نشرة كنيستي- الأحد (2) بعد العنصرة- العدد 27
04 تمّوز 2021
كلمة الرّاعي
الرَّجاء في زمن الضّيق
“لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: ’أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ‘،
هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا …” (2 كو 4: 6)
العالم، بعامّة، تحت حكم الشِّرّير. لكن، هذا لا يعني أنّه هو الغالب. الشّيطان غُلب مرّة وإلى الأبد بيسوع المسيح الإله المتجسِّد. اليوم لا يوجد صراع بين النّور والظّلمة والحقّ والباطل، لأنّ هذه الحرب محسومة النّتائج. المهمّ، بالنّسبة للإنسان المؤمن، هو أن يَثْبُتَ في المسيح ليكون غالبًا العالم وما في العالم، وليصير هو حاملًا نور الحياة الجديدة في ذاته لينير البقعة الَّتي يعيش فيها بالمسيح النّور…
الشِّرير هو من يفكِّر بالشَّرِّ في قلبه ليجسِّدَه أعمالًا تجاه الآخَر. ليس الإنسان كفرد شرّير وحسب، بل يوجد جماعات شرّيرة ومؤسَّسات شرّيرة وحكومات وأنظمة شرَّيرة. لذلك، العالم يقبع اليوم تحت سلطان الشِّرّير لأنّ القوى الّتي تحكم العالم أهدافها شرّيرة تدميريَّة للإنسانيّة كونها تنحو إلى بثِّ فكر إلحادي في جوهره وإيمانيّ في ظاهره وتلفيقيّ (Syncrétique) في مضمونه. اليوم، تدور الحرب بين الحقّ والباطل، هذا الباطل الَّذي يتمظهَرُ أحيانًا كثير بلباس الخير والعدل عبر مفاهيم صالحة بعناوينها وبعض تحديداتها وشرِّيرة في أهدافها الخفيَّة، على سبيل المثال لا الحصر مثلًا: حقوق الإنسان والدّيمقراطيّة والحرّيّة والعدالة والسّعادة … فباسم حقوق الإنسان والحرّيّة تُشرَّعُ المثليَّة الجنسيّة ويصير الإجهاض مسألة حرِّيّة شخصيّة، وباسم العدالة والدّيمقراطيّة تقتل شعوب وتهجَّر وتُخرب بلاد، وباسم السّعادة تُشجَّع الأنانيّة والاحتكار ومفاسد الأخلاق…
لهذه الأسباب يزداد الشّرّ وتمتدُّ الخطيئة في حياة النّاس حتّى ليشعر المؤمن أنّه غريب في هذه الدّنيا وليس منها، وهذا صحيح وهذا ما يجب أن نثبت فيه أي أن نكون غرباء عن العالم بهذا المعنى…
* * *
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 16: 33).
المسيح هو سلامنا، وهو قد انبَأَنَا بما ستكون عليه حياتنا في العالم، وأعطانا القوّة والنّعمة لكي نغلب الشّرّير وزبانيّته ومنتجاتهم. المؤمن هو ابن الرّجاء والنّور والفرح المنبعثين من محبّة الله الّتي انسكبت علينا في ابنه يسوع بروحه القدّوس. وبرهان غلبتنا للضّيقات والشّدائد والآلام هو محبّتنا لله الّتي نعيشها ونختبرها في طاعة وصاياه وثبات إيماننا، وتجلِّي غلبتنا على الموت هو في محبّتنا للإخوة (راجع 1 يو 3: 14). وحدتنا مع الله ومع الإخوة في المسيح هي غلبتنا على العالم الَّتي بها ومنها يفيض نور الحياة الجديدة في العالم رجاءً وعربونًا للإنسانيّة ا لجديدة الَّتي على صورة الرَّبّ…
الله لم ولن يترك خليقته، وهو افتداها بابنه وردَّها في يسوع المسيح إلى حقيقتها، أي أنّها لا تُعاش إلّا في شركة المحبَّة الإلهيَّة الطّبيعيّة الَّتي يقتنيها الإنسان بالنّعمة الإلهيَّة حين يسلك بأمانة الطّاعة للوصيّة الإلهيَّة.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، زمن الضّيق هو أفضل وقت وأنسبه لِعَيْش محبّتنا لله، ولاقتناء الفرح الَّذي ليس من هذا العالم، عبر أعمال المحبَّة الَّتي نحن مدعوّين أن نقوم بها كترجمة لإيماننا بالمسيح. نحن لنا دور في دَحْرِ الظّلمة والظّلم عبر شهادتنا للحقّ وخدمتنا للإنسان وبنائنا للمجتمع على الأسس المنبثقة من إيماننا والَّتي هي منبع للأخلاق الإنسانيّة الحقيقيّة بحسب يسوع المسيح. كلٌّ في موقعه هو مسؤول عن التّنوير الَّذي في المسيح.
الآن، بالنّسبة لنا، هو زمن تجلِّى الحبّ الإلهيّ الَّذي هو نور وضياء وإشراق للحقيقة، والَّذي علينا أن نترجمه، أوَّلًا، في محبّتنا لبعضنا البعض أي تعاضدنا وشركتنا وتساندنا، وثانيًا، في امتدادنا بالخدمة نحو كلّ محتاج ومتألّم ووحيد، وثالثًا، في الشّهادة للحقّ وتعرية الظّلم في نور وصيّة الرَّبّ وعيشنا لها أفرادًا وجماعة.
المسيح هو سلامنا ونورنا، ونحن “به نحيا ونتحرَّك ونوجد” (أع 17: 28) لأجل تمجيده في حياة الإنسان.
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما