نشرة كنيستي- أحد العنصرة العظيم- العدد 23
04 حزيران 2023
كلمة الرَّاعي
العريس والرُّوح
”لم يَكُنِ الرُّوح القُدُسُ قد أُعْطِيَ بعدُ، لأنَّ يسوعَ
لم يَكُنْ بعدُ قد مُجِّدَ“ (يو 7: 39)
عرس الحمل صليبه. لولا الصَّليب لما انكشف حبّ الله الجنونيّ للبشر. ”بالصَّليب أتى الفرح لكلّ العالم“. لم يأتِ الرُّوح القدس لو لم يتمجَّد يسوع على الخشبة. ارتباط المعزِّي بالمصلوب هو رسم لكلّ مؤمن، أنّه حتّى يصيرَ مُسْتَقرًّا لرُوح المصلوب لا بدّ له أن يحمل صليبه وراء ”المعلّم“.
ما هو صليبي؟!… نفسي!… نعم!… لماذا؟!… لأنّها ديّانة ومعميَّة القلب بما تظنُّه بِرًّا في ذاتها. من يعرف خطاياه؟!… كيف لي أن أعرف ”ذنوبي وعيوبي، وألّا أدين إخوتي“؟!…
أحبَّ ”النّاس الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يو 3: 19). من يبرِّر ذاته يَدينها، ومن يَدين ذاته يبرّرها.
لا معرفة للذّات حقّانيّة بدون نعمة الرُّوح القدس، ”لِأَنَّ الرُّوح يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ“ (1 كو 2: 10).
بالإيمان بيسوع المسيح ربًّا ومخلِّصًا يتقبَّل الإنسان عطيّة الرُّوح القدس في الأسرار المقدَّسة. لكن الرُّوح الَّذي يَهُبُّ حيث يشاء هو يجذب الجميع إلى يسوع المسيح. لأنّه خارجًا عن المسيح لا يستقرّ الرُّوح القدس في أحد لأنّه مستقرٌّ في يسوع المسيح الإله المتجسِّد…
* * *
روح الرَّبّ القدّوس هو الَّذي يلدنا في المسيح بالمعموديَّة لأنّه هو ”الصَّانع الحياة“، وهكذا وَلَد الرُّسُل في العُلِّيَّة حين هبَّ عليهم وانحدر بهيئة ألْسُنٍ ناريَّة.
العنصرة حَدَثٌ في التّاريخ غيَّر التّاريخ، لأنّ الإنسان ما بعد العنصرة ليس كما قبلها إذ صار مسكنًا لروح الرَّبّ أي هيكلًا حيًّا وحضورًا منيرًا بنور النّور، في المسيح، الَّذي هو ”النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ“ (يو 1: 9).
”مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ“ (يو 3: 29). نحن للعريس السّماويّ نكون أو لا نكون. حياتنا جهاد لنملأ قلوبنا بزيت التَّرثِّي والإشفاق والرَّحمة. لكن، لاقتناء هذا الزّيت علينا اقتناء روح الرَّبّ أي أن نطلب العريس السَّماويّ ليكون خَتَنَ نفوسنا.
السُّؤال المَطروح علينا، هل نطلب العريس الإلهيّ كختن حياتنا؟!… هل نعرف أنّ محبّته تجعلنا مثله، تحوِّلنا إليه بنعمة روحه القدُّوس؟!… التّناضح بين رجل وامرأة يجعلهما يتقاربان في الصّفات ويتّحدان في المعرفة لبعضهما البعض كلّما تعلّما إخلاء الّذات… هذا مسعى قداسة، لكنّ ليس الوضع هكذا مع البشر بعامّة، إذ إنّ مشكلة الإنسان أساسًا هي مع ذاته في طلبه الوَحدة الّتي تُذيب الآخَر فيه، لأنّ التّمايز بالنِّسبة له سبب انقسام. أمّا تناضحنا مع العريس الإلهيّ فيجعلنا نقتني صفاته ونتّحد به اتّحادًا لا مَثيل له لأنّه يصير إيّانا ونحن نصير إيّاه في ظلّ تمايزنا بعضنا عن البعض، وهذا بسبب تواضعه اللّامحدود وحبّه اللّانهائيّ.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، ها نحن اليوم نَحيا في زمن النّعمة، زمن العَيْش مع الله في سرّ الوَحدة والشّركة، شركتنا ”مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (1 يو 1: 3) في الرُّوح القدس الَّذي ”مَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا (أي الرسل) جَالِسِينَ“ (أع 2: 2). الرُّوح القدس لا يسكن فينا ويستقرّ علينا فقط، كمثل الألسنة النّاريّة، لكنّه أيضًا يُحيط بنا لنسكن فيه. هو يحتوينا لنحتويه. إن لم نقبل أن يحتوينا، أي أن يصير هو عالمنا بالمسيح الَّذي نحن ”أَعْضَاءُ جِسَدِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ“ (أف 5: 30) فلن نقتنيه لنا حياتًا.
أن نعترف بيسوع المسيح هو الأساس لنصير أبناء النّعمة، هذا يعني أنْ نعترف أنّ كلمة يسوع هي حياتنا وأنّه هو خالقنا وملكوتنا.
بدون الرُّوح القدس لا نقدر أن نعمل شيئًا، لأن يسوع قال لنا ”بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا“ (يو 15: 5)، وبدون الرُّوح القدس لا يمكننا أن نعترف بيسوع ربًّا، إذ ”لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: ‘يَسُوعُ رَبٌّ’إِلاَّ بِالرُّوح الْقُدُسِ“ (1 كو 12: 3).
يسوع المسيح بعد صعوده إلى السّماوات صار معنا إلى الأبد في سرّ الرُّوح القدس ”الملك السّماوي المعزّي روح الحقّ الحاضر في كلّ مكان والمالئ الكلّ، كنز الصّالحات ورازق الحياة…“. لم نَعُدْ يتامى، لأنّ حدث العنصرة أدخلنا في سرّ الدّهر الآتي وفي خبرة ملكوت السّماوات أي في عطيّة بُنُوَّتنا لله بيسوع المسيح في الرُّوح القدس الَّذي يَلِدنا دومًا إلى حياة جديدة في كلّ طفرة توبةٍ يُنعم بها علينا لِنَصير بقوّته ”إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل، إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ“ (أف 4: 13) … العنصرة هي قيامتنا وقيامتنا هي عنصرتنا…
ومن استطاع أن يَقبَل فليَقبَل…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما