Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (8) بعد العنصرة- العدد 33

18 آب 2024

كلمة الرّاعي

أعمال الله

“مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ” (مزمور 104: 24)

في ظلِّ بَشاعة شرّ الإنسان في هذا العالم، تنتصب الطّبيعة ويظهر الكَوْن كمَطَلَّين لعظمة الخالق وجماله وحكمته ومحبّته لخليقته. لم يُوجِدِ اللهُ براياه إلَّا للخير والصَّلاح أي للحياة، الموت أدخَلَه الإنسان إلى الوجود بسبب كبريائه. “هَلْ يُحْسَبُ الْجَابِلُ كَالطِّينِ، حَتَّى يَقُولُ الْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: ’لَمْ يَصْنَعْنِي‘. أَوْ تَقُولُ الْجُبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: ’لَمْ يَفْهَمْ؟‘” (إشعياء 29: 16). هنا تكمن مشكلة البشريّة مع الله، هذه مأساة كبرياء الإنسان. والكبرياء هو مولِّدُ الشَّرّ ومانعُ التّوبة وحاجزُ العداوة بين البشر أنفسهم وبينهم وبين الله. التّحدّي الّذي يواجهه المؤمن في كلّ حين هو بين أنْ يصنع أعمال الله أو أعمال إبليس… “مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ” (1 يوحنا 3: 8). مَنْ هو مع الله ينقض أعمال الشَّيطان أي يصنع ضدّها، لأنّ الحرب قائمة في الإنسان وفي العالم بين أبناء الله والمعانِد وزبانيّته.

* * *

حين سُئِلَ الرَّبّ يسوع من اليهود: “مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟” (يوحنا 6: 28) أجابهم: “هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذي هُوَ أَرْسَلَهُ” (يوحنا 6: 29). عمل الله، إذن، هو طاعة يسوع لأنّ الإيمان به يعني السُّلوك بحسب وصاياه. وصايا يسوع هي وصايا الله نفسه لأنّه هو الله… وما هي وصيّة يسوع يا ترى؟ “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا” (يوحنا 13: 34). كيف نترجم هذه المحبّة؟ بأعمال المحبّة الَّتي هي بذل الذَّات لأجل الله والآخَر دون قيود أو شروط ودون مِنَّة على أحد، بل بالشّكر لله الَّذي أعطانا أن نخدمه في الإنسان والكَوْن. أساس عمل المحبّة هذا هو قول الرَّبّ: “مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا” (لوقا 17: 10). فمتى عملنا وصيّة الله، نكون قد صنعنا عمل الله، وإذا صنعنا ما طلبه منّا الرَّبّ فلا فضل لنا في شيء، بل بالأحرى علينا أن نتواضع عالِمِينَ أنَّ عمل الله لا يكتمل بدون نعمته، فإذا لم تكن نعمته معنا فلن نستطيع أن نتمّم مشيئته، لأنّه هو قال: “بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يوحنا 15: 5).

* * *

أيُّها الأحبّاء، العالم يتخبَّط في صراع كيانيّ بين النّور والظّلمة بين الحقّ والباطل بين الخير والشَّرّ بين أبناء الله وأبناء إبليس. هذه الحرب نهايتها معروفة ومحسومة، لأنّ الله يغلب، ولكنّ غلبة الله يجب أن تصير أوّلًا فينا في عالمنا الدّاخليّ لتنتقل إلى العالم الخارجيّ. نحن المؤمنين غلبة الله في العالم، لأنّنا نحقِّق ملكوته أي سيادته فينا، ومن خلالنا تصير هذه الغلبة ظاهرة جليَّة حيث يشعُّ نور ألوهيّته منّا ليُنير ظلمة أبناء هذا الدّهر. فلنصنع أعمال الله في قلوبنا، أوَّلًا، أي فلتسكن كلمته في كياننا خبزًا يُشبِع توقنا إلى الحياة الأبديّة وماءً حيًّا يفيض جداول تعزية على العِطاشِ إلى البِرِّ. كم نحن بحاجة إلى من يصنعون أعمال الله في هذه الأيَّام، لأنّ بلادنا لن تقوم من خرابها المادّيّ ما لم يقم شعبها ومسؤولوها من خرابهم الرّوحيّ، “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رومية 3: 23). بداية الطّريق ومنتصفه ونهايته هي التّوبة. بدون توبة لا خلاص، ومن لا يتوب لا يمكنه أن يصنع مشيئة الله القائل: “تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ” (متّى 3: 2). العالم بحاجة إلى التّوبة ليخلَّص من الشّرّ والظّلم والحقد والقتل والتَّدمير والفساد والسّرقة والحسد والكبرياء والزِّنى وعبادة المال والسُّلطة…

عمل الله أن نتوب!…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع!…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة