجود في داخلنا بالمسيح الّذي فينا ونحن فيه…
ومن له أذنان للسّمع فَلْيَسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما