نشرة كنيستي- الأحد (17) من متّى (الكنعانيّة)- العدد 6
06 شباط 2022
كلمة الرَّاعي
إمتحان الإيمان
”اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ
فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ
غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ“ (يع 1: 2—4)
معظمنا نريد أن نحيا دون تجارب وضيقات، و”نأمل“ أن يمنحنا الرّبّ دائمًا ما نريده وما نتمنّاه. إيماننا في الكثير من الأحيان نتعاطاه كأنّه سِحرِيّ أي نصلّي ونطلب إلى الله متوقِّعين إجابات واستجابات تحلُّ مشاكلنا وصعوباتنا دون أن يكون لنا دورٌ أو جهد. من يعيش الإيمان ويتعاطاه كأنّه مسألة سِحْريَّة هو بالحقيقة لم يؤمن بعد، لأنّ إيمانه مبنيٌّ على الرّغبة بالعيش السّهل والحلول الّتي لا تتطلَّب منه تعبًا وتضحيات. إيمان كهذا هو إيمان نفسانيّ ويولِّدُ راحة كاذبة لأنّها ليست أصيلة كونها مبنيَّة على معادلات نفس-عقلانيّة (psycho-rationnelles).
من كان إيمانه مبنيًّا على العقلانيّات والنّفسانيّات يتمسَّك بظواهر الأمور في علاقته بالله ويتعاطى الوصيَّة الإلهيَّة كشريعة وليس كقوّة الله. من هنا، يكون عرضةً للانجذاب وراء مظاهِر عيش الوصيّة الإلهيَّة وثمارها المرتبطة بالمشاعر والعواطف والنّشاطِيَّة (activisme). إيمان كهذا لا يفقه شيئًا حول ماهيَّة النّعمة الإلهيَّة وعمل الرّوح القدس في الإنسان ولا حول سرّ الاتّحاد بالله في المسيح…
* * *
المؤمن يحيا بالرَّجاء وفيه، ورجاؤه مملوءٌ خلودًا (راجع حك 3: 4)، أي إيمانًا بالحياة الأبديَّة والغلبة على الموت والشّرّ. الإيمانُ يُمتَحَن بالشَّدائد الَّتي تأتي من حسد إبليس للبارّ ومن زبانيَّته الأشرار الطّالبين إهلاك الصِّدِّيق ومن الزّلّات والسَّقطات الّتي نقع فيها. هل كان ليوجد فساد في هذا البلد لولا أنّ الأنانيّة متحكّمة في الإنسان؟!… هل كانت لتُسرَق أموال النّاس لو لم يكن من جشع؟!… هل كان ليُظلم الشّعب الفقير لو يكن من مُستَبدِّين؟!… هل كان ليوجد من فقر لو لم يكن من عبيدٍ للمال؟!… إلخ.
يقول الكتاب: ”كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ“ (رو 3: 10—12). هذا هو واقع البشريّة اليوم. لذلك، ”الخلاص بالإنسان باطل“ (مز 59 (60): 11). وما هو الخلاص سوى الخليقة الجديدة الّتي بالمسيح يسوع (راجع: 2 كو 5: 17 وغل 6: 15).
لا خوف في الإيمان بالمسيح، لأنّ ”الله محبَّة“ (1 يو: 4: 8 و16) ومن فدانا بدمه على الصّليب لن يتركنا نتخبَّط في أمواج هذا العالم إذ هو الوحيد القادر على أن يعطينا السّلام والرّاحة والأمان. وبه علينا أن نكون بعضنا لبعض موانئ سلام واستقرار، حتّى نكون معًا للعالم أرضًا جديدةً يتجلَّى فيها حضور السّماء بالرَّحمة والعدل والانصاف للمسكين والبائس واليتيم والأرملة وكلّ ذي حاجة.
مسؤوليّتنا، كمؤمنين، هي أن نغيَّر العالم بقوّة وحضور الَّذي افتدانا بدمه الكريم على الصّليب. هذا هو بالحقيقة امتحان إيماننا في هذا العالم…
* * *
أيُّها الأحبَّاء، الإيمان ليس مسألة شخصيّة تتعلَّق بالإنسان وحده، لأنّ لا أحد يخلص وحده إذ الكلّ مرتبط بالكلّ. وإلّا فما معنى قولة الرّسول بولس: ”اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ“ (غل 6: 2)؟!… من يؤمن بالمسيح يهتمّ بخلاص العالم كلّه لأنَّ معلّمه وربّه قد أتى لخلاص كلّ العالم!… (راجع مر 16: 15 ويو 1: 9 و4: 42 و12: 47 إلخ.).
إنّ امتحان إيماننا ليس بمدى صبرنا في المِحَن وعليها في انتظار خلاص الله، ولكن بالأحرى هو في مدى مساهمتنا في حمل نور الحقّ والشّهادة له بإزاء الظّلم والكذب والمُمالقة والمُحاباة وفي العمل لأجل الإنصاف والعدالة والمساواة. هذا هو الفرح الَّذي نجتنيه بنعمة الله في عمل الصَّبر الَّذي يكون كاملًا إذا انطلق من محبة الله ومحبّة القريب بالثَّبات في الإيمان دون تقلقل أو تشكيك لأنّ الله أمين أن يمنحنا الغلبة بابنه الوحيد.
لا إيمان بدون صبر ولا صبر بدون رجاء ولا رجاء بدون تحقيق لأنّ كلمة الله صادقة. بهذا الصبّر نعيش الإيمان الحقّ النّقيّ الَّذي هو: ”افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ“ (يع 1: 27) …
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما