نشرة كنيستي- الأحد (1) بعد الفصح (حاملات الطّيب)- العدد 19
08 أيّار 2022
كلمة الرَّاعي
الأُمَنَاءُ للمسيح
حاملات الطّيب ويوسف ونيقوديمُس
البُشرى السّارّة هي ”أنَّ الله نورٌ وليسَ فيه ظلمةٌ البَتَّة“ (1 يو 1: 5). النّسوة حاملات الطّيب إذ بَكَّرْنَ إلى القبر وَجَدْنَ الحجر مدحرجًا ”فلمّا دخلْنَ القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين لابسًا حُلَّةً بيضاءَ فانذهلن. فقال لهنّ: لا تنذهلن. أنتنّ تطلبنَ يسوع النّاصريّ المصلوب، قد قام، ليس هو ههنا“ (مر 16: 5—6). يوسف الرّاميّ ”اجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع“ (مر 15: 43)… نور الحقيقة الإلهيّة سطع بالكامل في قيامة الرّبّ من بين الأموات. نور سرمديّة الله شَعَّ على الخليقة كلّها في يسوع المسيح النّاهِض من الرّمس. ما كان ظلالًا وغير مفهوم وغير معلوم صار ظاهرًا وملموسًا للمؤمنين. رجاءُ القيامةِ هو من الإيمان بسيادة الله المُطلَقَة. هذا الرّجاء صار يقينًا بقيامة المسيح بعد أن تألّم ومات وقُبِر. يوسف الرّاميّ ونيقودمُس والنِّسوة حاملات الطّيب، كان لديهم ترقُّب لانجلاء واستعلان سرّ يسوع الَّذي شفى المرضى وطرد الشّياطين وأقام الموتى لا بل خلق إنسانًا من جديد حين أقام لعازر ذي الأربعة أيّام. كانوا يتساءلون: من هو هذا الإنسان؟ كيف لمن عَمِلَ عَمَلَ الله أن يتركه الله للموت؟!… أمانتهم له لم تتوقَّف حتّى بعد خذلانهم من واقعيّة الموت، فساروا معه الدّرب حتّى النّهاية البشريّة الظّاهرة أي إلى القبر. لكن يبقى التّسآل في قلوبهم وأشواقهم إليه، كيف يمكن للَّذي قال: ”أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا“ (يو 11: 25) وللَّذي برهن عن سلطانه على الحياة والموت أن يخضع لسلطان الموت؟!…
* * *
حاملات الطّيب اجترأنِ أن يُرافقن يسوع في مسيرة آلامه حتّى إلى الصّليب والقبر غير هيَّابات ما يمكن أن يلحقهُنَّ من اليهود أو الرُّومان لأجل هذا، أمّا التّلاميذ فقد هربوا جميعًا وعلى رأسهم بطرس الصَّخرة ما عدا التّلميذ الَّذي كان يسوع يحبّه إذ رافق المعلّم حتّى إلى الصّليب. يوسف ونيقودمُس بالخفية أخذا جسد يسوع ليُطَيِّبانه وليدفناه، وهذه جرأة كبرى لما لهما من مكانة عند اليهود. ربّما لم تكن النّسوة أو يوسف ونيقودمُس أو التّلميذ الحبيب على استعداد كامل للموت لأجل يسوع ولكنّ جرأتهم جميعًا كانت تدلّ على غلبة محبّة يسوع في قلوبهم بإزاء الخوف من النّاس.
لا أمانة دون شجاعة، ولا شجاعة دون إقدام، ولا إقدام دون مغامرة ومخاطرة، ولا مغامرة ومخاطرة دون ثقة بالله واتّكال عليه أي دون محبّته فوق كلّ شيّ وقبل كلّ أحد…
هؤلاء أحبّوا يسوع في السّرّاء والضّرّاء، ورافقوه في كلْتَي الحالتَين. لكنّ المحبّة الكاملة وُهبَت لهم إذ كشف الرّبّ أوَّلًا للنّسوة حاملات الطّيب سرّ قيامته من الموت وغلبته عليه، كما سلّمَهُنَّ خدمة الكرازة بالقيامة للرّسل أوَّلًا، فكُنَّ أوّل رسل للمسيح النّاهض من القبر قبل الرُّسل أنفسهم. هكذا، كشف يسوع أنّه فيه ليس ذكر ولا أنثى إذا الكلّ واحد فيه (راجع غلا 3: 28)…
* * *
أيُّها الأحبّاء، من كان للمسيح فلا يمكن إلّا أن يكون أمينًا له في كلّ ظرف ومهما اشتدَّت رياح التّجارب ومهما تدفَّقت عليه ملذّات الدُّنيا، لأنّ الشّدّة والهموم كما الملذّات والشّهوات تخنق زرع الكلمة في قلب الإنسان. سرّ القيامة يُستَعْلَن للأمناء في اتّباع يسوع وفي حمل صليبهم وراءه. من لا يريد أن يحمل الصّليب أي من ليس مستعدًّا للبذل الكلّيّ للذّات والإخلاء الكامل للقلب من كلّ تعلُّقٍ لا يستطيع أن يختبر قوّة القيامة والحياة الجديدة. طبعًا، الإنسان يتدرَّج في مسيرته وفي طاعته للوصيّة الإلهيّة، لكنّ هذا لا يكون دون جرأة وشجاعة واستعداد لمواجهة العالم بأسره لأجل المسيح.
أتريد أن تبرأ؟ يسأل الرّبّ يسوع كلّ منّا. بناء على جوابنا تكون النّعمة المُعطاة لنا. “الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَيْهِ سَيَفْهَمُونَ الْحَقَّ، وَالأُمَنَاءُ فِي الْمَحَبَّةِ سَيُلاَزِمُونَهُ، لأَنَّ النِّعْمَةَ وَالرَّحْمَةَ لِمُخْتَارِيهِ” (حك 3: 9).
حاملات الطّيب مع يوسف ونيقودمُس نماذج تشجّعنا وتحثّنا على الأمانة للمسيح والالتصاق به، لأنّ من يتّكل عليه لا يخزى ومن يتبعه لا يخسر، ومن يطلبه يُعطى له من لدنه الغلبة على الخطيئة والموت والشّرّ… ومن أحبّ الرّبّ فوق الكلّ صار له تلميذًا حبيبًا ويمنحه أن يتّكئ على صدره ليسمع أسرار الحبّ الإلهيّ…
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما