Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 28 آب 2022          

العدد 35

الأحد (11) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 11

أعياد الأسبوع: *28: البارّ موسى الحَبَشيّ *29: قطع رأس يوحنّا المعمدان (صوم) *30: القدِّيسون ألكسندروس ويوحنّا وبولس الجديد بطاركة القسطنطينيّة *31: تذكار وضع زنّار والدة الإله *1: ابتداء السّنة الكنسيّة، البارّ سمعان العاموديّ، الصِّدِّيق يشوع بن نون، الشَّهيد إيثالا *2: الشّهيد ماما، القدّيس يوحنّا الصّائم بطريرك القسطنطينيّة *3: الشَّهيد في الكهنة أنثيمس، البارّ ثاوكتيستوس، القدّيسة فيفي، نقل عظام القدّيس نكتاريوس.

كلمة الرّاعي 

الكاهن والرِّعاية

”إنَّ خاتَمَ رسالتي هوَ أنتمُ في الرَّبّ“ (1 كو 9: 2)

عند رسامة الكاهن يُسلّمه الأسقف الحَمَل ويقول له: ”احفظ هذه الوديعة إلى يوم مجيء الرّبّ لأنّك مزمع أن تُسأل عنها“. جسد المسيح الَّذي هو الكنيسة-الرّعيّة، أي الخراف النّاطقة الّتي للمسيح، توضع أمانة بين يدَي الكاهن. هم ليسوا له، إنّهم للمسيح. وختم رسالة الكاهن هو الرَّعيَّة الّتي سيُسأل عن نفوس أعضائها في يوم الدَّينونة، هل خسر منهم أحدًا، هل أَعْثَرَ أحدًا، هل أَذى أحدًا، هل كان أبًا لهم؟ هل عرّفهم الحقّ وشهد له بينهم؟ هل انتشلهم من الضّلال وكان لهم قدوة؟.

الكاهن ليس لنفسه هو للمسيح والمسيح لله. لذلك، على الكاهن أن يقدّم لله حسابًا منذ الآن عن عمله وعن خدمته للرَّعيّة. الكاهن ليس أجيرًا عند الله بل هو امتداد المسيح في الرَّعيَّة، عليه أن يكون ابنًا للعليّ حاملًا صفات معلّمه ولا فكر له إلّا ”فكر المسيح“.

الكاهن وعائلته يجب أن يكونوا مثالًا يُحتذى في الإيمان والتّقوى والصّلاة والصّوم والخدمة والاتّضاع. ليس الكاهن زعيمًا ولا رئيسًا إنّه غاسل أرجل الرّعيّة على مثال سيّده الّذي غسل أرجل تلاميذه وبهذا يصير له مرِشدًا في طريق  الملكوت.

*          *          *

الكاهن يجب أن يكون حاضرًا دومًا لخدمة أبناء رعيّته لأنّه يخدم المسيح فيهم، ولذا لا يحقّ له أن يتخاذل أو يتهاون بالخدمة من كلّ النَّواحي اللّيتورجيّة والرِّعائيّة والقانونيّة. يجب أن يكون منزَّهًا عن محبّة المال وطلبه، لأنَّ الرّبّ الّذي قال ”اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ“ (مت 6: 33) هو أمين أن يكفيه.

مع كلّ هذا، كما يرعى الرّاعي الرّعيّة على الرّعيّة أن ترعاه. لذلك، يقول الرَّسول بولس لأهل كورنثوس:

”إن كُنَّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الرُّوحيَّاتِ أفيكونُ عَظيمًا أن نحصُدَ مِنكُمُ الجسديَّات“ (1كو 9: 11). يتحدّث هنا عن معيشة خدّام الكلمة مؤكِّدًا بأنّ مسؤوليّة المؤمنين أن يؤمّنوا لهم ما يحتاجونه لحياتهم إذ لا يجوز أنّ من يخدم المذبح، أي يقيم أسرار النّعمة لخلاص النّفوس، يكون في العوز أو الحاجة إلى المادّيّات. من هنا، يجب التّكامل في خدمة المحبّة كلّ بحسب دوره وموهبته ومسؤوليّته. فهل من سيُسأل عن خلاص نفسك ويحاسب عليها أمام الرّبّ لا يستحقّ أن تُقدِّم له ما يحتاجه من المادّيّات ليعيش بكرامة أبناء الله؟!...

*          *          *

لا شكّ أن من ”مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ“ (2 كو 9: 6) أكان كاهنًا أم علمانيًّا. زرع الكاهن هو المؤمنين الَّذين يجب أن يثمروا حياة قداسة وفضيلة. عندما يكون الكاهن حُرًّا في الحقّ الَّذي بالمسيح لا يمكنه إلّا أن يزرع بالبركات. زرع الكاهن هو الوعظ بكلمة الله وليس بكلمته، وافتقاد المرضى والضعفاء، أن يكون سندًا للمضنوكين وعضدًا للضُّعفاء وتعزية للحزانى، لسان حاله قول الرَّسول بولس: ”مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟“ (2 كو 11: 29). الكاهن أبٌ بكلّ ما للكلمة من معنى، ولذا عليه أن يعرف خراف رعيّة المسيح بأسمائها.

هذا كلّه يعني أنّ الكاهن يعيش مصلوبيّة الحبّ الإلهيّ في هذا العالم من خلال خدمته في الاتّضاع والوداعة بحزم وقطع. لا يستطيع الكاهن أن يساير النّاس على حساب حقّ المسيح وقوانين الكنيسة المقدَّسة، واجبه أن يعلّمهم هذا كلّه وإلّا يكون مقصِّرًا بالمحبّة تجاههم ومستوجبًا الحكم أمام الله لأنّه يستهين بالمُقَدَّسات.

لا مساومة في حياة الكاهن وسيرته. طبعًا، كلّنا بشر تحت ضعف الطّبيعة، لكنّ طريق الإصلاح والمصالحة مُعطًى لنا في المسيح وهو سرّ التّوبة والاعتراف. كيف للكاهن أن يعلّم النّاس التّوبة إن لم يتب. كيف له أن يعلّمهم الاتّضاع وإصلاح السّيرة إن لم يعترف بخطاياه ويسترشد عند أب روحيّ؟!... الكاهن ليس كاملًا، فقط المسيح كامل، لذلك لا بدّ له من سلوك درب التّوبة والاعتراف ليكون قدوة للرَّعيّة.

يكون مقصِّرًا الكاهن الَّذي لا يفحص ضميره بإزاء عظمة سرّ الكهنوت وذبيحة المسيح على الصّليب وواقع خدمته كخادم لأسرار الله الخلاصيّة، لأنّ المراجعة الذاتيّة بإزاء متطلّبات الخدمة والسّرّ من شأنها أن تشحذ همّة الكاهن وتعيد إلى قلبه مخافة الله وخبرة نعمته الإلهيّة المُعزِّية، ممّا يمنحه انطلاقات جديدة متجدِّدة بالرّوح والحقّ في خدمة الرّبّ باستقامة القلب ونقاوته بنار الحبّ الإلهيّ المطهِّرة.

الكاهن يجب أن يكون على صورة السّيّد المسيح، وكما يطيع المسيح الآب يطيع الكاهن المسيح، هو إذن نبيّ الله ورسوله إلى الخراف النّاطقة...

ليرحمنا الرّبّ ويمنحنا أن نكون خدّامًا على قلبه...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

قنداق ميلاد السَّيِّدَة (باللَّحن الرَّابِع)

إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ قد أُطْلِقَا من عارِ ﭐلعُقْر، وآدمَ وحوَّاءَ قد أُعْتِقَا من فسادِ ﭐلموت، بمولِدِكِ ﭐلمُقَدَّس أيَّتها الطَّاهِرَة، فله أيضًا يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات، صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمُغَذِّيَة حياتَنَا.

الرّسالة(1 كو 9: 2-12)

قُوَّتي وتَسْبِحَتي الرَّبُّ

أدبًا أدَّبَني الرَّبُّ

يا إخوةُ، إنَّ خاتَمَ رسالتي هوَ أنتمُ في الرَّبّ. وهذا هو احتجاجي عندَ الَّذينَ يفحصونَني. ألَعَلَّنا لا سلطانَ لنا أن نأكلَ ونَشَرب. ألَعَلَّنا لا سُلطانَ لنا أن نجولَ بامرأةٍ أختٍ كسائر الرُّسُلِ وإخوةِ الرَّبِّ وصَفَا. أم أنا وبَرنابا وحدَنا لا سلطانَ لنا أنْ لا نشتَغِلِ. مَن يتجنَّدُ قطُّ والنَّفَقةُ على نَفسِه؟ مَن يغرِسُ كرمًا ولا يأكلُ مِنْ ثَمَرهِ؟ أو مَن يرعى قطيعًا ولا يأكُلُ من لَبَن القطيع؟ ألَعَلِّي أتكلَّم بهذا بحسبِ البشريَّة، أم ليسَ النَّاموس أيضًا يقولُ هذا. فإنّهُ قد كُتبَ في ناموسِ موسى: "لا تَكُمَّ ثَوْرًا دارسًا". ألَعَلَّ اللهَ تَهمُّهُ الثِّيران، أم قالَ ذلك من أجلِنا، لا مَحالة، بل إنَّما كُتِبَ من أجلنا. لأنَّه ينبغي للحارثِ أن يحرُثَ على الرَّجاءِ، وللدَّارسِ على الرَّجاءِ أن يكونَ شريكًا في الرَّجاءِ. إن كُنَّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الرُّوحيَّاتِ أفيكونُ عَظيمًا أن نحصُدَ مِنكُمُ الجسديَّات. إن كانَ آخَرونَ يشتركونَ في السُّلطان عليكم أفلَسنا نحنُ أَوْلى. لكنَّا أَوْلى. لكنَّا لم نستعملْ هذا السُّلطان، بل نحتَمِلُ كلَّ شيء لئلَّا نُسبِّبَ تَعْويقًا ما لِبشارةِ المسيح.

الإنجيل (متّى 18: 23-35)(متّى 11)

قال الرَّبُّ هذا المثَل: يُشبِه ملكوتُ السَّماوات إنسانًا مَلِكًا أرادَ أن يُحاسِبَ عبيدَهُ. فلمَّا بدأ بالمُحاسَبَةِ اُحضِر إليهِ واحدٌ عليهِ عشَرَةُ آلافِ وزنةٍ. وإذْ لم يكنْ لهُ ما يوفي أَمَرَ سيّدُهُ أن يُباعَ هو وامرأتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفَى عنهُ. فخرَّ ذلكَ العبدُ ساجدًا لهُ قائلًا: تمهَّلْ عليَّ فأوفيَكَ كلَّ ما لَك. فَرَقَّ سيدُ ذلك العبدِ وأطلقَهُ وترك لهُ الدَّين. وبعدما خرج ذلك العبدُ وجَدَ عبدًا من رُفَقائهِ مديونًا لهُ بمئةِ دينارٍ، فأمسَكَهُ وأخذ يَخْنُقُه قائلًا: أوْفِني ما لي عليكَ. فخَرَّ ذلك العبدُ على قَدَميهِ وطلبَ إليهِ قائلًا: تمهَّلْ عليَّ فأوفيَكَ كلَّ ما لَك. فأَبَى ومَضَى وطَرَحهُ في السِّجنِ حتّى يُوفيَ الدَّيْن. فلمَّا رأى رُفقاؤُهُ ما كان حَزِنوا جدًّا وجاؤُوا فأعْلَموا سَيِّدَهم بكلِّ ما كان. حينئذٍ دَعاهُ سيِّدُهُ وقال لهُ: "أيُّها العبدُ الشّريرُ، كلُّ ما كان عليك تركتُهُ لك لأنّك طلبتَ إليَّ، أفمَا كان ينبغي لك أنْ ترحَمَ أنتَ أيضًا رفيقَك كما رحِمْتُك أنا". وغضِبَ سيّدُهُ ودفعهُ إلى المعذِّبينَ حتّى يُوفيَ جميعَ ما لهُ عليهِ. فهكذا أبي السَّماويُّ يصنعُ بكم إنْ لم تَتْركوا من قلوبِكم كلُّ واحدٍ لأخيهِ زلاَّتِهِ.

حول الإنجيل

أتى هذا المثل جوابًا على سؤال القدِّيس بطرس: "كم مَرَّة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له، هل إلى سبع مَرّات؟" أجابه الرَّبُّ يسوع "لا إلى سبع مرّات بل سبعين مرّة سبع مَرّات"، ثمّ قال له هذا المَثَل... أعطى الرَّبُّ بجوابه بُعدَين للمَغفِرَة، الأوّل حين قال له "سبعين مَرّة سبع مَرّات"، أي إنّ المغفرة ليس لها حدود أو قيود. فلا ينبغي للمغفرة  أن تُقيَّد بزَمَنٍ أو بِعَدَدٍ وليست مرتبطة بمن هو الآخر. فرقم سبعة هو رقم الكمال وحين يقول الرَّبُّ ٧٠×٧ وكأنّه يقول ليس بمقدورنا أن نكتفي بقدرٍ مُعيَّن من المغفرة بل إلى المغفرة اللَّامحدودة. وأمّا البُعد الثّاني للمَغفرة للآخر فهي مرتبطة بمغفرة الرَّبّ لخطايانا. فهل لنا أن نقارن بين ١٠٠٠٠ وزنة الَّتي ترمز إلى مقدار عظم خطايانا وبالتّالي لمِقدار عظمة مغفرة الرَّبّ ومحبَّته لنا، وبين ١٠٠ دينار الَّتي ترمز لمقدار خطايا الآخرين تجاهنا، وبالتّالي تُشيرُ إلى قِلَّة محبَّتنا وعدم قدرتنا على المغفرة للآخَرين. فشَتَّان بين رحمة الرَّبِّ علينا ورحمتنا تجاه بعضنا البعض، يقول داود النّبيّ في المزمور: "لأنّه بمقدار ارتفاع السَّماء عن الأرض وبُعْدِ المَشرق عن المَغْرِب عظم الرَّبُّ رحمته علينا". أمّا نحن فنبقى أسرى أنانيّتنا وأهوائنا وحقدنا وكراهيّتنا. في الصَّلاة الرَّبيّة يعلِّمُنا الرَّبُّ المَوضوع نفسه ويُظهِر ارتباط مغفرة الرَّبّ لخطايانا بقدرتنا على مغفرتنا لخطايا الآخرين.

نحن إذًا نصبح دَيّاني أنفسنا، نحكم على نفسنا بنفسنا. فلا نَلُومَنَّ الرَّبّ بعد في يوم الدّينونة العظيم، بل فلنتَعَلَّمنَّ المحبَّة والمغفرة لأنّ الرَّبّ يسوع أيضًا يقول لنا: "بحسب الكَيْل الَّذي تَكيلون به يُكال لكم". إذًا يا أحبَّة، علينا أن نكون رُحَماء تُجاه أنفسنا لأنَّنا سَنُحاكَم ونُدان بنفس المكيال الَّذي نستعمله للَّذين حَولنا. علينا أنْ لا نضع حَدًّا للمغفرة ولا للرَّحْمَة تجاه الآخَر عندها نَستَصدر لذواتنا برحمة الله صَكّ غفران لخطايانا الكثيرة والَّتي لا عَدَّ لها، آمين.

دَرَجات الحُبّ

"وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا اخْتَبَرْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي خَصَّنَا اللهُ بِها، وَوَضَعْنَا ثِقَتَنَا فِيهَا. إِنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ" (يو ٤:‏١٦). أمام هذه الآية نبدأ بالله المحبَّة ونَجِيء مِن تأمّلنا به ونحسّ أنّنا ننشأ خلقيًّا منه وأنّنا "به نحيا ونتحرَّك ونوجد" (أع 17: 28).  إذ كان كلّ بدءٍ في عملٍ وطاعةٍ وعلمٍ يبدأ من الله المحبَّة، فهذا ينعكس علينا حبًّا فيما بيننا "وَصِيَّتِي لَكُمْ هِيَ هذِهِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم" (يُوحَنَّا ١٥:‏١٢)، وإذا فهِمنا أنّنا "نَحْنُ نُحِبُّ، لأَنَّ اللهَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (يو ٤:‏١٩) فحديثنا عن درجات الحبّ الإلهيّ يبدأ من الله المحبَّة، لا مِنّا. لأنّ كلّ عملٍ صالحٍ هو مِن لَدُن أب الأنوار. من التزم كلام السَّيِّد عِلمًا وعَملًا في الكنيسة، يتدرّج في الحبّ الإلهيّ، من الكتاب المُقدَّس، إلى خبرة الآباء القدِّيسين، لجِهاده في حقل الفضائل  وخدمة الآخَر. هذا مَسار النُّموّ في الحُبّ الإلهيّ. هذا الحُبّ يتلازم والقداسة الَّتي تتطلّب اعترافًا وشهادةً.

في الاعتراف أوّلًا: "كلّ من يعترف بي قُدَّام النَّاس أعترِفُ أنا به قدّام أبي الَّذي في السَّماوات". نعيش في سرّ الشُّكر، على هذه العبارة "القُدُسات للقدِّيسين". نعترف بالمسيح إذا فهمنا أنّ هذه القدسات هي من القدّيسين أيضًا، الَّذين اعترفوا بالمسيح مُجاهدين ومبشّرين به في كلّ مكانٍ وزمانٍ وأمام كلّ الظُّروف. أنا أعترف به بالاتّكال والثِّقة والشُّكر، متّكلًا على صلاحه، واثقًا برحمته وشاكرًا على نِعَمِه.

في الشَّهادة، لأنّنا أثمن ما خلق، ألبَسَنا ثوبًا أبيض في سِرِّ المَعموديّة بنعمة الرُّوح القدس، وخَتَم قلوبنا ببياضٍ أنصع من الثَّلج، مانحًا إيّانا مجّانًا نِعَمِهِ الشّافية والمُكَمِّلة لنَقْصِنا، والمغنية لفقرنا، والظَّافرة لجهادنا. كيف نستحقّ حبّه إن لم نتحررّ من شهواتنا وسواد هذا العالم بيننا وبخاصّةٍ في هذه الأيَّام؟!... نحن اليوم في أجمل حقلٍ للقداسة، ونحن في صميم هذه الظُّروف القاسية نتقدّس، آباؤنا تقَدَّسُوا في السَّراديب والمَغاوِر والكهوف وتحت أسنان الوُحوش، اليوم حقلنا مُزْهِرٌ بالصُّعوبات، منه نلبس نظّارات الرَّجاء والشَّجاعة لنرى أنّها فرصتنا وربَّما تكون الأخيرة كي نتقدَّس. تدرّجنا في هذا الحبّ المجّانيّ، يتطلّب اعترافًا وشهادةً. المحبَّة تتلازم والقداسة.

صلاتنا والرَّجاء أنْ نفهم أنّنا أحبّاء الله، وأنّه تبنّانا، وهذا هو جوهر العلاقة بيننا وبينه باعتباره مُخَلِّصًا لنا، وداعِيًا إيّانا إلى القداسة، معنى حياتنا أنّ الله يَسكُن فيها ومن هنا نفهم تدرّجنا بالحُبِّ، مَجّانيّة حبّه هي مصدر ومرجع كلّ شيء فينا. الله حَيّ، ونحن قد اشترينا بثمن لنَسْتَريح ونفرح ونكون في حبّه الإلهيّ، أحرارًا لقداسة حقّه، وحنان حبّه في كلّ الكَوْن.

نَقِّ نِيّاتنا

الأرشمندريت الياس مرقص

نادرًا ما تَكونُ نِيّاتنا نَقِيّة كلَّ النَّقاء، فإنساننا العميق غالبًا ما يكون ذا مصلحةً وطالبًا منفعة، سِواء مادّيّة أو مَعنويّة.

"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكم إنّكم تطلبونني لا لأنّكم رأيتم آيات بل لأنّكم أكلتم من الخبز وشَبِعتُم" (يوحنّا ٦: ٢٦). فقَوْل يسوع: "الحَقَّ الحَقَّ أقول لكم" (وهي عبارة لا يقولها المسيح إلّا لتأكيد شيء أساس) يعني الكثير… يعني ربّما أنّ الإنسان في الأساس وربّما كيانيًّا (بعد سقوط آدم) غير صادق (إلَّا بِنِعْمَةِ الرَّبّ). وربّما ليس هناك إطلاقًا مِنْ عَمَلٍ مَجّانيّ أو فضيلة مجّانيّة.

إنَّ بُطرُسَ الرَّسول في رسالته الأولى الجامعة، عندما يذكر سلوانس، يكتب: "قد كتبتُ إليكم… على يد سلوانس الأخ الأمين (كما أظنّ)" (١ بطرس ٥: ١٢)… وكأنّه بقوله "كما أظنّ" يورِدُ الشَّكّ في أمانته أو على الأقلّ لا يبعد الشَّكّ في أمانته. وداوود النَّبيّ في مزاميره يقول أكثر مِنْ مَرّة: "ليس من يعمل صلاحًا، حتّى ولا واحد" (مزمور ١٣: ١)… ثمّ "كلّا ولا واحد" (مزمور ١٣: ٣). وذلك أيضًا في (المزمور ٥٢: ٣). ويقول أيضًا: "مَنْ ذا الَّذي يقدر على أنْ يتبَيَّن زَلّاتِهِ، نَقِّني من زَلّاتي الخَفِيَّة" (مزمور ١٨: ١٢).

ويجدر أن يوحي إلينا هذا بأنْ نتوب (عندما نتوب حقًّا) توبة عميقة، توبة كيانيّة (وإلَّا تكون توبتنا غير ذات مفعول لكَوْنِها غير صائبة)، طالبين أنْ يرحمَنَا الرَّبُّ في أعماق أعماقنا… وشاكرين له شكرًا عظيمًا نعمته ورحمته. آمين.

المرجع: مجلّة النُّور، العدد الثَّالث، ٢٠٠٥.

أنقر هنا لتحميل الملفّ