Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (2) من الصّوم  (القدّيس غريغوريوس بالاماس)- العدد 13

الأحد 28 آذار 2021 

كلمة الرّاعي

القدّيس غريغوريوس بالاماس

”يَا رَبُّ أَنِرْ ظُلْمَتِي“

تعيِّد الكنيسة المُقَدَّسة في هذا الأحد للقدّيس غريغوريوس بالاماس ”الأعظم بين آباء الكنيسة“، كما وصفه مجمع القسطنطينيّة المُنعقد بعد تسع سنوات من رقاده، في العام 1368 م، برئاسة تلميذه وصديقه، فيلوثاوس، البطريرك المسكونيّ، وكاتب سيرته، هذا المجمع الَّذي أعلن قداسته.

أهمّية القدّيس غريغوريوس تكمن في إيضاحه الإيمان المستقيم الرّأي بما يختصّ بخبرة التّألّه في أجسادنا ومنذ الآن، فهو يعلّم أنّ الإنسان يصبح إلهًا بالنّعمة عندما يسلك في التَّأمُّل ويُعاين في موضع القلب نور التّجلّي المتوهّج.

هكذا، انتهى مع القدّيس غريغوريوس الجدل القائم بين الرّأي القائل بإمكان إدراك الإنسان لله والرّأي المخالف. فلمّا صار الإنسان قادرًا على معاينة نعمة الله في النّور غير المخلوق المتدفّق في “موضع القلب”، ولمّا كان الرّهبان المتقدّسين، يتمتّعون بهذه النّعمة، في أعمق تأمّلاتهم، يخلص القدّيس غريغوريوس إلى أنّ الله بات بالحقيقة قابلًا للمعاينة لأنّه هو إيّاه هذا النّور. ومع ذلك يبقى الله، إلى الأبد، غير منظور في جوهره. بكلام آخر، الله يُعرَف في أقنومه، في شخصه، كنور غير مخلوق، لا في جوهره، لأنّ الجوهر الإلهيّ يبقى غير مدرك بالنّسبة للمخلوق. في هذا الإطار يقول القدّيس غريغوريوس: ”ليس لنا أن نشترك في الطّبيعة الإلهيّة، ومع ذلك، وبمعنى من المعاني، لنا أن نشترك، وبيسر، في طبيعة الله، لأنَّنا ندخل في شركة معه، فيما يبقى الله تمامًا وفي الوقت نفسه بمنأى عنّا. لذا نؤكّد معًا، وفي وقت واحد، أمرين متناقضين نُسَـرُّ بهما ونعتبرهما مقياسًا للحقيقة”. من هنا، ”أنّ نور ثابور هو ملكوت الله“ بالنّسبة للقدّيس غريغوريوس.

*          *          *

الطّريق إلى المعاينة الإلهيّة، بالنّسبة للقدّيس غريغوريوس لا بدّ أن تمرّ بصلاة القلب وبالهدوئيَّة. وصلاة القلب لا تنفصل عن الجهاد الرّوحيّ في الصّوم والصَّلاة والسّهر واليقظة. هكذا عاش هو واختبر. وقد كان القدّيس غريغوريوس يعلّم بأنّ الهدوئيّة ليست للرّهبان وحدهم بل لعامّة المؤمنين أيضًا. وقد اشترك قدّيسنا مع إيسيدوروس، بطريرك القسطنطينيّة المستقبليّ، وأحد تلامذة القدّيس غريغوريوس السّينائيّ، بحلقة روحيَّة لتعليم الصَّلاة الهدوئيّة للمؤمنين. هذه خبرة كان يعرفها من والده الَّذي كان يمارس الصَّلاة القلبيَّة ويغيب عمَّا حوله حتّى في محـضـر الإمبراطور. وفي هذا المجال يوضح القدّيس خبرته في مجال الصّلاة القلبيّة قائلًا إنّه: ”متى اعتزل الإنسان العالم واستغرق في النَّشوة الكاملة للرُّوح، يكشف الله له ذاته. إذ ذاك تنشقّ الظّلمة ولا يبقى غير نور الله يدعونا إليه وحولَه بنار مُعْتِمَة. هذا النور هو الله نفسه. فإن صلّى المرء بمنتهى البساطة في القلب وكرّر الكلمات ربّي يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني، أيضًا وأيضًا، فإنَّه يؤدّي، بذلك، العمل الفائق الَّذي من أجله خُلق، لأنّه سيجد نفسه أخيرًا في دائرة الضَّوء الَّذي أَشْرَقَ على قمّة ثابور يوم التَّجلّي الإلهيّ“.

