نشرة كنيستي- الأحد (15) بعد العنصرة- العدد 40
06 تشرين الأوّل 2024
كلمة الرّاعي
الرَّجاء في زمن الشِّدَّة
“مُتَحَيِّرِينَ وَلَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ” (2 كو 4: 8)
نعيش أيّامًا صعبةً ومُقلقة وحزينة بسبب القتل والدَّمار والتَّشرُّد، مئات آلاف من أبناء الوطن ينزحون عن بيوتهم وقُراهم بسبب الحرب على بلادنا. الخوف يتحكّم بمعظم النَّاس، الخوف من الموت من الدَّمار من التَّهجير من الإصابات من العَوَز… وهذا كلّه مُبرَّر، لأنّ الخطر مُحدِقٌ بالجميع ولا يوجد، حتّى الآن، من يُوقِف آلة التَّهديم والإجرام…
ما الَّذي يستطيع الإنسان أن يفعله ليحافظ على حياته وحياة الَّذين يحبّهم والَّذين هو مسؤول عنهم؟!… كما يقول المثل: “الاحتياط واجب”، أمّا الاتّكال فهو على الله. على الإنسان أن يفعل كلّ ما بوسعه ليحافظ على حياته، وطبيعيًّا أن يعمل على الابتعاد عن الأماكن الخطرة. لكن، هذا لا يكفي، لأنّ لا مكان آمن بالمطلق. من هنا، لا بدّ من التّوكّل على الله، واللُّجوء إلى الصَّلاة والصَّوْم، ربَّما أيضًا، والاهتمام بالمحتاج، لأنّ “الصَّدَقَة تنجي من الموت” (طوبيّا 12: 9).
* * *
“الرَّبُّ فَادِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ، وَكُلُّ مَنِ اتَّكَلَ عَلَيْهِ لاَ يُعَاقَبُ” (مز 34: 22). الإنسان لا يستطيع أن يحفظ نفسه من المخاطر الدّاهمة والفُجائيّة، كما أنّه لا يقدر أنْ يَضمن نتيجة احتياطاته من الأخطار، فقط بالاتّكال على الله يسلم الإنسان من الشّرّ بعد أن يكون قد قام بدوره في هذا المجال. الرَّبُّ يَفدينا من الشّرّ متى كنّا لَصيقين به مُنفتحين على وصيّته سالكين في مشورته وصادقين في طاعته. مَنْ كان طالبًا للسَّلام يحفظه ربُّ السَّلام، ومن كان سالكًا في الخصام يتحمّل مسؤولية أعماله. لا يقدر الإنسان أن يؤمن بأنَّ الغَلَبَة على الشّرّ تأتي بالشّرّ ويكون في أمان، “لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!” (مت 26: 52).
الشّرُّ لا يُغلب بالشّرّ، بل الخير هو الغلبة على الشّرّ لأنّ الحقد يُقتلَع بالمحبّة. هذا ما فعله الرَّبُّ يسوع المسيح على الصّليب إذْ أمات الكراهية والحقد والكبرياء والصَّلف والأنانيّة والتّسلُّط بمحبّته وتواضعه وتضحيته إذ “وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ” (في 2: 8). لا حياة إلَّا بِكَلِمَة الله، والموت يأتي مِنْ كلّ كلمةٍ أُخرى ليست من الله. فلنتحفَّظ ولنتنبّه ولنتعلّم أن نميِّز كلمة الحقّ من كلمة الباطل الَّتي أحيانًا كثيرة تتجلْبَب بلباس الحقّ زيفًا. ولن نستطيع أن نقتني روح التّمييز هذه إلّا بواسطة روح الرّبّ القدُّوس…
* * *
أيُّها الأحبّاء، لا يسعنا في هذا الزَّمَن وفي هذه الظّروف الَّتي يتحكّم فيها الأشرار بمصير بلدان وشعوب بدون إنسانيّة أو رحمة أو عقلانيّة، إذ يتحرّكون مَقودين من روح الشّرّير في طريق القتل والدَّمار وإباحة القتل للصَّغير والكبير للرِّجال والنِّساء بدون أيّ إنسانيّة ناسبين جرائمهم إلى وصايا الله. هذه أكبر حركة كُفريّة في الزّمن الحديث نرى فيها دولًا تدّعي التّحضُّر والرُّقي تدعم إبادة شعوب باسم حقِّ أمّةٍ بالدّفاع عن نفسها، هذه الأمّة المغتصبة للأرض والعنصريّة في وجودها والبربريّة في سياستها. هذا زمن الباطل الَّذي لا يُغلَب إلَّا بقوّة إله السَّلام الَّذي عُلِّق على خشبةٍ لتَجديد الخليقة بأسرها مِنْ خلال سُكناه في البشر بروحه في النِّعمة الإلهيَّة ليُحرِّر الإنسان من كلّ شبه مَيْلٍ إلى الشّرّ.
في تاريخ البشر أمثلة كثيرة عن غَلَبة الشّرّ بالخير والكراهية والحقد بالمحبّة، فإنّ يسوع النّاصرّيّ هو الَّذي حقّق هذا وأتباعه وتلاميذه من بعده إلى أيّامنا هذه. والَّذين تعلّموا من يسوع، مثل غاندي، أيضًا غلبوا. التّضحيات لا بُدّ أن تكون، ولكن إذا كانت الذَّبيحة “ذبيحة سلامة” فهي تجلب السَّلام وتقضي على الشّرّ (راجع لاو 3). هذا ما كشفه لنا يسوع على الصَّليب، فهو ذبيحة سلامتنا وسلامنا وخلاصنا الَّذي متى اشتركنا في جسده ودمه نقتني سلامًا أبديًّا وغلبة نهائيّة على إبليس وشروره…
مع المسيح لا خوف بل قوّة ورجاء لا يَخيب وغلبةً على الشُّرور والاضطرابات وشجاعةً في مواجهة كلّ أنواع الموت بالَّذي يقويّنا وينصرنا إلى الأبد…
ومَن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما