Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* الشّهيد نقفر الأنطاكيّ* القدّيس البارّ رومانوس الكيليكيّ العجائبيّ* الشّهداء في الكهنة مركلّس الصّقليّ وفيلاغريوس القبرصيّ وبنكراتيوس التّفرومينيّ* الشّهيدة أبولونيا العذراء * القدّيس البارّ بطرس الدّمشقيّ* القدّيسان البارّان نقفر وجنّاديوس الرّوسيّان.

*        *        *

✤الشّهيد نقفر الأنطاكيّ✤

عاش نقفر الأنطاكيّ وقضى شهيدًا للمسيح في زمن الإمبراطورَين الرّومانيّين فاليريانوس وغاليريانوس. وهو رجل عاميّ بسيط ربطته بأحد كهنة المدينة، سابريكيوس، صداقة حميمة حتّى بدا الإثنان روحًا واحدة وقلبًا واحدًا وإرادة واحدة. ولكن من حسد إبليس وبمكيدته اختلفا فيما بينهما فاستحالت صداقتهما عداوة. وبقدر ما كانت صداقتهما متينة عميقة صارت العداوة بينهما شديدة عنيفة.

ومرّت الأيّام والعداوة تتلظّى في قلب نقفر وسابريكيوس حتّى كان أحدهما يجتنّب الآخر بالكليّة. ولكن برحمة الله واستجابة نقفر، عاد هذا الأخير إلى نفسه فأدرك فظاعة الكراهيّة وأنّه سقط في فخّ إبليس فتاب إلى ربّه. ولكي يقرن نقفر توبته بالمصالحة، بعث إلى سابريكيوس بوسطاء يستسمح على ما بدر منه محبّة بيسوع. فلم يلق لدى سابريكيوس سوى أذن صمّاء وقلب قاس قسوة الحجر. لم يخطر ببال سابريكيوس أو لعله لم يبال بقولة الإنجيل: “إن قدّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكّرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدّام المذبح واذهب أوّلًا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدّم قربانك” (متى5: 23 – 24). الحقد يقتل الإحساس ويضرب صاحبه بعدم المبالاة بما لله.

فعاد نقفر وأرسل آخرين يتوسّطون من أجله فلم يكن نصيبهم خيرًا من نصيب من سبقوهم. فأوفد آخرين ثالثة فلم يلقوا غير الخيبة. ماذا يعمل؟ ماذا يمكنه أن يعمل؟ قال: أخرج إليه بنفسي! فذهب وألقى بنفسه عند قدميه واعترف بخطيئته وطلب عنها الصّفح بتوسّل. ولا حتّى هذا الأسلوب نجح. بقي سابريكيوس قابعًا في جبّ حقده وعناده. عبر بنقفر المطروح على الأرض قبالته بإعراض مطبق.

فجأة اندلعت شرارة الاضطهاد من جديد سنة 260م. فقبض على سابريكيوس واستيق إلى حضرة الوالي. سأله الوالي: ما اسمك؟ فأجاب: سابريكيوس! فقال: ما مهنتك؟ فرّد: أنا مسيحيّ! فسأله: هل أنت من الإكليروس؟ فأجاب: لي الشّرف أن أكون كاهنًا! وأضاف: نحن المسيحيّين نعترف بربّ وسيّد هو يسوع المسيح، وهو الإله الحقيقيّ الّذي أبدع السّماء والأرض. أمّا آلهة الأمم فشياطين!”

فاغتاظ الوالي وأمر ببسطه للتّعذيب. فجعلوه في مكبس كما ليسحقوه وكانت أوجاعه مُبرّحة. رغم كلّ شيء بقي ثابتًا صامدًا لا يَلين. نعمة الله، إلى الآن، كانت عليه. فلمّا بدا للجلّادين أنّهم بإزاء إرادة فولاذيّة لا طاقة لهم على ثنيها لفظ الوالي بحق سابريكيوس حكمًا بالإعدام. قال: “سابريكيوس، كاهن المسيحيّين، مُقتنع، على نحو سمج، أنّه سوف يقوم إلى الحياة الثّانية، فليسلّم إلى جلّاد الحقّ العامّ ليفصل رأسه عن جسده لأنّه تجرّأ فخالف ما رسمه الأباطرة”.

للحال استيق سابريكيوس إلى موضع الإعدام وبدا كأنّه اقتبل الحكم بغبطة قلب وأضحى على عجلة من أمره ليحظى بإكليل الغلبة. كلّ ذلك ونقفر حاضر. نقفر كان ملتاعًا. فرح بسابريكيوس وخاف عليه معًا. أحبّه أن يكون في هذه اللّحظات الحرجة دونما شائبة. فدنا منه وارتمى عند قدميه هاتفًا: “يا شهيد المَسيح، سامحني على إساءتي إليك!” فلم يتفوّه سابريكيوس بكلمة. وإذ سار الجند بالمَحكوم نحو ساحة الإعدام أسرع نقفر وانتظره في الزّقاق الّذي كان على الجند أن يسلكوه. فلمّا قرب العسكر والجموع محتشدة، شقّ نقفر طريقه بينها وواجه سابريكيوس وجهًا لوجه وارتمى عند قدميه طالبًا صفحه من جديد بدموع. ومن جديد لزم سابريكيوس صمت القبور وبقي قلبه متصلّبًا. حتّى لم يشأ أن ينظر إلى نقفر بالوجه. أمّا جنود المواكبة فسخروا من رجل الله ونزلوا عليه بالسّياط وهم يقولون: هذا الرّجل في منتهى الغباء لأنّه يطلب الصّفح من رجل على أهبة الموت!

أخيرًا وصل الموكب إلى محل الإعدام فخاطب الجلّاد سابريكيوس قائلًا: اركع لأقطع رأسك! كانت النّعمة الإلهيّة قد ارتفعت عن سابريكيوس فخرج عن صمته وقال: لماذا تقطعون رأسي؟! فأجابوه: لأنّك ترفض أن تضحّي للآلهة وتتنكّر لأوامر الأباطرة حبًّا بذاك الإنسان الّذي اسمه يسوع! فصرخ سابريكيوس: انتظروا يا إخوتي! لا تقتلوني، فأنا مستعدّ لأن أفعل ما تريدون! أنا مستعدّ للتّضحية للأوثان! كلّ هذا على مسمع من الجموع الّذين كان نقفر في وسطهم فنزل كلام سابريكيوس في صدر نقفر كالحربة! سقط سابريكيوس! يا للهول! فصرخ إليه: ماذا تفعل يا أخي؟! تتنكّر ليسوع المسيح، معلّمنا الصّالح! لا تضيّع الإكليل الّذي سبق لك أن ربحته بعذاباتك وآلامك! فلم يشأ سابريكيوس أن يسمع! إذ ذاك تقدّم نقفر بشهامة وبدموع وقال للجلّاد: أنا مسيحيّ وأؤمن بيسوع المسيح الّذي أنكره هذا الشّقيّ، وأنا مستعدّ لأن أموت عوضًا عنه! فتعجّب الحاضرون واضطرب الجند فأرسلوا يسألون الوالي في أمره. قالوا: سابريكيوس قرّر أن يضحّي للأوثان ولكن هنا رجل جاهر بمسيحه وقال إنّه مستعدّ للموت! فأمر الوالي بإطلاق سراح سابريكيوس وإعدام نقفر. فتمّ كما أمر واستكمل رجل الله الشّهادة.

مواضيع ذات صلة