Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 3 كانون الثّاني 2021    

العدد 1

الأحد قبل عيد الظّهور

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *2:  تقدمة عيد الظّهور، سلبسترس بابا رومية، البارّ سارافيم ساروفسكي *3: النّبيّ ملاخيا، الشّهيد غورديوس *4: تذكار جامع للسّبعين رسولًا، البارّ ثاوكتيستُس *5: بارامون الظّهور، الشّهيدان ثاوبمبتوس وثاوناس البارّة سينكليتيكي *6: الظّهور الإلهيّ المُقَدَّس *7: تذكار جامع للنّبي السّابق يوحنّا المعمدان *8: البارّة دومنيكة، البارّ جرجس الخوزيبي *9: الشّهيد بوليفكتوس، البارّ افستراتيوس.

كلمة الرّاعي

استعلان الثّالوث في قلوبنا

”وَأَنْتَ فَلْيَكُنِ اللهُ فِي قَلْبِكَ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَرْضَى بِالْخَطِيئَةِ وَتَتَعَدَّى وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِنَا“ (طوبيَّا 4: 6).

في عماد الرَّبّ يسوع المسيح من يوحنّا في الأردن، استعلن الله ثالوثًا آبًا وابنًا وروحًا قدّوسًا. الله ظهر بالصّوت والرّوح بهيئة حمامة والابن متجسِّدًا إنسانًا واقفًا في الماء أمام المعمدان طالبًا إليه: ”اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ“ (متّى 3: 15).

من كان يصدِّق أنّ الله ظهر إنسانًا على الأرض وعاش بيننا ومعنا، وصار مثلنا خاضعًا لآلام البَشَرَة وتجارب النّفس وقابلًا لموت الجسد؟!... هذا أمر لا يُصدَّق! كيف يُعقَل أنّ الخالق يصير منظورًا ومحسوسًا ومحدودًا مثلنا، ويأتي إلى عبده ومرسَله ليطلب إليه أن يعمِّده معمودية التّوبة؟!... هذا هو التّواضع الأقصـى بالحبّ الَّذي يتعهَّد خطيئة المحبوب ويحملها على عاتقه. المسيح هو النّموذج (Type) بالنّسبة لنا في كلّ وجودنا. هو لم يأتِ ليُظهر لنا الطّريق إلى الحياة وحسب بل كشف عن نفسه أنّه هو ”الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ“ (يوحنا 14: 6) هو الَّذي يوصلنا إلى الآب، ولا أحد غيره، بروحه القدّوس...

*          *          *

لقد استعلن الله ثالوثًا في معموديّة الرَّبّ يسوع، واستعلن إنسانًا مشارِكًا لنا حياتنا لكي نشاركه حياته. لم يأت الرَّبّ ليهبنا شيئًا آخر غير ذاته. بالابن نعرف الآب وبالآب نعرف الابن (”ليس أحد يعرف الإبن إلّا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلّا الإبن“ (متى11: 27، لو10: 22، يو1: 18، 6: 46، 10: 15)؛ وأيضًا ”لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“ (يو 14: 6)) وفي الرّوح القدس نعرف الابن (”مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ (...) أَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ“ (يو 16: 13 و14)). هكذا بنعمة الرّوح القدس نتَّحد بالابن الّذي يكشف لنا الآب. الثّالوث ظهر لنا في معموديّة الرَّبّ يسوع المسيح لكي يهبنا ذاته في الابن بنعمة الرّوح القدس. هذه غاية كشف سرّ الله أن يعطينا معرفته في القلب أي عبر الوَحدة معه بواسطة الاتّحاد به من خلال الابن أي بواسطة الكنيسة جسده في عطيّة الرّوح القدس. هذه المعرفة ليست مسألة عقليَّة ولا تخضع للمنطق العلميّ والقياسات البشريَّة، مع أنها خبرة في الجسد والرّوح معًا، لأنّ الإنسان كيان واحدٌ مخلوق على صورة الله. بطبيعته، خُلق الإنسان ليكون مسكنًا لله، وما لم يتحقَّق فيه هذا الأمر فهو يبقى متغرِّبًا عن حقيقة وجوده ويخسـر سرّ إنسانيّته، لأنّ إنسانيَّتنا تتحقَّق بتشبّهنا بالمسيح أي بتألُّهنا بواسطة الرّوح القدس في جسد المسيح...

*          *          *

بعد أن كشف لنا الرَّبّ يسوع في ذاته ماهيّتنا، وإذا كنّا نؤمن به ”ربًّا وإلهًا“ (يو 20: 28)، فلا يحقُّ لنا فيما بعد كأبناء لله إلّا أن نكره الخطيئة وكلّ ما يُبعدنا عن الختن الإلهيّ، إذ هو سكن فينا بالنّعمة في القلب جاعلًا إيَّاه عرشًا للثّالوث القدُّوس ”المتساوي في الجوهر وغير المنفصل. فالآب والابن والرّوح القدس لا ينفصلون ولا ينقسمون عن بعضهم البعض بل هم واحد في الجوهر مع تمايز أقانيمهم (أشخاصهم). الله واحد. وهذه الوحدة حقيقة مطلقة لا تقبل انقسامًا أو انفصالًا. ولذلك مع أنّ كلًا من الأقانيم الثّلاثة هو إله حقّ إلّا أنّه بسبب وحدة الجوهر الّتي ينتج عنها: وحدة الطّبيعة وحدة الصّفات وحدة الإرادة، وحدة الأعمال، فالأقانيم الثّلاثة معًا هم إله واحد بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى. إنّ ما يوضح ببرهان لا لَبْسَ فيه وحدانيّة جوهر الأقانيم الثّلاثة، هو الإعلان الإلهيّ لوحدة قوى ومواهب وأعمال هذا الجوهر الواحد، وهو ما يعبِّر عنه الرّسول بولس بقوله: ”فأنواع مواهب موجودة ولكنّ الرّوح (أي الرّوح القدس) واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرَّبّ واحد (أي الابن المتجسِّد) وأنواع أعمال موجودة ولكنّ الله واحد (أي الآب) الّذي يعمل الكلّ في الكلّ“ (1 كو 12: 4 – 6).

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، من عرف الله حقيقةً أحبَّه وأسلمه حياته واتّكل عليه ورفض الشّـرّ والخطيئة وسلك بالطّاعة للوصيّة الإلهيّة الّتي تحرّره من ربقة الأهواء وعبوديّتها وتطلقه في رحاب سرّ الحياة الإلهيّة بنعمة الرّوح القدس في خبرة عيش الحبّ الإلهيّ بالمسامحة والاتّضاع والوداعة والخدمة والبذل وقبول الآخَر باللّطف وطول الأناة في الرّجاء بالصّلاة. إذا لم يكن الإنسان تائبًا فهو يضع حاجزًا أمام نعمة الله لتفعل فيه، لأنّه يغلق قلبه عن طاعة المحبّة الّتي لله بالخضوع الكامل للوصيّة الإلهيّة. الرَّبّ يسوع غسلنا بمعموديّته من خطايانا مقدِّمًا عنَّا توبة بقبوله أن يغتسل بيد العبد، محنيًا هامته ليكسر كلّ تشامخ إبليس الفاعل في الإنسان والمقسِّم للبشـر والمدمّر للخليقة، فيواضع الطّبيعة البشريّة بتنازله غير الموصوف ولا المدرك منحدرًا بحبّه غير المحدود إلى أقاصي جحيميّتها ليحرِّرها من قيود المعاند الّذي يقودها بشهوات الجسد والتّملُّك وحبِّ التَّعظُّم والمديح إلى هاوية أبديَّة. هكذا علّمنا الرّبّ أنّ المحبّة الّتي يهبنا إيّاها بنعمته هي محبّة تتعهَّد الآخَر بكلّ ما فيه لتحمله وترافقه في مسيرته إلى أغواره العميقة محرِّرة إيّاه بهذا الاتّحاد السّرّي الّذي بنعمة الله، وبنعمته فقط، من أسر الموت الأبديّ لإنسانيّته بعبوديّته لأوهام الشّياطين الكاذبة بالسّعادة.

نور الحقّ ظهر ولا مكان للظّلمة فيما بعد لمن يؤمن بالمسيح يسوع المخلِّص...

ومن له اذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (اللّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

طروباريّة تقدمة الظّهور (باللّحن الخامس)

استعدّي يا زبلون وتهيّإي يا نفتاليم. وأنت يا نهرَ الأردن. قف وأمسك عن جَريك. وتقبّل السّيّد بفرحٍ آتيًا ليعتمد. ويا آدم ابتهج مع الأمّ الأولى. ولا تُخفيا ذاتكما كما اختفيتما في الفردوس قديمًا .لأنّه لما نظركما عريانين ظهر لكي يلبسكما الحلّة الأولى. المسيحُ ظهرَ مريدًا أن يُجدّد الخليقة كلّها.

قنداق تقدمة الظّهور (باللّحن الرّابع)

اليومَ حضرَ الرَّبُّ في مجاري الأردن، هاتفًا نحو يوحنّا وقائلًا: لا تَجزَعْ مِن تَعميدي، لأنّي أتيتُ لأُخلِّصَ آدمَ المجبولَ أوّلًا.

الرّسالة (2 تيمو 4: 5– 8)

خلّص يا ربُّ شعبك وبارك ميراثك

إليك يا ربُّ أصرخ إلهي

يا ولدي تيموثاوُس، تيقَّظْ في كُلِّ شيء، واحتمِلِ المشقَّاتِ، واعمَلْ عملَ المبشِّر، وأَوفِ خِدمَتَك. أمّا أنا فقد أُريق السَّكِيبُ عليَّ، ووقتُ انحلالي قَدِ اقتَرب. وقد جاهدتُ الجِهادَ الحسَن، وأتممتُ شَوطي، وحفَظتُ الإيمان. وإنّمَّا يبقى محفوظًا لي إكليلُ العدلِ الّذي يَجْزِيني بهِ في ذلكَ اليومِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادل، لا إيّايَ فقط، بل جميعَ الّذينَ يُحبّونَ ظهورَه أيضًا.

الإنجيل (مر 1: 1– 8)

بدءُ إنجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله. كما هو مكتوبٌ في الأنبياءِ: هاءَنذا مُرسِلٌ ملاكي أمام وجهِك يُهيِّئُ طريقَك قدَّامك، صوتُ صارخٍ في البريَّة أعِدُّوا طريقَ الرّبّ، واجعَلوا سُبلهُ قويمة. كان يوحنّا يُعَمِّدُ في البرّيَّة، وَيَكرِزُ بمعموديَّةِ التّوبةِ لغفرانِ الخطايا. وكان يَخرجُ إليه جميعُ أهلِ بلد اليهوديّةِ وأوُرشليمَ، فيعتمدونَ جميعُهم منهُ في نهرِ الأردُنِّ معترفينَ بخطاياهم. وكان يوحنّا يَلبَسُ وَبرَ الإبلِ، وعلى حَقْوَيْهِ مِنطقةٌ من جلدٍ، ويأكلُ جرادًا وعسلاً برّيًّا. وكان يكرِزُ قائلًا: إنَّهُ يأتي بعدي مَن هو أقوى منّي، وأنا لا أستحقُّ أن أنحنيَ وأحُلَّ سَيْرَ حِذائِه. أنا عمَّدتُكم بالماء، وأمَّا هو فيُعَمِّدُكم بالرُّوحِ القُدُس.

حول الإنجيل

في هذا الأحد قبل عيد الظّهور نقرأ مقدّمة إنجيل مرقس حيث يبدأ فورًا بإيصال قرّائه إلى النّتيجة النّهائيّة، معتمدًا المثل الشّعبيّ القائل "المكتوب يُعرف من عنوانه". فهو يُعلن بدء بشارة  باسم شخص يسوع معرّفًا إيّاه "بالمسيح" و"بإبن الله" وهو فعلًا الماسيّا الّذي انتظرته الأجيال. مرقس يستعمل تعبير "بدء"، وكأنّه يشير إلى بدء جديد للخلق (تك 1: 1)، وفي الكَيْنونة (يو 1: 1). وهكذا يكون بدء البشارة هو بدء مسار جديد في الخليقة تبدأ بكرازة يوحنا المعمدان. إنّ ظهوره هو محطّة هامّة جدًّا في تاريخ الخلاص، فهو بُشِّر به من قبل الملاك لزكريا الكاهن وحُدَّد دوره مُذذاك، فيكون سابقًا لمجيء الماسيا المنتظَر ويمهّد الطّريق أمامه (لو 1: 15-17). ويورد مرقس هنا آيتين مقتبستين من ملاخي "ها أنذا أرسل ملاكي..." (ملاخي 3: 1)، ومن أشعيا أيضًا "صوتُ صارخٍ في البرّيّة..." (أش 40: 3)، إثباتًا على أنّ يوحنّا نفسه قد جاء تتميمًا لنبوءات معيّنة تكلّمت عن مجيئه ودوره.  ويصف مرقس طريقة عيشه في البرّيّة، فهو زاهد بالدّنيا وما فيها، همّه الوحيد إتمام رسالته. ونرى تشابهًا كبيرًا بينه وبين إيليّا النّبيّ في كلّ شيء. كانت رسالته تتضمّن دعوة النّاس إلى التّوبة وقبول المعموديّة عن يده، كعربون وإشارة خارجيّة لهذه التّوبة. ويصرِّح علانيّةً أنّه يمهِّد الطّريق لشخصٍ أرفع منه بكثير، ويهيّىء للرَّبِّ شعبًا مستعدًّا. ويُعلن جهارًا أنّ الّذي يأتي بعده سوف يعمِّد بالرّوح القدس، وهذا أوّل ذِكر للرّوح القدس في إنجيل مرقس. وبعد، إنّ الرّبّ يسوع نفسه شهد أنّه "لم يكن في مواليد النّساء أعظم من يوحنّا، غير أنّ الأصغر في ملكوت السّماوات أعظم منه" (لو 7: 28). وعليه، يمكن الاعتبار أنّ يوحنا المعمدان هو خاتمة أنبياء العهد القديم. إنّ موسى رأى "أرض الميعاد" من بعيد، ولكنّه لم يدخلها. أمّا يوحنا، فقد رأى السّيّد وجهًا لوجه، رأى "ناسوته" بعينيه البشريّتين، واختبر "ألوهيّته" حين عمّده في نهر الأردن وظهر الثّالوث القدّوس لأوّل مرّة في التّاريخ.

إنّ يوحنّا هو صورة الرّسول المتجرِّد الّذي يهمّه إتمام رسالته الموكلة إليه، والشّهادة للّذي أرسله، وصورة الرّسول الّذي يقنع بما هو عليه دون أن يطمع بأخذ مكان غيره، أو الادّعاء بما ليس له. فهو مثال صالح لنا ولأيّامنا هذه.

في الصَّمت

الصَّمت لغة الحياة الأبديّة. طوبى لمن تعلّم الصَّمت، لا توقفًا عن الكلام، بل إصغاءً إلى صوت الله. ليس الصَّمت مجرّد غياب الصَّوت، وإنّما إطلالة على الحياة الأبديّة والامتلاء من صوتها.

تتطلّب أجمل اللّحظات صمتًا، فالخليقة البشريّة تؤخذ باللّحظة حتّى الملء، فتتوقّف فيها كلّ إمارات الحركة والضّجيج الّتي تؤذي جمال هذه اللّحظات.

الصَّمت توأم السّكينة، والسّكينة هدوءٌ داخليّ من جرّاء توقّف ضجيج الأهواء المُتصارِعَة في داخل الإنسان والشَّهوات المتنازعة إيّاه. الصَّمت وليد السَّلام العميق النّابع من حضور الله في النّفس البشريّة.

يصعب الصَّمت على الإنسان العاديّ الغارق في شتّى الاهتمامات. يحتاج الصَّمت إلى امتلاء ونضج يغذّيهما السّلام، فيميل المرء إلى التَّأمُّل بدلًا من التّلهّي بما لا ينفع ولا يدوم.

الصَّمت إدراكٌ لقصور اللّغة البشريّة ومحدوديّتها. إنّه تطلّع نحو الدّاخل ونزول إلى الأعماق. توجد اللّآلئ في أعماق البحار، بينما تنمو الأشنيات في المياه الضّحلة مشكّلةً المستنقعات.

طوبى لمن اختبر هذا الصَّمت؛ فقد وجد اللّؤلؤة "الجزيلة الثّمن"، فباع كلّ شيء ليشتريها. طوبى لمن ذاق الصَّمت الإيجابيّ وتمتّع به، إنّه إنسان أدرك المعنى، ففتنه وجذبه ليَجري وراءَه. طوبى لمن رأى ما لا يُرى بسهولة، فتوقّف عنده ليبقى مخطوفًا إلى حَلاوات الرُّؤيا. "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولا خطر على قلب بشر، ما قد أعدّه الله للّذين يحبّونه".

ونسأل بعد: لماذا يهرب الإنسان المُعاصِر من الصَّمت؟ والأجدر أن نسأل: هل حقًا يقدر على اختبار الصَّمت؟ يصير الصَّمت عنده مرادِفًا للموت، لأنّه يعيش أصلًا في بيئة مترعة بالحركة الفارغة الّتي تأسره لأنّها توهمه بأنّه يموت إذا ما هجرها.

يعتاد الإنسان على ما يزين له أنّه موجود حقًّا ويألفه، فيشغله عن مواجهة ذاته.

الصَّمت وليد التّأمّل، وأصوات عالمنا الكثيرة تُعيق التّأمّل والإصغاء والتّبصّر والرّكون إلى العمق.

ليس الصّوت خصم الصَّمت فقط، بل الصّورة أيضًا والذِّهن المَشغول بأشياءٍ كثيرةٍ عابِرَة وتافهة وتفتقر إلى المعنى الأصيل. كلّ ما يشتّت الذِّهن ويفكّك النّفس ويبعثر الاهتمامات عَدوٌّ للصَّمت.

تعلّم الصَّمت عندما تعلو الأصوات. تعلّمه عندما يفيض الكلام بما يلزم وبما لا يلزم. تعلّمه عندما تزداد الضّجّة ويكثر الصّخب وتغيب الوجوه. إذّاك يصير حاجةً ليس في مقدور أحد من الغارقين في الصّخب، داخليًّا وخارجيًّا، تلبيتها.

يأتي الصَّمت من الإنصات إلى صوت الله في الهدأة الدّاخليّة. بقيت مريم عند قَدَمَيْ المُخَلِّص تسمع كلامه، أمّا عجقة مرتا وانشغالها بواجب الضّيافة، فدَعياها إلى التَّشَكّي من أختها، فطوّب الرَّبّ مريم قائلًا: "إنّها وجدت النَّصيب الصَّالِح الّذي لا يُنزع منها".

خصِّصْ وقتًا تدرِّبُ نفسَك فيه على الصَّمت. ابتعد في البدء عن عالمك اليوميّ دقائق قليلة، اقضها مع الكلمة الإلهيّة وانعكاسها في حياتك. ومن ثمّ أكثر منها تدريجيًّا، بقدر ما يسمح به وقتك.

عندما تهدأ الأهواء في داخلك وتتقوّم وتعود إلى أصولها، وتبلغ أنت إلى الحرّيَّة الدّاخليّة، وتصبح سيّد نفسك، آنذاك، ستُحِبّ الصَّمت، لا محالة، لأنّه يصير عندك أكسجين الحياة الدّاخليّة. مَنْ اعتاد على الجواهر ميّزها عن البريق الزّائف.

يترجَم الصَّمت الحقّ فيك حركة خدمةٍ متواصلة للآخرين، خدمة نشطة لكنّها غير صاخبة، خدمة حيويّة لكنّها غير مُتشكيّة، خدمة فرحة وتنقل السَّلام، خدمة مُحيِيَة كونها مفعمة بالحياة.

في قلب الألم تدرك الصَّمت، كما يدركك عندما تبدأ بالتَّحرُّر من ذاتك المتسلّطة عليك، لترى خالقك في بهائه وإخوتك في واقعهم.

تبدأ الصَّمت الحقيقي عندما تسود على أهوائك وتتعرّف إلى خالقك وتكتشف وجه مخلِّصك. آنذاك ترى الوجود كلّه في الالتصاق بوجهه المُحيي وطرح كلّ ما يحجبه. يناديه قلبك باستمرار: "امكث معنا يا سيّد، فقد مال النّهار".

(للمتروبوليت سابا إسبر، متروبوليت حوران وجبل العرب وتوابعهما)

برنامج صّلوات راعي الأبرشيّة

* بارامون عيد الظّهور الإلهيّ (السّاعات وقدّاس العيد وصلاة تقديس المياه)

     عشيّة الثّلاثاء في 5 كانون الثّاني 2021 السّاعة 4:00 بعد الظّهر، في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس- حيّ الميدان.

قدّاس عيد الظّهور الإلهيّ وتقديس المياه

   صباح الأربعاء في 6 كانون الثّاني 2021، في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس- الميدان، تبدأ صلاة السَّحَر السّاعة 8:00، يليها قدّاس العيد السّاعة 9:15، ومن ثمّ صلاة تقديس المياه.

انقر هنا لتحميل الملف