نشرة كنيستي– أحد الفصح المُقَدَّس- العدد 17
24 نيسان 2022
كلمة الرّاعي
العبورُ بفصحِ المسيحِ إلى ملكوتِ الله
“فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ” (رو 8: 17)
الخليقةُ كلُّها “تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ” (رو 8: 22) في صبرِ رجاءِ الخلاصِ بالمسيحِ القائمِ من بين الأمواتِ واستعلانِ ملكوتِ اللهِ في أبناءِ النُّور. المسيح افتدى الكَوْن وما فيه بقبوله الصّلب والموت لأجل خلاصنا، وذلك حتَّى يُجدِّد كلّ ما ومَن هو مخلوقٌ منه فيه وبه في الَّذين يقبلونه ملكًا وربًّا وسيِّدًا لحياتهم.
ليس الفصح الَّذي نعيِّده ذكرى عبَرَت، بل هو حدث آنِيّ لأنّ قيامة المسيح من بين الأموات جدَّدت الطَّبائع كلّها، وهذه الجِدَّة صارت معطاة للَّذين يؤمنون به. في المسيح القائم من بين الأموات صار الإنسان كاملًا على صورة الله ومثاله…
* * *
ما الَّذي يميِّز هذا الإنسان الجديد؟ أنّه على صورة ابن الله المتجسِّد (راجع رو 8: 29) أي هو يحمل صفاته، الّتي هي: “مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل 5: 22 و23). من يعرف الحَقَّ يصير حرًّا من أهوائه وينعتق من عبوديّة الخطيئة لأنّه يستعبد ذاته لله بإخلاء ذاته على شبه المسيح في طاعة الوصيّة الإلهيّة فيرفعه الله جاعلًا إيّاه ابنًا ووراثًا له مع المسيح (راجع في 2: 5 – 11 ورو 8: 15 – 18).
* * *
مسؤوليّتنا كمسيحيّين مؤمنين بالقيامة أن نغيّر العالم بقوّة المنبعث من الرَّمْس الَّتي يسكبها علينا بروحه القدُّوس. المسيح لم يأت ويعش معنا ويمت من أجلنا إلّا لكي يمنحنا قوّة التّغيير الكيانيّ ويبثّ فينا بروحه الثّورة على الباطل والقدرة على الشّهادة للحقَّ. إذا كان المسيح قد قام فلا يحقّ لنا أن نخاف الموت “لأنّ موت المخلِّص حرَّرنا”، ولكن لكي ننعتق من خوف الموت علينا أن نقبل الموت الطّوعيّ عن أهوائنا وشهواتنا، عن أنانيّتنا وفردانيّتنا أي تمحور حياتنا حول ذاتنا غير مقيمين للآخَر مكانًا فيها ليصير هو فرح الحياة بالنِّسبة لنا…
هذا لا يمكن أن يتحقَّق ما لم ندفن إنساننا العتيق الَّذي يعيش لمصلحته في استهلاك الآخَر والوجود لذاته لكي ينوجد، وما هذه النّمطيّة من الحياة إلّا دائرة مفرغَة من استهلاك الذّات عبر استهلاك الآخَر، وهي طريق تؤدِّي حكمًا إلى موت القلب أي تحوّل الشَّخص البشريّ إلى مطحنة تسحق كلّ من تتعاطى معه…
* * *
أيّها الأحبَّاء، في هذا الزّمن الدّقيق والمَصيريّ في تاريخ البشريّة الحديث، وفي تاريخ بلدنا، لا بدَّ لنا كمؤمنين بالقيامة أن نرجع إلى ذواتنا بالتّوبة في غسل الضَّمائر والقلوب بكلمة الله المطهِّرة والمُجدِّدَة للكيان البشريّ. العالم يحتاج المسيح الغالب الموت والشّرّ والخطيئة والَّذي فجَّر مملكة إبليس الجحيميَّة بنزوله إليها وتحريره الأبرار الرّاقدين منذ الدّهر. فلنفتح له قلوبنا ليدخلها وينيرها مطهِّرًا إيّاها من كلّ دنسٍ وتعلُّقٍ بالدّنيويَّات، لكي يعيد إحياءَها بنعمته فنسلك في وصيّةِ حبِّهِ طريقَ الحقِّ والشّهادةِ.
هكذا تتغيَّر ظروفنا ومجتمعاتنا، حين يتغيَّر الإنسان بعيشه سرّ القيامة في التّواضع بتقويم طريقه بالتّوبة والاستقامة والرّحمة والغفران. بلادنا وشعبها وحكّامها يتغيَّرون إلى الأفضل إذا ما سلكنا نحن في نور قيامة الرّبّ يسوع المسيح “مفتدين الوقت لأنّ الأيّام شرّيرة” (أف 5: 16)، لأنَّ “النّور في الظّلمة يضيء” (يو 1: 5).
دعوتنا اليوم أن نصلِّي لقيامة شعب بلدنا وحكّامه من عبوديَّة التَّحزّبات بتنقية الضّمائر والسّلوك في العدل وإنصاف المسكين والبائس واليتيم والأرملة والموظَّف المستقيم والعائلة الّتي تحيا بمخافة الله، وأن لا يضيع تعب إنسان اقتناه بعرق جبينه، وأن يتأدَّب مرتكبو الشَّرِّ والفساد ليتقوّموا ويرعَووا لأجل خلاصهم.
نناشد اليوم ضمائر شعب هذا البلد وحكّامه ليرجعوا إلى الرّبّ ويخضعوا للحقّ الإلهيّ وليس لمصالحهم الشّخصيّة وأهوائهم أو لمن يَفرضون عليهم خياراتهم. ضعيف الإيمان خنوعٌ وخاضع لأسياد هذا العالم الَّذين نهايتهم الهلاك الأبديّ ما لم يرجعوا عن طرقهم وتسلّطهم وشرورهم.
نرفع صلواتنا لأجل السّلام في كلّ بقاع العالم ولأجل إنهاء الحروب وحلّ الخلافات بالحوار على أسسٍ تحترم حقوق الشّعوب في إطار الجيرة الحسنة والأُخُوَّةِ الإنسانيّة. وندعو لوقف الظّلم التاريخيّ بحقّ الشّعب الفلسطينيّ الَّذي لا بدّ له من إقامة دولته وعودة أبنائه إلى بلادهم في ظلّ حلّ عادل وإنسانيّ يضمن حقوقهم بالعيش الكريم تحت كنف سلطة بلادهم الخاصّة.
“مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا” (رؤ 21: 7).
ماران أثا…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما