نشرة كنيستي- الأحد (5) بعد العنصرة- العدد 28
09 تمّوز 2023
كلمة الرَّاعي
القدِّيس صُفروني الآثوسيّ (إسِكْس)
وُلد القدِّيس صفروني ساخاروف سنة 1896 في موسكو. درس الفنون الجميلة وتفرّغ للرَّسم. مِنَ ثَمَّ درس في معهد القدِّيس سرجيوس اللَّاهوتيّ في باريس حتّى سنة 1925 حيث ترك بعد ذلك الدِّراسَة اللَّاهوتيَّة لِيَخْتَبر سِرَّ اللَّاهوت إذ انتقل إلى الجبل المُقَدَّس آثوس، حيث دخل دير القدِّيس بندلايمون. هناك التقى القدِّيس سلوان الآثوسيّ الَّذي صار له أبًا روحيًّا، وهو الَّذي كان له التَّأثير الكبير على نموّه في حياته الرُّوحيّة. اِلتَصَقَ بالقدِّيس سلوان حتّى رقاده. بعد ذلك، انتقل إلى صحراء الجبل المقدَّس. صار هناك أبًا روحيًّا لأديار القدِّيس بولس وغريغوريو وسيمونوبترا وكسنوفوندوس كما للكثير من القلالي والأساقيط. في 1948، نشر في فرنسا كتابًا حول سيرة القدِّيس سلوان وأعماله وأقواله وتعاليمه مع تفسير وتحليل لها (الكتاب موجود في اللّغة العربيّة، ترجمة الأم مريم زكّا). في سنة 1959 أسَّس دير القدِّيس يوحنّا المَعمدان التّابع لبطريركيّة القسطنطينيَّة في آسكس- بريطانيا وبقي فيه حتّى آخر رقاده. رقد بالرَّبّ في 11 تمّوز 1993. كتب بالرُّوسيّة وتُرجمَت أعماله إلى الإنكليزيَّة والعربيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة والإيطاليَّة والصِّربيَّة والسّويديَّة والفلمنكيَّة والإسبانيَّة، ونجد مقتطفات من أعماله في لغات أخرى متعدّدة.
* * *
يقول القدِّيس صفروني، ”إنّ كلام المسيح، المُطبَّق في الحياة، يجعل من الإنسان إلهًا“. كلمة المسيح هي كلمة الله، وكلمة الله فاعلة، ”هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لَا تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ“ (إش 55: 11). المهمّ أن يكون قلب الإنسان أرضًا صالحةً أي مستعِدًّا لتقبُّل الكلمة الإلهيَّة والعيش بموجبها، حينها يختبر الإسنان قوَّة الكلمة وطاقاتها الإلهيَّة في خبرة النّعمة المؤَلِّهَة.
كلمة المسيح نجدها في الإنجيل، في الكتاب المقدَّس ككلّ، ونجد ترجماتها وتفاسيرها في تعاليم القدِّيسين وأقوالهم وحياتهم. ونحن بدورنا كمؤمنين إذ نرى تجلِّيها في القداسة نتشجَّع لنسعى في عيشها مقتدين بالَّذين سبقونا وتقدَّسوا.
كلمة الله تحمل الطَّاقات الإلهيَّة (Energies Divines) فيها، هذا ما يؤكِّد عليه القدِّيس صفروني إذْ يَقول بأنّ ”كلّ فكر بشريّ، أو كلّ كلام بشريّ، إنّما هو طاقة وقوّة. وإذا كانت هذه حال الفكر والكلام البشريّين؛ فكم، بالأوْلى، ينطبق هذا على الكلام الإلهيّ، على كلام السَّيِّد المسيح نفسه“. هذه خبرة الكنيسة، وهذا ما نراه في كتاب الله إذ إنّ كلمة المسيح كانت مُحقَّقة بمجرَّد أنْ ينطقها. كلمة الله حَيَّة وفاعلة وتمنح الإنسان الَّذي يحيا بها ومنها وفيها حياةً أبديَّةً، هذا ما عبَّر عنه الرَّسُول بطرس حين قال للرَّبّ: ”يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ“ (يو 6: 68).
* * *
أيُّها الأحبَّاء، القداسة مستمرَّة في الكنيسة ولن تتوقَّف الكنيسة عن إنجاب القدِّيسين إذ كلّنا مدعوُّون للقداسة.
مصدر القداسة هو الله، ونحن نلتصق به يقدر ما نلتصق بكلمته أي بالرَّبّ يسوع المسيح. ونلتصق بالرَّبّ يسوع المسيح حين تصير كلمته الَّتي في الكتاب المقدَّس خبزًا جوهريًّا ويوميًّا لنا.
القدِّيس صفروني خَبِرَ الحياة العالميَّة ومجدها، وعرف علم اللّاهوت الأكاديميّ وتألّق فيه دراسةً، لكنّه ترك كلّ شيء وذهب إلى الجبل المقدَّس حيث وجد اللُّؤلؤة الثَّمينة الَّتي باع كلّ شيء من أجلها. لقد أحرز الكنز الإلهيَّ ونقله إلى العالم أجمع في حياته وتعاليمه ورهبنته…
هل نحن مستعدُّون أن نترك كلّ تعلّق لنتعلَّق بالرَّبِّ وبكلمته؟!…
سؤالٌ جوابه يحدِّد حياتنا…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما