نشرة كنيستي- الأحد (25) بعد العنصرة- العدد 49
04 كانون الأوّل 2022
كلمة الرَّاعي
أيقونة الأسقف: القدّيس نيقولاوس العجائبيّ
“لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ
إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا” (1 بط 2: 25)
ولد القدّيس نيقولاوس في باتارا، من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبيّ الغربيّ من آسيا الصُّغرى، في النّصف الثّاني من القرن الثّالث للميلاد. تسقّف على ميرا، في آسيا الصُّغرى أو كما تعرف اليوم برّ الأناضول، وهي “دمري” الحاليّة. المسلمون جعلوا له عند الكنيسة الّتي قيل أن القدّيس كان يقيم الذَّبيحة الإلهيّة فيها تمثالًا لمن أسموه ”NOEL BABA“.
اضطُهدَ القدّيس نيقولاوس أيّام ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس، واشترك في المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية سنة 325 م. ويقال أنّه لطم آريوس لمّا تفوّه بالهرطقة. رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرّابع الميلاديّ. سرق رفاته قراصنة من باري الإيطاليّة عام 1087 م. وذهبوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم، حيث ما زال سائل طيِّب الرّائحة يفيض من رفاته. تعيّد له الكنيسة المقدّسة في السّادس مِن كانون الأوّل.
* * *
نيقولاوس كان راعيًا وأسقفًا بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنّه كان يقود النّفوس إلى المسيح بمثاله وأعماله وتعليمه. كان رجل وَداعة وتواضع ورجل حزمٍ وأمانة للرّبّ، وفي هذا الإطار يقول عنه القدّيس ميثوديوس أنّه بسبب تعاليم القدّيس نيقولاوس كان كرسي ميرا هو الوحيد الَّذي لم يتأثّر ببدعة آريوس. هذا فَضْلُ ربّه عليه بالنّعمة الإلهيّة الّتي استنزلها القدّيس كونه إنسانَ صلاة. عُرف عنه، أيضًا، أنّه رجل رأفة وإحسان وعدالة. هكذا أعان بكلّ خفرٍ رجلًا على الحفاظ على بناته الثّلاث وأمّن له ما يزوّحهن به دون أن يعرف الرّجل هذا المُعطي السّخيّ والخفيّ. كما أنقذ ثلاثة ضبّاط من موت محتّم بظهوره على الملك في الحلم. هذه الصِّفات كلّها نستقرئُها في سيرة حياته.
كان يحبّ الرَّبّ فوق كلّ أحد وقبل كلّ أحد، وهو قد ترك كلّ شيء وتبع المعلّم، لذلك أجزل الرّبّ عليه النِّعَم مئة ضعف، فكانت عجائبه فائضة في حياته وبعد رقاده.
* * *
القدّيس نيقولاوس العجائبيّ هو أيقونة الأسقف الّذي على صورة المعلّم رئيس كهنة الخيرات العتيدة (راجع عبرانيين 9: 11). لقد كان صاحب ضمير طاهر من الأعمال الميتة (راجع عب 9: 14) أي كلّ ما يمتّ إلى الأعمال الّتي بالنّاموس لأنّه سلك بنّعمة الله صانعًا أعمال الرّحمة في خدمة المسيح ومعلِّمًا حُسنَ العبادة في استقامة الإيمان.
كان القدّيس نيقولاوس راعيًا بكلّ ما للكلمة من معنى، فحفظ الإيمان وأظهره في حياته بأفعال الحقّ، وكان صورة عن الرّبّ الوديع والمتواضع القلب فصار مصدر راحة وسلام لمن حوله والَّذين يطلبون شفاعته، ونموذجًا للإمساك عن الأهواء والمتطهِّر بتحرُّره من كلّ تعلُّقٍ وقنية.
هذه الصّفات أو الفضائل جعلت صيته يمتدّ بعيدًا في حياته وأكثر بعد رقاده، حتّى لا تجد بقعة في المسكونة لم تسمع عنه أو لا تعرفه أو تطلب شفاعته. تواضعه الكبير جعل الرّبّ يرفعه ومسكنته وفقره جعلاه يغني كثيرين (راجع 2 كورنثوس 6: 10).
* * *
الأسقف صورة عن معلّمه وسيّده، والمعلّم والسّيّد واحد وهو المسيح (راجع متّى 23: 8). هكذا كان القدّيس نيقولاوس، هكذا يجب أن يقتدي الأسقف بالمسيح. صفات القدّيس نيقولاوس وفضائله ليست أمرًا خرافيًّا أو من صنع الخيال الدّينيّ، بل هي حقيقة راسخة. الأسقف يجب أن يقتني هذه الفضائل الّتي تحلّى بها قدّيسنا، لأنّ الأسقف يجب أن يكون حافظًا استقامة الإيمان وقادرًا على عيش المحبّة الإلهيّة بكلّ ابعادها، نحو الله، نحو نفسه، نحو الآَخَر ونحو الخليقة كلّها.
الأسقف يجب أن يكون حاملًا أبوّة الله الآب كما كشفها القدّيس نيقولاوس نحو رعيّته، لأنّ الرّاعي هو المسيح والخروف هو المسيح في وجه كلّ إنسان. أبوّة القدّيس نيقولاوس هي ما جعلته محبوبًا في كلّ أصقاع الأرض، وأبوّة الأسقف هي تقديمه حياته لكلّ خراف المسيح النّاطقة بدون تمييز بين واحد وآخَر إلّا بمقدار حاجته للعناية في محبّة واحدة هي محبّة المسيح لأبنائه.
المسيح هو راعي نفوسنا وأسقفها، هو المدافع عنها تجاه الذّئاب الخاطفة والحامي لها من هجمات العدوّ والمنقذ من فخاخ إبليس. كلّما التصق الأسقف بالرّبّ كلّما صار راعيًا وأبًا أي أنّه يحيا بروح الآب الَّذي بالابن يأتي على طالبيه ليُجدِّد حياتهم وينتشلهم من يأس عدم المحبّة ويعزّيهم بأبوّته…
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما