Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*وداع عيد دخول السّيّدة العذراء والدة الإله إلى الهيكل *العظيمة في الشّهيدات كاترينا الكليّة الحكمة *العظيم في الشّهداء مركوريوس *أبونا القدّيس البار بطرس الأنطاكيّ (الصّامت) *القدّيسون الحكماء المئة والخمسون الشّهداء *الشّهداء زوجة الأمبراطور مكسيميانوس وبرفيريوس القائد والجنود المئتان الّذين قضوا مع القدّيسة كاترينا *الشّهيدات المئة والسّبعون *الشّهداء الرّوس الجدد ياروسلاف سافيتسكي ومَن معه.

*        *        *

✤في هذا اليوم يودّع عيد دخول السّيّدة العذراء والدة الإله تذكار القدّيسة العظيمة في شهيدات المسيح كاترينا الكليّة الحكمة (القرن الرّابع للميلاد)✤

أيّها المُحِبّو الشّهداء، لنُبادر معًا بابتهاج إلى احتفال عيد كاترينا الشّهيدة الّتي فقّهها الله، ولنكلّلها بالمَدائح كما بالأزهار… افرحي يا مَن وبّخت الخُطباء الهاذرين على حماقتهم… واقتادتهم إلى الإيمان الإلهيّ. افرحي يا مَن دفعت جسدها للتّعذيبات الكثيرة الأنواع لأجل محبّة خالقها. ولم تنصدع كسندان غير منثلم. افرحي يا مَن اعتاضت عن الأوجاع بالسّكنى في المقامات العلويّة متنعّمة بالمجد الأبديّ. فإذ نصبو إليه، نحن مادحيك، اجعلينا لا نيأس من الرّجاء“.

                        (صلاة المساء – ذكصا على يا ربّ إليك صرخت)

علومها والزّواج

        وُلدت القدّيسة كاترينا وعاشَت في مدينة الإسكندريّة في زمن الأمبراطورَين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس بين أواخر القرن الثّالث وأوائل القرن الرّابع للميلاد. ويبدو أنّها كانت من فئة النّبلاء، جميلة جدًّا وذكيّة جدًّا. وقد سهّل لها موقعها الاجتماعيّ الانكباب على دراسة العلوم الكلاسيكيّة كالفلسفة والبلاغة والشّعر والعلوم الطّبيعيّة واللّغات. طاقتها على الاستيعاب وتفتيق المسائل الذّهنيّة الغامضة أو المعقّدة كانت غير عاديّة. كلّ ذلك ولم يتجاوز عمرها العشرين ربيعًا. كثيرون جاءوا يطلبون ودّها فلم ترض بأحد منهم. ثمّة دافع في نفسها كان يدفعها عن الزّواج. لسان حالها، لتردَّ ضغط ذويها عنها، كان أنّها ما لم تَلْقَ رجلًا يُساويها نُبلًا وغنىً وجمالًا وعلمًا فلن ترضى به عريسًا لنفسها.

العريس الأمثل

        إلى هنا لا نعرف تمامًا ما إذا كانت كاترينا قد نشأت مسيحيّة أم لا، لكنّ والدتها كانت كذلك. فلمّا عيل صبر أمّها واحتارت في أمر ابنتها استعانت بناسك قدّيس كان يقيم خارج المدينة. قال النّاسك لكاترينا إنّه يعرف رجلًا يتمتّع بالمزايا الّتي تطلب، وإنّ حكمة هذا الرّجل تفوق حدود التّصوّر، فحكمته مبدأ الكائنات المَنظورة وغير المنظورة. وهو لم يتعلّم الحكمة من أحد لأنّها عنده منذ الأزل. من جهة أخرى، هذا الإنسان أنبل من كلّ أهل الأرض بما لا يُقاس، وله سلطان على الكون برمّته وقد خلق العالم بقدرته الذّاتيّة. لا أجمل منه في بني البشر لأنّه الإله متجسّدًا: الابن والكلمة الأزليّ للآب، وقد صار إنسانًا لأجل خلاصنا. هو أيضًا يلتمس العروس، وعروسه النّفس البتول ولا يرضى عن النّفس البتول بديلًا. قال لها النّاسك ذلك وصرفها.

        وعادت كاترينا إلى بيتها متحيّرة، متأمّلة، في قلبها فرح وفي نفسها شوق ولهف للقاء الختن كما وصفه لها النّاسك.

        في اللّيلة عينها رأت كاترينا والدة الإله مريم وابنها يسوع المسيح. لكنّ الرَّبّ يسوع أبى أن ينظر إليها لأنّها، كما قال، بشعة وكلّها ملوّثة طالما أنّها تحت الموت والخطيئة.

        اضطربت كاترينا لهذا الحلم – وعادت في اليوم التّالي إلى النّاسك تسأله العون فعلّمها أسرار الإيمان وعمّدها.

        ومن جديد ظهرت لها والدة الإله والرَّبّ يسوع المسيح فقال عنها السّيّد: “ها هي الآن كاترينا مشرقة، جميلة، غنيّة ومزدانة بالحكمة والحقّ. الآن أقبلها عروسًا نقيّة!” ولكي تختم والدة الإله خطبة كاترينا السّماويّة أخذت خاتمًا ووضعته في اصبعها وأوصتها بألّا تقبل عريسًا آخر لنفسها على الأرض.

أمام الأمبراطور

        وحدث في ذلك الزّمان أن قدم الأمبراطور مكسيميانوس (305 – 311) إلى مدينة الإسكندريّة ورغب في أن يضحي كلّ أهل المدينة للأوثان دلالة على خضوعهم لسلطانه وولائهم لدولته تحت طائلة التّعذيب والموت.

        وفيما باشر كهنة الأوثان بإقامة الطّقوس ونحر البهائم، وفيما كان النّاس يتدفّقون على المكان لتقديم الطّاعة للأمبراطور والاشتراك في رفع الذّبائح للأصنام، احتدّت روح كاترينا فيها فجاءت ووقفت أمام الأمبراطور. وبعدما أبدت التّحيّة المعهودة وطلبت الإذن بالكلام، شرعت تقول له إنّ عبادة الأوثان مَفْسَدةٌ لا يجيزها العقل السّليم، والأوثان لا وجود لها، بل المنطق يُظهر أنّه لا يمكن أن يكون هناك غير إله واحد هو أصل الموجودات وعلّتها. وهذا سلّم به كبار الفلاسفة الوثنيّين وبيّنوا، في المقابل، فساد الاعتقاد بكثرة الآلهة.

        ونزل كلام كاترينا في نفس الأمبراطور نزول الصّاعقة، فبدا مأخوذًا بجسارتها ووضوح بيانها وقوّة كلامها. وأُخذ أكثر من ذلك بفتنتها وطلعتها وشبابها، فأبدى مرونة من نحوها. ثمّ إنّ أفكارًا تحرّكت في نفسه وقد رغب فيها. وخطر بباله أن يستدعيها إلى قصره ويجعل مناظرة بينها وبين حكمائه.

        وهكذا جرى استدعاء أبرز الحكماء والفلاسفة والخطباء، فاجتمع خمسون منهم، والبعض يقول مئة وخمسين.

المناظرة الكبرى

        وحضرت السّاعة وواجهت كاترينا، بنعمة الله، محفل الحكماء والفهماء فأفحمتهم جميعًا. كشفت أمام الجميع ضلالات الكهّان والشّعراء والفلاسفة الوثنيّين وبيّنت، بالشّواهد، التّناقضات في أقوالهم وتعاليمهم كما أكّدت أنّ ما يسميه القوم آلهة إن هو سوى أبالسة مضلّلة تتّخذ من شهوات النّاس ورغائبهم ستارًا لها. ولكي تدعم أقوالهم بحجّة أكبر عرضت لبعض ما ورد في نبوءات ما يعرف بـ “السّيبلّلا” – وهي الّتي اعتبرها المسيحيّون الأوائل إشارات ولو غامضة إلى التّجسّد الإلهيّ وآلام ابن الله الخلاصيّة– وأبرزت بطلان الخرافات والأساطير الوثنيّة بشأن تكوين العالم، قائلة إنّ العالم خلقه من العدم الإلهُ الواحد الأزليّ وإنّ الإنسان قد أعطي الخلاص من الخوف والموت بتجسّد ابن الله الوحيد.

        ثمّ بعد أخذ وَرَدّ لم يجد الحكماء والفلاسفة المشتركون في المناظرة بدًا من التّسليم بصوابيّة ما نطقت به الصّبيّة الصّغيرة. ويبدو أنّ الرّوح القدس الّذي تكلّم في كاترينا سمع فيهم، فكان أن أعلنوا كلّهم الإيمان بالمسيح الّذي تؤمن به أَمَة الله. ويقال إنّ الأمبراطور أمر بإلقائهم جميعًا في النّار. والكنيسة تحصيهم اليوم في عداد قدّيسيها.

نحو الشّهادة

        أمّا كاترينا فعلق الأمبراطور بهواها ولعلّه كان مُستعدًّا أن يغضّ الطّرف عن إيمانها لو رضخت له وقبلت الزّواج منه، لكنّها صدّته. إذ ذاك غضب لكرامته الجريح وأمر بها جنده فجلدوها وألقوها في السّجن علّها تلين.

        وسمعت الأمبراطورة بكاترينا فتحرّك قلبها، فأتتها زائرة برفقة ضابط اسمه برفيريوس. فلمّا تعرّفت بها وبانت لها نعمة الله عليها آمنت بالمسيح، وآمن معها برفيريوس نفسه والجنود الّذين كانوا في إمرته.

        ثمّ إنّ الأمبراطور عاد إلى المدينة بعد سفر قصير ليكتشف أنّ امرأته قد وقعت هي أيضًا في ضلالات المَسيحيّين فأمر بقطع هامتها، هي وبرفيريوس الضّابط وسائر الجنود الّذين معه. فعل ذلك مخافة أن يفلت زمام الأمر من يده ولأنّه رغب في أن يتخلّص من زوجته السّابقة ليصفو له الجوّ مع كاترينا.

        وحاول الأمبراطور ثانية وثالثة أن يستميل فتاة الله بالحُسنى فلم تشأ. إذ ذاك تحوّل كلّ ميله إليها إلى حقد عليها. ويقال إنّه ابتدع دولابًا مسنّنًا بشفرات حادّة لتعذيبها. ولمّا شاء جعل كاترينا على الدّولاب تفكّك وتكسّر وتناثرت قطعه. وإذ ظنّ الأمبراطور أنّ ذلك كان بتأثير السِّحْر الّذي كانت الفتاة تتعاطاه أمر بإعدامها، فقطع الجلّاد رأسها.

        هذا وقد وجد نسّاك رفاتها على قمة جبل سيناء في أوائل القرن الثّامن للميلاد. ومنذ ذلك الحين صار دير سيناء يعرف بدير القدّيسة كاترينا. أمّا كيف انتقلت رفات القدّيسة إلى قمة الجبل فليس واضحًا تمامًا. ثمّة مَن يقول إنّ النّسّاك عرفوا بأمرها إثر رؤيا وإنّها انتقلت إلى هناك من الإسكندريّة، حيث استُشهدت، بواسطة ملائكة.

        من جهةٍ أخرى، يُذكر أنّه لا سجلّات باقية بشأن القدّيسة كاترينا ولا ذكر لها قبل القرن الثّامن للميلاد. والقدّيس سمعان المترجم، في القرن العاشر للميلاد، هو مَن كتب السّيرة الّتي نعرف.

        تعيّد لها الكنائس السّلافيّة والمارونيّة في الرّابع والعشرين من هذا الشّهر فيما تعيّد لها الكنيسة اللّاتينيّة مثلنا في الخامس والعشرين منه.

مواضيع ذات صلة