Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 5 حزيران 2022       

العدد 23

أحد (6) بعد الفصح (آباء المجمع المسكوني الأوّل)

اللّحن 6- الإيوثينا 10

كلمة الرّاعي

من الآباء القدِّيسين إلى المؤمنين المعاصرين

"لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ.

لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ." (1 كو 4: 15)

 

من هم الآباء في الكنيسة؟ وهل انتهى زمنهم؟ ألم تعد الكنيسة تنتج آباءً قدِّيسين؟ ما هي صفات الرُّعاة في الكنيسة اليوم، وهل هي مختلفة عن صفاتهم قبلًا؟

من ندعوهم آباءً قدِّيسين هم الَّذين جاهدوا وحفظوا الإيمان القويم ودخلوا في سرّ الشركة مع الله وتكلّموا عن السّرّ الإلهيّ بما خَبِروه من حياة النّعمة وفِعْلِها فيهم إذ استناروا بنور الألوهة وعرفوا الله وكانوا ”قادرين على تجسيد خبرة الكنيسة“ (الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس، https://www.orthodoxlegacy.org/?p=1539). الكنيسة تلد الآباء الَّذين هم ”حاملون حقيقيّون لحقيقة الإعلان المحفوظ في الكنيسة“ (المرجع نفسه).

الكنيسة تلدهم بالرّوح القدس في المسيح الَّذي هو الكلّ في الكلّ وهم شهود له. الرّوح القدس لم يتوقّف ولن يتوقّف عن تقديس المؤمنين وعن منح الكنيسة والعالم آباء يحملون خبرة سُكناه فيهم ومعاينتهم لله في النّور غير المخلوق. الرّوح القدس هو حافظ الكنيسة في العالم وهو الَّذي يُنشئ آباء مستنيرين مختَبَرين قادرين على تأوين الإيمان لأناء كلّ زمان.

*          *          *

يعلّمنا الرّبّ في إنجيله: بأنّه ”لا يجعلون خمرًا جديدة في زقاق عتيقة … بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة“ (مت 9: 17). هذا يعني بأنّنا لا نستطيع أن نعرض تعليم الآباء بلغة عصرهم لإنسان من عصر مختلف، وبلغة بيئتهم وحضارتهم لإنسان حضارة وبيئة مختلفتين. الخبرة الرّوحيّة واحدة لأن ”الكرمة“ (راجع يو 15: 1—5) واحدة والرّوح واحد، لكنّ أهميّة الآباء تكمن في أنّهم نقلوا هذه الخبرة الرّوحيّة ومعرفة الكشف الإلهيّ لأبناء عصرهم بلغتهم. ألم يعلّمنا الرّبّ يسوع هذا حين تكلّم مع أبناء جيله بأمثلة من حياتهم اليوميّة؟!...

دور آباء الكنيسة هو أن ينقلوا خبرة معرفتهم لله ليس بالكلمة فقط بل بالعمل أوَّلًا، ولهذا فكلمتهم ذات سلطان لأنّها من ”الكلمة“ منطوقة بـ ”الرُّوح القدس“. هكذا، تصير كلمتهم كلمة الله الّتي إذا ما سقطت في أرض صالحة أثمرت ثلاثين وستّين ومئة ضعف.

ما يميِّز آباء الكنيسة أنّهم يسيرون وراء الرّبّ حاملين صليبهم مميتين إنسانهم العتيق وصالبينه مع العالم ولأجل العالم، فيموتون مع المسيح فيحيون معه وفيه وبه وله. إنّهم لهذا يعيشون ما قاله الرّسول بولس: ”مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي“ (غل 2: 20).

*          *          *

لا شكّ أنَّ الآباء بالمعنى العميق للكلمة (كما ذكرنا أعلاه، راجع أيضًا: 1 كو 4: 15 وغل 4: 19)، هم حاملو كنز المعرفة الإلهيَّة وموهبة ترجمته حياةً وتعليمًا في خطّ العقيدة الإلهيّة الّتي حدّدتها الكنيسة المقدَّسة في مجامعها المسكونيّة بشكلٍ أساسيّ. بناءً عليه، كلّ من يعلّم في الكنيسة يجب أن يتشرَّب هذه الرّوح الآبائيّة أي أن يكون مجاهدًا لحفظ استقامة الرّأي في حياته وتعليمه وأن يكون إنسان صلاةٍ وتوبة وأن يكون قدوةً في الإيمان والعمل.

لا شكّ أنّ الآباء، بهذا المعنى قليلون، ولكنّهم فاعلون لأنّ روح الرّبّ الظّاهر في وجوههم وحياتهم هو الَّذي يشهد للرّبّ ”الكلمة“ بهم إذ هم يستشهدون يوميًّا في إنسانهم الدّاخليّ في حرب التّنقيّة ليبقوا أُمناء للمعلِّم الَّذي ينيرهم ليصيروا نورًا للعالم يستقطب العائشين في ”الظّلمة وظلال الموت“ (لو 1: 79). وهم إذ يستغرقون في الدَّهَش يحملون إلى الكنيسة ثمار معاينتهم الإلهيَّة تعزية وفرحًا وقوَّةً مسكوبةً في أقوالهم وأفعالهم ذخيرة للمؤمنين ليواجهوا بها العالم وما في العالم في سرّ الرّجاء الَّذي فيهم.

*          *          *

أيّها الأحبّاء، المطلوب من كلّ المؤمنين واحد، لكن ”مَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ“ (لو 12: 48). لذلك، كان على الإكليروس والرُّهبان والرّاهبات والمُكَرَّسين والمُكَرَّسات أن يلتصقوا أكثر بعِشرة الكلمة الإلهيّة وعيشها وأن يكونوا قُدوة في محبّة الله ومحبّة الآخَر وخدمته، منزَّهين عن حبّ اللَّذّات متحرِّرين من الشّهوات معتَقين من محبّة المال سالكين في التّقوى والفضيلة ظاهرة في حياتهم وأعمالهم. هذا لا يمكن أن يتحقَّق إن لم يكونوا مصلِّين حارِّين بالرُّوح مجروحين بمحبّة الله.

لا يحقُّ لهؤلاء أن يطلبوا أن يعيشوا كباقي النّاس، بل يجب أن يكونوا أيقونةً تُجسِّدُ تعليم الرّبّ يسوع وحياته لا سيّما في نقاوة السّيرة والوداعة والتّواضع والمحبّة الباذلة وغير المشروطة.

الكنيسة دومًا مخصبة وتلد لنا آباء قدِّيسين وأمّهات قدّيسات لأنّ الرّوح القدس لا يتوقّف عمله وهو يقودها، رغم ضعف البشر، لتكون دومًا أيقونة الدَّهر الآتي ونوره وفرحه هنا والآن في هذا العالم ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

طروبارية الآباء (باللَّحن الثّامن)

أنتَ أيّها المَسيحُ إلهنا الفائق التّسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكب لامعة، وبهم هَدَيتنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيل الرّحمة المجد لك.

طروباريّة الصّعود (باللَّحن الرّابع)

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذّك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنوا بالبَرَكة أنَّك أنْتَ ابنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

قنداق الصّعود (باللَّحن السَّادِس)

 لـمَّا أَتْمَمْت التَّدبيرَ الّذي من أجلِنا، وجعلتَ الّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا بأحبَّائكَ: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.

الرّسالة (أع 20: 16– 18، 28– 36)

مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا            

فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الّتي ﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.

الإنجيل (يو 17: 1– 13)

في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الّذينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.

حول أحد الآباء

في الأحد السّادس بعد الفصح تُعَيِّد كنيستنا لذِكْرى الآباء الـ 318 المتوشّحين بالله، آباء المجمع المسكونيّ الأوّل الَّذي عقد في نيقيا من مقاطعة فيثينيّا في أيّار من العام 325 م. بدعوة من الإمبراطور قسطنطين، والَّذي أدان بدعة آريوس وأعلن المسيح إلهًا مساويًا للآب في الجوهر. نجد في عدّة مخطوطات إشارات تحدّد ذكرى هؤلاء الآباء في 29 أيّار. أمّا سبب تحديد هذا الأحد كذِكْرى لهم فهو العِرْف المتَّبَع في كنيسة القسطنطينيّة والَّذي تُنقَل بموجبه ذكرى كِبار القدّيسين إلى الآحاد. واعتُبِر الأحد السّابع بعد الفصح، غير الحامل مضمونًا تعييدِيًّا خاصًّا به، الأحد الأنسب والأقرب لذكرى هؤلاء الآباء لتُنقل ذكراهم إليه.

في هذا الأحد تتشابك في صلواتنا، إضافة إلى الصَّلوات القياميّة المعتادة والمخصَّصَة للآحاد، طروباريّات لما بعد الصُّعود الَّذي احتفلنا به قبل أيّام، وطروباريّات لما قبل العنصرة الَّتي سنحتفل بها بعد سبعة أيّام. هكذا تتشابك اليوم القيامة والصُّعود وذكرى الآباء والعنصرة. يتجسّد أمامنا في ترانيم هذا الأحد تناغمُ هذه المواضيع وترابطُها ووحدتُها ضمن تدبير الله الخَلاصِيّ لكنيسته. في ذكرى آباء المجمع الأوّل يُشدَّد على أمانة الكنيسة للتَّعليم المستقيم كما سمعتْه من فم الرَّبّ وكما رأتْه منحوتًا في مجمل عمل الله الخلاصيّ. هذا ما نقرأه في سنكسار هذا الأحد:

"إنّنا نعيّد هذا العيد الحاضر لهذا السَّبب. ذلك أنّ ربّنا يسوع المسيح حين لبس جسدنا وأتمّ كلّ التَّدبير بحالٍ لا يمكن وصفه، وعاد وصعد إلى العرش الأبَوِيّ، أراد الآباء القدّيسون أن يُوضِحوا أنّ ابن الله صار إنسانًا بالحقيقة وصعد وهو إنسان تامّ وإله تامّ وجلس عن يمين العظمة في الأعالي. وأنّ مجمع القدّيسين هذا كرز به هكذا واعترف جهارًا أنّه مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة. لهذا السَّبب رتّبوا بإلهام إلهيّ هذا العيد الحاضر بعد الصُّعود المجيد كأنّهم تقدّموا فرفعوا شأن مجمعِ آباءٍ كرزوا به هذا مقدارهم، أعني أنّ هذا الصّاعد بالجسد هو إلهٌ حقيقيّ وإنسان تامٌّ بحسب الجسد".

في كنيسة آيا صوفيا في القسطنطينيّة وخلال القرنين العاشر والحادي عشر كانوا يحتفلون في هذا الأحد، إضافةً إلى ذكرى آباء المجمع الأوّل، بذكرى آباء المجامع السِّتّة المسكونيّة بغية تبيان وحدة التَّعليم الكنسيّ وتوافقها مع تعليم الكتاب المقدّس. بقايا هذا العيد الجامع للآباء نلحظها في إحدى تراتيل صلاة الغروب (اللِّيتين) حيث يُذكر، إضافة إلى آريوس، ماكيذونيوس، نسطوريوس، إفتيخيس، سافيليوس، وسيفيروس الَّذين أُدينت تعاليمُهم في المجامع المسكونيّة الأخرى.

أودّ أن أعرض هنا من صلاة الغروب، والَّتي نادرًا ما يشارك فيها المؤمنون، قراءتَين من العهد القديم، رأت الكنيسة في أحداثهما نموذجًا مسبقًا للآباء المحتفى بهم ولدورهم في حياة الكنيسة. الأولى من سفر التَّكوين (14 : 14 – 20) يوصَف فيها النَّصر الَّذي حقّقه إبراهيم على رأس حشمه وعائلته وعددهم 318 ضدّ الملوك الَّذين اجتمعوا عليه وكيف حرّر لوطًا وأمواله وعبيده. واليوم آباء المجمع الأوّل الـ 318 شكّلوا معسكرًا إلهيًّا تمكّنوا، بجهادهم الرُّوحيّ، من الانتصار على أعداء المسيح وسَحْقِ بِدَعِهم وتحرير المؤمنين من ضلالاتهم. والثّانية من سفر التّثنية (1 : 8 – 17) حيث اختار موسى من الشَّعب "رجالًا حكماء عقلاء وعلماء" وأوكل إليهم قيادة الشَّعب. وهم نموذج للآباء الَّذين أقامهم الرَّبّ لرعاية كنيسته. على الأوّلين وزّع موسى روحه وعلى الآخرين وزّع الروحُ القدس مواهبَ الحكمة والحكم المستقيم تجاه كلّ ما يصادف الكنيسة من أزمات وبدع ومخاطر.

تفسير القدّاس الإلهيّ (الجزء العاشر)

"قوّة الرُّوح القدس المظلّلة": يتلو الكاهن صلاة استدعاء الرُّوح القدس بعد الكلام الجوهري رافعًا الصَّلاة باسم الكنيسة المجتمعة مستعملًا صيغة المتكلّم الجمع: "نطلب ونتضرع ونسأل أن ترسل روحك القدُّوس علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة، واصنع هذا الخبز فجسد مسيحك الـمُكرَّم، آمين، وأمّا ما في هذه الكأس فَدَمَ مَسيحِكَ الـمُكَرَّم، آمين، محوِّلًا إيّاهُما بروحك القدُّوس آمين. آمين. آمين". في هذه الصَّلاة نصل إلى أهمّ لحظات القدّاس الإلهيّ وأدقّها حيث سيتحقّق تحويل القرابين إلى جسد المسيح ودمه. القدّاس الإلهيّ هو عمليّة متكاملة وأجزاء القدّاس لا تنفصل عن بعضها البعض بل تتكامل. هكذا لا يمكن فصل استدعاء الرُّوح القدس على القرابين عن باقي أجزاء القدّاس وإلّا صار بالإمكان اختصار القدّاس إلى هذه الصَّلاة بمفردها ثمّ الـمُناوَلة. هذه الصَّلاة تتوّج ما كنّا نعدّ له في القدّاس عبر اجتماعنا مع بعضنا وقراءة الإنجيل والرِّسالة وإعلان إيماننا ومحبّتنا إلخ... ما يميّز هذه الصَّلاة هو استدعاء الرُّوح القدس "علينا" وعلى القرابين الموضوعة. علينا أن نصير هياكل للرُّوح القدس، وهذا الحلول إنّما هو جواب الله على توسّل أولاده. إنّه الضّمانة انّ الله يعتبرنا أولاده، وأنّ هذه القرابين قد غدت مقبولة لدى محبّته. ويقول الذّهبي الفم: "لا يبقينّ لديك أي شكّ في شأن مصالحتك مع الله، عندما ترى الرُّوح القدس منحَدِرًا بغزارة". حضور المعزّي يجمع شعب الله حول المائدة المقدّسة. يجمع رابطة الكنيسة الشّاكرة: "لو لم يكن الرُّوح القدس حاضِرًا لما تكوّنت الكنيسة وتألّفت. وبما أنّ الكنيسة موجودة، فمن الجليّ أنّ الرُّوح القدس حاضر".

يستأنف الكاهن شكره لله على النِّعَم الغَزيرة الَّتي منحنا إيّاها عبر الأنبياء والرُّسُل والقدِّيسين كما نشكره "خاصَّةً مِنْ أجل والدةِ الإله..." ويصلّي بعدها من أجل الرَّاقِدين ومن أجل الأساقفة والكهنة والعالَم بأسره... ثمّ يذكر رئيس الكهنة، مطران الأبرشيّة، بِصَوْتٍ عالٍ لكي يبقى حافِظًا كلمة الله الَّتي هي الحقّ والحياة ومعلِّمًا لها.

الصَّلاة الرَّبِّيَّة: تأتي الطِّلبة بعد الأنافورا (الكلام الجوهريّ)، وقبل تلاوة الصَّلاة الرَّبِّيَّة بمثابة تابع للطِّلبة السّلاميّة الكبرى، وتنتهي هذه الطِّلبات بإعلان الكاهن "وأهِّلنا أيُّها السَّيِّد لأنْ نَجْسُرَ بِدَالَّةٍ وبِلا دينونة على أن ندعوك أبًا أيُّها الإله السَّماويّ ونقول"، ويتمّ بعدها تلاوة الصَّلاة الرَّبِّيَّة. يقول القدِّيس نيقولاوس كاباسيلاس في شرحه للقدّاس الإلهيّ إنّه: "بعد أن ثقّف الكاهن المؤمنين وأنهضهم بطرق مختلفة إلى الفضيلة، فإذ يرى الكاهن أنّ استعدادهم قد تمّ، وأنّهم أهل للتّبنّي الإلهيّ، يسأل الله أن يؤهّلهم ليتلوا معه تلك الصَّلاة الَّتي فيها نتجاسر فندعوه أبًا" (كاباسيلاس "شرح القدّاس الإلهيّ" 107). (يتبع)

أنقر هنا لتحميل الملفّ