نشرة كنيستي- الأحد (4) بعد العنصرة – العدد 28
10 تمّوز 2022
كلمة الرَّاعي
القداسة في زمن تشريع النَّجاسة
”فإنَّكم كما جعَلتُم أعضاءَكم عبيدًا للنَّجاسَةِ
والإثم للإثم، كذلك الآن اجعَلوا أعضاءكم
عبيدًا للبِرّ للقداسة“ (رو 6: 19)
في القرن العشرين، بين نهاية السّتّينيّات وبداية السّبعينيّات، بدأت حركات التّحرّر الجنسيّ بالانطلاق والتّطوّر لنشر فكرة ”الثّورة الجنسيّة“. خلال السّتّينيّات بدأت تحدث تغييرات واسعة في المجتمعات الغربيّة بخصوص نظرة المجتمع إلى الجنس، هَدَفَت إلى ”تحرير“ الجنس من الضّوابط الدّينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة السّائدة، وأدّت إلى وضع تشريعات جديدة بشأن السّلوك الجنسيّ للفرد في المجتمع، لا يزال العديد منها يُعمل به في الوقت الحاضر.
أدّت هذه الحركات والتّشريعات إلى أمور وتوجّهات شتَّى عند المجتمعات، منها: حرّيّة الجنس سواءً كان المرء متزوجًا أم لا، منع الحمل وحبوب منع الحمل، العري العلني، حركة تحرير المثليّين الجنسيّين، الدّعوة إلى تحرير الرّغبة بالإجهاض، حقوق المرأة وحركة تحرير المرأة أو الأنثويّة وغيرها… تمّ استغلال ما شُرِّع ورُوِّج له من حرّيّات جنسيّة جديدة عبر استثمارات ماليّة وتجاريّة كبيرة تتطلّع إلى استغلال المجتمع للرّبح المادّيّ ونشر الأفكار الّتي تتعلّق بالثّورة الجنسيّة، وتَمَثَّلَ هذا ببدء ظهور المواد الإباحيَّة والفاضحة علنًا. ومع التّطوّر في وسائل الإعلام ووسائل التّواصل الاجتماعيّ صار كلّ ما يتعلّق بالجنس مُسْتَغَلًّا للمزيد من التّجارة والرّبح المادّيّ، والأهمّ والأخطر أنّه صار سهل التّسويق والإيصال عبر استعمال التّكنولوجيا الحديثة كالهواتف الذَّكيّة وغيرها…
* * *
ما يسمَّى بالـ ”حضارة“، اليوم، مبنيَّة على ما يُسمَّى ”حقوق الإنسان“ الَّتي تُشرِّع الفساد والإفساد الأخلاقيَّين بإزاء الوصيّة الإلهيَّة، فهي في الكثير من بلدان العالم أَدْخَلَتْ تشريعات جديدة تسمح بالمثليّة الجنسيّة وبالإجهاض وبالعلاقات الجنسيّة خارج الزَّواج … هذا كلّه انطلاقًا من الاعتقاد بحقّ الإنسان أن يفعل ما يريد إذ إنّ كلّ شيء نسبيّ، وهو له أن يحيا كما يريد على المستوى الشّخصيّ ولا أحد له أية سلطة عليه بما يختصّ بخياراته الفرديَّة إذ إنّ جسده ملك له… هكذا يتحجَّجون…
هذه التَّشريعات ليست سوى عودة الإنسان إلى الوثنيَّة والخضوع للطّبيعة الحيوانيّة الغرائزيَّة الّتي لم يكن لها ضوابط قبل النّاموس. الشّيطان مُسَيْطِر على العالم بالشّهوة (المال والسّلطة والجنس)، والطّامة الكبرى الّتي تدمِّر الإنسانيّة باسم الإنسانيّة هي إباحة خضوع الإنسان للشّهوة المُفسِدة لصورة الله الّتي فيه باسم حرّيّة إرادته، هذه الشّهوة الّتي يستطيع الإنسان أن ”يتفنَّن“ بتضخيمها والتّلذُّذ بها إلى درجات لا حدود لها إلّا انهيار الإنسان بسبب كونه كائنًا عقليًّا ذا مشيئة حرَّة. فالله لا يقمع حرّيّة الإنسان حتّى ولو سلك في الضَّلال أو الخطيئة أو الجريمة لأنّه سيَدينه على ما يقوم به انطلاقًا من إيمانه الَّتي يعتنقه ومن حقّ المحبَّة ودم ابن الله المبذول لأجل حياة العالم، ولأنّه بالحبّ يريدنا أن نأتي إليه إذ عرفناه. الإنسان يُحدِّد علاقته مع الله، إمّا هو إنسان يريد أن يكون ابنًا وبالتّالي يعود بالتّوبة إلى أبيه المحبّ والشّفوق، وإمّا أن يصير تحت حكم النّاموس كونه يَحيا رافضًا مسيح الرّبّ…
* * *
أيّها الأحبَّة، لا تنغرُّوا أو تنبهروا بأنوار ”الحقِّ الكاذب“ الّتي يسوِّقها إبليس باسم العقل والحرّيّة والرّقيّ والتّحضُّر والثّقافة… هذه أنوار كاذبة ما لم تحمل في طيّاتها نور الحقّ ونور المسيح الَّذي كشف لنا من هو الله ومن هو الإنسان الحقَّ. كلّ ما يُبعِدُ الإنسان عمّا كشفه لنا الرّبّ يسوع المسيح حول ماهيّة الإنسان هو من الشّرّير، ولا خلطة بين النُّور والظّلمة، والنُّور يَدين الظّلمة، و ”هَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يو 3: 19).
لا تصدّقوهم للَّذين يوهمونكم باسم الحرّيّة أنّ شرائع النّجاسة هي من حقوق الإنسان، كلّ ما يشوّه صورة الله في الإنسان ويحقِّرها نجسٌ هو. الجنس نجس ما لم يكن في البركة والنّعمة بالحبّ المكرَّس من الله في الزّواج بين الرّجل والمرأة، إذ حينها فقط يصير وصالًا للوَحدة ولغة للتّخاطب في الرّوح بين الحبيبَين وعطاءً مشتركًا للذّات في إطار مسيرة حياة متكاملة في السّرّاء والضّرّاء نحو القداسة.
كلّ علاقة بين أصحاب الجنس الواحد هي خطيئة مدمِّرة لكيان الإنسان الرّوحيّ والنّفسيّ والجسديّ لأنّها تكشف خضوع الإنسان للغريزة والشّيطان المفسِد العقول والنّفوس والمدمِّر القلوب. من ثلاثين سنة وما قبل كان علم النّفس، بعامّة، يعتبر المثليّين مرضى نفسيّين، أمّا اليوم فقد انقلبت المفاهيم في علم النّفس انطلاقًا من القوانين الَّتي تشرّع كلّ فساد، فاليوم بواسطة التّربية في المدارس يُدخلون إلى أذهان الأطفال مبدأ الانحراف إذ يعطون من لم تتعدّى أعمارهم عدد أصابع اليدين حرّية اختيار جنسهم والعيش بمقتضى ذلك دون أن يكون للأهل حقّ التّعاطي في هذا الشّأن تحت طائلة المحاسبة القانونيّة، وهذه هي ”مسخرة الحرّيّة الكبرى“ في ما يُسمّى بـ ”العالم المتحضِّر“ الَّذي بقوننته لهكذا شذوذ صار عالَمًا مُحتَضِّرًا ولا بدّ من التّأديب لا بل العقاب الإلهيّ كما حدث لصَدُوم وعمورة، والغد لناظره لقريب… ما لم ترجع البشريّة بالتّوبة إلى حقيقتها المكتوبة في طبيعتها بالخلق وإلى صورة الله فيها إذ الكلّ مدعوّ للقداسة…
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما