Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 1 آذار 2020  

العدد 9

أحد مرفع الجبن 

اللّحن 4- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *1: تذكار جامع للآباء الأبرار البارّة في الشّهيدات آفذوكيّا، البارّة دومنينا *2: بدء الصّوم الكبير ، الشّهيد إيسيخيوس *3: الشّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس *4: البارّ جراسيموس النّاسك في الأردن *5: الشّهيد قونن، البارّ مرقس النّاسك *6: الإثنان والأربعون شهيدًا الّذين في عموريّة، البارّ أركاديوس، المديح الأوّل *7: العظيم في الشّهداء ثاوذوروس التّيروني (عجيبة القمح المسلوق)، الشّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط.

رسالة الصّوم الرّعائيّة  

برحمة الله تعالى

يوحنا العاشر

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس

إلى

إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدسة

وأبنائي وبناتي حيثما حلوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي

أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء،

ونحن في مستهل الأربعينية المقدسة، حري بنا أن نتأمل كيف تقود الكنيسة مراقي النفس إلى أعتاب القيامة المقدسة. نحن في ركب تسير فيه النفس مع المسيح لتبلغ معه وبه قيامته وقيامتها بها. وضعت الكنيسة المقدسة الصوم الأربعيني لتقول إن الإنسان هو سيد نفسه بالاتكال على الله. وضعته لتقول إن أدران النفس يجب أن تغسل قبل الولوج إلى أعتاب القيامة. وضعته لتقول إن الله يرتضي من ينقي الذات ويروضها ويقودها إليه نقية طاهرة.

الصوم صدقة ورحمة وإحساس بالآخر. وهو قبل كل شيء عطاء دائم. هو ليس مجرد حرمان من أطعمة لا بل رمزاً من خلاله نقول لخالقنا إننا نحرم عن أنفسنا لنضع في فم الفقير الذي أحببته. الصوم عطاء وتخلٍّ وترك. ولعل كل جوانبه تختزل ههنا. الصوم مغفرة والمغفرةُ تركٌ وهي بذلك عطاءُ من لم يهَبْه اللهُ مالاً أرضياً. الصوم طرحٌ لغضب النفس وتركٌ "لمن لنا عليه" حتى ينجلي فينا نور المسيح فنُضيء للجميع. يقول الآباء القديسون ما معناه: لا ندعنّ شمسَ هذا العالم تغرب على غضبنا لئلا تهجرَ نفسَنا شمسُ العدل والبر أي المسيح له المجد.

الصوم مسيرةٌ نغسل فيها عمق النفس بطيب المسيح. الصوم معمودية نرحض بها ضغائن الذات في جرن التوبة. الصوم فصح وعبور نعبر فيه وبه من روتين الحياة إلى ربيع النفوس. الصوم انحناءة نفس ترتمي في جلجلة المسيح لتقوم وتنهض به ومعه. الصوم ذخر النفس التي تتلمس من إماتتها فيض الحياة بالرب وتتحسس في جهاداتها ونسكها ظَفَر الرب الغالب.

ونحن كمسيحيين مشرقيين قد ورثنا هذه الممارسة منذ فجر المسيحية. وتعلمنا منذ الصغر كيف نربط حياتنا الوقتية بحياتنا الأزلية. لقد تعلمنا، وخصوصاً في هذه الفترة، كيف أن أجراسنا تَقْرع وتدقُّ باب قلبنا لنسجد لـ"رب القوات". لقد أَلِفْناها تناجينا حفلاً واحداً متحلقاً حول العذراء في مدائحها. أجراسنا وكنائسنا في هذه الأيام تدعونا لنزهر ومع ربيع الطبيعة ربيع علاقةٍ مع الخالق المحب. تدعونا لننفض عن النفس كل ما يعيق لنلج خدر المسيح ختَنِ النفس ونوقد له كالعذارى العاقلات سُرج النفوس نباهةً وحكمةً ومحبةً وشوقاً وتمييزاً وسط دياجير هذا العالم. تهزّنا لنقف ناظرين غنى محبةٍ لم تأنف من أن تسلك حتى درب الألم والصليب من أجل الجبلة البشرية. وتحثّنا وتدفعنا في آخر المطاف أن نتلمس فجر قيامة يسوع وأن ننثر على رمسه الفارغ أكاليل الظفر وأوراق الغار ذكرى لنصره على الموت وبشرى لقيامته المجيدة.

نرفع صلاتنا من أجل سلام العالم أجمع وخير هذا الشرق الجريح الذي يئن لألم بلدانه وألم إنسانها من كل الأطياف. نرفع صلاتنا كي تذوب تهاويل الحروب في غمرة تهاليل السلام. نرفع صلاتنا من أجل كل حبيبٍ أخذته عنا قسوة الزمن الحاضر. ونصلي لأجل كل من فارقنا على رجاء القيامة والحياة الأبدية. نصلي من أجل العين الساهرة على أوطاننا ومن أجل أن تصان من كل تكفيرٍ وإرهاب وخطفٍ وعنفٍ وضيقة حال.

نرفع صلاتنا من أجل المخطوفين ومنهم أخوانا المطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجي مطرانا حلب المخطوفان منذ نيسان 2013 وسط صمت دولي مطبقٍ ومريبٍ يحز في نفسنا مثلما يحز الخطف المدان والمستنكر.

نستغفركم، إخوتي وأحبتي، في هذه الأيام المباركة ونسأل الرب القدير الذي صام أولاً ليرشدنا إلى هذا الطريق أن يديم مراحمه في قلوبكم جميعاً ويمنحنا من فيض نِعَمه الإلهية ويمشح حياتنا جميعاً بحضوره القدوس، هو المبارك إلى الأبد آمين.

صدر عن مقامنا البطريركي بدمشق

بتاريخ الثالث والعشرين من شباط للعام ألفين وعشرين.

+ يوحنَّـا العاشِـر

 بطريرك أنطاكية وسائر المشرق

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

قنداق أحد مرفع الجبن (باللَّحن السّادس)

أيُّها الهادي إلى الحكمةِ والرّازقُ الفَهْمَ والفِطنة، والمؤَدِّبُ الجهّالَ والعاضِدُ المساكين، شدَّدْ قلبي وَامنحْني فَهْمًا أيّها السيَّد، وأعطِني كلمةً يا كلمةَ الآب، فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمْني أنا الواقِع.

الرّسالة (رو 13: 11-14، 14: 1-4)

رتّلوا لإلِهِنا رتّلوا

يا جميعَ الأُممِ صَفِقّوا بالأيادي

يا إخوة، إنّ خَلاصَنا الآنَ أقربُ مِمّا كان حينَ آمَنا. قد تَناهى اللّيلُ واقتربَ النّهار، فَلْنَدَعْ عَنّا أعمالَ الظُّلمةِ ونَلْبَسْ أسلِحَةَ النّور. لِنَسْلُكَنَّ سُلوكًا لائقًا كما في النّهار، لا بالقصُوفِ والسُّكْرٍ، ولا بالمضاجع والعَهَرِ، ولا بالخِصامِ والحَسَد. بَلِ البَسُوا الرَّبّ يسوعَ المسيحَ، ولا تهتمّوا لأجسادِكُم لِقَضاءِ شَهَواتِها. مَنْ كان ضعيفًا في الإيمان فاتَّخِذوهُ بغير مُباحَثةٍ في الآراء. مِنَ النّاس مَن يعتقدُ أنَّ لهُ أن يأكلَ كلَّ شيءٍ، أمّا الضَّعيفُ فيأكُلُ بُقولًا. فلا يَزْدَرِ الّذي يأكل مَن لا يأكل، ولا يَدِنِ الّذي لا يأكلُ مَن يأكل، فإنّ الله قدِ اتخّذّهُ. مَنْ أنتَ يا من تَدينُ عبدًا أجنبيًّا؟ إنّه لِمَولاهُ يَثبتُ أو يَسقُط. لكنَّه سيُثبَّتُ، لأنّ الله قادِرٌ على أن يُثبَّتهُ.

الإنجيل (متى 6: 14-21)

قال الرَّبُّ: إنْ غَفَرْتُم للنّاسِ زَلّاتِهمْ يَغْفِرْ لكم أبوكُمُ السَّماويُّ أيضًا. وإنْ لم تَغْفِروا للنّاسِ زلّاتِهم فأبوكُمْ لا يَغفِرْ لكم زلّاتِكُم. ومتى صُمتُمْ فلا تكونوا مُعَبِّسِين كالمُرائين، فإنّهم يُنكِّرون وُجوهَهْم ليَظهَروا للنّاسِ صائمين. الحقَّ أقولُ لكم إنّهم قد أخذوا أَجْرَهم. أمّا أنتَ فإذا صُمتَ فَادهَنْ رَأسَكَ واغْسِلْ وَجْهَكَ لئلا تَظْهرَ للنّاس صائمًا، بل لأبيكَ الّذي في الخِفيةَ، وأبوكَ الّذي يرى في الخِفيةِ يُجازيكَ عَلانية. لا تَكنِزوا لكم كُنوزًا على الأرض، حيث يُفسِدُ السُّوسُ والآكِلةُ ويَنقُبُ السّارقون ويَسرِقون، لكنْ اكنِزوا لَكمْ كُنوزًا في السّماء حيث لا يُفسِد سوسٌ ولا آكِلَةٌ ولا يَنْقُب السّارقون ولا يسرِقون. لأنّه حيث تكونُ كنوزُكم هناكَ تكونُ قلوبُكم.

حول الإنجيل

يُقرأ في يوم أحد مرفع الجبن، أي الأحد الأخير ما قبل الصّوم، هذا النّصّ الإنجيليّ المأخوذ من عظة يسوع على الجبل. وكأنّ هذا النّصّ يعطينا الأبعاد الحقيقيّة المنشودة خلال الصّوم. يتحدّث النّصّ عن ثلاث أمور جوهريّة علينا الانتباه لها خلال صومنا.

الأمر الأساسيّ الأوّل في الصّوم هو المغفرة، "إن غفرتم للنّاس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السّماويّ أيضًا زلّاتكم". يعلّمنا الرّبّ يسوع أنّ المغفرة الّتي ننشدها ونرجوها خلال صومنا هي متعلّقة بالآخر. فالعلاقة مع الله هي مرتبطة بالآخر، على حسب قول يوحنّا الإنجيليّ في رسالته "إن قال أحدٌ أنّي أحبّ الله وأبغض أخاه فهو كاذبٌ". فصومنا المزمِع هو أن نتعلّم المغفرة لغيرنا ولكي تُغفَر لنا خطايانا. أمّا الأمر الثّاني أو البعد الثّاني من الصّوم الّذي يتحدّث عنه إنجيل اليوم هو أن تكون علاقتك مع الله علاقة حميمة داخليّة، أي قلبيّة وليست ظاهريّة. لأنّ "أبوك الّذي يرى بالخفية يُجازيك علانية". هذا الأسلوب في الصّلاة والعلاقة الحميمة مع الله اتّبعه "المتبالهون"، وهذه طغمة من القدّيسين الّذين لا يُظهرون للنّاس تقواهم وحسب بل يظهرون وكأنّ لا علاقة لهم بالله من خلال تصرّفاتهم الغريبة، وذلك كي لا يُمجَّدوا من النّاس، مقتنعون بأنّ الّذي يرى ما في الخفية يُجازيهم. من خلال هذه الطّريقة بالصّلاة والصّوم نكون قد وجَّهنا ضربةً ولطمةً عنيفة لشيطان الكبرياء الّذي يُلاحقنا باستمرار كي يضيِّع تعبنا. والأمر الأخير الّذي يتحدّث عنه إنجيل اليوم هو التّخلّي عن الأرضيّات وتوجيه النّظر نحو السّماويّات. "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض... بل في السّماء". أمْرَيْن أساسيّين بهذه الوصيّة، أن نتخلّى عن الكنوز الأرضيّة، من مال وشهوات واهتمامات أرضيّة لا تمتّ للسّماء بشيء، والأمر الثّاني أن نعمل للكنز السّماويّ ألا وهو ملكوت السّماوات. خلال الصّوم الجسد يشدّنا إلى أسفل والاهتمامات الأرضيّة، والرّوح تدفعنا لننطلق إلى السّماء "الجسد يشتهي عكس الرّوح". فَمِن خلال الصّوم يتغلّب الإنسان على شهوات الجسد ويُخضع الجسد للرّوح.

الصّوم الآتي فترة جهاد غايته التصاق عقولنا وقلوبنا بالسّماء، كما ندعو بالقدّاس الإلهيّ "لنرفع قلوبنا إلى فوق". الصّوم هو السّماء بِحَدّ ذاتها، لأنّنا نعيش لا لنأكل ولا لنظهر أمام النّاس أناس أتقياء ولا نأبه لما يقوله النّاس عنّا ولا لندّخر المال والكنوز الأرضيّة، بل لنحظى بالملكوت السّماويّ الّذي نتذوّقه منذ اليوم "ملكوت الله في داخلنا"، آمين.

هل الصّوم هو صليب؟

الصّوم هو مدخل إلى الفرح. الرَّبّ يسوع قبل بدء البشارة "صام أربعين نهارًا وأربعين ليلةً..." (متّى ٤: ٢). وخرج قويًّا من الصّوم مُنتصِرًا على تجارب الشّيطان.

الصّوم مرحلة والصّليب مرحلة. لا معنى للصّليب بدون صوم وتقشّف، كما لا قيمة للصّوم بدون صليب. لأنّ الصّليب أحرز لنا القيامة. فكما انتصر الرَّبّ على التّجارِب، قبِل لنفسه الصّلب والموت حتّى يفتح لنا طريق القيامة. لذلك لا ضيرَ إن رأينا الصّوم صليبًا لأنّه يضعنا على درب القيامة .

وإذا كان الصّوم هو صليبٌ، من ناحية الألم والجهاد، فالصّوم يتميّز عن الصّليب لا بأن نمتنع عن الأطعمة لفترة مُحدَّدة، ولا هو أن نسعى لنتخلّص من بعض العادات السّيّئة. الصّوم هو أن نُسْكِت فينا أهواءَ النّفس والجسد من أجل أن يتيسّر لنا أن نسمع صوت الله وأن نعمل ما يُرضيه. من هنا يتلاقى الصّليب مع الصّوم بصَلْبِ أهوائنا الذّاتيّة والأنانيّة. فالأهواء كما يعرفها الآباء هي مرضِ بحاجةٍ لدواءٍ شافٍ. يقول القدّيس إسحق السّريانيّ: "الصّوم هو بداية طريق الله المُقَدَّس وهو صديق مُلازم للفضائل".

"وقد يبدو الصّوم بالنّسبة للبعض مُضنِيًا وخانِقًا، والحقّ أنّ مثلنا مثل إنسانٍ مريض عليه أن يحتمل مرارة الدّواء من أجل حلاوة العافية، وهذا شيء من الصّليب لمن ينشدون فرح القيامة".

"إنّ الصّبر والتّواضع هما الصّخرة الّتي تتكسّر عليها كلّ الأفكار الشّرّيرة. وهذان يُكتسبان بنعمة من الله وبسعيٍ من الإنسان. فنحن إن تعلّمنا مرّةً بعد مرّة أن نتحمل بصمتٍ وأن نترقّب خلاص إلهنا دونما تذمُّر أو استسلام لليأس فإنّنا نقتني فضيلة" (الأرشمندريت توما بيطار).

بدون نعمة الله لا تستطيع لوحدك احتمال الصّليب. لذلك سيحمل يسوع عنك صليبك ويخفّف عنك نيره، لأنّه قال "احملوا نيري فإنّه خفيف ولَيِّن" (متّى ١١: ٢٩). عندما يرى الرَّبّ جهاداتك الشّخصيّة، ومحبّتك للصّليب سيجعلك تذوق نعمة القيامة. يقول القدّيس إسحق السّريانيّ: "إذا ابتدأت بالصّوم في جهادك الرّوحيّ فقد أظهرت بُغْضَكَ للخطيئة".

من هنا في الأحد الثّالث من الصّوم رتّبت لنا أمّنا الكنيسة أن نحتفل بأحد السُّجود للصّليب، لأنّه يَمنحنا التّعزية والمحبّة والفرح، وتحفّزنا لنُعانق الصّليب ونحبّه ونسجد له، لأنّنا من خلال الصّليب نُعايِن وجه يسوع ونقبّله، وهو سيأخذنا بيدنا إلى القيامة.

انقر هنا لتحميل الملف