نشرة كنيستي- أحد الأجداد القدّيسين- العدد 50
12 كانون الأوّل 2021
كلمة الرّاعي
الاستعداد لميلاد الرّبّ
تحضّرنا الكنيسة المقدَّسة لميلاد المخلِّص بالصّوم الأربعينيّ الَّذي يسبق العيد. ومع عيد دخول السّيّدة إلى الهيكل نبدأ بترتيل كاطافاسيّات عيد الميلاد (جمع كاطافاسيّة ومعناها ترنيمة النّزول. سُمِّيَتْ كذلك لأنّ المرتّلين في القديم كانوا ينزلون عن كراسيهم إلى وسط الكنيسة ويرتّلونها أمّا الآن فتُرَتَّل عند نزول رئيس الكهنة من قلّايته ودخوله إلى الكنيسة). وفي عيد القدّيس نيقولاوس العجائبيّ تدخل في خدم الغروب والسّحرّية قطع تتعلّق بميلاد الرَّبّ. وقبل أحدَين من العيد تضعنا الكنيسة في روح العيد وتاريخيّته من خلال أحد الأجداد وأحد النِّسبة.
* * *
في ذكصا الأبوستيخون لهذا الأحد نعرف أنّ أجداد المسيح المعيَّد لهم هم: ”آدم الأب الأوّل وأخنوخ ونوح وملكيصادق وإبراهيم واسحق ويعقوب“ هؤلاء هم قدِّيسو ما قبل الشّريعة. أمّا الَّذين من زمن الشّريعة وما بعدها فهُم: ”موسى وهرون. ويشوع وصموئيل. ومعهم إشعياء وإرمياء وحزقيال ودانيال والأنبياء الإثني عشر مع إيليّا وأليشع. والجميع كافّةً وزخريّا والمعمدان والَّذين كرزوا بالمسيح حياة وقيامة جنسنا“. كما يرد ذكر شيت بن آدم وأنوش بن شيت ونوح وسام بن نوح وداود والفتية الثلاثة وساره وحنّة أمّ صموئيل ومريم أخت موسى ودبورة وراحيل ورفقة واستير وراعوث ويهوديت وغيرهم الكثير من الّذين في قطع الغروب والسَّحريّة.
أجدادنا الَّذين نعيِّد لهم، إذن، هم الَّذين نأتي منهم وبهم إلى الإيمان بابن الله المتجسِّد. هم الَّذين حصلوا على الموعد بالخلاص ابتداءً من آدم مرورًا بأبرار وأنبياء العهد القديم إلى الرُّسل والقدِّيسين. نحن كمؤمنين بالمسيح ابن الله الحيّ نأتي من هذه السُّلالة الرّوحيّة أي نحن حاملون لتراثهم الإيمانيّ بجيناتنا (gènes) الرّوحيّة الّتي من الرُّوح القدس في الكلمة الإلهيّ السّاكن فينا بنعمة الثّالوث القدّوس. هذه السُّلالة الرّوحيّة لا تنقطع لأنّ القداسة، الّتي نحن مدعوّون أن نقتنيها، نأخذها أيضًا بتكويننا الرّوحيّ وولادتنا الجديدة في الكنيسة المقدَّسة.
أجداد المسيح، أي سلالته الرّوحيّة، أتَوا منه مع أنّه أتى بالجسد بعدهم لكنّه هو الَّذي جعلهم ذرّيته المقدَّسة يوم خاطبهم في الرّوح بالكلمة وقادَهم في الطّريق… نحن أيضًا نأتي منهم وتاليًا من المسيح، وعلينا بدورنا أن نصير أجدادًا في الإيمان لغيرنا أي أن نصير حاملين لوعد الله في حياتنا وكارزين به لغيرنا. من هنا، التّحضير لميلاد الرَّبّ، مع أنّه حصل في التّاريخ قبل تجسُّده إلّا أنّه يستمرّ مع الكنيسة بعد التّجسُّد، ليصير المؤمنون به بدورهم أجدادًا وآباءً بالرُّوح والإيمان لمن يأتي بعدهم. الأساس في هذه السُّلالة والذرّيّة الرّوحيَّة هو الإيمان بابن الله المتجسِّد والمولود في ”ملء الزّمان“ من البتول مريم والدة الإله.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، مع أنّ الإنسان خُلِق من العدم إلّا أنّه لا يأتي من العدم بل من الله من خلال ذرّيته أي المسيح بواسطة سلالته الرّوحيّة أي أبرار وأنبياء وقدِّيسي ورسل العهد القديم والعهد الجديد. أجدادنا وآباؤنا بالرّوح هم الَّذين أطاعوا الله في كلمته إذ أخضعوا ذواتهم لروحه القدّوس فسلكوا في الطّريق الَّذي رسمه لهم الرَّبّ. هكذا شاركوا في مشروع الله الخلاصيّ الَّذي أتمّه المسيح ابن الله المتجسِّد.
اتّباع الرّبّ ليس مسألة سهلة لأنّ الأمانة مطلوبة له فوق كلّ شيء، ولكن هو يعطي قوّة لمن يطيعه ليتمّم مشيئته. نتعلّم من هؤلاء الأجداد والآباء روح التّوبة والثّقة بالله الكلّيّة الَّتي اقتنوها خلال مسيرة جهادهم وراء الرَّبّ. هم تخلّوا عن الغالي والرّخيص فقط ليُرضوا من أحبّهم، ليعبّروا له عن حبّهم له الَّذي هو الحبّ الوحيد وأساس امتدادهم نحو الحياة والشّهادة للحقّ. هؤلاء رغم سقطاتهم إلّا أنّهم ثبتوا في حياتهم مع الرَّبّ فصاروا له شهودًا وشهداء.
ما أخذناه من أجدادنا وآبائنا في الإيمان بالمسيح ثمنه دماؤهم الَّتي غسلها الرَّبّ بدمائه الّتي غسل بها خطاياهم وخطايانا وخطايا البشريّة قاطبة، ليصير هو في الكلّ وللكلّ حاملًا الكلّ لأجل مجد الله بخلاص البشريّة والخليقة وتحريرها فيه وبه وله.
لا يحقّ لنا أن نستهين أو نستخفّ بما وُهبناه من الله في مختاريه لكي نصير بدورنا حاملين هذا الإرث وناقلينه عبر عيشنا لسرّ النّعمة الَّذي وُهبْناه بالإله ”الظّاهر بمشيئته طفلًا جديدًا وهو الإله الَّذي قبل الدّهور“.
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما