
نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 21 شباط 2021
العدد 8
أحد الفَرّيسيّ والعشّار
اللّحن 4- الإيوثينا 4
أعياد الأسبوع: *21: البارّ تيموثاوس، إفستاثيوس أسقف أنطاكية *22: تذكار وجود عظام الشّهداء في أماكن افجانيوس *23: تذكار القدّيس بوليكربس أسقف ازمير، القدّيسة غورغوني أخت القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ *24: تذكار ظهور هامَة السّابق للمرّة الأولى والثّانية *25: القدّيس طاراسيوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *26: القدّيس بورفيريوس أسقف غزّة، البارّة فوتيني السّامريّة، البارّ ثيوكليتُس *27: القدّيس بروكوبيوس البانياسيّ المُعترف، ثلالاوس السّوريّ.
كلمة الرّاعي
حكم الله وحكم النّاس
”إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ“ (إشعياء 1: 18)
يميل الإنسان، بعامّة، إلى روح الإدانة أكثر ممّا إلى روح المغفرة وذلك بسبب أنانيّته وكبريائه. لا يستطيع أن ينظر بعين التّفهُّم إلى الآخَر لأنّه لا يعرف نفسه ولا خطاياه. معظم الأحيان، يتعاطى البشر، في العالم، مع بعضهم البعض انطلاقًا من خلفيَّات وأفكار مسبقة يحدِّدون بها واحدهم الآخَر. هذا لأنّ الإنسان يصعب عليه أن يرى ضعفاته وأخطاءه وأهواءه ويسهل عليه أن يرى عيوب الآخَر. بينما، عمومًا، يقدّر نفسه ويعطيها الحقّ في ما تفعله وتحكم فيه، وتاليًا يستسهل تَخْطِيئٌ الآخَر، خاصّة من لا يوجد كيمياء معه. كثيرًا ما يُخطئ البشر في أحكامهم الأولى حول الَّذين يلتقونهم، لأنّهم يحكمون بحسب الظّاهر وانطلاقًا من مقاييسهم الذّاتيَّة المبنيَّة على حقيقتهم الدّاخليَّة الّتي، غالبًا، هم يجهلونها!...
* * *
“لا تَدينوا، لكي لا تُدانوا” (مت 7: 1). إنجيل الفَرّيسيّ والعشار يحدِّثنا عن دينونة الفَرّيسيّ للعشّار. الفَرّيسيّ حكم على العشّار وأدانه، ليس عن معرفة شخصيّة بل انطلاقًا ممّا يعرف عن العشّارين. لم يلتفت إلى حالة هذا العشّار الَّذي كان واقفًا ”عن بُعد“ في آخر الهيكل يصلّي بانكسار قلب هربًا من أن يراه النّاس وتعبيرًا عن عدم استحقاقه للتّواجد في حضرة الله، لأنّه كان عارفًا بحالته المزرية وبحقارته وعدم أهليّته للمغفرة. لذلك، كانت ندامته قويَّة وعميقة ممّا ولَّد في قلبه توبة صادقة وحقيقيّة، إذ كان ”يقرع صدره قَائِلًا: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ“ (لوقا 18: 13). كان يعرف أنّ النّاس لن يقبلوا وجوده في الهيكل، إذ كان يُعتَبر العشّارون خونة وظَلَمَة وخطأة. خاطَرَ بتقبّل إهانة النّاس طلبًا لتبرير الله، لأنّه احتقر نفسه بسبب استسلامها لسبي حبّ الفضّة والسّلطة وما ينتج عنهما من بشاعات... الانسحاق بالتّوبة أمام الله هو طريق الخلاص الَّذي وهبه الله للخطأة مهما كانت ذنوبهم...
* * *
يقول القدّيس نيقوديموس الآثوسي حول الإدانة: ”من الغرور والزّهو، يتولَّد شرٌّ آخر فينا، مسبِّبًا لنا الأذى، أعني الحكم على الآخرين وإدانتهم بقساوة، اللَّذَيْن بوساطتهما نحسبهم لا شيء، ونحتقرهم، وإذا سمحت مناسبةٌ، نذلّهم. هذه العادة السّيّئة المتفرّعة من الكبرياء، تتغذّى وتنمو من هذه الأخيرة، لأنّ الكبرياء تزيد بعد كلّ إدانة، بسبب الإرضاء الذّاتيّ الّذي يرافقها“.
أخطر عدوّ على الإنسان هو كبرياؤه. إنّه يُدمِّر صورة الله فيه، يشوّهها... المستكبر يصير شبيهًا بالشّيطان، ومثله يستطيع أن يتلوَّنَ بنورٍ زائفٍ من التّقوى الخارجيَّة الخدَّاعة الَّتي تحمل في طيَّاتها المخفيَّة خطفًا وظلمًا وتدميرًا للضَّعيف، ومخاصمةً لكلّ مستقيم القلب، ولكلّ من يحيا بالرّوح القدس، وتضخيمًا لخطايا السَّاقطين لتبرير الذّات في أعين النّاس...
الكبرياءُ ولّادَة لكلّ الأهواء ومطفأةٌ لروح الله في قلب الإنسان. المتكبّر ديّان للكلّ. هكذا صنع الفَرّيسيّ إزاء العشّار. الكبرياء درجات والإدانة أيضًا... الرَّحمة لا تلتقي مع الكبرياء كما أنّ المحبَّة لا تتواجد مع الأنانيَّة. هذه مواقف كيانيّة داخليَّة يتّخذها الإنسان ويترجمها في أفكاره وأقواله وأفعاله كلّ حين...
* * *
أيُّها الأحبَّاء، لنهرب من كبرياء الفَرّيسيّ وروح الدّينونة وعدم الرَّحمة الّتي أظهرها في موقفه من العشّار، ولننتبه إلى أنفسنا لئلّا نسقط من عطف الله علينا وغفرانه. من يستطيع أن يحكم على البشر؟!... من يعرف خفايا القلوب والكلى؟!... من هو الإنسان الَّذي يعرف نفسه على حقيقتها بنور النّعمة الإلهيَّة؟!...
حُكْمُ اللهِ علينا دافعٌ لنا للتّوبة وتقويمِ القلب والسّيرة بقوّته، هو الَّذي تنازل وانسحق ليرفعنا من مزبلة خطايانا ويغسلنا من رجاسة أفكارنا وأفعالنا حاملًا في ذاته كلّ ضعفاتنا ليحرِّرنا منها. في المسيح الرَّبّ كشف لنا الآب حبّه اللّامتناهي للبشريّة والخليقة إذ جعل الموت الَّذي حَكَمْنَا على أنفسنا به بابًا للحياة الأبديّة في ابنه القائم من بين الأموات. من يحكم على نفسه بالموت عن الخطيئة بالتّوبة يحكم له الله بسُكنى الملكوت، ومن يحكم على غيره بالكبرياء يجلب على نفسه الدّينونة الأبديَّة...
لذلك، فلنتب إلى الله ليتوب علينا، ولنهتف من أعماق القلب والكيان بانسحاق في كلِّ حين: ”يا ربّي يسوع المسيح يا ابن الله ارحمني أنا الخاطئ“.
ومن له أذنان للسّمع فليسمع ما يقوله الرّوح في قلبه...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق أحد الفَرّيسيّ والعشّار (باللّحن الرّابع)
لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.
الرّسالة (2 تيمو 3: 10– 15)
صَلُوا وَأوْفوا الرَّبَّ إلهَنا
اللهُ مَعْروفٌ في أرضِ يهوَذا
يا ولدي تيموثاوس، إنّك قد استقرأت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي، وما أصابني في أنطاكية وإيقونيّة ولسترة، وأيّة اضطهاداتٍ احتملتُ، وقد أنقذني الرَّبُّ مِن جميعِها. وجميعُ الّذين يُريدون أن يعيشوا بالتَّقوى في المسيح يسوعَ يُضطهَدون. أمّا الأشرارُ والمُغْوُونَ من النّاس فيزدادون شرًّا مُضِلِّين وَضالِّين. فاستمِرَّ أنتَ على ما تعلَّمْتَهُ وأيقنتَ به، عالِمًا مِمَّن تعلّمتَ، وأنّك منذ الطّفوليّةِ تعرفُ الكتبَ المُقَدَّسة القادرةَ أن تصيّرَك حكيمًا للخلاص، بالإيمان بالمسيح يسوع.
الإنجيل (لو 18: 10– 14)
قال الرَّبُّ هذا المَثَل: إنسانانِ صَعِدا إلى الهيكلِ ليصلّيا، أحدُهما فرّيسيٌّ والآخَرُ عشّار. فكان الفرّيسيُّ واقفًا يُصلّي في نفسه هكذا: ”أللّهمّ إنّي أشكرُكَ لأنّي لستُ كسائر النّاس الخَطَفَةِ الظّالمين الفاسقين، ولا مثل هذا العشّار. فإنّي أصومُ في الأسبوع مرّتين وأعشّرُ كلَّ ما هو لي“. أمّا العشّارُ فوقفَ عن بُعدٍ ولم يُرِدْ أن يرفعَ عينَيه إلى السّماء، بل كان يَقرَعُ صدرَه قائلًا: "اللّهُمّ ارحَمني أنا الخاطئ". أقولُ لَكُم إنّ هذا نزل إلى بيته مبَرَّرًا دون ذاك، لأنّ كلَّ من رفع نفسه اتّضع، ومن وضع نفسه ارتفع.
حول الإنجيل
اليوم هو أحد الفَرّيسيّ والعشّار ومعه تبدأ فترة التّهيئة للصّوم الكبير. وكما في كلّ نواحي الإنسان، قبل كلّ استحقاق كبير، يهيِّئ نفسه جيّدًا كي يخوض تجربته بنجاح لا كمرور الكرام.
فلكي تكون فترة الصّوم خبرة مميزة في حياة الإنسان وترفعه نحو الله، عليه أن يتسلح بعدّة أمور أولها ما يعلمنا إياه هذا الأحد وهو التواضع. بدونه، تكون خبرة الصّوم عقيمة بلا فائدة وتنحرف عن مسارها لتصبح ريجيم للجسد ليس إلّا.
مثلُ الفَرّيسيّ والعشّار مثلٌ قاله الرَّبّ يسوع "لِقَوْمٍ واثقين بأنفسهم أنّهم أبرار ويحتقرون الآخرين" (لو 18: 9). إنّه يحذّرنا من سلوكٍ كهذا لأنّه سلوك شيطانيّ، يحارب عمل الله فينا.
فالله صُلِب لأجلنا. والصّليب ذات البعدين، له عملين أساسيّين في خلاصنا: البُعد العاموديّ يجعلنا مصالحين مع الله، والبعد الأفقيّ يجعلنا مصالحين مع الآخرين. أصبحنا بصليب المسيح أبناء الكنيسة الّتي رأسها المسيح وأعضاؤها الإخوة الأحبّاء.
الكبرياء يدمِّر عمل الله هذا فينا. أوّلًا عندما نثق بأنفسنا أنّنا أبرار، هذا يعني أنّنا نقول لله علانيّةً أنّنا لسنا بحاجة لتنازله ليخلّصنا. نقول بأنّنا مُخلّصون بقوّتنا. ولكن هل هذا صحيح؟ نخطئ المرّات، فكرًا وعملًا، وفي صراعٍ دائم مع الحياة نشعر بضعفنا فنحارب ونجاهد ولكنّنا كثيرًا ما نجد أنفسنا بحاجة ماسّة إلى الله كي ينقذنا من آلامنا وضعفاتنا. فكيف لنا أن نثق بأنفسنا؟ نقول مع الرّسول بولس: "من ينقذني من جسد الموت هذا؟" (رو 7: 24). إذًا لسنا بقوّتنا مخلَّصين بل بقوّة الله. ولسنا قادرين بدونه أن نكمل المسير. فعلينا أن نعرف هذا ونسلك بتواضع.
ثانيًا: عندما نحتقر الآخرين ندمّرهم. ندمّر من مات المسيح لأجلهم، والسّبب يكمن في رغبتنا بأن نقصي الكلّ لكي نبقى نحن فقط.
من الجيّد والمطلوب أن يسعى الإنسان نحو كمال ذاته. ولكن عليه أن يحذر من أن يسعى لكي يكون الأكمل في مجتمعه. لأنّه بذلك يتملّك فكره الكبرياء فيصنف نفسه في درجة أولى بين الكلّ.
مات المسيح لكي يجمع المتفرّقين إلى واحد (يو 52:11). وكي نصبح رعيّة واحدة وراعٍ واحد (يو 16:10). تدمير الآخرين هو من عمل الشّيطان فينا لكي يفرّقنا ويدمّرنا.
الكنيسة تذكّرنا اليوم بالتّواضع. مَن عرفه فليسلك فيه، ومَن لا يعرفه فليتعلّمه من يسوع "الوديع والمتواضع القلب" (متّى 29:11).
"نتحيّر ولا نيأس"
(2 كور 8: 4)
في الهلّينيّة كلمة "يأس" (Απελπισία) هي نفي كلمة "رجاء" (ελπίδα) فإن أردت أن تحارب اليأس عليك أن تتمسّك بالرّجاء وتفقه مضمونه.
الرَّجاء ميزة الإيمان الأساسيّة. الله الظّاهر المُتخفّي لا يُرى حسّيًّا بل رجائيًّا وإيمانيًّا. الرَّجاء، إضافة إلى المحبّة، هو التّرجمة المَسلَكِيّة للإيمان. هو، بحسب كليمندس الإسكندريّ، "دم الإيمان". بالإيمان يتخطّى المؤمن هذا العالم بما فيه مِنْ نجاحات وإخفاقات، من فرح وحزن، من صحّة ومرض، من حياة وموت ليختبر حقيقة الله ومجده اللَّذَيْن لا يستوعبهما هذا العالم الآنيّ. بالرَّجاء يتخطّى المؤمن وجوده في اللّحم والدّم ليندرج في ملكوت الله الّذي حلّ في عالمنا بتجسّد ابن الله فيه. رجاء المؤمن ليس وَهمًا أو فِكرًا أو مبادئ بل هو المسيح عيْنَه الحَيّ إلى الأبد. "من بولس رسول يسوع المسيح بأمر الله مخلّصنا والمسيح يسوع رجائنا" (1تيمو 1: 1)، هو رجاءٌ حَيّ "وَلَدَنا لرجاء حيّ" (1بط 3: 1) ولأنّه حيّ فهو حقيقيّ.
* * *
نوائب هذا العالم، خيباته، نكساته الظّاهريّة والموت هي من أفعال الشّرّير، لا تُميت الرَّجاء المَسيحيّ بل تُقَدّم له فرصًا ليتأكّد، عبرها، من حقيقة رجائه القائم على شخص المسيح الحَيّ إلى الأبد. هذا يتطلّب رؤية جديدة لحياته الشّخصيّة والاجتماعيّة.
كلّ إنسان يحدّ وجوده في هذا العالم المنظور يُعطي للأخير صفة الإطلاق ويَحِدُّ وجوده ضمنه وستقوده زواليّة هذا العالم وتناقضاته إلى اليأس مبيد الرّجاء. "إذا كان رجاؤنا في المسيح مقصورًا على هذه الحياة فنحن أشقى النّاس أجمعين" (1 كو 15: 20).
* * *
بالرّجاء نقفز فوق نكسات هذا العالم وخيباته، ندرك نسبيّته فنتعامل معه نسكيًّا. بلاء كبير أن نعلّم المسيحيّين أنّ النُّسك لا يُعاش إلّا في الأديرة والمناسك. النُّسك هو وسيلة اقتناء الرَّجاء ومحاربة اليأس، "الرَّجاء لا يظهر جليًّا إلّا أثناء إتمام الفضائل واحتمال المشقّات" (القدّيس إسحق السُّريانيّ). اللّاهث وراء ملذّات الدُّنيا وراحتِها وترفِها لا يمكن أن يكون صاحب رجاء، لأنّها كلّها ستزول ولن يكون للاهث وراءها إلّا اليأس. وحده من اختبر النُّسك المَسيحيّ قادر على الرَّجاء.
ما نعنيه "بالنُّسك المَسيحيّ" هو موقف كيانيّ يُترجَم سلوكًا قائمًا على التّحّرر من خيرات هذا العالم، لا لأنّها شرّ، فهي من عطاياه الخيّرة، بل لأنّها ليست مصدرَ حياتنا بل الله مصدرها. النُّسك المَسيحيّ المقرون بالمحبّة والإيمان هو قناعة تُترجَم صلاةً، صومًا، تواضعًا، فقرًا طوعيًّا وتخلّيًا. هو سلاحنا ضدّ اليأس زمن الضِّيقات والشُّرور "فاستريحي يا نفسي وكلي واشربي وتنعّمي" (لو 12: 16- 21). كيف يمكن لصاحب هذا القول أن يكون صاحب رجاء؟
إذا كانت حياتنا سعيًا للتّنعّم بخيرات هذا العالم فلا نستغربنّ يأسَنا اليوم. فلنتخطّ هذا اليأس بكسر طوق أنانيّتنا وعالمِنا المُترَف ولننطلق إلى الآخَر، إلى المسيح الحياة، المتألّم، الجائع، المريض، المضطهَد والمظلوم. لنبخل على ذواتنا ونكْرمْ هؤلاء. لا ننسينّ الصّبر الّذي هو ثمر شعورنا بالخلاص: "لأنّنا نلنا الخلاص ولكن في الرّجاء، فإذا شوهِد ما يُرجى بَطَلَ الرّجاءُ وكيف يرجو المرءُ ما يشاهده. لكن إذا كنّا نرجو ما لا نشاهده فبالصّبر ننتظره" (روم 8: 24 – 25).
أقوال للقدّيس البارّ نيلس السّينائي
ولعله من المفيد لنا أن نطّلع على بعض ما علّمه القدّيس نيلس، لا سيّما في موضوع حياة الصّلاة. فمن أقواله: "إن الأهواء الجسديّة أساسها في الرّغبات الجسديّة، ولِلَجْمِها لا بُدَّ من الإمساك، أمّا الأهواء الرّوحيّة فأساسها في الرّغبات الرّوحيّة وضدّ هذه لا بد من الصّلاة" .
وفي الدّموع قال: "قبل كلّ شيء صلِّ لتُعطى الدّموع فيرقِّق البكاء القساوة الّتي في نفسك وتعترف بخطاياك أمام الرّبّ. إذ ذاك تنال منه غفران الزّلات".
وقال في الصّلاة: "إذا كنت ترغب في الصّلاة الحقّ فتخلّ عن الكلّ لترث الكلّ".
وتساءل: "لماذا ترغب الأبالسة في أن تحرّك فينا الشّراهة والزّنى والجشع والغضب والحقد وسائر الأهواء؟" فأجاب: "لكي ينوء الذّهن تحت ثقلها جميعًا فيعجز عن الصّلاة كما ينبغي. كلّ الحروب بيننا وبين الأرواح النّجسة تستهدف الصّلاة الرّوحيّة. فالصّلاة الرّوحيّة هي أكثر ما يؤذي الشّياطين فلا يطيقونها، أمّا لنا فهي خلاصيّة موافقة". وقال أيضًا: "إذا كنت لاهوتيًّا صلّيت صلاة حقيقيّة وإذا صلّيت صلاة حقيقيّة كنت لاهوتياً".
وعن الرّاهب قال: "الرّاهب هو ذاك الّذي يترك النّاس ليتّحد بهم جميعًا. هو ذاك الّذي يرى نفسه في كلّ إنسان".
وعن حاجات الجسد والاتّكال على الله قال: "توكّل على الله في حاجات الجسد، إذ ذاك يتّضح أنك توكّلت عليه في حاجاتك الرّوحيّة أيضًا".
وعن أصول الصّلاة قال: "تستدعي الصّلاة أن يكون الذّهن خاليًا من كلّ فكر ولا يقبل ما ليس من الصّلاة حتّى لو كان في ذاته فكرًا صالحًا. فعلى الذّهن أن يترك كلّ شيء في الصّلاة ليُناجي الله وحده".