Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*القدّيس إشعياء النّبيّ *القدّيس خريستوفوروس حامل المسيح *أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس، أسقف ميرا ليكيا *القدّيس البارّ شيو (سمعان) مكفيم السّوريّ *الشّهداء نيقولاوس فونين الجديد ورفقته *القدّيس البارّ يوسف أوبتينا.

*        *        *

✤ القدّيس البارّ يوسف أوبتينا ✤

أعلنت الكنيسة الروسية قداسته في 20 آب سنة 2000م. اسمه في العالم كان إيفان. ولد سنة 1837م. كان والده بسيطين تقيين. كان أبوه يريد أن يقتبل أحد أولاده الحياة الرهبانية. أخته الكبرى صارت راهبة. هو نفسه، في سنيه المبكرة، بدا مميزاً. ذات يوم، وكان ولداً، كان يلهو في حديقة المنزل. فجأة جمد في موضعه. رفع رأسه ويديه إلى فوق، ثم سقط أرضاً وقد أغمي عليه. لما سألوه، فيما بعد، ماذا جرى؟ أجابهم أنه رأى في الهواء ملكة السموات.

لما بلغ يوسف الحادية عشرة كان قد فقد كلا والديه. واقعه الجديد جعله يتنقل من بيت إلى بيت عرضة للبرد والجوع وأحياناً للضرب. أخيراً استقر في منزل أحد التجار الذي أعجب بالشاب لهدوئه وعرض عليه الزواج من ابنته. لكنه لم يصر عليه لاسيما بعدما ألفاه راغباً في التكريس لله. أطلقه التاجر، بعد حين، فخرج في رحلة حج راجياً أن يكشف له الرب الإله قصده فيه. حط به الرحال في دير أوبتينا. هناك، لما سمعه أمبروسيوس الشيخ يروي سيرة حياته، أشار عليه بالمكوث في أوبتينا. هذه، ليوسف، كانت علامة من فوق. أخيراً بلغ اليتيم بيت “أبيه”. كان ذلك في أول آذار من السنة 1861م.

عمل إيفان، في أوبتينا، في المطبخ لبعض الوقت. كان يفرح بملازمة الشيخ. هذا عزاه كثيراً. ولكن قضه صخب الزوار فأخذ يفكر بالمغادرة إلى جبل آثوس أو إلى كييف. فجأة ومن غير أن يكون يوسف قد أطلع أمبروسيوس الشيخ على ما يجول في نفسه، جاءه الشيخ يقول له: يا أخي إيفان، خير لك أن تقيم هنا من أن تذهب إلى جبل آثوس، ابق معنا! صدمته بصيرة الشيخ وأدرك أن أفكاره لا تتعدى كونها تجربة. هذا الحادث جعل يوسف يتعلق بأمبروسيوس الشيخ بالأكثر. أضحى أحب تلاميذه إليه، وصار هو يعتبر كلمة الشيخ أمراً.

نشأ يوسف على الصبر وإدانة النفس وقبول الظلم والإعراض. تروض جيداً على التهذيب الرهباني وسار ، في خطى حثيثة، صوب الوادعة وتواضع القلب. هذا تعمق فيه نتيجة امتحانات أمبروسيوس الشيخ المتكررة له. حيثما حل كان تواضع يوسف يبعث الهدوء بين الحاضرين. كليمنضوس سيدرهولم، وهو مهتد صار راهباً في أوبتينا، قال مرة: “الأب يوسف هو الشخص الوحيد الذي متى كنت معه لا أقدر أن اشعر بالغيظ”. ولعل تواضعه هو ما حدا بأمبروسيوس الشيخ إلى التصريح ذات مرة: “الأب يوسف سوف يفوقني”. كما اعتاد أن يقول لأولاده الروحيين: “أنا أقدم لكم خمراً مخففاً بماء، أما الأب يوسف فسيقدم لكم خمراً مركزاً”. أما الأب يوسف فلم ينسب إلى نفسه، مرة، أية مواهب أو انجازات روحية. كان يسأل: “ماذا أعرف من دون أبي الشيخ؟ ثم يجيب: لا شيء”.

سنة 1872 صُير راهباً واتخذ اسم يوسف. بعد خمس سنوات جُعل شماساً، ثم كاهناً بعد اثني عشر عاماً (1884م). لم ترجح المسؤوليات المتزايدة تواضعه في شيء. بقي كما كان وازداد. ثم إنه بعد كل هذه السنوات لم تكن له قلاية مستقلة بل كان ينام في غرفة الاستقبال التي غالباً ما كان يشغلها الآخرون حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً. وفي الأيام التي كان دوره في أداء الخدمة الكهنوتية بالكاد كان يحظى بالقليل من النوم لأنه كان عليه أن يباشر خدمته عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.

كان أمبروسيوس الشيخ يشير إليه باعتباره “ذراعه اليمنى” وكان يعده لخلافته. فلما اعتلت صحة الشيخ كان يحول قاصديه إلى الأب يوسف. ولطالما بدا أن إجابات يوسف والشيخ كانت واحدة أبداً. على هذا، بصورة تلقائية، لما رقد أمبروسيوس، وجد تلاميذه الروحيون  أنفسهم يقصدون الأب يوسف سائلينه النصح بصورة تلقائية. حتى رئيس المنسك، الأرشمندريت إسحق، اتخذ الأب يوسف معرفاً له.

رغم الشبه الروحي بين الأب يوسف والشيخ أمبروسيوس كان بين الرجلين اختلف في الأسلوب. ففيما كان الأخير اجتماعي النزعة، كثير الكلام، يصوغ نصحه بأسلوب الدعابة الساخرة، كان يوسف قليل الكلام، صموتاً، متحفظاً. كلامه كان يقتصر على الإجابة على أسئلة تُطرح عليه. وأجوبته كانت دائمة موجزة محكمة. كان يقول الكثير بكلمات قليلة.

كثيراً ما كان القديس يوسف ينصح بالصبر والجلد. من دون صبر حتى بيت مرتجل يتعذر بناؤه، فكيف بالبيت الأبدي… ومع ذلك فإننا لا نكف عن التماس الطريق الأسهل. ما هو سهل للجسد ليس نافعاً للنفس، وما هو نافع للنفس صعب على الجسد لهذا علينا أن نشق طريقنا إلى ملكوت السموات بالتعب”. ولما كان أحدهم يشكو الصعوبات كان يقول له: “إذن، ماذا علينا أن نفعل؟ على الواحد منا أن يصابر. هذا لا يؤذينا البتة بل ينفعنا منفعة جزيلة إذا اقتبلناه  بتواضع قلب”. “إنه لمفيد للمرء أن يُدفع إلى الأمام دفعاً. فإن الشجرة التي تلوح يميناً ويساراً بفعل الريح تنمو جذورها وتتقوى. أما التي تنتصب ولا ما يزعجها فلا تلبث أن تسقط”.

سأله أحدهم مرة كيف يحفظ  نفسه من التشتت أثناء الصلاة فكتب يقول له: “مستحيل علينا، نحن الخطأة، أن نكون أحراراً بالكلية من التشتت أثناء الصلاة. ومع ذلك فعلى كل واحد منا أن يجاهد وسعه ليجمع أفكاره ويقفل على عقله في كلمات الصلاة، في كل كلمة. لا يضطربن أحد في شأن البرودة أو قسوة القلب التي تنتابه. بالأحرى ليقم غاصباً نفسه على الصلاة، مدركاً أن هلا يستحق العزاء ولا نخس القلب. إذا كانت الصلاة باردة، فلا يستخلصن أحد أنها غير مرضية لله. أحياناً حتى صلاة كهذه الصلاة تُحسب عملاً نسكياً فذاً. فقط على المرء أن يتذلل في كل أمر أمام الله”.

هذا وقد كان القديس يوسف يحذر من التماس معالي الصلاة قبل أوانها. اعتاد أن يقول أن صلاة القلب تأتي من ذاتها كتابع للنقاوة والخبرة في الصلاة النطقية. “حتى لو لم تبلغ، تماماً، ثمار الصلاة وكمالها، فإنه لحسن أن ترتحل من هذه الحياة وأنت على الدرب الذي يقودك إليها. لا تلتمس ما هو سام (وأعني به العزاء والمعاينة الروحية). فهذه تأتي في الزمن الذي يشاؤه اله”. “حتى العزاء الروحي يحمل من الأذى أكثر مما يحمل من الخير لغير المختبرين، فإنه يفضي، بطريقة خفية، إلى التعالي. وعندما تأخذ النفس في الاعتياد على مثل هذا العزاء فإنها تضعف. ومتى حلت الأحزان والبلايا فإن النفس، إذ ذاك، تهن وتسقط. فالصبر هو الذي يلد العزاء. هذا ما يقوله الآباء القديسون”. أما عن الغاية من الصلاة فكان ينصح: “الخلاص، أن يسأل الواحد الرحمة لا العزاء”.

ومن خبرة القديس يوسف أيضاً أن التمييز الذي هو أم الفضائل كلها وهاديها “لا يأتي بمعرفة تقتنى بواسطة سيرورات عقلية بل كثمرة للجهاد الروحي”. “كما أن شعاع الشمس لا يقدر أن يخترق الضباب كذلك لا يقدر حديث إنسان، ولو كان متعلماً، أن يؤثر في النفس إذا لم يكن قد أخضع أهواءه. أما الذي قهر أهواءه واقتنى فهماً روحياً فلهذا وصول إلى كل قلب، حتى لو لم تكن له ثقافة تُذكر”.

صحة القديس يوسف كانت بعامة رقيقة. في شباط 1888 أدناه المرض من الموت فتليت عليه صلوات رقاد النفس وأعطي الإسكيم الكبير. يومذاك عاين والدة الإله التي قالت له أن يتصبر قليلاً. ثم أنه استعاد عافيته تدريجياً. لكنه استعفى من مسؤوليته كرئيس للإسقيط. وبقي يستقبل الآتين إليه الملتمسين إرشاده الروحي.

وبمرور الوقت، إذ كانت قواه البدنية تتضاءل كان إشراقه الروحي يتزايد. سنة 1907 زاره المتقدم في الكهنة بافل ليفاشيف، لأول مرة، ورآه محاطاً بنور غير مخلوق. وقد شهد فيما بعد: “لم يكن في طاقتي أن أحيد نظري عن مثل هذا المشهد العجيب. ودعت الشيخ حوالي عشر مرات وأنا  أحدق في سيمائه المشعة التي أشرقت بابتسامة ملائكية وذاك النور الآتي من العالم الآخر. أن النور الذي عاينته في الشيخ لا يشبه أي ضوء أرضي، لا نور الشمس ولا نور القمر ولا الضوء الكهربائي ولا الضوء الفوسفوري. لم يسبق لي أن شاهدت نوراً مثله في الطبيعة المنظورة….”

رقد القديس يوسف أوبتينا خلال العام 1911م. صلاته تشملنا، آمين.

طروباريّة القدّيس يوسف أوبتينا (باللّحن الثّامن)

لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ يوسف فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.

مواضيع ذات صلة