نشرة كنيستي- الأحد (18) بعد العنصرة (آباء المجمع المسكوني السّابع)- العدد 42
16 تشرين الأوّل 2022
كلمة الرَّاعي
المجامع المسكونيّة
إنّ مصفَّ الآباء القدِّيسين … سلّموا إلى البيعة
سرّ التّكلّم باللاهوت (ذكصا الإيوثينا لأحد الآباء)
المجامع المسكونيّة هي السّلطة العليا في الكنيسة قاطبة، لذلك قراراتها ملزمة للكنيسة جمعاء، ولا تُعدّل أو تُلغى إلّا بقرارات أخرى من مجامع مسكونيّة.
عالجت المجامع المسكونيّة، بشكلٍ أساسيّ، المسائل المتعلّقة بصحّة الإيمان والعقيدة بناءً على الكتاب المقدّس وتقليد الكنيسة، كما سنّت قوانين لحسن سير الحياة في الكنيسة وتقويم الإعوجاج بهدف التّوبة والخلاص.
انعقد المجمع المسكونيّ السّابع لغيضاح وتحديد إيمان الكنيسة من مسألة إكرام الإيقونات، بناء على العقائد المنصوص عنها في المجامع المسكونيّة السّابقة وتعليم الآباء القدّيسين.
الجدير ذكره أنّ الاضطهادات لمُكَرّمي الأيقونات بدأ مع الإمبراطور لاون الثّالث الإيصوري عام ٧٢٥م. واستمرّت في عهده إلى العام ٧٤١م. ثمّ في عهد ابنه قسطنطين الخامس الملقّب بالزبلّيّ (٧٤١ – ٧٧٥م). موجات الاضطهاد الّتي دامت حوالى المئة وعشرين سنة استشهد بنتيجتها البعض وعذّب آخرون ونفي الكثيرون.
هذا الأحد نعيّد لإعادة الإيقونات إلى صُلب الحياة الكنسيّة بعدما كان محظور إكرامها وكانت تصادر وتتلف ويلاحق مكرّموها والمدافعون عنها.
* * *
ما أهميّة الأيقونة في إيماننا؟ وهل عدم وجودها يؤثّر على خلاصنا؟
بالنّسبة لآباء المجمع المسكونيّ السّابع لا تنفصل الأيقونة عن العنصر الأوّل أي عن من تمثّل وهي لا تعبِّر عن إيمان الكنيسة أنّ ”الله ظهر في الجسد“ (1 تي 3: 6): “… إنّنا نحافظ على كلّ تقاليد الكنيسة، حتّى يومنا هذا، بلا تغيير أو تبديل. ومن هذه التّقاليد، الصُّوَر الممثِّلة للأشخاص … وهو تقليد مفيد من عدّة وجوه، ولاسيّما أنّه يُظهر أنّ تجسّد الكلمة إلهنا، هو حقيقة وليس خيالًا أو تصوّرًا. لأنّ الصور عدا ما فيها من إشارات، وايضاحات، تحرك المشاعر الشّريفة”.
إذًا، الأيقونة ترتبط باعترافنا بتجسِّد الإله وأنّه صار إنسانًا مثلنا. لذلك، تؤكّد الكنيسة بأنّنا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتّالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب – الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أيّ ما تمثّله. وفي هذا الإطار يقول القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ: ”لا يمكن رسم الله الّذي لا يدرك، وغير المحدود، أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر، فأنا أرسم الله الّذي تراه العين فأنا لا أعبد المادّة بل خالق المادّة الّذي استحال مادّة لأجلي“.
في نفس الخطّ يقول القدّيس ثيودوروس السّتوديتيّ عن الرّبّ يسوع المسيح بأنّه ”من حيث أنّه ولد من الآب غير القابل للوصف، فلا يمكن أن يكون للمسيح صور، أمّا من حيث أنّه ولد من أمٍّ عذراء، قابلة للوصف، فله صور تطابق صورة أمّه قابلة الوصف“.
* * *
أيُّها الأحبّاء، لا يوجد عقيدة في الكنيسة لا تَمَسُّ حياتنا ولا ترتبط بخلاصنا. الخلاص في المسيحيّة ليس مجرَّد أن يحيا الإنسان إلى الأبد، بل هو يتعلَّق بماهيَّة الحياة الأبديَّة، وهنا التّمايز والاختلاف عن باقي ديانات العالم، لأنّ المسيحيّة ليست ديانة بل هي كشف الله الأخير عن ذاته وحقيقته وسرِّه أنّه ”أحبّ خاصّته“ لدرجة أنّه أتى وسكن معها وفيما بينها لا بل أنّه ضمّها إلى أقنومه بتجسُّده حين اتَّخذ طبيعتنا البشريّة وولد كإله متأنس من العذراء مريم.
من هنا، الخلاص هو المسألة الرّئيسيّة الّتي توضحها عقيدة إكرامنا للأيقونات كونها مطرح حضور وتجلِّ لسرّ الله في مَن تُمثِّل. وفي هذا الإطار يصير الإنسان هو الحامل صورة الله وهو أيقونته الحيَّة في هذا العالم. الله يسكن فينا بالنّعمة وكلّ ما له يعطينا إيّاه، إذ هو يعطينا ذاته في المسيح يسوع مأكلًا ومشربًا حقَّانيًّا …
أن تكون أيقونة الله يعني أن تكون حضوره في العالم الَّذي يُعزّي ويُشدِّد ويشفي ويبهج ويكشف ملكوته منذ الآن وفي هذا العالم.
أنت إن لم تأتِ منه لن تكونه، ولكي تكونه يجب أن تموت عن عتاقتك، وأن تموت عن عتاقتك يعني أن تغيّر ذهنك وفكرك وقلبك وحياتك، أي أن تحيا له وله وحده لأنّه فيه ومنه وبه تعيش وتحبّ وتعطي وتموت وتقوم وتحزن وتفرح إذ يصير هو كلّ شيء لك وفيك…
يا بني إن لم تفرح في الرّبّ فلن تعرف الفرح وإن لم تمت لأجل الرّبّ عن العالم فلن تربح حياتك.
يا بني افتح قلبك بالتّوبة لكلمة الله وروحه لينفتح ذهنك (Νους) على كشفه الإلهيّ بالرّوح القدس الَّذي يضيء كيانك بالنّور غير المخلوق فتصير أنت مصباحه وأيقونة مجده في هذا العالم…
ومن له أ ذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما