نشرة كنيستي- الأحد (1) من الصّوم (الأرثوذكسيّة)- العدد 11
13 آذار 2022
كلمة الرَّاعي
أحد استقامة الرّأي
“لصورتك الطّاهرة نسجد أيُّها الصَّالِح مستَمِدِّين غفران الخطايا…”
استقامة الإيمان حجر الأساس لحياتنا. بدون إيمانٍ قَوِيمٍ وواضح وصريح بالتَّجسُّد الإلهيّ لا يوجد مسيحيّة. هذا هو أساس إيماننا. انطلاقًا من سرّ تجسّد ابن الله الوحيد من الرُّوح القُدُس ومِنْ مَريم العذراء نتعاطى سرّ الإنسان والوجود. لولا التّجسّد لما عرفنا الله ثالوثًا ومحبّة وشركة حبّ إلهيّ. شركتنا مع الله أو بالأحرى وَحدتنا معه تحقّقت في يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
* * *
العقيدة الإيمانيّة لا تنفصل عن الحياة، أي ما أؤمن به يُحدّد طريق حياتي وهدفها. من هنا نقول إن كانابن الله الوحيد لم يتجسّد ولم يتّخذ إنسانيّتي فأنا ما زلت عبدًا للخطيئة ومَحْكُومًا بالموت الأبديّأي لا يوجد قيامةولا غلبة على الموت الرُّوحيّ والجسديّ، أي أنّ مأساة البشريّة مستمرّة ولا حلّ لها…
إيماني بالتّجسّد وما استتبعه من أعمال أتمّها الرّبّ يسوع المسيح، مرورًا بصلبه وقيامته وصعوده وإرساله الرُّوح المعزّي ومجيئه الثّاني المَجيد، هذا الإيمان يقودني في المسيح بنعمة الرُّوح القدس إلى تحقيق إنسانيّتي أي تألّهي. معنى التّجسّد هو تألّه الإنسان في المسيح أي مشاركة الإنسان حياة الله في المسيح أي في جسده الكنيسة بنعمة الرُّوح الإلهيّ الواحد المنبثق من الآب والمستقرّ في الابن.
* * *
أيّها الأحبّاء، وضعت الكنيسة المقدسة هذا الأحد اوّلًا في مسيرتنا الصياميّة لكيتشدّدنا في الطريق وتحثّنا على الحفاظ على استقامة إيماننا لكي لا تضيع جهودنا ومجاهداتنا في سبيل القداسة، لأنّنا إن ابتعدنا عن الطّريق القويم نخسر خلاصنا. لذلك تورد لنا الكنيسة في السنوذيكون الّذي يقرا في هذا الأحد نماذج القديسين الّذين حافظوا على الإيمان فصاروا أيقونات تشعّ بمجد المسيح الإله، كما تورد لنا نماذج المهرطقين الّذين ابتعدوا عن الإيمان الحقّ وحاربوه فخسروا خلاصهم.
الإله المتجسّد شاركنا إنسانيّتنا فصام أربعين ليلة ليكون لنا مثالًا إذ هو الطَّريق وهو الحقّ وغلب تجارب إبليس الثّلاث الّتي يستعبد بها الإنسان: الحاجة أو شهوة الجسد (من طعام وشراب وملذّات …)، التّشكيك بمحبّة الله وعنايته والكبرياء والسُّلطة.
الطَّريق القويم للغلبة الّذي كشفه لنا يسوع هو أنّ على الإنسان أنْ يصوم ويُصَلّي ليتعلّم ويختبر:
- أنّ الله هو حياته من خلال عيشه لكلمة الله كالغذاءأو الخبز الجوهريّ أي الّذي لا يستطيع أن يحيا بدونه؛
- أنّ الإيمان بالله هو ثقة مُطْلَقَة به وتسليم الحياة كلّها له، وبالتّالي هو مَبنيّ على الطّاعة لله وعدم السُّلوك في الطُّرُق الّتي يُدخِل الإنسان فيها نفسه في تجارب مَنْبَعها كبرياء الإنسان الخفيّالّذي قد يظهر أحيانًا بمظهر الإيمان الكبير ممّا يؤدّي إلى دمار شامل للإنسان؛
- أنّ الغلبة الأخيرة على الشّرّير لا تصير بدون اقتناء التَّواضع وتمجيد الله أي اعتراف الإنسان بأنّ الله هو وحدهالكُلِّيّ القدرة وأنّ الالوهة والعبادة هي له فقط، وبالتّالي على الإنسان أن يتحرّر بطاعته لله من خدعة تأليه ذاته بما يملك من سلطةٍ وأموال ومَجْدٍبشريّ.
طريقنا المُمَجَّد هو والقويم نحو تحقيق إنسانيّنا أي تألُّهنا هو اتّباع يسوع والاتِّحاد به من خلال الأسرار المُقَدَّسة والصَّلاة والصَّوم والعطاء بفرح لمجد الرَّبّ. هكذا نصير أيقونات ليسوع المسيح أي حاملين روحه وسالمين في الشّهادة لحبّه ومحتمِّلين كلّ شيء لنكون أمناء له.
من استطاع أن يقبل فليقبل…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما