نشرة كنيستي- الأحد (11) بعد العنصرة – العدد 35
28 آب 2022
كلمة الرَّاعي
الكاهن والرِّعاية
”إنَّ خاتَمَ رسالتي هوَ أنتمُ في الرَّبّ“ (1 كو 9: 2)
عند رسامة الكاهن يُسلّمه الأسقف الحَمَل ويقول له: ”احفظ هذه الوديعة إلى يوم مجيء الرّبّ لأنّك مزمع أن تُسأل عنها“. جسد المسيح الَّذي هو الكنيسة-الرّعيّة، أي الخراف النّاطقة الّتي للمسيح، توضع أمانة بين يدَي الكاهن. هم ليسوا له، إنّهم للمسيح. وختم رسالة الكاهن هو الرَّعيَّة الّتي سيُسأل عن نفوس أعضائها في يوم الدَّينونة، هل خسر منهم أحدًا، هل أَعْثَرَ أحدًا، هل أَذى أحدًا، هل كان أبًا لهم؟ هل عرّفهم الحقّ وشهد له بينهم؟ هل انتشلهم من الضّلال وكان لهم قدوة؟.
الكاهن ليس لنفسه هو للمسيح والمسيح لله. لذلك، على الكاهن أن يقدّم لله حسابًا منذ الآن عن عمله وعن خدمته للرَّعيّة. الكاهن ليس أجيرًا عند الله بل هو امتداد المسيح في الرَّعيَّة، عليه أن يكون ابنًا للعليّ حاملًا صفات معلّمه ولا فكر له إلّا ”فكر المسيح“.
الكاهن وعائلته يجب أن يكونوا مثالًا يُحتذى في الإيمان والتّقوى والصّلاة والصّوم والخدمة والاتّضاع. ليس الكاهن زعيمًا ولا رئيسًا إنّه غاسل أرجل الرّعيّة على مثال سيّده الّذي غسل أرجل تلاميذه وبهذا يصير له مرِشدًا في طريق الملكوت.
* * *
الكاهن يجب أن يكون حاضرًا دومًا لخدمة أبناء رعيّته لأنّه يخدم المسيح فيهم، ولذا لا يحقّ له أن يتخاذل أو يتهاون بالخدمة من كلّ النَّواحي اللّيتورجيّة والرِّعائيّة والقانونيّة. يجب أن يكون منزَّهًا عن محبّة المال وطلبه، لأنَّ الرّبّ الّذي قال ”اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ“ (مت 6: 33) هو أمين أن يكفيه.
مع كلّ هذا، كما يرعى الرّاعي الرّعيّة على الرّعيّة أن ترعاه. لذلك، يقول الرَّسول بولس لأهل كورنثوس:
”إن كُنَّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الرُّوحيَّاتِ أفيكونُ عَظيمًا أن نحصُدَ مِنكُمُ الجسديَّات“ (1كو 9: 11). يتحدّث هنا عن معيشة خدّام الكلمة مؤكِّدًا بأنّ مسؤوليّة المؤمنين أن يؤمّنوا لهم ما يحتاجونه لحياتهم إذ لا يجوز أنّ من يخدم المذبح، أي يقيم أسرار النّعمة لخلاص النّفوس، يكون في العوز أو الحاجة إلى المادّيّات. من هنا، يجب التّكامل في خدمة المحبّة كلّ بحسب دوره وموهبته ومسؤوليّته. فهل من سيُسأل عن خلاص نفسك ويحاسب عليها أمام الرّبّ لا يستحقّ أن تُقدِّم له ما يحتاجه من المادّيّات ليعيش بكرامة أبناء الله؟!…
* * *
لا شكّ أن من ”مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ“ (2 كو 9: 6) أكان كاهنًا أم علمانيًّا. زرع الكاهن هو المؤمنين الَّذين يجب أن يثمروا حياة قداسة وفضيلة. عندما يكون الكاهن حُرًّا في الحقّ الَّذي بالمسيح لا يمكنه إلّا أن يزرع بالبركات. زرع الكاهن هو الوعظ بكلمة الله وليس بكلمته، وافتقاد المرضى والضعفاء، أن يكون سندًا للمضنوكين وعضدًا للضُّعفاء وتعزية للحزانى، لسان حاله قول الرَّسول بولس: ”مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟“ (2 كو 11: 29). الكاهن أبٌ بكلّ ما للكلمة من معنى، ولذا عليه أن يعرف خراف رعيّة المسيح بأسمائها.
هذا كلّه يعني أنّ الكاهن يعيش مصلوبيّة الحبّ الإلهيّ في هذا العالم من خلال خدمته في الاتّضاع والوداعة بحزم وقطع. لا يستطيع الكاهن أن يساير النّاس على حساب حقّ المسيح وقوانين الكنيسة المقدَّسة، واجبه أن يعلّمهم هذا كلّه وإلّا يكون مقصِّرًا بالمحبّة تجاههم ومستوجبًا الحكم أمام الله لأنّه يستهين بالمُقَدَّسات.
لا مساومة في حياة الكاهن وسيرته. طبعًا، كلّنا بشر تحت ضعف الطّبيعة، لكنّ طريق الإصلاح والمصالحة مُعطًى لنا في المسيح وهو سرّ التّوبة والاعتراف. كيف للكاهن أن يعلّم النّاس التّوبة إن لم يتب. كيف له أن يعلّمهم الاتّضاع وإصلاح السّيرة إن لم يعترف بخطاياه ويسترشد عند أب روحيّ؟!… الكاهن ليس كاملًا، فقط المسيح كامل، لذلك لا بدّ له من سلوك درب التّوبة والاعتراف ليكون قدوة للرَّعيّة.
يكون مقصِّرًا الكاهن الَّذي لا يفحص ضميره بإزاء عظمة سرّ الكهنوت وذبيحة المسيح على الصّليب وواقع خدمته كخادم لأسرار الله الخلاصيّة، لأنّ المراجعة الذاتيّة بإزاء متطلّبات الخدمة والسّرّ من شأنها أن تشحذ همّة الكاهن وتعيد إلى قلبه مخافة الله وخبرة نعمته الإلهيّة المُعزِّية، ممّا يمنحه انطلاقات جديدة متجدِّدة بالرّوح والحقّ في خدمة الرّبّ باستقامة القلب ونقاوته بنار الحبّ الإلهيّ المطهِّرة.
الكاهن يجب أن يكون على صورة السّيّد المسيح، وكما يطيع المسيح الآب يطيع الكاهن المسيح، هو إذن نبيّ الله ورسوله إلى الخراف النّاطقة…
ليرحمنا الرّبّ ويمنحنا أن نكون خدّامًا على قلبه…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما