Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 27 آذار 2022                

العدد 13

أحد السّجود للصّليب 

اللّحن 7- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *27: الشّهيدة مطرونة التّسالونيكيّة، النّبي حنانيّا *28: البارّ إيلاريّون الجديد *29: مرقس أسقف أريثوسيون، كيرلُلس الشّماس والّذين معه *30: يوحنّا السُّلَّمي، النّبي يوئيل، آفڤولي والدة القدّيس بندلايمون *31: الشّهيد إيباتيوس أسقف غنغرة *1: المديح الرّابع، البارّة مريم المصرّية، الشّهداء يارونديوس وباسيليوس *2: البارّ تيطس العجائبيّ.

كلمة الرّاعي

ما بين البشارة—التّجسُّد

والسُّجود للصّليب المقدَّس

الزّمن يتَّخذ معناه في محتواه ومآله. أزمنة البشر، بعامّة، معظمها تعب وشقاء (راجع مز 89 (90): 10). ما قيمة حياة الإنسان إن لم يحقِّق ما وُجِدَ لأجله، إن لم يقتن الفرح الأبديّ والخلود؟!...

خسر الإنسان بعصيانه الله، أي بعبادته لذاته، خسر مصدر حياته الأبديّة، لأجل ماذا؟!... لأنّه صدَّق كذبة إبليس بأنّه قائم في ذاته وأنّ ما ينقصه ليصير مثل الله هو أن يعرف الخير والشّرّ (راجع تك 3: 1—5). مع ذلك، لم ينكر الرّبّ خليقته ويطردها من محبّته، بل وعد سريعًا أنّ نسل المرأة سيسحق رأس الحيَّة (راجع تك 3: 15).

خلال كلّ تاريخ الله مع البشريّة، كان يحضِّر ويهيِّئ مجيء ابنه من البتول القدّيسة مريم، بحسب ما تنبَّأ إشعياء حين قال: ”يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ“ (إش 7: 14).

في عيد بشارة والدة الإله تمّ تحقيق هذا الوعد وحضر الله بيننا ليسكن معنا وفينا...

*          *          *

حمل الله المذبوح منذ إنشاء العالم، هو نفسه ابن الله الوحيد المولود من الآب بغير أمّ ومن البتول بدون أب. هو الكائن والَّذي كان والَّذي يكون، هذا الخالق يتجسَّد، أي يتَّخذ جسدًا أي يصير إنسانًا بما للإنسان من صفات أي روح ونفس وجسد، وبما للإنسانيّة من قدرات وإرادة وأفعال صادرة عن المشيئة الإنسانيّة الطّبيعيّة. هو صار إنسانًا ليؤلِّهنا أي ليهبنا حياته وذاته بنعمته الإلهيّة الّتي فيها نشارك الله قواه غير المخلوقة.

التّجسُّد فتح للإنسان باب الفردوس المغلق وأعطاه أن يصير ابن الله ووراثًا لملكه الأبديّ. هذا حقّقه يسوع المسيح، إذ كابن للإنسان وبما أنّه ابن الله الوحيد أَتْحَدَ في أقنومه الإلهيّ الطَّبيعتَين الإلهيّة والبشريّة دون أن تذوب الطَّبيعة البشريّة في الإلهيّة أو تختفي ودون أن تنقسم بإرادتها الحرَّة الطّبيعيَّة عن المشيئة الإلهيَّة. المسيح كإنسان أخضع ذاته لله بالكلِّيَّة من خلال إخضاع مشيئته البشريّة للمشيئة الإلهيَّة بالكامِل، وهكذا كأقنوم إلهيّ إنسانيّ كان له المشيئة الواحدة الَّتي للألوهة وللطَّبيعة البشريّة.

هذا كلّه معناه أنّ الإنسان، في المسيح، صار قادرًا على أن يطيع الله بالكليّة إذا ما أخضع مشيئته الحرَّة طوعًا للمشيئة الإلهيَّة عبر اختياره طاعة وصيّة الرّبّ، والنِّعمة الإلهيَّة تعينه وتكمِّل جهاده فترفعه بالتَّنقية من معرفة إلى معرفة ليصير أقرب إلى المسيح الَّذي هو الإنسان الكامل على صورة الله ومثاله.

*          *          *

لا ينفصل التّجسُّد الإلهيّ عن الصَّليب لأنَّ عمل الله واحد لا ينقسم إذ غايته خلاص الإنسان، فالتّجسُّد هو سرّ تجلِّي الحبّ الإلهيّ بالاتّضاع الكامل والإخلاء الكامل للذّات، إذ من هو في الآب ومولود منه قبل كلّ الدّهور يصير في البتول في ملء الزّمان ويولد منها، والممجَّد مع الآب ومنه يحجب ألوهيّته ويصير طفلًا في حشا فتاة بتول، والكلّيّ القدرة يصير كمولود في أحشاء مريم وكطفل رضيع منها كمن لا حول له ولا قوّة... هذه الحقائق عاشها يسوع أيضًا على الصّليب إذ مَن هو الكائن يقبل أن يصير خاضعًا للموت على الصّليب، والَّذي السّماء عرشه جعل الصّليب له كرسيًّا، والضّابط الكلّ يقبل أن يضبط من البشر ويصلب ويهان...

كلّ هذا التّنازل الإلهيّ تمجَّد الله فيه، إذ بتواضعه ارتفع وبضعفه غلب وبموته أحيا وبدفنه دفن الموت وبقيامته أقام الإنسان كلّه...

أن نشترك في سرّ التّجسُّد هو أن نتّضع لكي نكون طينًا طريًّا في يد الله عبر طاعتنا لوصاياه لكي يصنع منّا ما يريد أي لكي يجعلِنا له أبناء بابنه في نعمة روحه القدُّوس...

ومن يتَّضع ويتخشِّع أمام الرّبّ يُستجاب له...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)

حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة الصّليب (باللَّحن الأوّل)

خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك، وامنَحْ عبيدَكَ المؤمنينَ الغلبَةَ على الشِّرِّير، واحفَظْ بقوَّةٍ صليبِكَ جميعَ المختصِّينَ بك.

قنداق (باللَّحن الثّامن)

إنّي أنا عبدكِ يا والدة الإله، أكتب لكِ راياتِ الغلبة يا جُنديّةً مُحامية، وأقدّم لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ من الشَّدائد، لكنْ بما أنّ لكِ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب، أعتِقيني من صنوف الشّدائد، حتّى أصرخ إليكِ إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عب 4: 14-16، 5: 1-6) 

خلِّص يا ربُّ شَعبَك وباركْ ميراثك

إليكَ يا ربُّ أصرُخُ إلهي

يا إخوة، إذ لنا رئيسُ كَهَنةٍ عظيمٌ قد اجتازَ السّماواتِ، يسوعُ ابنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بالاعترافِ. لأنْ ليسَ لنا رئيسُ كهنةٍ غيرُ قادرٍ أن يَرثيَ لأوهانِنا، بل مُجَرَّبٌ في كلِّ شيءٍ مِثلَنا ما خَلا الخطيئة. فَلْنُقْبلْ إذًا بثقةٍ إلى عرشِ النّعمةِ لِنَنالَ رحمةً ونجدَ ثِقةً للإغاثةِ في أوانها. فإنَّ كلَّ رئيسِ كهنةٍ مُتَّخَذٍ من النّاسِ ومُقامٍ لأجلِ النّاس في ما هو لله ليُقرِّبَ تَقادِمَ وذبائحَ عن الخطايا، في إمكانِهِ أنْ يُشفِقَ على الّذينَ يجهَلونَ ويَضلُّونَ لِكونِهِ هو أيضًا مُتَلَبِّسًا بالضُّعْفِ. ولهذا يجب عليهِ أنْ يقرِّبَ عن الخطايا لأجلِ نفسِهِ كما يُقرِّبُ لأجلِ الشَّعْب. وليس أحدٌ يأخذُ لِنَفسِهِ الكرامةَ بَلْ من دعاه الله كما دعا هارون. كذلكَ المسيحُ لم يُمَجِّدْ نَفْسَهُ ليَصيرَ رئيسَ كهنةٍ، بل الّذي قالَ لهُ: "أنْتَ ابني وأنا اليومَ ولدْتُكَ"، كما يقولُ في مَوضِعٍ آخَرَ: "أنْتَ كاهنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ ملكيصادق".

الإنجيل(مر 8: 34-38، 9: 1) 

قال الرَّبُّ: مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَني فَلْيَكْفُرْ بنَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني. لأنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسَه يُهْلِكُها، ومَنْ أهلكَ نفسَهُ مِن أجلي وَمِنْ أجْلِ الإنجيل يُخَلِّصُها. فإنَّهُ ماذا يَنْتَفِعُ الإنسانُ لو رَبحَ العالَم كُلَهُ وخَسِرَ نفسَهُ؟ أمْ ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفْسِهِ؟ لأنَّ مَن يَسْتحي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسقِ الخاطئ يَسْتحي بهِ ابْنُ البَشَر متى أتى في مَجْدِ أبيهِ مَع الملائكةِ القِدِّيسين. وقالَ لهُمْ: الحقَّ أقولُ لكم إنَّ قَوْمًا مِنَ القائمين ههنا لا يَذوقونَ الموْتَ حتّى يَرَوا مَلكوتَ اللهِ قد أتى بقُوّةٍ.

حول الإنجيل

يسبق كلام الرَّبّ يسوع في إنجيل اليوم إعلانان جوهريّان مترابطان، أوّلًا: اعتراف بطرس أنّ يسوع هو المسيح (مر 8: 29)، وثانيًا: إعلان الرَّبّ يسوع عن آلامه وموته وبالتّالي قيامته (مر 8: 31). تختصر هاتان الحقيقتان، بتلازمهما، لبّ الإيمان المسيحيّ، لذلك إذ استهجن بطرس ما أعلنه يسوع، رافضًا أن يُقرِنَ اعترافه بحقيقة الآلام والموت، وبّخه يسوع قائلًا: ابتعد عنّي يا شيطان لأنّك لا تهتمّ بما لله لكن بما للنّاس" (مر 8: 32 -33). على الأثر دعا يسوع الجموع والتّلاميذ وتلا عليهم مضمون إنجيل اليوم الّذي يسلّط فيه الضوء على حجم التَّحدّي الّذي سيواجهه المؤمنون عامّة، ومقدار الرّهان الّذي سيبذله تلميذ المسيح (أو الرّسول) خاصّة.

تتوازى العبارات في النّصّ: اتّباع يسوع يوازيه خلاص النّفس، الكفر بالنّفس يوازيه إهلاكها، وحمل الصّليب يوازيه إهلاك النَّفس من أجل يسوع ومن أجل الإنجيل (أي نقل البشارة). الخلاصة أنّ اتّباع يسوع يقود المؤمن إلى خلاص نفسه، لكن هذه المسيرة تتطلّب منه الرّهان بحياته. عِوَضَ أن يسعى لإثبات نفسه من خلال المعايير السّائدة في الدُّنيا، أي عن طريق الغنى والمُقتنيات واشباع الرَّغبات والانجراف بالأهواء، يمارس ضبط النَّفْس ويسخّر نفسه لطاعة الإنجيل والعيش بموجبه، مُهلكًا نفسه من ناحية العالم واثقًا أنّه يستعيدها بيسوع. هذا حال المؤمنين عامَّة، الّذين يؤدّون بشارة صامتة من خلال التّطبيق العمليّ للإنجيل، أمّا التّلميذ أو الرَّسول، فتقع على كاهله مهمّة إضافيّة وهي التَّبشير بالإنجيل رافعًا الصَّوْت عاليًا للعَلَن، خائضًا مواجهة مزدوجة، متمثّلة بصراعٍ داخليّ، ذاتيّ، على غِرار سائر المؤمنين المَذْكورين أعلاه، يُرافِقُهُ صراعٍ خارجيٍ نتيجة المواجهة مع النّاس، المتمثّلة بالرَّفض والمُقاوَمَة والاضطهاد والتّعريض للموت تمامًا كالجنديّ في خضمّ المعركة.

إنْ ربح العالم بكامله هو بالواقع، استنادًا لمعايير الله وحقيقة الملكوت، مجرّد خسارة. لأنّ العالم برمّته لا يعوِّض عن خسارة النَّفس ولا يكفي لفدائها. الحياة لا يوازيها سوى الحياة، والشَّهادة على الأرض توازيها الشَّهادة في الملكوت. واقع الآلام والصَّلب، مَفادَه أنّ المسيح بذل حياته من أجل خلاصنا فَنِلْنا بالمُقابِل، نتيجة هذا البذل، الحياة الأبديّة. أمّا الخجل بيسوع وإنجيله فيفرض بالمقابل خجل الرَّبّ وصمته عن الشّهادة لمصلحة الخجول والافتخار به أمام العرش الإلهيّ في الملكوت، فيصير طيّ النّسيان، بمثابة المَيْت، عِوَضَ نَيْلِه الحياة.

ذروة الكلام يتفوّه به الرَّبّ يسوع في الختام، حيث يعلن أنّ بعضًا من مُرافِقِيه سَيَنْعَمون بتذوّقٍ مُسبَقٍ لواقع الملكوت، فهذا ما حصل عِقبَ الكلام مباشرةً، إذ صعد بطرس ويعقوب ويوحنّا برفقة يسوع إلى الجبل وعاينوا تجلّيه مع أيليّا وموسى (مر 9: 2-8). أهميّة هذا الإعلان الختاميّ تكمن في أنّ التّذوّق المُسبق لواقع الملكوت، على غِرار التَّلاميذ الثّلاثة،حقيقة ممكنة، في كلّ زمان ومكان، لكلّ مَن يحمل شهادة الرَّبّ يسوع ويَحْيَا بموجب إنجيله. ما يعني بأنّ الخبرة نفسها متاحة لنا اليوم أيضًا، بالرُّغم من رداءة الزّمن وانتشار الخطيئة، إذا تمسّكنا بالإيمان، وواظبنا على البشارة والشّهادة، في كلّ الظّروف ومقابل كلّ التّحدّيات.

المحبّة والصّليب

"سِرُّ الصَّليب" هو واحدٌ من أهمّ الأسِرّار في حياتنا الرُّوحيَّة، فصليب المسيح هو "سِرّ" محبّة الرَّبّ يسوع لنا "أحبَّني وأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجلي" (غلا 2: 20).

الصَّليب هو رمز محبَّة الله للإنسان وللخليقة كُلِّها. فالمحبّة الفائِقَةُ هذه تجلَّت حينَ ارتضى يسوع أن يُرفَعَ على عودِ الصَّليب مُعطيًا إيَّانا بذاتِهِ مثالًا على أنقى وأسمى أشكال المحبّة. فالمحبّة الَّتي لا تقودُ نفسها إختياريًّا حتّى الصَّليب هي محبَّة ناقصة.

يقول القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم: "إنَّ الرَّبَّ لم ينزل عن الصَّليب لا لأنَّهُ لم يكُنْ قادرًا على ذلك، بل لأنَّهُ لم يكُنْ راغبًا بذلك، محبَّةً بنا".

اللهُ إذًا ليس فقط "الدَّيّان العادل" و"القاضي الـمَهيب"، بل هو في الدَّرجة الأولى الإلَهُ المخلِّصُ لنا بمحبَّتهِ اللّامتناهية الَّتي صَلَبَتْ ذاتَها على صليبِ الجلجلة.

قال الرَّبّ: "هذهِ وصيَّتي أن تُحِبُّوا بَعضُكم بعضًا كما أحببتكم" (يو 15: 12). كيف نحبُّ الآخرين كما أحبَّنا هو؟ بالبَذل. فالإنسان الَّذي لا يستطيع التّضحية لأجل غيره هو إنسانٌ لا يُحِب. لأنَّ الَّذي يحبُّ يبذل، وكلمَّا أحبَّ أكثر بَذَلَ أكثر.

كم من المرَّاتِ نتفوَّه بكلماتٍ عن الحبِّ خلال لحظاتنا اليوميّة؟ (بحبَّك، حبيبي، بموت فيك...) ولكن هل نعي حقيقَةً عُمقَ هذه الكلمات؟ وهل نَعيها بمَنطِقِ المصلوب؟ إذا كُنَّا غير قادرين على رفعِ ذواتنا على صليبِ التَّضحيةِ والبذلِ والعطاء كالرَّبِّ يسوع، تبقى هذه الكلماتُ مجرَّدَ أقوالٍ لا تعرفُ عُمقَ المحبّة الَّتي غبَّطها يسوعُ بقولِهِ: "ليس لأحدٍ حُبٌّ أعظمُ مِنْ هذا: أَنْ يبذلَ نفسَهُ في سبيلِ أحبَّائه" (يو15: 13).

وهذه المحبّة الباذلةُ المضحيَّة تقودُنا إلى قيامة، فمنَ الضُّعفِ تأتي القوّة، وكُلُّ تجربةٍ في حياتنا، أي كلّ صليب يُصادفنا، إنْ حملناه بجدّ، يُبزِغُ لنا قيامةً جديدة. لا صليب دون محبَّة، ولا محبَّة دون صليب، وكلاهما يحتاجان صلاةً بلا انقطاع، صلاةً بقلبٍ منسحقٍ متواضع. الرَّبُّ أحبَّنا حتَّى الصَّليب، ودعانا لِنُحِبَّ نحن أيضًا حتّى الصَّليب. وعلى الصَّليب سَمِعَ اللِّصُّ من يسوعَ بُشرى خلاصهِ "الحقَّ أقولُ لكَ: اليومَ تكونُ معي في الفردوس" (لو23: 43) وقولُهُ حَقُّ لا غِشَّ فيه.

أعطنا يا رَبُّ أن نَهُذَّ بِـحُبِّكَ في كُلِّ آن، وأن نعتبرَ كُلَّ أخٍ لنا هو أنت، وأن نُحِبَّهُ كما أنتَ أحببتنا أيَّها المحبّة الَّتي لا رياءَ فيها. عسانا بذلكَ نُصْلَبُ معكَ فنقوم. آمين

بالصّليب أتى الفرح لكلّ العالم!.

تواضع اللّصّ

عانت فتاةٌ بشكلٍ متكرّرٍ من إزعاجات شيطانيّة. فمضى بها والداها البائسان من راهبٍ إلى أخر ملتمسين صلوات الرّهبان ولكنّها لم تُشفَ. وفي نهاية المطاف، قال لهما أحد الرّهبان وكان والداها يحبّانه كثيرًا: ”إذا كنتما تريدان شفاء ابنتكما فاذهبا إلى الصّحراء. ستجدون هناك رهبانًا قدّيسين وأؤمن أنّهم سيشفونها بصلواتهم“.

لذلك، أخذ الوالدان وجهة الصّحراء وساروا. وهناك صادف أنّ راهبًا جديدًا كان نازلًا إلى العالم. وحالما شاهداه قادمًا من بعيد غمَرَهما الفرح. وقالا: إنّ الله أشفق علينا وأرسلَ لنا هذا الرّاهب القدّيس كيلا نتعذّب وسط الصّحراء اللّامتناهيّة.

وحالما اقترب ذاك سقط الوالدان على قدميه مع ابنتهما متضرّعين:

       - يا أخي، إنّ ابنتنا تتعذّب من شيطان. لأجل محبّة المسيح صلِّ كي تتحرّر منه.

       - أنا لستُ من هؤلاء الرّهبان القدّيسين الّذين يستطيعون أن يشفوا. أنا خاطئ وغير مستحقّ.

       - لأجل اللّه أظهر لنا محبّة. أشفق علينا وصلِّ لأجلها.

فأصرّ ذاك بالقول:

- قُلتُ لكما أنا خاطئ وغير مستحقّ.

اعتقد الوالدان بأنّ الرّاهب كان يتحدّث هكذا بسبب التّواضع واستمرّا في التوسّل إليه ولكنّ الرّاهب كان يتفوّه بالأقوال ذاتها. وفي نهاية الأمر، لدى مشاهدته دموعهما تأثّر. فأخرج من حقيبته كتابًا صغيرًا وقال لهما: صدّقاني هذا الكتاب سرقتُه من هناك ولهذا رحلتُ عن المكان.

وحالما تفوّه بهذا القول خرج الشّيطان من المريضة. لم يحتمل لا تواضع الرّاهب ولا إيمان الوالدَين.

أنقر هنا لتحميل الملفّ