نشرة كنيستي- الأحد بعد عيد رفع الصَّليب– العدد 37
الأحد 15 أيلول 2024
كلمة الرّاعي
أيضًا وأيضًا في الصّليب
“مع المسيحِ صُلِبْتُ فأَحْيَا لا أنا بل المسيحُ يحيَا فيَّ” (غلاطية 2: 20)
غاية صليب المسيح هي أن يحيا الرَّبُّ نفسه فينا… هو أتى وتنازل و”أخلى ذاته” (راجع: فيليبي 2: 5 – 12) وسكن في ما بيننا، كإنسان مثلنا، حاملًا إيّانا في ذاته ليهبنا، بصليبه، أن نحمله في ذواتنا إذا قبلناه!…
كيف نعبّر للرَّبِّ عن قبولنا له سيِّدًا على حياتنا ومخلِّصًا لنا؟!… حين نختار أن نتبعه حاملين صليب عاره، أي حين لا نخجل أو نَجْبُن من صنع مشيئته الّتي يظنّها أهل العالم “ضعفًا”، لأنّ قوّة الله “في الضعف تُكمَل” (2كورنثوس 12: 9).
وما هي مشيئة الله يا ترى؟ إنّها قداستنا بواسطة عيش سرِّ المحبّة. المحبّة هي الصَّليب، لأنّ الإنسان منّا يبحث دائمًا عن أسباب خارجيّة لكي يرفض الآخَر ويحكم عليه ويبرِّر ذاته… دائمًا، الآخَر هو المخطئ والمُذنِب… طالما أنا لا أرى خطيئتي وضعفي فأنا لا أريد أن أحمل صليب المسيح، بل بالأحرى أريد أن أضع نيرًا على الآخرين وأحمّلهم صليب أنانيّتي وكبريائي وخطاياي.
* * *
كيف نُصلب مع المسيح أو كيف نشارك المسيح صليبه؟!… حين نماثله في الطّاعة الكاملة لله الآب، بإسلامنا “ذواتنا وبعضنا بعضًا وحياتنا كلّها للمسيح الإله”. الإنسان المسيحيّ يسعى باستمرار وعلى الدّوام لإرضاء الله لأنّه يحبّه، ومن يحبّ الله يكشف الرَّبُّ له ذاته ومشيئته لأنّه يحفظ الوصايا. من هنا، الصّليب عثرة للّذين يظنّونه أداة لإتمام مشيئاتهم وجهالة لمن يعتقدون بأنّهم حكماء في استخدامه لتدبير مصالحهم وإثبات أفكارهم. الصّليب هو الحرّيّة الكاملة، إنّه موت فحياة لا بل حياة منبعثة من قلب الموت. حين يرى الإنسان ذاته ميتًا عن العالم فحينئذ يكون هذا الإنسان حيًّا بحياة الدّهر الآتي، أي هو لا يطلب ما لنفسه بل ما لله…
* * *
أيّها الأحبّاء، الصّليب للمسيحيّ هو ألم خلاصيّ ودواء للأمراض الرّوحيّة وقوّة الغلبة على الشّرّ الّذي يحاربنا في ذواتنا وفي الآخَرين، لأنّه اعتراف بضعفنا وانسحاق أمام الله وانفتاح كلّيّ على الجمال الإلهيّ الّذي في أعماق قلوبنا وفي صورة الله الّتي في الآخَر، هذا الجمال المحجوب بكثافة أهوائنا والمكشوف بصليب توبتنا… الصّليب هو جسر عبورنا في هذا الدّهر من الأنا إلى الأنت، وهو الجسر الّذي يصل بين الأنا والأنت… بالنّسبة للمؤمن، لا صليب دون المسيح المسمّر عليه، لذلك، حين أَخْتَبِرُ صليبَ المسيح يصير هو فيَّ مصلوبًا وأنا فيه على الصّليب، وهكذا يصير موته حياتي وتصير حياته فيّ ثمرة موتي فيه عن العالم. هذه هي الخبرة الاسخاتولوجيّة أي خبرة حياة الدّهر الآتي (الملكوت) في هذا العالم، إنّها سرّ القيامة في الموت وسرّ الرّاحة في الألم وسرّ الفرح في الحزن، لأنّه حين يُصلَب إنساننا العتيق بواسطة صليب الحبّ الإلهيّ فحينها نكون قد وَلَجْنَا سرَّ خبرة الحياة الأبديّة منذ الآن في المسيح وبه ومعه…
ومن استطاع ان يقبل فليقبل!…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما