نشرة كنيستي- أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس- العدد 12
20 آذار 2022
كلمة الرَّاعي
أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس
القدّيس غريغوريوس بالالماس أعاد تأوين الإيمان في القرن الرّابع عشر وأوضح وأكّد ما قد سبق الآباء الّذين قبله أن أعلنوه وعلّموه بما يختصّبالتّمييز بين الجوهر الإلهيّ والقِوى غير المخلوقة الصّادرة عنه سرمديًّا وعدم انفصالهما في آن معًا، وإمكانيّة اشتراك الإنسان في القوى الإلهيّة غير المخلوقة ليصير شريكًا في الطّبيعة الإلهيّة (راجع ٢ بط١ : ٤).
تعليمه في هذا المجال ثبّته المَجمعان المُنعقِدان في القسطنطينيّة في حزيران وآب سنة 1341 وتمّوز سنة 1351 إذأقرَّا بأنّ ما خبره غريغوريوس والرّهبان وما قاله وكتب عنه، في شأن المعاينة الإلهيّة، هو ما خبرته وتختبره الكنيسة الجامعة منذ البدء وهو تعليم آبائها، بلا منازع، جيلًا بعد جيل.
كان برلعام فيلسوفًا إنسانيّ النّزعة أصرّ على أنّ اكتساب معرفة الله هو نتاج العمليّات العقليّة. لقد اعتبر أنّ الفلاسفة أعلى من الأنبياء، وبالتّالي كان لاهوته ذهنيًّا، عقليًّا، حدسيًّا، تجريديًّا تمامًا. هذا كان المنحى العقلانيّ (rationnel) للفكر اللّاهوتيّ الغربيّ والّذي تأثّر به بعض المُفكّرين في زمن القدّيس بالاماس، حاربه قدّيسنا وما زالت تحاربه الكنيسة إلى اليوم لأنّه يُنكر تأليه طبيعتنا واتّحادنا بالله الكامل من خلال القوى الإلهيّة غير المخلوقة.
* * *
لطالما علّمت الكنيسة المقدّسة بأنّ التّقديس هو من فعل النّعمة الإلهيّة وأنّ علم اللّاهوت هو خبرة سرّ الصّلاة، كما يقول إفاغريوس البنطيّ: “اللّاهوتيّ هو الّذي يصلّي”. تاليًا، ليست معرفة الله مسألة فكريّة علميّة بل هي خبرة الوَحدة مع الخالق في سرّ النّعمة…
في هذا الإطار، يؤكد القدّيس بالاماس أنّ علم اللّاهوت النَّقيّ ليس موهبة طبيعيّة ولكنّه عَطيّة النّعمة الإلهيّة. على سبيل المثال، اللّذّة الجنسيّة في الزّواج المبارك من الكنيسة لا يمكن تسميتها “عَطيّة إلهيّة” على الرُّغم من أنّ الله هو الّذي خلق هذه الطّبيعة، “لأنّها عَطيّة جسديّة طبيعيّة، وليست عَطيّة للنّعمة”. هكذا، المعرفة المتأتّية من الدّراسة العالميّة، حتّى لو استعملها الإنسان للخير،تبقى “عَطيّةطبيعيّة وليست عَطيّة من النّعمة”. نفس الأمر ينطبق على الفلسفة الّتي هي عَطيّةطبيعيّة وليست عَطيّة للنِّعمة، يكتسبها الإنسان بالدّراسة والقراءة. أمّا “الحكمةالإلهيّة” فهي ليست عَطيّةطبيعيّة، بل عَطيّة يمنحها الله للَّذين ينقّون قلوبهم.
* * *
الرّبّ يريد أن يهبنا ذاته بعدما كشف لنا حبّه اللّامتناهي على الصّليب. غاية التّجسّد هي اشتراكنا في حياة الله. هذا أُعطيَ لنا في المسيح حين نصير أعضاء في جسده بالمعموديّة المُقَدَّسة ونأخذ نعمة روحه القدُّوسبالمَيْرُون المقدّس ونغتذي بطعام الملكوت في المناولة الإلهيّة. المخلّع في إنجيل اليوم أحضره الّذين نقبوا السّقف ليُشفى من مرض جسده، لكنّ المفاجأة أنّ الرّبّ يسوع غفر له خطاياه أي وهبه نعمة الولادة الجديدة بالرّوح الّتي هي حياة جديدة وفرصة جديدة لبداية جديدة في نقاوة القلب. لكن قساوة القلب لا تستطيع أن تفهم المغفرة والتّحرُّر بل تطلب ما يُرضي العقل ويقنع الحواس، لذلك استهجن الفَريسيّون غفران الخطايا وتعجّبوا من شفاء الجسد.
* * *
أيّها الأحبّاء، العقلانيّة أسيرة المحدوديّة لأنّ المنطق محكوم بالمَخلوق والمَنظور والمَلموس ولو كان مجرّدًا، أمّا الخبرة الرّوحيَّة فهي سرّاللّامعقول واللّامحدود لأنّها من عمل النّعمة الإلهيّة غير المخلوقة. ليس ما يعطينا إيّاه الله من هذا الدّهر أي من العطايا الطبيعيّة بل هو من الرّوح القدس أي ممّا هو فوق طبيعتنا ومنطقنا ومحدوديّتنا، لأنّ غير المخلوق يريد أن يشركنا في لانهائيّته عبر اتّحادنا بابنه في سرّ الكنيسة جسد المسيح ليُدخلنا في سرّ تجلّيه على ثابور أي في نوره السّرمديّ وحياته الأبديّة حيث “يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ” (مت١٣: ٤٣)…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما