نشرة كنيستي- الأحد (23) بعد العنصرة- العدد 47
20 تشرين الثّاني 2022
كلمة الرَّاعي
“افعلوا كلّ شيء لمجد الله”
(1 كورنثوس 10: 31)
المُؤمن بالرَّبّ يسوع المَسيح لا يَحيا لنفسه، هو يُدرك بأنّه قد “اشتُرِيَ بثمن” (راجع: 1 كورنثوس 6: 20 و7: 23)، “دم ابن الله” (أنظر 1بطرس 2: 19)، فلا يستطيع بعد أن يكون عبدًا لأحدٍ أو لأيَّةِ شهوةٍ أو حاجة. إنّه يعرف كيانيًّا ويقينيًّا بأنّه في المسيح “يحيا ويتحرّك ويوجد” (أعمال 17: 28). لذلك، حياة المسيحيّ المؤمن تتمحور حول الرَّبّ يسوع المسيح ومشيئته ووصاياه لأنّ المسيح بالنّسبة إليه هو “الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ” (يوحنا 14: 6).
* * *
كلّ ما يصنعه الإنسان يهدف إلى تحقيق وجوده. إن أكل أو شرب أو لبس أو عمل أو علّم أو تزوّج أو تبتّل أو صنع الإحسان… الكلّ لأجل أن يكون موجودًا. حتّى الخطيئة الَّتي يصنعها الإنسان أو الشّرّ هما في إطار تحقيقه لذاته. ثمّة طريقان اثنان في الحياة لا ثالث لهما، بهما يصنع الإنسان حياته، هو لا يصنعها من العدم بل ممّا لديه، ما لديه هو من الله. فإذا استغلَّ الإنسان هبات الله له، (ووجوده نفسه هو عَطيّة من الله) في خطّ الوصيّة الإلهيّة انوجد لأنّه يصير مطرح سكنى الله بالنّعمة. وإذا سلك ضد الوصيّة خسـر وجوده لأنّ كيانه يصير عدَمًا.
* * *
“مجد الله أن يحيا الإنسان. وحياة الإنسان أن يرى الله” (ضد الهرطقات 7:20:4) يقول القدّيس إيريناوس اسقف ليون (+ 202 م.). إذًا، يتمجَّد الله متى عاش الإنسان، أي متى تَأَنْسَنَ أي سلك كإنسان، والإنسان الحقيقيّ هو يسوع المسيح وحده فقط!
يقول سِفر الجامعة: “فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ”
(12: 13). هذا هو يسوع المسيح إنّه كلمة الله المتجسِّد، وما لم يصـر الإنسان كلّه من “الكلمة الإلهيّ” لا تكتمل إنسانيّته. لكن لا يستطيع بشر أن يتمّم الكلمة الإلهيّة بقوّته، فقط بقوّة المسيح يستطيع ذلك، أي متى أدرك لاشيئيّته من دون الله وكمال واكتمال مشيئة الله فيه بالنّعمة الإلهيّة الَّتي تطهّره وتنقّي قلبه وتمنحه القوّة لإتمام إرادة الرَّبّ فيه أي “قداسته”.
* * *
المسيح يسوع ابن الله الوحيد هو مصدر حياتنا وغايتها، هو محور وجودنا. ومتى نصنع وصيّته فنحن نحقِّق وجودنا وفرحنا، لأنّ مجده هو أن نكون إيقونات له أي أن نحيا هذا الوجود بكلّ ما فيه في فرح طاعته وصنع إرادته لأنّه هو الوحيد الّذي يعرف طريق غلبتنا على الموت لأنّه هو “الطّريق” إلى الحياة الأبديّة وهو هذه الحياة، والموت هو طريق الإنسان خارجًا عنه. من هنا، من أراد الحياة اختار الموت عن مشيئة الموت أي حبّ الخطيئة وسلك في حبّ الحياة أي يسوع المسيح. كلّ عمل يقوم به الإنسان يأتي من حبّ، إمّا حبّ الذّات في السّقوط أي في محوريّة الأنا أو حبّ الذّات في القيامة أي محوريّة يسوع المسيح. هذه هي المُعادلة، إمّا أكون من ذاتي وأعمالي لمجدي أي للذّاتي الأنانيّة وإمّا أكون من المسيح وأعمالي لمجده أي للذَّتي الوحيدة أي أن أفرغ له كياني بالحبّ لأنّه سبق ان أفرغ ذاته لأجلي. في محوريّة الأنا انغلاق وموت ولذّة عقيمة جحيميّة لا تشبع من استهلاك الذّات والوجود كلّه في سرّ الوِحدة (solitude) والانعزال الكليّ عن الوجود، وفي محوريّة يسوع المسيح انفتاح للكيان على اللّانهائيّ، على الله وفيه على كلّ الخليقة في سرّ الوَحدة (union) الشّركويّة المفتوحة على حياة الدّهر الآتي منذ الآن.
“فافعلوا كلّ شيء لمجد الله” لتحيوا وتفرحوا وتدخلوا سرّ الأبديّة والوجود السّرمديّ منذ الآن…
ومن استطاع أن يقبل فليقبل…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما