نشرة الكرمة- العدد 30- الأحد 28 تمّوز 2019- الأحد (6) بعد العنصرة
من أرشيف نشرة كنيستي- العدد 15- الأحد 23 تمّوز 2017
الجسد واللّباس والحرّيّة
القاعدةُ هي الاحتشام.
لن أدخل في سِجالِ التفاصيل في اللِّباس. الأساسُ أن يعرفَ الإنسانُ قيمةَ ذاتِه في عينِ الله، وَمِن هُنا يَنطلقُ إلى الحياة. ليس الموضوعُ موضوعَ الموضةِ في الصَّيفِ أو الشِّتاء، فقد صارت الإثارةُ عُنوانَ اللِّباس، وصارَ المطلوبُ كشفَ العَوراتِ لا سَتْرَها.
لم يَعُدِ المسيحيّون، بشكلٍ عامّ، يُدرِكون أنّهم شُهودٌ لإيمانِهم، لقد صاروا شهودًا للموضة، وهذه هي الحضارةُ في نظرِهم. مَن يتعاطى نفسَه جسدًا للإبراز، يُهِينُ الله الّذي فيه، لا بل يَطردُه.
لقد استَلَبَتِ العَولمةُ معَ مجتمع الاِستهلاك عقولَ الناس. الإعلامُ والإعلاناتُ يقومان بعمليّات غسلِ دماغٍ مبرمجةٍ بدهاءٍ كبير. الكبيرُ والصّغير، الذَّكَرُ والأُنثى، الكلُّ يَخضعون للترهيب والترغيب. صار مقياس الرّقيّ مدى إبراز الجسد كأداةِ جَذْب.
الإنسان المعاصر، بعامّة، صار ضعيفَ الشّخصيّةِ ومُستعبَدًا، لأنّه لا قوّةَ لَهُ على مواجهة الرَّأيِ السّائدِ في ما يختصّ بتعبيرِه عن نفسه في اللِّباس أو التّرفيه أو المأكل أو المشرب، ولا السّلوك بمقتضى قناعاته في العفّة. صارت العفّة عيبًا والتّفلّتُ حرّيّة.
انقلَبَتِ المقاييسُ لأنّ النّاسَ تغرّبوا عن روح الإيمان الّذي بالنّعمة، وتمسّكوا بِحَرفِ النّاموسِ العتيق، جاهلين أنّ النّاموس قد أُكمِل في المسيحِ الّذي تمّمه وحرَّرَنا منه ناقلًا اِيّانا إلى الحياة الجديدة بالروح القدس.
"لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ. امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ" (أنظر ١ تسالونيكي ٥: ١٩ - ٢٢)
هذا ما يُوصي به بولسُ الرّسولُ أهلَ تسالونيكي. هذا كلامٌ لا ينتمي إلى زمنٍ محدّد، إنّه كلامٌ لِكُلّ العصور. هل يميِّز إنسانُ اليومِ الشّرّ مِنَ الخيرِ في أعمالِه؟!
هل يسعى أن يقيسَ أفكارَهُ وتصرُّفاتِهِ وأقوالَهُ وأهدافَهُ بكلمةِ الإنجيل؟! هل يعرفُ إنسانُ اليومِ قيمةَ نفسِه؟!...
هل يعي إنسانُ اليومِ أنّ حياتَهُ لا معنى لها إنْ لم يَسْكُنْهُ رُوحُ الرّبّ؟!
الحرّيّةُ حقًّا هي ألَّا تكون مُستعبَدًا ومقيَّدًا لأيِّ شيءٍ خلا محبّةِ الله الّتي تُطلِقُكَ في الحياة الحقّة لأنّها تمنحك الفرح الأبديّ في وجه الله وفي وجه الآخَر الّذي يَصيرُ حياتَك!...
مشكلةُ الحضارةِ اليومَ أنّها شَيَّأتِ الإنسان، أي حَدَّدَتْهُ وحَدَّتْهُ في جسده، في ما هو ظاهِر منه. صارت إنجازاتُ الإنسان لأجل أن يكون هو في الوسط منظورًا من الكلّ، هكذا يصير موجودًا. إنّها خدعةٌ كبرى...
انت تنوجد فقط إذا كنت في ذِكْرِ الله، وتتجمَّل وتَحْسُن في عيون البشريّة والخليقة والملائكة كلّما صار قلبُكَ مسكنًا للعليّ، وليس كلّما أبرزتَ جسدَك.
يا أحبّتي في المسيح، تذكَّروا مَن أنتم: " أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو ٱلْعَلِيِّ كُلُّكُمْ" (مزمور ٨٢: ٦). لا نخسـرَنَّ دعوتَنا هذه بسبب العبوديّةِ لأجسادنا وملذّاتها، ولكبريائنا وأنانيّتنا. "وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (١ تسالونيكي ٥: ٢٣).
ومن له أذنان للسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ..!!
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما