Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 31 تشرين الأوّل 2021                        

العدد 44

الأحد (19) بعد العنصرة  

اللّحن 2- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *31: الرّسول سطاشيس ورفقته، الشّهيد أبيماخس *1: قزما وداميانوس الماقتا الفضّة، البار داوود (آﭬيا) *2: الشّهداء أكينذينوس ورفقته *3: الشّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللّدّ *4: إيوانيكيوس الكبير، الشّهيدان نيكاندرس أسقف ميرا وإرميوس الكاهن *5: الشّهيدان غالكتيون وزوجته ابيستيمي، أرماس ورفقته *6: بولس المُعترِف رئيس أساقفة القسطنطينيّة.

كلمة الرّاعي

في شهوة الجسد والشِّفاء الرّوحيّ

”اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ“ (غل 5: 16)

نعيش في زمن صار فيه الفسق حرّيّة والفساد الأخلاقيّ جرأة والانحراف الإنسانيّ تحضُّرًا والسَّفاهة في التّعبير رُقيًّا. العالم يعيش للجسد، ويريد أن يَستعبد كلّ بشر له عبر تسويق الجسد كأداة للَّذَّة وجعل الإنسان جسدًا وتحديد غاية الحياة بالحصول على المتعة. واللّذائذ متعدِّدة وتطال الجسد والنّفس معًا لأنّه لا  فصل في حقيقة الإنسان الكيانيّة بينهما، فما يؤثِّر على النّفس ينعكس على الجسد وما يصيب الجسد يحفِّز النّفس.

ما يحصل اليوم، على هذا الصّعيد، ليس جديدًا على الإنسانيّة السّاقطة ”فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ“ (جا 1: 9). لكن، الخطورة في أيّامنا هي سرعة الانثقاف (inculturation) وكثافته، عبر العالم، باتّجاه الفكر الواحد والحضارة الواحدة من خلال وسائل الاعلام والتّواصل الاجتماعيّ كافّة...

يقول سليمان الحكيم إنّ ”دُوَارَ الشَّهْوَةِ يُطِيشُ الْعَقْلَ السَّلِيمَ“ (حك 4: 12)، وهذا بالضّبط ما تصنعه الحضارة الاستهلاكيّة وفلسفتها بإنسان هذا الزّمن من خلال البثّ الممنهج والمستمرّ والمتزايد لحضارة اللّهاث وراء شهوة الجسد...

*          *          *

لا يستطيع المؤمن أن يعيش بدون موقف بإزاء ما يحدث حوله، عليه أن يفحص الأفكار والأعمال بروح الإنجيل وبمقياس شخص الرّبّ يسوع واتّباع القدِّيسين الَّذين واجهوا الحياة وما فيها بروح الرّبّ وكلمة الحياة. ما لا ينسجم مع روح الرّبّ وكلمة الله فهو من إبليس ويجب مجابهته. الحرب على الإنسانيّة اليوم، هي حرب متعدِّدة الأوجه والمحاور. فالإنسان يحارب بلقمة عيشه، بأمنه، باستقرار حياته، ممّا يؤدّي به إلى الإحباط وأحيانًا كثيرة إلى اليأس، هذا من جهة. ويحارَب الإنسان المعاصر بأفكار الإلحاد المستترة في مفاهيم سامية كالحرّيّة والحقّ بالعيش الكريم والرّفاهية وحقوق الإنسان وغيرها، هذا من جهة أخرى.

من لا يحيا بروح الله يعيش للجسد أي لكلّ ما يُشبع نهمه إلى أن ينوجد ولكن بما لا يعطيه وجودًا بل بالأحرى بما يخسِّره وجوده لأنّه يخسر نفسه وإنسانيّته وحقيقته إذ يطلب الحياة ممَّا هو زائل... الإنسان في هذا العالم يتحرَّك في إطار الشّهوة ما بين لذّتها وألمها، لذا تراه غير مكتفٍ وغير مرتاح القلب والفكر. الشّهوة تولِّد أمراضًا كثيرة في النّفس والجسد وعُقَدًا تُكَبِّلُ حياةَ الإنسان. لذا، فالإنسان الجسدانيّ هو في اضطراب وقلق وتشويش وخوف مستمرّ يتخلّله لحظات نسيان عبر التّنفيس في لذّة الجسد يستتبعها مرارة قد تطول أو تقصر بحسب مدى ملئه لوقته بالعمل والنّشاطات والرّحلات وغيرها ليهرب من واقع ألمه الدّاخليّ المستمرّ بفعل اللّاوعي...

ما الحلّ؟!...

*          *          *

تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ“ (مت 11: 28—30). الرَّبُّ يسوع يدعونا إليه ليمنحنا راحته الَّتي لا يستطيع أيّ شيء أن يقلقها. لكن، الشّرط لاقتناء هذه الرّاحة هو أن نقبل بالتّعلّم من الرّبّ وأن نحمل نير وصيّته الَّتي جوهرها محبَّة الله ومحبّة القريب. محبّة الله تطهِّر ضمائرنا وقلوبنا من خلال حياة الصّلاة وما ينتج عنها من توبة على صعيد تقويم الحياة في تعاطينا مع أنفسنا ومع أفكارنا ومسيرة حياتنا وفي علاقاتنا مع الآخرين وخدمتنا لهم. الإنسان هو المحبَّة، والمحبَّة الّتي نقتنيها بالنّعمة الإلهيّة من خلال جهاد الصّلاة والصّوم وعِشْرَة الكلمة الإلهيَّة تجعل كلّ شيء طاهرًا لنا وتحوِّل كلّ أفكارنا وأعمالنا وعلاقاتنا إلى مطارح لعيش هذه المحبَّة الَّتي هي الطّاقة أو القوّة الإلهيَّة المانحة الفرح والرّاحة والسّلام واللّطف والوداعة والتّواضع. حين يتعلّم الإنسان أن يحبّ، بحسب المسيح، يتغلَّب على كلّ شهوة ويصير الآخَر والعالم له مطلّات لتجلّي وجه يسوع وينابيع لتدفّق نعمة الثّالوث القدُّوس المُحرِّرة والمُشبعة لحاجة الإنسان إلى الوجود، لأنّ الله هو الوجود، ومن التصق بالرّبّ صار وإيّاه روحًا واحدًا أي يتحوَّل الوجود بالنّسبة له إلى شركة في روح الله وحياة الله وسرّ الحبّ الإلهيّ الَّذي لا حدود له...

ومن استطاع أن يقبل فليقبل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

 عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (2 كور 11: 31-33، 12: 1– 9)

قوّتي وتسبحتي الرَّبّ

أدبًا أدّبني الرّبّ

يا إخوةُ، قد عَلِم الله أبو رِبِّنا يَسُوعَ المسيحِ المُبارَكُ إلى الأبدِ أنّي لا أَكْذِب. كانَ بدِمشقَ الحاكِمُ تحتَ إمرةِ الملكِ الحارثِ يَحرُسُ مدينةَ الدّمشقيّينَ لِيَقبِضَ عليَّ. فدُلِّيتُ مِن كُوَّةٍ في زِنبيلٍ مِنَ السُّورِ ونَجَوْتُ من يَدَيهِ. إنَّهُ لا يُوافقُني أن أفتَخِرَ فآتيَ إلى رُؤى الرَّبِّ وإعلاناتِه. إنّي أَعرِفُ إنسانًا في المسيحِ مُنذُ أربَعَ عَشَرَةَ سنةً (أَفِي الجَسدِ لستُ أعلمُ أم خارجَ الجَسَدِ لستُ أعلم. اللهُ يَعلم)، اختُطِف إلى السَّماءِ الثّالثَة. وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أَفِي الجَسَدِ أَمْ خارِجَ الجَسَدِ لَستُ أَعلَمُ. اللهُ يَعلم)، اختُطفَ إلى الفِردَوسِ وَسَمِعَ كَلِماتٍ سِرّيَّةً لا يَحِلُّ لإنسانٍ أن يَنطِقَ بِها. فَمِن جِهَةِ هذا أفتَخِر، وأمَّا من جِهَةِ نَفسي فلا أفتخِرُ إلّا بِأَوْهاني. فإنّي لَو أرَدْتُ الافتِخارَ لَم أكُنْ جاهلًا، لأنّي أقولُ الحقَّ، لكنّي أَتَحاشى لِئَلّا يَظُنَّ بِي أحَدٌ فَوقَ ما يَراني عليهِ أو يَسمَعُهُ منّي. وَلِئَلّا أسْتَكْبِرَ بِفَرْطِ الإعلانات، أُعطِيتُ شَوكَةً في الجَسَدِ، مَلاكَ الشّيطانِ لِيَلْطِمَني لِئَلّا أَستَكْبِر، وَلِهذا طَلَبتُ إلى الرّبِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أن تُفارِقَني، فَقالَ لِي تَكفِيكَ نِعمتي لأنَّ قُوَّتي في الضُّعفِ تُكْمَل. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخرُ بِالحَرِيِّ بِأَوْهاني، لِتَسْتَقِرَّ فِيَّ قُوَّةُ المسيح.

الإنجيل (لو 16: 19– 31)(لوقا 5)

قال الرَّبّ: كان إنسانٌ غنيٌّ يلبس الأرجوان والبزَّ ويتنعَّم كلَّ يوم تنعُّمًا فاخِرًا. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحًا عند بابه مُصابًا بالقُروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفُتات الّذي يسقط من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المِسكين فنقلته الملائكة إلى حضن إِبراهيم. ومات الغنيّ أيضًا فدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إِبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلًا: يا أبتِ إِبراهيم ارحمني وأَرسِل لعازر ليغمِّس طرَف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني لأنّي معذَّب في هذا اللَّهيب. فقال إِبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بَلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوةً على هذا كلِّه فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتَتْ، حتّى أنَّ الّذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الّذين هناك أن يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسةَ إخوة، حتّى يشهد لهم لي فلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. فقال له إِبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياءَ فليسمعوا منهم. قال : لا يا أبتِ إِبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه.

حول الإنجيل

يعرض لنا الرَّبُّ يسوع هذا المثل ليطلعنا على:

مصير الإنسان الّذي يستغني عن الله، الّذي يفتّش عن الحياة والخلاص في نفسه، الّذي لم يوجد رحمة في قلبه، ذلك أنّ أنانيّته وانغماسه في قضاء شهواته، قد أعمته ولم يعد باستطاعته أن يرى المساكين الّذين حوله... ولا أن يسمع تعاليم موسى والأنبياء... ويسمّي المكان الّذي سيذهب إليه بالجحيم حيث ينال العذاب الأبديّ...

وعدالة الله تجاه الّذي وضع رجاءه واتّكاله عليه وثقته به، "العازر - ومعناه الله معيني"، والّذي أدّى به في آخر المَطاف إلى نيله الخلاص الأبديّ...

بذلك يُشير الرَّبُّ يسوع إلى حقيقة أبديّة، وهي أنّ عدم توجّه الإنسان إلى الله نبع الحياة ومانحها، يستحيل تأمين الحياة والخلاص له... سلوك الإنسان على الأرض ينبع ممّا يؤمن به في قلبه، ويحدّد له المصير والمكان الأبديّ الّذي سيرحل إليه بعد الموت، فإذا كان القلب يؤمن بالله ويلتهب في محبّته واضعًا رجاءه به، فطوبى له لأنّ الله سيخلّصه ويعطيه الحياة الأبديّة... أمّا القلب الفارغ من محبّة الله، فقد حصل على العدم وحكم على نفسه بالموت والعذاب الأبديّ...

المُرعب في هذا المثل أنّ بين مكان الرّاحة ومكان العذاب هناك "هُوَّة عظيمة قد أثبتت"، هُوَّة تفصل مكانين متناقضين، لا يمكن لأحد العبور من جهة إلى أخرى، فمكان الإنسان المنتقل إلى الآخرة لا يمكن تغييره بعد الموت... وهذا مخيف جدًّا وبخاصّة للّذين سيذهبون إلى الجحيم، وهم قد لا يعلمون... ذلك ما جعل الغنيّ ينصدم لمصيره غير المتوقّع، ويخشى على مصير إخوته الخمسة المحتوم...

ما يزال حتى يومنا هذا يسلك الكثيرون مثلما سلك إخوة الغنيّ الخمسة، وبالرغم من قيامة المسيح لم يؤمنوا به ولم يغيروا حياتهم، كما أوضح ابراهيم للغنيّ: "إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء، فإنّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه"...

لقد فهمت الكنيسة من خلال هذا المثل أن لا توبة بعد الموت، لذلك نادت بما نادى به الرَّبُّ منذ بداية بشارته: "توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات"...والآباء القدّيسون في تعاليمهم يحثّوننا على التّوبة قبل فوات الأوان، وعلى جعل التّوبة مَنهجًا أساسيًا نسلكه في حياتنا اليوميّة...

فلننتبه على أنفسنا ونجاهد تائبين وواضعين رجاءنا على الرَّبّ القائم من بين الأموات الّذي بصليبه ردم الهُوَّة العظيمة لأجل محبّته للبشر...

تفسير القدّاس الإلهيّ (الجزء السّادس)

بعد إعطاء السَّلام، يقول الكاهن "لنحبّ بعضنا بعضًا لكي بعزمٍ واحد نعترف مُقرِّين"، وهنا يسجد الكاهن أثناء ترتيل الجوقة ويقبّل القرابين من فوق السِّتر ويقول: "أحبّك يا ربّ يا قوَّتي، الرَّبّ ثباتي وملجأي ومنقذي". وفي حال اشتراك أكثر من كاهن يتمّ بعد تقبيل القرابين تبادل قبلة المحبّة في الهيكل بالتَّتابع فيقول الأوّل "المسيح معنا وفي ما بيننا" بينما يجيب الثّاني: " كان وكائن وسيكون".

في الكنيسة الأولى، كان الشّعب عند هذا الإعلان يتبادلون القبلة المقدَّسة، كما يقول بولس الرَّسول: "سلّموا بعضكم على بعض بقبلةٍ مُقدَّسَة" (رومية 16:16). هذه القبلة المتبادلة ليست رمزًا ليتورجيًّا بسيطًا بل عملًا شريفًا. إنّها خبرة ليتورجيّة. القبلة اللّيتورجيّة ليست صورة عن المحبّة الّتي توحّد المؤمنين وحسب، بل خبرة هذه الوحدة. إنّها مصالة أولئك الّذين يقدِّمون العبادة الّتي تربطهم بعضهم ببعض بكلمة الله كما يقول القدّيس مكسيموس المعترف في كتاب الميستاغوجيا.

في هذه الأثناء ترتّل الجوقة: "بآبٍ وابنٍ وروحٍ قدس، ثالوثٍ متساوٍ في الجوهر وغير منفصل". فإعلان محبّتنا لبعضنا يكون بإقرار إيماننا بالثّالوث القدّوس. وَعَتْ الكنيسة أنّ الشَّرط الأساسيّ للفكر الواحد، الّذي يطلبه منّا المسيح، هو المحبّة الّتي هي على صورة محبّة المسيح لنا، على صورة محبّة الثّالوث الأقدس الّذي نعلن إيماننا به. المحبّة والإيمان بالثّالوث الأقدس مرتبطان. فكما أنّ الثّالوث هو في وحدة نابعة من محبّة سرمديّة هكذا يجب أن نكون في محبّة بعضنا كما الثّالوث لنصير واحدًا في المسيح. وكما أنّ المحبّة شرط أساسيّ لاشتراكنا بالذَّبيحة الإلهيّة، كذلك إيماننا المشترك الواحد بالثّالوث هو شرطٌ أساسيّ لهذه المشاركة. الإيمان المشترك الواضح هو الرّكيزة الأساسيّة للمُناولة المشتركة لذا يأتي تشديدنا على وحدة الإيمان في الكنيسة قبل المناولة المشتركة. المناولة المشتركة مع الآخرين هي تتويج لعمليّة الوحدة الإيمانيّة وليست وسيلة للوصول إلى الوحدة.

عند الانتهاء من ترتيل "بآبٍ وابنٍ وروحٍ..."، يعلن الكاهن: "الأبواب، الأبواب بحكمةٍ لنصغ" ويتلو الشّعب دستور الإيمان: "أؤمن بإلهٍ واحدٍ...". في القديم، كان الإعلان: "الأبواب الأبواب" تنبيهًا لحافظي أبواب الكنيسة كي يتيقّظوا ولا يسمحوا لأيّ من الموعوظين الّذين يستعدُّون للمعموديّة بالدُّخول إلى الكنيسة بعد هذا الإعلان، لأنّه يحقّ للمعمَّدين فقط الاشتراك في الذّبيحة الإلهيّة. أمّا اليوم، يدعونا الإعلان إلى إغلاق كلّ الأبواب المؤدّية إلى قلوبنا والّتي قد يدخل عبرها أيّ فكرٍ شرّير يعرقل اشتراكنا بجسد ودم الرَّبّ أو يمنعه، وإلى فتح ذهننا لكي نَعي هذا الإيمان الّذي نحن مزمعون أن نعلنه. أمّا دستور الإيمان فهو بالتَّحديد إعلان النّقاط الأساسيّة للعقيدة والإيمان المستقيم الرّأي (الأرثوذكسيّ) حول الآب والابن والرُّوح القدس والكنيسة والمعموديّة وقيامة الموتى والحياة في الدَّهر الآتي. وقد أُدخل هذا الدُّستور إلى القدَّاس الإلهيّ في بدايات القرن السّادس لأنّ الكنيسة تعي أنّ وحدة الإيمان بين الجماعة الكنسيّة أمرٌ بديهيّ لا بُدّ منه، وأنّ هذه الوحدة شرطٌ أساسيّ للمناولة المشتركة.

أثناء تلاوة دستور الإيمان يرفع الكاهن السِّتر الكبير الّذي يُغطّي به الكأس والصّينيّة ويرفرف به فوقهما ويتلو دستور الإيمان. هذه الرّفرفة هي صورة للزّلزلة الّتي سبقت قيامة الرَّبّ. يرفرف به إلى أن نصل إلى "وقام من بين الأموات" حيث يضعه جانبًا صورة لدحرجة الحجر عن باب القبر. ثم يأخذ السِّتر الصَّغير ويرفرف به حول القرابين رمزًا لرفرفة الرُّوح القدس، هذا الرُّوح الّذي سيحلّ على القرابين لتستحيل إلى جسد المسيح ودمه.

أنقر هنا لتحميل الملفّ