*          *          *

وقد كان للقدّيس غريغوريوس علاقة قويّة وخاصّة مع والدة الإله من خلال الصَّلاة القلبيَّة. وفي أحد الأيّام، فيما كان يصلّي، ظهر له القدّيس يوحنَّا الإنجيليّ، وقال له: “لقد أرسلتني إليك ملكة الكلّ الفائقة القداسة لأسألك لما تصـرخ إلى الله في كلّ ساعة: ”أنر يا ربّ ظلمتي! أنر ظلمتي؟!“.فأجابه غريغوريوس قائلًا: ”وماذا أطلب أنا الممتلئ أهواءً وخطايا غير الرّحمة والاستنارة لأُدرك مشيئة الله القدّوسة وأعمل بها؟“. فقال له الإنجيليّ: ”تقول لك سيّدة الكلّ، بواسطتي، أنّها جعلتني معها معينًا لك في كلّ شيء“. فسأله غريغوريوس: ”وأين تريد أمّ ربَّي أن تساعدني؟ أفي الحياة الحاضرة أم في الآتية؟ فأجاب يوحنَّا اللاهوتيّ: في الحياة الحاضرة والآتية معًا”.

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، من منّا ليس ممتلئًا خطايا بدون توبة وأهواءً بدون شفاء وآلامًا بدون تعزية؟!… السّبيل للبرء والعافية الرّوحيَّة هو بالعودة إلى الله من خلال الصّلوات والأسرار الكنسيَّة وممارسة الصّوم وقراءة  الكلمة الإلهيّة والآباء بحسب تعليم الكنيسة. والأهمّ أن يترافق هذا كلّه مع الجهاد الشّخصـيّ الخاصّ في حفظ الحواس والذّهن والقلب واليقظة بواسطة الصّلاة القلبيَّة: ”ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ“.

طريق النّعمة واضح وبسيط. أسلك في صلاة القلب. اِلْهَجْ باسم الرّبّ. ردِّده كلّما سنحت لك الفرصة. خصِّص وقتًا خلال يومك للصّلاة القلبيّة ولذكر اسم الرّبّ يسوع. ادخل إلى غرفتك. أغلق بابك. اجلس على كرسيّ. ردِّد الصّلاة بصوت مسموع وخافت. اِبْدَأ بتخصيص ربع ساعة في الهدوء والسّكينة لترداد صلاة الرّبّ يسوع. ثابِرْ. اُصبُرْ. حاول أن تجمع ذهنك في كلمات الصَّلاة. كلّما تشتَّتْتَ عُدْ وركِّز على كلمات الصّلاة. وحين تسيل الصّلاة في داخلك اتركها ولا تقطعها وانْسَ الزّمان والمكان. سريعًا تُدرك السّلام والتّعزية. كلّما تذوَّقت حلاوة الاسم المقدَّس كلَّما جاهدت أكثر فأكثر لتعطي مزيدًا من الوقت للرَّبّ وكلّما صارت الصّلاة تجري فيك كنبع سرّيّ يروي كيانك ويعطيك أن تحيا حياة جديدة في راحة وفرح الدَّهر الآتي.

ومن له أذنان للسّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة