نشرة كنيستي- الأحد (5) بعد العنصرة- العدد 30
28 تمّوز 2024
كلمة الرّاعي
التَّجلّي والخليقة الجديدة
“وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ.” (1 يو 1: 5)
صعد يسوع إلى ثابور أو حرمون وتجلّى هناك أمام تلاميذه الثّلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا بحضور موسى وإيليّا. العهد العتيق التقى مع العهد الجديد لكي يشهدا لألوهيَّة يسوع المسيح. كشف يسوع عن ذاته إلهًا بهذا الوضوح كان لضحد كلّ شكّ، مع أنّ التّلاميذ لم يفهموا ولم يفقهوا السّرّ في حينه، لكنّه كُشف لهم بعد استقرار الرّوح القدس فيهم بالعنصرة. لذلك، يقول الرّسول بولس: “لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: ‘يَسُوعُ رَبٌّ’ إِلَّا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ” (1 كو 12: 3).
أن تعرف يسوع إلهًا هو أمر مستحيل بدون نعمة الرّوح القدس، لأنّك لا تستطيع أن تعاينه في النّور إلّا بنوره كما نقول في صلواتنا: “بنورك نعاين النّور”. فالله ساكن “فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ” (1 تي 6: 16). نور الله غير مخلوق، بل يصدر طبيعيًّا عن جوهره، وهو يريد أن يشركنا في نوره. نوره هو حياته وحضوره ومجده وفرحه وحنانه ورحمته وغفرانه وسلامه… حين اشترك التّلاميذ في نور الرّبّ على ثابور وجدوا الحياة الأبديَّة ورغبوا أن يبقوا هناك دائمًا (راجع مر 9: 5). من يختبر حضور الله بالنّعمة يجد الكنز الَّذي يكون مستعدًّا أن يترك كلّ شيء من أجله…
* * *
أيُّها الأحبّاء، أهربوا من الخطيئة لأنّها تُظلم الكيان وتُطفيء الرّوح (راجع 1 تس 5: 17). ليسكن فينا نور الرّبّ علينا أن نتوب وأن نتطهَّر. هذا هو طريق النّور. هكذا سلك القدّيسون وبهذا الطّريق استناروا بالنّعمة حين رأى الرّبّ ثباتهم وصدق نواياهم وحزم توبتهم ونخس قلوبهم وشلّالات دموعهم… خبرة جبل ثابور هي ما نسمّيها بـ”التَّألّه”، وهذه هي خبرة التّذوّق المسبق لملكوت السّماوات والاتّحاد بالله. في هذا الإطار يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: “إنّ المعرفة العقليّة غير مستقلّة عن الطّهارة، عن تحرّرنا من الأهواء. إنّ معرفتنا الحقيقيّة، الإستنارة الإلهيّة، لا تأتي من الدّراسات ولكن من النّقاوة”. النّقاوة طريقها الصَّلاة والصَّوم والتّوبة والتّضحية… وغسل القلب بالكلمة الإلهيَّة (راجع أف 5: 26).
بيسوع المسيح الغالب الخطيئة والموت وإبليس نغلب نحن أيضًا ونصير “خليقة جديدة” (2 كو 5: 17). أوّل ثمرة للرّوح فينا هي المحبَّة الَّتي تمنحنا سلام الله المنتج فينا فرحًا أبديًا ليس من هذا العالم. المسيحيّ إنسان فرح لأنّه يتّكل على الله ويسلّمه حياته. هذه الثّقة تتزايد فينا مع الإيمان كلّما نمونا في حياة التّوبة، لأنّنا حينها نبصر مجد الله وحنانه ورحمته اللّانهائيّة لنا نحن الخطأة. علينا أن نتوب، أن نعترف بسقطاتنا وخطايانا حتّى يمنحنا طبيب النّفوس والأجساد الشّفاء والتّنقية، ومن خلال نقاوة القلب يهبنا أن نعاينه في نوره مجده السّرمديّ وأن نمتلئ من مجده وحبّه الإلهيّ، وهكذا نتزايد في عشقه يومًا بعد يوم ونشابهه بنعمته غير المخلوقة في خبرة أبديّته ونحن ما زلنا في هذا العالم…
ومن له اذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما