Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 22 أيّار 2022                  

العدد 21

الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة) 

اللّحن 4- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *22: الشّهيد باسيليسكوس *23: ميخائيل المُعترِف، مريم لكلاوبا، سوسنّا، الشّهيدة ماركياني *24: البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب *25: وجود هامة السّابق ثالثًا *26: الرَّسول كربس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى *27: الشّهيد في الكهنة الأذيوس، يوحنّا الرّوسيّ *28: أفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المتباله.

كلمة الرّاعي 

الماء الحَيّ والحياة الجديدة

”مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ

إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ

مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ“ (يو 4: 14)

بدون ماءٍ لا حياة. من هنا فالماء رمز الحياة. ولكن أن يصير الإنسان نفسه نبع ماء أبديّ فهذا يعني أنّه صار مصدرًا للحياة الأبديَّة، ليس أنّه هو مصدر النّبع بل الله هو الَّذي يجعله نبعًا ناقلًا للمياه الإلهيّة أي لنعمة الرُّوح القدس.

الإنسان في أعماقه عَطِشٌ إلى الله. كثيرون لا يفهمون ما الَّذي يفتقدونه في حياتهم وما الَّذي يبحثون عنهم ليجدوا فرحهم وسعادتهم، هذا لأنّهم لا يعرفون من هو الإنسان. لا أحد يعرف الإنسان كما يعرفه المسيح (راجع يو 2: 24 و25)، لذلك من يريد أن يعرف الإنسان في سقوطه وفي تجليّه عليه أن يتعلّم من المسيح الَّذي يخبرنا كلّ ما يختصّ بالإنسان في تعاليمه وحياته.

ما يروي الإنسان هو الحبّ الإلهيّ لأنّه سرّ تحقيق الإنسان لِسِرِّه في الله. الإنسان لا يعرف نفسه إنسانًا ما لم يختبر سرّ الحبّ أي سرّ خروجه من نفسه تجاه الآخَر الَّذي يحبُّه. وصيّة الله واحدة وواضحة: ”الوصيَّة الأولى تحبّ الرَّبَّ إلهك من كلّ قلبك وفكرك وذهنك وقدرتك والثّانية مثلها تحبّ قريبك كنفسك“، لذلك لا يرتوي عطش الإنسان إلى حقيقته الدّاخليّة أو إلى ”إنسان القلب الخَفيّ“ ما لم يَخْبَر سرّ محبّة الله ومحبّة القريب.

*          *          *

يقول القدّيس سلوان الآثوسي: ”كلّما اكتمل الحبّ، اكتمَلَت معه معرفة الله“. والحبّ لا يكتمل إلّا بنعمة الله أي بعطيّة الرُّوح القدس للإنسان الّتي تتجلَّى في علاقات الإنسان مع الإنسان اليوميّة. بحسب القدّيس سلوان، يُدرِّب الرُّوح القدس الإنسان على محبّة الله والخليقة بأسرها، وفي هذا الإطار يقول: ”إنّ اختبار الرّسل للرُّوح القدس، عندما نزل عليهم بألسنة ناريّة، علَّمَهُم معنى محبّة الله، ومحبّة الإنسان“.

ما لا يحبّ الإنسان أخاه فهو لا يحبّ الله حتّى وإن كان ممارسًا لشعائر الإيمان وطقوسه وحتّى لو كان يعلّمه. من لا يحبّ لا يعرف الله... ومن يعرف الله لا يمكن إلّا أن يحبّ أخاه الإنسان. هذه من ثمار سُكنى روح الرَّبّ في الإنسان وعلاماتها. يقول القدِّيس سلوان في هذا الخصوص: ”طوبى للنَّفْس الَّتي تحبّ الإخوة، فإنّ أخانا هو حياتنا. طوبى للنَّفْس الَّتي تحبّ أخاها، فروح الرّبّ يحيا ويتجلّى فيها، ويُنِعم عليها بالسَّلام والبَهْجَة“. هذا هو الطّريق للسَّعادَة الأبَدِيَّة لأنّ الرُّوح القدس هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، وهو السّاكِن والفاعِل في المؤمن مِنَ الآن وإلى الأبد.

*          *          *

الرّبُّ يريد أن يعطينا الماء الحَيّ، يريدنا أن نشرب هذا الماء وليس أيّ ماءٍ آخَر. مَنْ لا يشرب ماء المسيح أي تعاليمه ووصاياه لا يسكن فيه الرُّوح القُدُس نبع الماء الحَيّ الَّذي إنْ سكن في إنسانٍ فاضَ مِنْهُ لأنّه لا يحتمل الرّكود بل هو متحرِّك دومًا لنقل ”الكلمة“ (Logos) بالمحبّة الَّتي هي إيّاه متجسِّدًا بكلماتِ (Logoi) أفعالٍ حيَّة بروحه تكشف حضور الله في الإنسان وأنّه صار ملكوتًا في هذا العالم يكشف ملكوت الدَّهر الآتي، ملكوت الحبّ الإلهيّ.

أتريد أن تعرف إذا كنت ممتلئًا من روح الرّبّ أم لا؟ المقياس بسيط ويوضحه القدِّيس سلوان بقوله: ”إذا وجدتم في أنفسِكم رحمةً تُجاه النّاس، ومحبّةً تجاه أعدائكم (...) فهذا يشير إلى حلول الرُّوح القدس فيكم (...) من اقتنى الرُّوح القدس في ذاته، يتلهَّف على النّاس أجمعين“.

الحياة الأبديّة الّتي نحن مدعوّون إليها هي حياة شركة ووَحدة، شركة مع المسيح ومع الرُّوح القدس وشركة بيننا نحن المؤمنين، إنّها سرّ اتّحادنا ببعضنا البعض بالمسيح في الرُّوح القدس بحسب مَسَرَّة الله الآب.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، من يشرب من الماء الَّذي يُعطينا إيّاه المسيح أي من نعمة الرُّوح القدس يتصرّف على مثال المسيح ويسلك وراءه حاملًا صليب الحبّ والغلبة والفرح الأبديّ. من اقتنى الماء الحَيّ أي روح الرّبّ صار قريبًا للجميع واحدًا معهم، هذه حال الآباء الرّوحيِّين الحقيقيِّين الَّذين حين يرى الإنسان أحدهم يرتاح قلبه وينفتح تلقائيًّا ويشعر أنّه لا مسافات تُبعده عنه ولا ما يمنعه أن يكشف ما يجول في دواخله، مهما كانت الاختلافات بينهما سواء باللّغة أو الثّقافة أو المستوى الاجتماعيّ أو الخلفيّة الثّقافيّة إلخ. هذه هي عنصرة المؤمن الدّائمة والتّكلّم بالألسنة على المستوى الرّوحيّ، إنّها لغة القلوب المملوءة من الماء الحيَّ الفائض منها للحياة الأبديّة في الَّذين يتلقّفونها.

روح الرَّبّ حين يسكن الإنسان يرى الخليقة بأسرها  بعينيِّ الله في أبديّة المشروع الإلهيّ لخليقته بالخلاص في المسيح لكلّ ما برأه الرّبّ من منظور وغير منظور. هذا ما تكشفه لنا خبرة القدِّيس سلوان الآثوسيّ الَّذي بعد أن عاين المسيح انفتحت صلاته على البشريّة والخليقة كلّها فتضرّع إلى الرَّبِّ قائلًا: ”أيّها الرَّبُّ الرّحيم، أتوسَّل إليك من أجل شعوب الأرض كلّها لكي يعرفوك بالرُّوح القدس (...) ولكي تعرفك أمم الأرض كلّها بالرُّوح القدس وتسبِّحك“. ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة للإيصوذن (باللّحن الخامس)

المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور.

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروبارية نصف الخمسين (باللَّحن الثّامن)

في انتِصاف العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح الإله المَجد لك.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 11: 19– 30)

ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ،

باركي يا نفسي الرَّبَّ

في تلكَ الأيَّام، لـمَّا تَبَدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضِّيقِ الَّذي حصَلَ بسببِ استِفَانوسَ، ٱجتازُوا إلى فِينيقَيَةَ وقُبْــُرصَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمُونَ أحدًا بالكَلِمَةِ إلَّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قُبُرصيِّين وقَيْروانيِّين. فهؤلاءِ لـمَّا دخَلُوا أنطاكِيَةَ أخذُوا يُكَلِّمُونَ اليونانيِّينَ مُبشِّرِينَ بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ مَعَهُم. فآمَنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعُوا إلى الرَّبِّ. فبلَغَ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ الَّتي بأُورَشَلِيمَ فأَرْسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أَقْبَلَ ورأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ ووَعَظَهُم كُلَّهم بأَنْ يَثْبُتُوا في الرَّبِّ بعَزِيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالِحًا مُـمْتَلِئًا مِن الرُّوحِ القُدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَ  خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طَلَبِ شاوُل. ولـمَّا وجَدَهُ أَتَى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدَا معًا سنةً كامِلَةً في هذهِ الكنيسةِ، وعلَّمَا جَمعًا كثيرًا. ودُعَيَ التَّلامِيذُ مَسيحيِّين في أنطاكِيَةَ أَوَّلًا. وفي تلكَ الأيَّام، اِنْحَدَرَ من أُورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحِدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبَأَ بالرُّوح أنْ ستكونَ مَجَاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيَّامِ كُلودْيُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التَّلاميذُ بحسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ واحِدٍ منهم أَنْ يُرسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوةِ السَّاكِنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبَعَثُوا إلى الشُّيُوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.

الإنجيل (يو 4: 5– 42)

في ذلك الزَّمَانِ، أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السَّامرَةِ يُقَالُ لها سُوخَار، بقُربِ الضَّيْعَةِ الَّتي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ٱبنِهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ الـمَسِير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتِ ٱمرأةٌ منَ السَّامِرَةِ لتستَقِيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أَعْطِيِني لأَشْرَبَ -فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مَضَوْا إلى المدينةِ ليَبْتَاعُوا طعامًا- فقالَت لهُ المرأةُ السَّامريَّة: كيفَ تَطلُبُ أنْ تشرَبَ مِنِّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا ٱمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطُونَ السَّامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الَّذي قالَ لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستَقِي بهِ والبِئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الَّذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أَجِيءَ إلى ههنا لأستَقِي. فقالَ لها يسوعُ: ٱذهبي وٱدْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنْتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والَّذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبَلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الَّذي ينبغي أن يُسْجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا ٱمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إِذِ السَّاجِدُونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرُّوح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ السَّاجِدِينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ، والَّذين يسجُدون لهُ فبالرُّوح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمْتُ أنَّ مَسِّيَّا، الَّذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبِرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ ٱمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكَتِ المرأةُ جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للنَّاس: تعالَوا ٱنْظُرُوا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التَّلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الَّذي أرسلَني وأُتَــمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم ٱرفعُوا عيونكم وٱنظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ٱبْيَضَّتْ للحَصاد. والَّذي يحصُدُ يأخُذُ أجرةً ويجمَعُ ثمرًا لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إنّي أَرْسَلْتُكُمْ لتحصُدُوا ما لم تَتْعَبُوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرِينَ تَعِبُوا وأنتُم دخلتُم على تَعَبِهِم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السَّامِريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ الَّتي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولـمَّا أتى إليهِ السَّامِرِيُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندَهُم، فمَكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمِنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سَمِعْنَا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.

حول الإنجيل- المرأة السّامريّة

نلاحظ أنّ الدّافع الَّذي دفع الرَّبّ يسوع للذَّهاب إلى السَّامِرَة هي المحبَّة الموجودة في قلبه نحو الخطأة "وكان لا بُدَّ له أن يجتاز السّامرة" (يوحنّا 4: 4). لقد اجتاز السّامرة تعمّدًا لأنّه أراد أن ينقذ امرأة من براثن الخطيئة، مع أنّه كان في إمكانه أن يتخّذ طريقًا آخر غير طريق السّامرة. وقد كانت هناك عدَّة حواجز تقف حائلًا أمام ربح السّامريّة، حاجز التعصّب، حاجز الدِّين وحاجز الجنسيّة.

ولكنَّ الرَّبَّ حطَّمَ بمحبّته وحكمته هذه الحواجز. لقد تحدَّث الرَّبُّ إلى السّامريّة مُعلِنًا أنّ هذه مشيئة الآب. أن يربح البعيدين. وقد قال هذه الكلمات صريحة للتّلاميذ حينما دعوه ليأكل معهم "قال لهم يسوع طعامي أن أعمل مشيئة الَّذي أرسلني وأتمِّمَ عمله" (يوحنّا 4: 34). فكان الأسلوب الَّذي استخدمه الرَّبّ في ربح المرأة السّامريّة أسلوبًا حكيمًا للغاية لقد تدرّج الرَّبّ في حديثه مع السّامريّة محرِّكًا إرادتها، وعواطفها، وفكرها حتّى أوصلها إلى الاعتراف الكامل بخطاياها.

فيؤكّد الرَّبّ يسوع إذًا أنْ لا رابط بين الجغرافيا والعبادة. العبادة لا ترتبط بمكان، هي مرتبطة بشخص، وهذا الشّخص حاضرٌ في كلّ مكان ويرافق السّاجدين له بالرُّوح الحقّ. يتابع يسوع حديثه بقوله: "لأنّ الله روحٌ"، أي أنّه ليس مثل المخلوقات إذ هو الخالق. الهدف هنا ليس تحديد طبيعة الله بل التّأكيد على أنّه لا مثيل له وأنّه لا يُفهم بالقوالب البشريّة وأنّ عبادته تتخطّى هذه القوالب وأنّ القصد من العبادة هو معرفة الله.

تجيب المرأة: متى جاء ذاك (المسيّا) فهو يخبرنا بكلّ شيء. الإشارة هنا هي إلى النّبيّ الموعود به في تثنية الاشتراع: "يقيم الرَّبّ إلهك نبيًّا من وسطك من إخوتك مثلي" (18: 15). لم يكن انتظار المسيّا من صميم حياة هذه المرأة. كان مجرّد اعتقاد. وعندما أقرّت أنّ المسيّا المنتظر هو الَّذي يخبر الكلّ بكلّ شيء، أعلن يسوع لها عن نفسه، وكانت هذه المرّة الأولى الَّتي يكشف يسوع فيها عن نفسه.

ما زال الإعلان الإلهيّ ساطعًا في هذا العالم بتعاليم الرَّبّ يسوع ومحبّته الَّتي أنبعت الماء الحيّ على الصَّليب، لكنّنا نحجب إعلانه هذا بسبب خطيئتنا ومادّيّتنا والتصاقنا بمفاهيم العالم الضَّيِّقة. هذا يحرمنا من عطيّة الله، ينبوع الماء الحيّ. فإن كنّا نتبّل مثل المرأة السّامريّة ديننا بخطايانا يناجينا القائم من بين الأموات أن اتركوا كلّ شيءٍ واتبعوني إلى الفرح.

العشق الإلهيّ

كان الإنسان في فكر الله من قَبل أن يُتمِّمَ الله الخليقة. وعندما خَلَق الإنسان من فيض كمال محبَّته، وأسكنه في فِردوس النَّعيم، بادر الله في محبَّته نحو آدم، وأعطاه سلطانًا على كلّ الخليقة. إلّا أنّ آدم، سقط في الخطيئة حين لم يطع الله، فُنفيَ بعيدًا. لم ينس الله آدم، وحافظ على حبّه له فأقام عهدًا معه بأن يخلّصه. وما هذا العهد إلّا بادرة أبديّة.

والعهد لا يَتمّ إلّا باتّفاق طرفين اثنين. لكي نَخلُص، سبيلنا أن نعشق الله كما هو "أحبّنا وأسلم نفسه من أجلنا" (أف ٥: ٢). في عِشقنّا للسّيّد، كما يقول القدّيس كاسيانوس، نستعبد أنفسنا له حتّى يصبح هو الكلّ في الكلّ، ويستقرّ ذكره في فكرنا، ويتردّد على شفاهنا. وهكذا يندمج اسمه في قلبنا، فيكون هو معشوقنا.

يكتب الآباء القدِّيسون عن علاقة تَسمو على المحبّة بينهم وبين الله. يكتبون عن عِشقٍ لا نهائيّ للمَصلوب. يذكر القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ "أنّ معشوقي مصلوب". هذا العشق هو حركة دائمة وأزليّة تُعبّر عن اتّحاد متكامل بين الله والإنسان. أعلنه الله بابنه الوحيد يسوع المسيح المصلوب والقائم، الَّذي أحبّ الكنيسة، "وبذل نفسه لأجلها ليُقدّسها" (أفسس ٥: ٢٥). وأمّا نحن، فنعبّر عن هذا العشق عندما نعيش حقيقة التَّجلّي، عِندما نعمل على تغييرِ كيانِنا، على تحويلِ أنفسِنا من حالةِ الفتورِ في محبّةِ الله إلى حالةِ عشقِ متّقدٍ للرَّبّ.

في هذا العشق، يتحرّر الإنسان من ضجيج الهموم، يُصبح هُدوئيًّا، يتحوّل من مُتكلّمٍ إلى صامت. يسكن ليسمع كلمات معشوقه فيتمّمها ويكرّرها "في كلّ حين، ولا يملّ" (لو ١٨: ١). يمتلئ الصَّمتُ من الحضور الإلهيّ، ويحظى العاشق بشعور الغبطة والسّلام، فيخفّ كلُّ ثقيل، ويُصبح كلّ مرٍّ حلوًا! لا شيء أقوى وأفضل من الحبّ، لا شيء أسمى منه لأنّه من الله يتأتّى، وكما يقول القدّيس سمعان اللّاهوتيّ الحديث إنّه "نارٌ ونورٌ وقوّة مؤلِّهة"، إنّه المسيح.

حبّ الله للإنسان أنقى حبّ، لأنهّ هو الحبُّ ذاته وبِه عرفنا المحبّة! عندما أكمل الابن التّدبير الخَلاصيّ وجدّد طبيعتنا بالرّوح القدس، أدخل إلى حياتنا ثِمار الرّوح (غلا ٥: ٢٢). ومحبّة الإنسان لأخيه تعني أنّه يحبّ الله، أمّا اهتمامه بالآخر القريب فهو الطّريق الّتي توصل إلى العشق الإلهيّ والاتّحاد بالمسيح هدف هذه الحياة وكمالها.

أنقر هنا لتحميل الملفّ