Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (4) بعد العنصرة- العدد 29

21 تمّوز 2024

كلمة الرّاعي

الرَّحمة

“فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ” (لو 6: 36)

نعيش اليوم في عالم صارتْ فيه الرَّحمة أمرًا نادرًا ومرفوضًا إذ يستشري الشَّرّ والفساد ويزدادان، والقتل وإجرام الدُّوَل لا أحد يستطيع وقفه، القويّ يتسلّط ويتصلّف ويظلم، والحقّ غريب عن بني البشر…

مع تقادم الزَّمن يزداد ابتعاد النَّاس عن الإيمان، وهذا ليس وَليد مشيئة الأفراد الحرّة فقط بل هو بالأكثر بسبب استعباد الإنسان المعاصِر لفكر اللَّذّة والعنف اللَّذَيْن هما وجهان لعملةٍ واحدة… عالم استهلاكيّ بامتياز صار عالمنا المعاصر، وأكثر ما يُستهلكُ فيه هو الإنسانيّة الَّتي شُوِّهَتْ في الكثير من الفلسفات والثَّقافات الغربيَّة، بخاصَّة، والقوانين. كلّا! الإنسان ليس آلةً تحرِّكها الغرائز بل هو كائنٌ على صورة الله، هو كائنٌ سامٍ بطبيعته وفي جوهر وجوده، لكنّ الشَّيطان الخصم بسبب كرهه وحقده يريد أنْ يجعله شيئًا حقيرًا… وهذا ما يسعى إليه زبانيّته في كلّ ما يُرَوِّجون له باسم الحرِّيَّة والإنسانيَّة الكاذبتَيْن، لأنّ الشَّيطان هو “كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ” (يو 8: 44) والكذب غايته قتل الحقّ وطمسه ومَحْوِه…

* * *

أيُّها الأحبّاء، لا يمكن أنْ يسلك في الرَّحمةِ من لا يَعرف الحقّ، لأنّ الرَّحمةَ ابنة الحقّ، والحقّ من الحبّ والحبّ كشف لنا ذاته في يسوع المسيح ابن الله المتجسِّد الَّذي علّمنا بأنّه “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ” (يو 15: 13). مِنْ هنا، رحمة الله هي ما يطلب منّا يسوع أن نقتنيه، “كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ” (لو 6: 36)، وهذا ما لا يمكن حصوله دون نعمة الرُّوح القُدُس. مطلوبٌ منّا كمسيحيّين أن نشابه الله، أن يتصوَّر فينا بالمسيح (غل 4: 19) أي أن نصير مُسحاء للرَّبّ.

كما يرحمنا الله علينا أن نرحم، ولكي نرحم علينا أن نَدين أنفسنا ونبرِّر سقوط الآخَرين، ولكي نبرِّر سقوط الآخَر علينا أن نعرف سقطاتنا وخطايانا ورحمة الله لنا وعلينا. من لا يعرف خطيئته لا يتوب عنها، ومن لا يتوب فهو لم يبدأ بعد بأوّل خطوة نحو الله…

وَصيَّة الله واضحة: “لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ” (لو 6: 37). ما أصعب هذا الكلام وما أقواه من سلاح للخلاص وذلك لأنّه يجعلنا نتعلَّم كيف نَعِيش وصيّة محبّة القريب (راجع مر 12: 29 – 31). المحبّة والتَّواضع يصدر عنهما الرَّحمة والتَّحنُّن، والأنانيّة والكبرياء يولّدان الظُّلم والاستبداد.

متى عرف الإنسان أنّه مملوءٌ بالنَّقص بسبب خطاياه وأهوائه حينها يتَّضع ويعرف أنَّ الكَمال والعِزَّةَ لله وحده (راجع مت 5: 48 ومز 62: 11).

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة