Menu Close

 

 

 

 

 

 

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار: 

✵القدّيس النّبيّ إرميا ✵القدّيس البارّ في الشّهداء فاداس النّصيبينيّ ✵الشّهيد فيلوسوفوس ✵القدّيس البارّ ميخائيل الخلقيدونيّ ✵القدّيس البارّ باناريتوس، أسقف بافوس في قبرص ✵القدّيسة البارّة إيسيدوره الـمُتبالِهَة ✵الشّهيد سابا ✵القدّيس البارّ رومانوس الغلاطيّ المستشهد في الرّقّة ✵الشّهداء الجُدُد أفثيميوس وأغناطيوس وأكاكيوس ✵القدّيس البارّ نيقيفوروس خيوس ✵الجديدة في الشّهيدات ماريا الكريتيّة ✵الشّهيد في الكهنة مكاريوس الكييفيّ ✵القدّيس البارّ بفنوتيوس بوروفسك ✵ القدّيس البارّ جراسيموس بولدينا الرّوسيّ ✵القدّيس البارّ آساف ليان ألوي (وايلز) ✵القدّيس البارّ سيغيسموند بورغندي ✵القدّيس البارّ مرقص النّورمنديّ الفرنسيّ ✵القدّيس البارّ بريواك الإنكليزيّ ✵الجليل في القدّيسين أماتور أوكسير الفرنسيّ ✵الشّهيد أندولوس الإزميريّ ✵الشّهيدان أكاكيوس وأكولوس أميان.

* * *

✤ القدّيس النّبيّ إرميا ✤

سيرته التّاريخيّة

هو أحد الأنبياء الكبار الأربعة وصاحب النّبوءة المعروفة باسمه. مستهلّ السّفر يفيد أنّ إرميا كان ابن كاهن يقيم في عناتوت بأرض سبط بنيامين اسمه حَلقيا (1: 1). تبعد عناتوت عن أورشليم ثلاثة أميال وهي إلى الشّمال الشّرقيّ منها. مِن مدخل النّبوءة يستفاد أيضًا أنّ انطلاقها كان في زمن يوشيّا بن آمون، ملك يهوذا، وتحديدًا في السّنة الثّالثة عشرة من مُلكه (1: 2). وقد استمرّت إلى أن تمّ سبي أهل أورشليم إلى بابل. إرميا كان شابًّا عندما باشر عمله النّبويّ. لذا يجعلون تاريخ ميلاده حوالي العام 650 ق. م. وبداية نبوءته في حدود العام 626 ق.م.، أو ما يقرب من خمس سنوات قبل اكتشاف سفر الشّريعة وقيام يوشيّا بإصلاحه العظيم. أمّا امتداد نبوءته فزاد على الأربعين عامًا. ملوك يهوذا الّذين عاصرهم هم، بالإضافة إلى يوشيّا، كلّ من يواحاز، الّذي حكم ثلاثة أشهر بعد يوشيّا ويهوياقيم الّذي دام حكمه إحدى عشرة سنة وصدقيا الّذي تولّى العرش إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر. حتّى بعد سقوط أورشليم ودمارها سنة 586 ق.م.، كما يتبيّن من الإصحاحات 42 إلى 44، استمرّت النّبوءة. فإنّ بقيّة الشّعب هربت من وجه الكلدانيّين وأخذت إرميا، عنوة، معها وأقامت في أرض مصر، في مجدل وتحفنحيس وممفيس وفي منطقة جنوب مصر (44: 1). هناك أيضًا أُوحي لإرميا بمزيد من النّبوءات. لا يُعرف شيء عن موت إرميا، لا كيف ولا متى كان. غير أنّ تقليدًا بين اليهود يفيد أنّ الشّعب العبرانيّ في مصر، إذ لم يشأ أن يطيع صوت الرَّبّ بإرميا كما هو بيِّن في 44: 16، عمد إلى رجم النّبيّ فقضى هناك.

اختياره نَبيًّا

إرميا، الإسم، فيما يبدو، معناه “الرَّبّ يؤسِّس” أو “الرَّبّ يثبِّت”، وقيل لا بل يعني “مرفوع الرَّبّ” أو “مُعين الرَّبّ”.

اختيار الرَّبّ لإرميا كان سابقًا حتّى لولادته. “قبلما شكّلتك في أحشاء أمّك عرفتك وقبلما وُلدتَ أفرزتُك وأقمتك نبيًّا للأمم” (1: 4). لمّا دعاه الرَّبّ الإله أجاب: “آه، أيّها السّيّد الرَّبّ إنّي لا أعرف ماذا أقول لأنّي لا زلت ولدًا” (1: 6). فردّ عليه الرَّبّ قائلًا: “لا تقل إنّي لست سوى ولد، لأنّك ستذهب إلى كلّ مَن أبعث بك إليه وتنطق بكلّ ما آمرك به” (1: 7). تردُّد إرميا، أو قل تلكؤه، أوّل الأمر، كان لأنّه خاف الشّعب الّذي شاء الرَّبّ الإله أن يرسله إليه. فجاءه قول الرَبّ: “لا تخف من حضرتهم لأنّي أنا معك لأُنقذك” (1: 8). إثر ذلك مدّ الرَّبّ يده ولمس فم إرميا وقال له: “ها أنا أضع كلماتي في فمك. انظر ها أنا قد ولّيتك على أمم وشعوب لتستأصل وتهدم وتبدِّد وتقلب وتبني وتغرس” (1: 9 – 10). هذه كانت قضيّة الرَّبّ على شعبه أنّهم تركوه وتعاظم شرّهم وأحرقوا بخورًا لآلهة أخرى وعبدوا صنعة أيديهم (1: 16). لهذا يُزمع الرَّبّ أن يُفلت عليهم عشائر الممالك الشّماليّة والمَقصود بهم شعوب ما بين النّهرَين– ويُسلمهم أورشليم وسائر مدن يهوذا (1: 15). بإزاء قصد الله هذا كان على إرميا أن يتأهّب وينهض ليتكلّم بكلّ ما يأمره به الرَّبّ الإله. وإذ يؤكّد له الرَّبّ، مرّة أخرى، أنّه معه، يحذِّره. “لا تخف من حضرتهم لئلّا أُفزعك أمامهم. انظر! ها أنا قد جعلتك اليوم قويًّا كمدينة حصينة وكعمودٍ من حديدٍ وكأسوار من نحاس، لتُجابه كلَّ أهل الأرض وملوك يهوذا وأمراءها وكهنتها وشعب البلاد، فيحاربونك ولكن لا يقهرونك لأنّي أنا معك لأُنقذك يقول الرَّبّ” (1: 17 – 19).

واقع يهوذا

شمس يهوذا، يومها، كانت قد هَمَّت على المَغيب. الشَّعب قسا وتصلّبت رقبته ولم يعد لكلمة الرَّبّ عنده وزن. إسرائيل خانت إلهها. زنت عليه. قالت لربّها “لن أتعبّد لكَ” (2: 20) وزادت: “لا جدوى من الأمر، فقد أحببتُ آلهة غريبة وسأسعى وراءها” (2: 25). “قالوا لنُصُب الخشب: أنت أبي، وللحجر المنحوت صنمًا: أنت أنجبتني” (2: 27). وإلى العبادة الوثنيّة سقطت يهوذا في الإلحاد العمليّ والتّمرّد والفجور والظّلم الاجتماعيّ. لم يعد هناك مَن يعمل للحقّ ويطلب الأمانة (5: 1). “صلّبوا وجوههم أكثر من الصّخر وأبوا أن يتوبوا” (5: 3). “جحدوا الرَّبّ وقالوا لا وجود له فلا ينزل بنا شرّ ولا نرى سيفًا ولا جوعًا” (5: 12). “صاروا أحصنة معلّفة هائمة كلٌّ يصهل على امرأة قريبه” (5: 8). “فسقوا وإلى بيت الزّانية تهافتوا” (5: 7). يقتنصّون النّاس (5: 26). امتلأت بيوتهم من الخداع (5: 27). “إنّهم سِمان برّاقون وهم يتعدّون حدود الشَّرّ… ينجحون ولا يُجرون حكم المساكين” (5: 28). الأنبياء يتنبّأون بالكذب والكهنة يتسلّطون على هواهم، وشعبي يحبّ مثل هذه الأمور (5: 31). وكمَن يتحسّر على شعبه قال الرَّبّ بإرميا: “ككرمة مختارة غرستُكِ، ومن بذور سليمة كاملة فكيف تحوّلتِ إلى كرمة فاسدة غريبة؟!” (2: 21).

نبيّ الألم الكبير

مهمّة إرميا كانت أن يواجه، بكلمة الله القويّة المحذّرة الدِّيانة، شعبًا رافِضًا تمادى في غيّه وما عاد يرغب من النّبوءات إلّا بما يناسب رغائبه. فراج، والحال هذه، سوق الأنبياء الكذبة ولم يشأ الشّعب أن يتأدّب. فكان على إرميا أن يكابد نتائج رفض الشّعب لإلهه. بين يد الرَّبّ القويّة عليه وحسرته على شعبه ونبذ هذا الشّعب له استبان إرميا، نبيّ الألم الكبير، رمزًا وصورة مَهيبة لِمَن جاء إلى خاصّته وخاصّته لم تقبله، لمَن اتّخذ مصير شعبه وعانى من أجل خلاصه حتّى المَوْت، مَوْت الصّليب. على هذا توجّع إرميا توجّع شعبه وخبر في أحشائه أنّات الأرض فهتف: “وا أحشائي، وا أحشائي، إنّي أتوجّع، وجدرانَ قلبي. إنّ قلبي يجيش فيّ فلا أسكت لأنّ نفسي سمعت صوت البوق وهتاف القتال. قد نادوا بتحطيم على تحطيم لأنّ الأرض كلّها دُمِّرت” (4: 19 – 20). عاين إرميا ما ستؤول إليه الأرض فناح وتحسّر. “نظرتُ إلى الجبال فإذا هي ترتجف وجميع التّلال تتزعزع. نظرتُ فلم يكن إنسان، وكلّ طيور السّماء قد انهزمت. نظرتُ فإذا الجنّة قد صارت بريّة وجميع مدنها هُدِمت من وجه الرَّبّ، من وجه اضطرام غضبه” (4: 24 – 26). بين الأسى على مصير شعبه والشّعور بالحَسرة والإحباط لإصرار هذا الشّعب على التّمادي في الزّنى والخيانة صاح إرميا “يا ليت رأسي ماء وعينيّ ينبوع ماء فأبكي نهاراً وليلاً قتلى بنت شعبي. يا ليت لي في البريّة مبيت مسافرين فأترك شعبي وأنطلق من عندهم لأنهم جميعًا زناة جماعة خائنين” (9: 1 – 2).

أوّل مَن قاوم إرميا كانوا مواطنيه، رجال عناتوت. هدّدوه. قالوا له: “لا تتنبّأ باسم الرَّبّ لئلّا تموت بأيدينا” (11: 21). ومن عناتوت ذاع العداء لإرميا وانتشر. أمّا هو فحفظ الأمانة والتزم كلمة الرَّبّ إلى المُنتهى. قال: “قد أقنعتني فاقتنعت. أنت أقوى منّى فغلبتَ… إن قلت سأكفّ عن ذكره ولا أتكلّم باسمه بعد، صار كلامه في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي، فأعياني كتماني وعجزت عن كبته” (20: 7 – 9). ومن كثرة ما تضيّق لعن إرميا اليوم الّذي وُلد فيه (20: 14).

تفاصيل من حياته

ثمّ أنّ كلمة الرَّبّ جاءته وأمرته، في السّنة الرّابعة من ملك يهوياقيم، أن يُملي بنبوءاته الّتي كان قد نطق بها، إلى ذلك الحين، فبعث إرميا في طلب باروخ بن نيريا فدوّنها في درج. وحمل باروخ السِّفر إلى بيت الرَّبّ وقرأ إنذارات الرَّبّ على مَن أتى إليه هناك في يوم الصّوم (36: 6). وبلغ كلام الرَّبّ الرُّؤساء فاستحضروا باروخ فقرأ السِّفر عليهم فأصابهم الذّعر ونقلوا الخبر إلى الملك. فلم يخف الملك ولا أحدٌ من خدّامه ولا تابوا ولا مزّقوا ثيابهم، بل شقّ الملك الكتاب وألقاه في نار الكانون فاحترق بكامله (26: 23). فعاد الرَّبّ وأمر إرميا بكتابته من جديد وزاد عليه إضافات أخرى. ردّ فعل الرّؤساء لمّا سمعوا كلام النّبوءة أنّ المدينة ستُسلم حتمًا إلى جيش ملك بابل كان: “يجب إعدام هذا الرّجل لأنّه يثبط عزيمة المُحاربين الباقين في هذه المدينة وعزيمة سائر الشّعب” (38: 4).

أُلقي إرميا، بأمر الرّؤساء، وموافقة الملك في جبّ فيه وحل (38: 6) لكنّ خصيًّا أثيوبيًّا مُقيمًا في قصر الملك قام بإخراجه منه بإيعاز من الملك وجعله في دار الحرس حيث بقي إلى اليوم الّذي سقطت فيه أورشليم (38: 28). قال إرميا للملك صدقيا بعدما أرسل الملك في طلبه وسأل في ما هو آتٍ، وبعدما أخذ منه إرميا الأمان: هذا ما يعلنه الرَّبّ الإله له إن استسلم لقوّاد ملك بابل تنجو نفسه من المَوْت ولا تُحرَق المدينة بالنّار. لكنّ قول الرَّبّ لم يُقبَل فسقطت أورشليم.

وكان بعد ذلك أن أَطلق نبوخذ ناصّر، ملك بابل، سراح إرميا فكان مع الشّعب المتبقّي إلى أن انتقلوا إلى مصر وهناك، وفق أحد التّقليدات، رقد. تقليد آخر ينقله سفر المكاّبيين الثّاني، الإصحاح 2، يُفيد أنّ إرميا بعدما حثّ أهل الجلاء على ألّا يدعوا الشّريعة تبتعد عن قلوبهم أمر بناء لوحي من فوق، أن يُذهب معه بالخيمة والتابوت. وإذ صعد إلى الجبل الّذي صعد إليه موسى ورأى ميراث الله، وجد مسكنًا بشكل مغارة، فأدخل إليه الخيمة والتّابوت ومذبح البخّور ثم سدّ الباب. فأقبل، في وقتٍ لاحِقٍ، بعض مَن كانوا معه ليصنعوا علامة فلم يستطيعوا أن يجدوا المكان. لمّا علم إرميا بذلك لامهم قائلًا إن هذا الموضع سيبقى مجهولًا إلى أن يجمع الله شمل شعبه ويرحمهم. حينئذ يُظهر الرَّبّ هذه الأشياء ويَظهر مجد الرَّبّ والغمام.

وإلى النّبوءة يُنسب إلى إرميا ما يعرف بـ “سِفر المراثي” الّتي ترثي لحزن أورشليم لكنّ آخرين ينكرون أن يكون إرميا وراء هذا السِّفر.

مواضيع ذات صلة