نشرة كنيستي- الأحد (17) بعد العنصرة- العدد 40
01 تشرين الأوّل 2023
كلمة الرَّاعي
الإنسان هيكل الله
”اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، فأقبَلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بَنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير“ (2 كو 6: 17—18)
الهيكل الحجريّ لا بُدَّ منه لتأدية العبادة، ولكن في حال لم ينوجد لسببٍ مِنَ الأسباب فهذا لا يمنع العبادة، لأنّ العبادة هي ارتقاء الرُّوح بالرُّوحِ القُدُس نحو الله في ملكوته.
الحياة الرُّوحيَّة هي خبرة أن تكون في الجحيم وفي الملكوت في آنٍ معًا لأنَّك تحتجُّ في نفسك على نفسك لانشدادها إلى أسفل، وبروح الرَّبّ تُرفع إلى حيث الملك يجلس على منبره النَّاريّ…
أنْ تَعِيَ ذاتك هيكلًا للرَّبِّ يَعني أنْ تقدِّس حياتك بجملتها وأن تجعلها كلّها مُكرَّسة لصاحب الهيكل أي لله. هيكل الرَّبّ كلّه للرَّبّ في كلِّ حينٍ، وهكذا الإنسان متى كان للرَّبِّ فهو له على الدّوام. أنت لا تستطيع أن تختار الأوقات الَّتي تكون فيها للرَّبّ والأوقات الَّتي تَختار أن تكون لِنَفْسِكَ أو لغيره. أن تكون مؤمنًا هو خيارٌ قاطع يترتّب عليه قرارات جوهريّة في حياة المؤمن وهي أنّه ”ليس من العالم“ مع أنّه في العالم… وأنّه يجب أن يكون مَطْرَحَ تجلِّي حضور الله وحبّه للعالم ليرفعه إلى فوق العالم…
* * *
شعب الله صار لله شعبًا في خروجه من مصر إلى الصَّحراء فأرض الميعاد. هذا رمزٌ بأنَّنا ونحن في العالم علينا أن نخرج منه إلى جهاد الصَّحراء والإيمان بالله والاتّكال عليه حيث حربنا ضدّ مَيْلِنا إلى عبادة الأوثان أي ذواتنا وأهوائنا، لكي بيشوع أي بيسوع ندخل أرض الميعاد أي ملكوت السَّماوات. الصَّحراء هي تحرُّرنا من العالم، لأنَّ العالَم هو المدينة والمدنيَّة. لذلك، الرُّهبان هَرَبوا إلى الصَّحراء، خرجوا مِنَ المَدينة. أمّا نحن العائشون في المدينة فيجب أن نجد لنا فيها صحراء نخرج إليها منها. هذه الصَّحراء هي في الخلوة كما يعلّمنا الرَّبّ نفسه، ”وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً“ (مت 6: 6).
غاية خروجنا أن نعتزل أي ننصرف عن العالم ونبتعد عنه أي أن نتحرَّر من منطق العالم وتعلّقاته حتّى لا نَقَعَ في النَّجاسة أي وسخ الرُّوح بسبب من أهوائها.
كما أنَّنا نستقبح ونرفض وجود ”زبالة“ في الهيكل الحجريّ كونها نجاسة، كذلك علينا أن نرفض وجود ”زبالة“ في قلبنا وجسدنا وكياننا كونها تنجّس هيكل الله الَّذي هو الإنسان. المطلوب هو أن يكون هيكل الله نقيًّا وممَجَّدًا بزينة الفضائل والطَّهارة…
* * *
أيّها الأحبَّاء، في هذا الزّمن مطلوب منّا أكثر من أي وقت أن نشدِّد ونؤكِّد على قدسيّة الإنسان وجسده وعلى كونه هيكل الله. اليوم تُسَوَّق وتُنشَرُ أفكار مدمِّرة للإنسانيَّة عبر مماهات الحرّيّة بالتّفلُّت الجنسيّ خاصّة وبمحاربة القيم والأخلاق الإنسانيّة المُنْبَثقة من الإنجيل والمسيحيَّة بعامَّة. إنّها حرب على الإنسانيّة باسم حرّيّة زائفة تُشعل في الإنسان نار الأهواء الجسدانيَّة وتغذِّي فيه روح الكبرياء والأنانيَّة، وهذه أهواء مُدَمِّرة لصورة الله في الإنسان كشخصٍ وللإنسانيّة كجماعات.
واجبنا وشهادتنا ووجودنا كلّها تفرض علينا أن نكون جاهزين ومستعدِّين لمواجهة هذه الحرب الّتي هدفها تدمير صورة الإنسان عن نفسه كهيكلٍ لله أي إبعاده وجعله عدوًّا للقداسة كسيرة حياة مطلوبة ومتوق إليها.
وَعْيُنَا لإيماننا ولحقيقة الإنسان بحسب يسوع المسيح ولهدف الحياة، يفرضان علينا أن نبشِّر بدون كَلَل أو مَلَل وأن نقاوم روح العالم هذه بدون هَوادة ونحاربها. لا خلطة بين النُّور والظّلمة. أمّا نحن فإنّنا يجب أنْ نكون أبناء النُّور لأنّ معلّمنا أوصانا بذلك، وأنْ نكون ملح الأرض لتُصلح البسيطة بنعمة الله بواسطتنا كشهود للحقّ ولحقيقة أنّ الله صار إنسانًا بالجسد ليرفع الإنسان إلى مرتبة الألوهة بالنِّعْمَة…
بعد أن حرّرنا المسيح ورفعنا إلى السّماويّات فيه ببذله وسفكه دمه الإلهيّ على الصَّليب لأجل أن يُعتقنا من الموت ومن سلطان إبليس، هل يحقّ لنا أن نتخاذل أو نخاف أو نخجل بإيماننا؟!…
ماران أثا …
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما