Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ۲٩ تشرين الأوّل ۲٠١٩

العدد ۲٩

الأحد (٦) من لوقا 

اللّحن ٤- الإيوثينا ١٠

كلمة الرّاعي

خسارة خلاصنا

"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ ..." (١كورنثوس ٦: ٩ - ١١).

أهواء اللحم والدم وأهواء النفس تجعل الإنسان يخسر خلاصه إذا لم يتب عنها بالحقيقة. لا يصير الميل في الإنسان أو الشهوة هوًى إلا إذا صار هذا الأخير مستعبَدًا له أي غير قادر إلا أن يخضع له قسرًا بمعنى أنه فاقد الإرادة كلّيًّا أمامه.

*    *    *

يعرض بولس الرسول، لأهل كورنثوس ولكل إنسان يؤمن بالرب يسوع المسيح، عشرة خطايا تُٰفقِد الإنسان خلاصه الأبدي، خمسة منها مرتبطة بالبـَشَرَة أيّ لذّة الأبدان، وخمسة أخرى مرتبطة بلذة النَّفْس.

زنى، عبادة أوثان، فِسْق، أَبَنَة ومضاجعة الذكور هي خطايا البَشرَة. لماذا وضع معها الرسول عبادة الأوثان؟ لأنه في كورنثوس كانت عبادة الأوثان رائجة، لا سيّما عبادة أفروديت التي تقوم على الجنس والفسق أو بالأحرى كانت تضمّ كل الخطايا الخمس التي للبَشَـرَة التي ذكرها بولس الرسول. أمّا لماذا وضع الزنى قبل عبادة الأوثان، فلأن الزنى في عمقه هو خيانة الله اوّلًا واتّباع شهواتنا، لذك نرى الرب، في العهد القديم خاصة، يتوجه إلى شعبه (العبرانيين أو اليهود) متّهمًا إياهم بخيانته والزنى، عليه كما تخون المرأة زوجها وتزني عليه، وذهابهم وراء آلهة أُخرى كالبعل وعشتروت وغيرهما.

لا نستطيع في هذه العُجالة أن نستطرد بتوضيح كل خطيئة من خطايا البَشَرَة، لكن جامعها كلها هو طلب اللذة في البَدَن، ليس أنَّ اللذة هي خطيئة بحد ذاتها، بل تشييئ الإنسان لنفسه وللآخَر لأجل اللذّة هو الخطيئة الكبرى. أن يصير الآخَر غير مهمّ بحدّ ذاته، أن تُنزع عنه صورة الله ويوضع في مقام قنية لا قيمة لها إلا بقدر ما تكون أداة للهوان في يد من يستملكها بطريقة أو بأُخرى هذه هي الخطيئة التي تدمر إنسانية الإنسان وتفصله كليًا عن حقيقته الوجودية بحسب تدبير الله في الخلق وتجعله عابدًا للذته، لبدنه، للشيطان لا بل هي تحوّله إلى شيطان أي إلى كائن غير قادر على التوبة، وهنا هو سر السّقوط الأبدي الذي تسببه هذه الخطايا متى صارت أهواء في النّفس...

*    *    *

أمّا السرقة، الطمع، السُّكر، الشتم، الخطف فهي خطايا تتعلق بتعدّي الإنسان على الآخَر وحريته، لأن من يصنع هذه الخطايا لا يقيم وزنًا ولا قيمة للآخَر في حياته، بكلمة أُخرى يعتبر أن من حقه استباحة الآخَر بالطريقة التي تناسب كبرياءه في كل ظرف من الظروف. خطورة هذه الخطايا هي نظرة الإنسان لنفسه كونه هو محور الوجود وتسخيره كل الوجود لذاته معتبرًا أن لا حقوق سوى له في كلّ شيء عند الآخَرين. كبرياؤه يضعه في مكان يظن فيه أنّه هو محور الوجود فيسرق مما يعتبره حق له، ويطمع بكل ما حوله كأنه مرسوم له، ويستسلم للنشوة في نفسه دون الحاجة إلى أي  آخَر في سكره، ويشتم ديّانًا للآخرين كونه هو الفهيم والعليم والقاضي وحده، ويخطف آخذًا كل ما تطاله يده بالعنف والقوة والقسوة لأنّ قلبه متحجّر ولا حسّ لديه. هذه خطايا ما أصعب أن يُخلَص منها الإنسان لأنها متى صارت أهواء فيه جعلته إبليس لأنّ هذه هي صفات إبليس الذي سقط بسبب كبريائه وأسقط معه طغمة من الملائكة دون إمكانية رجعة إلى الله...

 *    *    *

"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟". "الظالمون" هم الذين سقطوا في هذه الأهواء العشـرة التي تحدثنا عنها أعلاه. "الظُّلم" هو المعرفة المظلمة المتأتية من تأليه الذات. الظالم يظن نفسه السيد والآمِر والناهي في ذاته وحياة الآخَرين وفي الكون، لأنه يغرق في ظلمة أناه الذي يتضخم فيه لدرجة يظن فيها أنّه بإزاء الخالق لا بل أعلى منه سلطة. الظلم درجات، لكن الأخطر هو الظلم الذي يصير باسم الله وحفاظًا ودفاعًا عما لله. كم غبيّ هو وجاهل الإنسان الذي يقع في هذه الخطيئة والهوى لأنه يُصطَاد من الشيطان "عن اليمين" فيظن أنّه هو الله الكلي القدرة رب السماء والأرض ويصير يخرب خلاصه يومًا بعد يوم إلى أن تُظْلِم نفسه بالكلية، حينها يصير قلبه مملكة للمعاند ولا يعود من إمكانية لعودته لأن كيانه الداخلي وقلبه وذهنه قد أظلموا بالكلية. ينتقل الإنسان في الظلم من رغبة عمياء لإحقاق ما يراه هو حقّا إلى ظالم بالطبيعة لأن هذا الهوى يتملّك كيانه ويصير طبيعته الحقيقية فيدخل في المرارة التي لا تُشفى من الآن وإلى دهر الداهرين...

ومن اتَّقَى الله فليتب عن ضلاله

+ أنطونيوس+

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما  للرّوم الأرثوذكس

طروباريّة القيامة (اللّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرب. تعلَّمنَ مِنَ الملاكِ الكرزَ بالقيامةِ البَهج. وطرحنَ القضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مفتخراتٍ وقائلات. سُبيَ الموتُ وقامَ المسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

القنداق

يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.

الرّسالة (غلاطية 2: 16- 20)

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربّ كُلَّها بحكمةٍ صَنَعتَ

باركي يا نفسي الربَّ

يا إخوةُ إذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا. فَإِنْ كُنَّا وَنَحْنُ طَالِبُونَ أَنْ نَتَبَرَّرَ فِي الْمَسِيحِ نُوجَدُ نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضاً خُطَاةً، أَفَالْمَسِيحُ خَادِمٌ لِلْخَطِيَّةِ؟ حَاشَا! فَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَبْنِي أَيْضاً هَذَا الَّذِي قَدْ هَدَمْتُهُ، فَإِنِّي أُظْهِرُ نَفْسِي مُتَعَدِّياً. لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا لِلَّهِ. مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.

الإنجيل (لوقا 41:8-56)

في ذلكَ الزمان دنا إلى يسوع إنسانٌ اسْمُهُ يَايِرُسُ وهو رَئِيسٌ للمَجْمَعِ وخرَّ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ. وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ، جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ يَسُوعُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي! وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، قَالَ بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: يَا مُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي! فَقَالَ يَسُوعُ: قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ، جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ، وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ بَرِئَتْ فِي الْحَالِ. فَقَالَ لَهَا: ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلاً لَهُ: قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ فَسَمِعَ يَسُوعُ، وَأَجَابَهُ قَائِلاً: لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ لَمْ يَدَعْ أَحَداً يَدْخُلُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَأَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا. وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ، عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ. فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ خَارِجاً، وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى قَائِلاً: يَا صَبِيَّةُ، قُومِي! فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ. فَبُهِتَ وَالِدَاهَا. فَأَوْصَاهُمَا أَنْ لاَ يَقُولاَ لأَحَدٍ ما جرى.

حول الإنجيل

إنجيل اليوم يُحدِّثنا عن يسوع عندما كان يمرُّ في أحد شوارع فلسطين ذاهباً إلى بيتٍ لشفاء ابنة رئيس مجلس اليهود، المريضة منذ حوالي ١٢ سنة.  تقدمت امرأةٌ منه وهي مريضة منذ اثنتي عشـرة سنة في نزيف دمٍ غير متوقف. ولما لم تستطع أن تصل إليه قالت: "يكفيني أن ألمس هدب ثوبه فأُشفى". يا لعظمة هذا الإيمان، يا لعظمة تلك الروح النبيلة لهذه المرأة التي فكرت بعمق الروح ما لا يمكن أن يكون فصار ممكناً أن يحدث وهو أنها عندما لمسته شفيت. تلاميذه لم يكونوا بعد بهذه الروح لأن يسوع قال: "من لمسني" فاعترض التلاميذ وقالوا: "الجموع يلمسونك وأنت تقول من لمسني؟". فقال: "قد لمسني أحد وخرجت قوةٌ مني". فقدمتْ نفسها تلك المرأة وقالت بأنها هي من لمست يسوع. كم نحن بحاجةٍ لكي نكون مع المسيح وبالقرب منه لنتمكن من نيل طلباتنا بهذا الإيمان العظيم الذي يتمُّ باللمس، واللمس متعدد الأنواع. نحن اليوم نلمس يسوع بحبنا إليه، نلمس يسوع بحبنا لبعضنا البعض، نلمس يسوع بعدم إدانتنا لأحد، نلمس يسوع بتحقيق الوصايا التي علّمنا إياها فنطبِّقها. كل هذه هي من لمسات الإيمان بعمق الروح فتصل إلى قلب يسوع فيعطينا قوةً من لدنه ويحقق لنا ما نرغب وما نريد.

ولما تابع الرب يسوع سيره، أتى شخص وقال لرئيس المجمع: "لا تُتعب المعلم ابنتك ماتت". هنا ظهر إلينا تعليم ربما من أعظم التعاليم. قال يسوع لأبي البنت: "آمنْ أنتَ فتقوم ابنتك". أي أن يسوع قادرٌ أن يقيم الموتى ونعلم نحن أنه فعلاً حقَقَ هذا. ولكن هناك بعض الطوائف والكنائس المسيحية التي تدَّعي أن الإيمان بمعمودية الأطفال غير صحيح، في حين إذا آمن الأهل بدلاً من الولد غير البالغ واهتموا بتربيته إيمانياً، حتى يصلوا به إلى عمر النضوج. هنا يسوع يقول لأبي البنت التي عمرها اثنتي عشـرة عاماً: "آمن أنت فتبرأ هي".

نحن بإمكاننا أن نصلي لأولادنا فيشفوا، أن نصلي لأولادنا فيتحقق لهم الشفاء، من خلال عظمة إيماننا.

ولما وصل إلى البيت دخل إلى غرفة الفتاة النائمة وأدخل معه رفاقه في التجلي بطرس ويعقوب ويوحنا. وأيضاً أدخل أهل هذه الفتاة ومسك بيدها وقال لها: "انهضي" فنهضت. يسوع هو الحياة والذي هو حياة يعطي ما عنده لغيره، يعطينا الحياة. ونحن نتذكر بأنه أقام ابن أرملة نائين وأقام لعازر وأقام هذه الفتاة بعد موتٍ لنهوض كل منهم ليكونوا أحياء، ولكنهم سيموتون مرةً ثانية لننال وإياهم القيامة العامة التي هي القيامة الأخيرة التي نحيا بعدها مع يسوع في ملكوته.

