نشرة كنيستي- الأحد (3) بعد الفصح المخلّع- العدد 20
12 أيّار 2022
كلمة الرَّاعي
الإنسان المُخلَّع والوطن المُخلَّع
“إنَّ المخلَّع لم تشفه البِرْكَةَ لكنّ كلمتَكَ جدَّدَتْهُ…”
(ذكصا الإينوس في أحد المخلّع)
على صورة الإنسان تكون الأوطان. إذا كان الإنسان صالحًا يكون الوطن صالحًا والنِّظام عادلًا والقانون منصفًا والتّساوي قائمًا بين المواطنين في الحقوق والواجبات؛ أمَّا إذا كان الإنسان فاسدًا يفسد الوطن والظُّلم يستحكم ويصير صيف وشتاء تحت سقف واحد وتسود اللّامُساواة بين النّاس.
الإنسان هو أساس كلّ شيء في العالم لأنّ الرّبّ خلق العالم لأجل الإنسان ووهبه إيّاه عربون حبّه الإلهيّ لكي يصير له شركةً مع الله والآخَر ومطرحًا لتجلِّي حقيقة الإنسان الكيانيّة الَّتي هي أنّه على صورة الله أي هو وَحدَة وشركة في تمايزٍ وحرّيّة.
صحيح أنّه “لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ” (عب 13: 14)، ومع عملنا في هذا العالم أن تصير أورشليم السّماويّة، أي ملكوت الله، حاضرة ههنا فينا بسيادة البِرِّ الَّذي بيسوع المسيح في قوّة نعمة الله.
* * *
يحدِّثنا إنجيل هذا الأحد عن مخلّع بقي ثماني وثلاثين سنة مرميًّا قرب بِرْكَةِ “بَيْتُ حِسْدَا”، أي بيت الرَّحمة، ينتظر من يرميه في الماء عندما يحرّكه الملاك، فلم يجد!… لماذا في كلّ هذه المُدّة لم يأتِ من يرأف بحال هذا الرّجل؟!… لا بدّ أنّ المشكل عنده وعند الآخَرين، ولذلك بقي مرميًّا كلّ هذا الزّمن دون عون أو رحمة.
يقول المثل الشّعبي: “قُومْ يا عبدي تَقُومْ معَك”، هل قام هذا المخلّع بما يجب عليه لكي يطلب مساعدة الآخَرين؟ هل كان لدى الآخَرين محبّة تكفي للانتظار مع هذا المخلّع لرميه في الماء باللّحظة المناسبة؟ أسئلة كثير تُطرح حول السّبب وراء أنَّ هذا الرّجل لم يجد من يُعينه، لا شكّ أنّه لا يوجد صلة وصل كافية بينه وبين النّاس الَّذين يأتون البِركة، وأنّه، مع ذلك، لم يستطع خلال هذه السّنين الثّماني والثّلاثين أن يبني رباط محبَّة مع أحد، كما أنّه لم ينوجد من يمتدّ نحو هذا الإنسان ويتعهَّده ليعينه!…
* * *
وطننا المخلَّع من يشفيه؟!… ليس له من يحبّه… حتّى أبناؤه لا يحبّونه إذ هم متلهّون بالتّحزّبات منقسمون “أنا لفلان وأنا لعلتان”… لا شفاء لهذا البلد إلّا بقوّة الله. التّحرُّر من التّخلُّع الَّذي يضرب جسد الوطن يكون بشفاء أبنائه من تخلُّعهم الرّوحيّ أي بتوبتهم وعودتهم إلى الرّبّ أي إلى الحقّ المطلق وليس إلى أصنام الحقّ الكاذب الّتي يعبدُها النّاس والّتي تجعلهم فئات متخاصمة متناحرة لا تهتمّ إلّا بما لها غير آبهة بالوطن الَّذي هو للجميع. لا قيامة لهذا البلد إلّا بموت روح الانقسام وروح الاستقواء بالدّاخل أو بالخارج، لأنّه “إِنِ انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ عَلَى ذَاتِهَا لاَ تَقْدِرُ تِلْكَ الْمَمْلَكَةُ أَنْ تَثْبُتَ. وَإِنِ انْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَقْدِرُ ذلِكَ الْبَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ” (مر 3: 24 و25).
دعوة الإنجيل لنا في هذا الأحد هي أن نُقْبِلَ إلى يسوع كسيِّد أوحد لحياتنا إذ هو القادر وحده أن يشفينا من تخلُّعنا، وأن لا نخونه أو نحابي الوجوه بإزاء كلمة حقّه. المؤمن رجل موقف بنّاء ويستلهم الله في كلّ مفترق وفي كلّ رأي وقول وعمل. الزّمن زمن شهادة وإيمان. المخلّع في الإنجيل بعدما شفاه المسيح عاد وشكاه إلى اليهود، كان ناكرًا للجميل وجبانًا و”مَصْلَحْجِيًّا”. البشر الّذين لديهم هذه الطّويَّة هم سبب خراب المجتمعات والأوطان لأنّه لا يهمّهم إلّا مصالحهم ولو على خراب حياة الآخرين وأذيّتهم أو تدميرهم. من هنا، لا خلاص لوطننا إلّا بالعودة إلى الله والتّوبة الجماعيّة والشّخصيّة عن كلّ مصلحة ذاتيّة على حساب الوطن إن كان لفرد أو جماعة.
* * *
أيّها الأحبّاء، مصيرنا ومصير أولادنا ومصير وطننا كلّها معلّقة على أمانتنا لله، لإنّنا أن لم نرغب بالخروج من روح لوم الآخَر وتبرير الذَّات والدّينونة ونسلك في فحص الضّمير والمسيرة ومعرفة أخطائنا وخطايانا والبحث عن ما هو حسن لدى الآخَر ومحاسبة النّفس، لن ننمو روحيًّا ولن نتقدَّس لأنّنا لا نرغب بالتّوبة أب بتغيير الذّهن والفكر والمَسلك.
بلدنا اليوم على محكّ، العالم في ضيق وفوضى، تغييرات كبرى آتية، ونحن كيف نحافظ على كنيستنا ووجودنا وعلى بلدنا وعلى أحبّائنا؟!…
المطلوب أن نقوم من رقاد الخطيئة والضّعف والانهزاميّة ونشدّد بعضنا البعض ونعضد واحدنا الآخَر وأن نرجع إلى روح الشّركة والمشاركة لنعبر هذا الزّمن الصّعب.
التّغيير يبدأ فينا أوَّلًا ومنّا يمتدّ إلى عائلاتنا ورعايانا ومجتمعاتنا ووطننا. التّغيير المطلوب هو أن نعود إلى الله وإلى كلمته القاطعة الَّتي تمنحنا أن نميِّز الباطل من الحقّ وأن لا نحابي الوجوه وأن لا نخشى وجه إنسان لأنّنا نحبّ الله…
اذهبوا اليوم وقوموا بواجبكم الوطنيّ بضمير نقيّ منطلقين أوَّلًا من تغيير ذواتكم بكلمة المسيح ليشفيكم من تخلُّعكم الرّوحيّ لتغيِّروا عالمكم الدّاخليَّ بالنّعمة فيُغيِّر الله بكم وطنكم المخلَّع ويشفيه…
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما