Menu Close

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*الشَّهيد إيليان الحمصيّ *القدّيس فوتيوس المعترِف، بطريرك القسطنطينيّة *أبينا الجليل في القدّيسين بوكولوس، أسقف إزمير *الشّهداء فاوستا وأفيلاسيوس ومكسيموس *الشَّهيدان دوروثية وثيوفيلوس *الشَّهيدان فاوستا وباسيليوس *القدّيسان البارّان برصنوفيوس الكبير ويوحنّا النّبيّ *القدّيس البارّ يعقوب القورشيّ.

*        *        *

القدّيس الشَّهيد إيليان الحمصي (القرن 3/4 م)

“لقد حصل لنا هذا الشّاهد القوي، فارس المسيح، ملجأ لعزّتنا وأنيسًا لوحشتنا وشفاء لأمراضنا وأمانًا لخوفنا في أسفارنا وأخطارنا ولكلّ من استغاث به في البرّ والبحر والسّهل والجبل والبعد والقرب…”. هذا ما ختم به كاتب سيرة القدّيس الشَّهيد إيليان الحمصي كلامه مؤكّدًا طبيعة علاقته بمكرّميه والملتمسين شفاعته. عنوان السّيرة، كما استقيناها من المخطوط 625، في المكتبة الشّرقية، في بيروت، هو: قصّة القدّيس الشّريف الكبير في الشّهداء مار إيليان، الطّبيب الحمصي، فارس السّيد المسيح. وهي تقع بين الورقتين 65 و 81 من المخطوط.

ليس واضحًا تمامًا متى كانت شهادة القدّيس. البعض يقول في القرن الثّالث، أيام الأمبراطور داكيوس قيصر، والبعض يقول لا بل في زمن مكسيمينوس قيصر في القرن الرّابع. في المخطوط الّذي بين أيدينا، الزّمن هو زمن تيفاريوس(؟) الملك، ولا نعرف من المقصود به تمامًا. ففي ذلك الزّمان صدر عن قيصر تعميم في كلّ الأمبراطورية ان يوقِّر النّاس الآلهة بالذّبائح. وكلّ من اعترف بالمسيح يُنهب بيته ويتعرّض للتعذيب. وإذا عاند ورفض الإذعان حُكم عليه بالموت. فلما شرع عمّال قيصر بتنفيذ الأمر، بقوة وصرامة، أخذ رعاة المسيحيّين، أساقفة وكهنة، يتوارون عن الأنظار ولجأ بعضهم إلى الكهوف والمغاور. وقد ورد ان الرّبّ الإله جعل في قلب الملك الا يهدم أيًّا من الكنائس الّتي أسّسها الرّسل الأطهار، لكن الولاة جعلوها مزارب للدواب. ويبدو ان الأصنام، يومذاك، كثرت، وأنتنت الأرض من المحرقات وشحم الذّبائح الطّمثة النّجسة. الصّورة، كما بدت، كانت مظلمة ومشوكة إلى ان افتقد الرّبّ الإله كنيسته بأمثال القدّيس إيليان. كان إيليان رجل الإيمان القويم والعبادة الحسنة، صوّامًا قوّامًا، متصدّقًا رؤوفًا، راحمًا للمساكين. وكان جميلًا في خلقته وزيّه، مولود بيت معروف في حمص. والده كان أحد أعيانها وله ذكر وبأس. إيمان إيليان بالمسيح كان سرًّا عن أبيه. وكان يوزّع على الفقراء ما تصل إليه يده من عطايا والده ويعالج المرضى بالمجان يشفيهم باسم يسوع علانية. وكان الله قد أعطاه قوّة على شفاء جميع الأمراض وطرد الأرواح النّجسة. وإذ جاهر إيليان بمسيحه ذاع صيته في حمص وسواها حتّى أخذ النّاس يأتون إليه من أمكنة بعيدة. هذه الضّجّة الّتي أثارها إيليان بلغت أسماع الأطباء وأثارت حفيظتهم. وإذ امتلأوا حسدًا، قام بعضهم إلى أبيه واشين منذرين. قالوا له ابنك يكرز باسم إله المسيحيّين ويهزأ بالآلهة، وأنت رجل شريف ولك عند الملك صوت مسموع وكذلك عند أهل المدينة. وقد أتتك وصيّة من الملك ان تساعد والي المدينة بملاحقة المسيحيّين. أما نحن فثبت لدينا ان ابنك ساحر وقد ضلّل أكثر أهل المدينة. اسم أبيه، كما ورد، كان خسطارس. ساء والد إيليان ان يسمع ما قيل له عن ابنه. كان لا بدّ له ان يقوم بعمل ما يثبت من خلاله ولاءه للملك وغيرته على الآلهة. أول ردّ فعل لديه كان الغضب الشّديد لا على ابنه، بل على الّذين يمكن ان يكونوا قد أفسدوا عقله. لذلك اتّجه ذهنه شطر رئيس المسيحيّين في حمص، أسقفها سلوان، الّذي استطلع خبره فعرف انه يكرز بالمسيح علانية في المدينة، هو واثنان من تلاميذه، لوقا الشّمّاس وموكيوس (أو ربما مكسمس) القارئ. فأرسل عماّله ليبحثوا عن الثّلاثة. فلما وجدوهم قبضوا عليهم وشقّوا ثيابهم وأوثقوهم وضربوهم. ثم ربطوا أعناقهم بالحبال وطافوا بهم في المدينة وهم يقولون: هذا جزاء من جدّف على الآلهة وآمن بالمصلوب. وبعدما عذّبوهم أسلموهم إلى الوالي فألقاهم في السّجن. بقي سلوان الأسقف ورفيقاه في السّجن أربعين يومًا أُحضروا، في نهايتها، لدى الوالي. فلما وقفوا بين يديه نظروا الشّيطان عن يمينه يقول له: أسرع في إهلاك هؤلاء الرّجال لئلا يُفسدوا النّاس. ففتح الوالي فاه وهدّدهم بأنه سيذيقهم عذابًا مريرًا حتّى الموت ما لم يذبحوا للآلهة تنفيذًا لأمر قيصر. جواب القدّيسين الثّلاثة كان: نحـن نعبد المسيح، سيِّدنا ومخلِّصنا، وله نسجد ونقدِّم ذواتنا ذبيحة. أما أجسادنا فبين أيديكم. افعلوا بها ما أردتم. واننا لواثقون اننا سنخلص من حيل أبيك الشّيطان إتمامًا لقول نبي الله: نفوسنا مثل العصفور من الفخ انفلتت والفخ انكسر.

تعرّض الثّلاثة للرجم والضّرب والتّجريح فيما أخذوا يسبّحون الله ويسألونه القوة والصّبر. وقد ذُكر ان الرّبّ أيّدهم بآيات من عنده جعلت الحاضرين يضجّون تعجبًا واستغرابًا. وإذ بلغ إيليان خبرهُم أسرع إليهم وقبّل رباطاتهم وتوجّع لهم. فقبض عليه عسكر الوالي وأخذوه إلى أبيه وأخبروه بما فعل. وكان خسطارس في حضرة جلساء عديدين فخشي على نفسه وسمعته وأمر بسوق ابنه إلى الوالي بعدما زوّد الجند برسالة إليه قال له فيها: وجّهت إليك ابني بكري ووحيدي إيليان وقد لحق بالمسيح المصلوب ورفض أمر الملك. وقد أطلتُ روحي عليه ليرتدّ فعاند وكفر فاحكم عليه بما يستوجب. فلما قرأ الوالي الرّسالة ردّ إيليان إلي أبيه قائلًا: ابنك عزيز عندي فاحكم أنت عليه بما تشتهي. وقد وجّهت لك صحبته سلوان الأسقف وتلميذيه، فأظهِر فيهم حدّ الشّريعة لتنال من الآلهة الجزاء والسّلام.

عامل خسطارس سلوان ورفيقيه كسحرة فيما أودع ابنه السّجن. وبعدما عرّضهم للضرب أمر أن يُلقَوا إلى السّباع، شرقي المدينة. هناك، وقبل ان يتمّم الآثمون فعلهم، رفع القدّيسون لله صلاة قالوا فيها: “يا ربّنا يسوع المسيح، تحنّن على هذه المدينة وكلّلها مع المدن بالإيمان ورُدّ هذا الشّعب الضّال إلى معرفتك ليعودوا من ظلمتهم إلى النّور وخلّصنا من هذه الضّارية القاتلة لينظر أعداؤنا قوتك وتمجّدك الشّعوب كلّها”. فلما فتح الجلاّدون الباب للسباع حدث ما لم يكن في الحسبان. ظلّلت الموضع سحابة من نار وعجّ الهواء وسقط البرد فهربت السّباع وسرى الفزع بين النّاس. وقد قيل إن عددًا كبيرًا منهم آمنوا بالمسيح على الأثر. أما إيليان فتمكّن من الخروج من السّجن وانضم إلى القدّيسين عساه يحظى معهم بنصيب من الشّهادة. فلما حصل اضطراب ليس بقليل جاء الوالي بجند كثير وفتك بكلّ الّذين جاهروا بإيمانهم الا إيليان وهو واقف يصلِّي.

ثم إنّ الوثنيّين عيّروا إيليان أنّ ابن مريم المصلوب لم يردّ الضّيم عن المؤمنين به ودعوه إلى العودة عن ضلاله والخضوع للآلهة، فدعاهم بدوره إلى تركه يحطّم تماثيل الفضّة والذّهب ويوزعها على المحتاجين، فإن منعته الآلهة آمن بها. فضربوه من جديد وقيّدوه ثم داروا به حول حمص ودخلوا من باب الرّستن إلى ان انتهوا إلى ما كان يُعرف بـ”قنطرة الزّورا” حيث أمر أبوه ان يُربط بها ويُضرب ضربًا شديدًا. وقد اهتاج خسطارس وأراد ضرب عنق إيليان فمنعه النّاس قائلين أعطه فرصة لعل الآلهة تردّه إلى صوابه. بعد ذلك عبروا به تحت قبّة الرّصاص. فلما أشرف على دار أبيه أخذ ينادي: أنا إيليان النّصرانيّ الطّبيب. اني أؤمن بالمسيح الّذي أتى لخلاص العالم وعرّفنا طريق الحياة. وأنتم يا أهل حمص آمنوا به ليعطيكم فرحًا في ملكوته السّماوي. فطوبى للنفس الّتي تؤمن به وتصطبغ بمعموديته المقدّسة فإنها ترث الحياة الأبدية. فرجمه النّاس وتركوه بين حي وميت. لكنْ أعانته رحمة ربه واستعاد عافيته. فلما أوقفه الشّرط أمام أبيه، في اليوم التّالي، تحيّر في أمره. بعد ذلك، قيل إنه تُرك في السّجن أحد عشر شهرًا سعى أبوه خلالها إلى توجيه وفود من أهل المدينة وأشرافها إليه آملًا في إقناعه بالعدول عن موقفه. لكن محاولات الوالد باءت كلّها بالفشل. أكثر من ذلك ان العديدين ممن كانوا يعودون إيليان في سجنه كانوا يهتدون، بنعمة الله، إلى الإيمان بالمسيح. أخيرًا عيل صبر والده فأتى بحدّاد أعدّ له مسامير جرى غرزها في رأس إيليان، ثم أطلق الجند سراحه ليموت موتًا بطيئًا عبرة لمن اعتبر. فخرج إيليان، بالجهد، إلى مغارة شرقي المدينة يُصنع فيها الفخار. هناك صلّى وأسلم الرّوح.

فلما كان الغد حضر الفاخوري، صاحب المكان، وكان مسيحيًا في السّر، فطالعه منظر إيليان ففرح لكنه خشي ان يكون الوثنيّون قد نصبوا فخًا للمؤمنين بوضعهم الجسد هناك. فانتظر إلى اليوم التّالي. فجاءه إيليان في الحلم ليلًا وطلب منه ان يحمله إلى كنيسة الأرشايا حيث يجتمع خراف المسيح بالسّر. والأرشايا هي أول كنيسة تُعزى إلى الرّسولين يوحنّا وبطرس. والكنيسة أيضًا على اسم القدّيسة بربارة، وقد جُعلت في قصر امرأة آمنت بالمسيح بعدما شُفي ابنها بيد الأسقف جيراسيموس الّذي أقامه الرّسولان متلمِذًا لمدينة حمص وأعمالها أولًا. إلى هذه الكنيسة جاء الفاخوري حاملًا جسد القدّيس إيليان، فاستقبله المؤمنون بفرح. ولما أخذوا الجسد جعلوه “شرقي المذبح على سرير وصاروا يتبرّكون به”. كذلك ورد انه كان في زمن ثيودوسيوس الكبير (379 – 395م) أسقف على حمص اسمه بولس. هذا بنى كنيسة للقدّيس كانت عبارة عن هيكل واسع جميل مزيّن مكمّل بالرّخام والأعمدة والفضّة وفي داخله كنيسة صغيرة فيها قبر القدّيس وتحت المذبح ناووس مليح وله مدخلان من اليمين واليسار. فلما اكتمل البناء نُقل جسد القدّيس بالقراءات والصّلوات والكرامات وقد أظهر الله بجسده قوات وأشفية  جرت بيد الأسقف المذكور بينها حادثة شفاء ابنة رجل يهودي من السّرطان.

مواضيع ذات صلة