عظمة هذا الإنجيل أنه يُظهر لنا أهمية ثقتنا بيسوع تلك الثقة التي تتحقق ولو طال الزمن الموضوع الذي نريده. وأيضاً موضوع الإيمان العظيم الذي تجلى في المرأة وأبي الفتاة التي كانت مريضة وماتت. ومن ثمّ الإيمان بدلاً من الشخص بشخصٍ آخر يصلّي من أجله بحرارة فيتحقق له ما يريد.

وأخيراً تلك اللمسة التي يجب ألا ننساها أن نلمس يسوع بكلامنا وبفكرنا وبإرادتنا وبرغباتنا وبصلواتنا وبكل قوانا فيتحقق لنا ما نريد. آمين (الأرشمندريت يوحنا التلّي رئيس ديري القديس جاورجيوس والشاروبيم - صيدنايا)

القدّيس المعظَّم في الشّهداء ديمتريوس المفيض الطّيب 

(٢٦ تشرين الأوّل)

إن ما نعرفه عن القديس ديمتريوس قليل، ومع ذلك فإن له في وجدان الكنيسة ذكراً حسناً وإكرامه طبّق الآفاق. وُلد ونشأ في مدينة تسالونيكي، وقد قيل من أبوين تقيين عَدِما ثمرة البطن طويلاً إلى أن افتقدهما الله بعدما استغرقا في الصلوات والنذور ومحبة الفقير والصبر. ويشاء التدبير الإلهي أن يعبر الإمبراطور مكسيميانوس بمدينة تسالونيكي عائداً من حرب خاضها ضد البرابرة السكيثييين، شمالي غربي البحر الأسود. ولما كان والد القديس ديمتريوس قائداً عسكرياً أنشأه على ضبط النفس والجهاد والأمانة، كما على التقى ومحبة الفقير. ولما بلغ الأشدّ تلقى من العلم قدراً وافراً ثم انخرط في الجندية كأبيه وأضحى قائداً عسكرياً مرموقاً. وقد أقامه الإمبراطور مكسيميانوس على مقاطعة تساليا، وقيل قنصلاً على بلاد اليونان. هذا فيما تذكر مصادر أخرى أنه كان شماساً غيوراً وحسب. ولكن ‏غلبت عليه صورة الجندي.

كانت العادة أن تُقام الاحتفالات ويُرفع البخور للملك والآلهة وتُقدّم الذبائح في المناسبة، فقد أعطى الملك توجيهاته بإعداد العدّة في هذا الشأن في المدينة. واغتنم بعض حسّاد ديمتريوس الفرصة فقاموا وأسرّوا للإمبراطور حقيقة مَن كان قد أولاه ثقته أنه لا يتساهل بشأن المسيحيين وحسب، كما أوصى جلالته، بل اقتبل هو نفسه المسيحية وأضحى مذيعاً لها. فاغتاظ الإمبراطور وأرسل في طلب عامله. فلما حضر استفسـره الأمر فاعترف ديمتريوس بمسيحيته ولم ينكر، فجرّده الإمبراطور من ألقابه وشاراته وأمر بسجنه ريثما يقرّر ما سيفعله به، فأخذه الجند وألقوه في موضع رطب تحت الأرض كانت تفوح منه الروائح الكريهة.

‏أيقن ديمتريوس أنَّ الساعة قد أتت ليتمجّد الله ‏فيه فأخذ يُعد نفسه بالصلاة والدعاء. كما أوعز إلى خادمه الأمين لوبوس الذي كان يزوره في سجنه بتوزيع مقتنياته على الفقراء والمساكين. ‏وما هي سوى أيام معدودة حتى أرسل الإمبراطور جنده إليه من جديد فطعنوه بالحراب حتى مات. ويقال أن السبب المباشر لتنفيذ حكم الإعدام السريع هذا كان تغلّب الشاب المسيحي نسطر على لهاوش، رجل الإمبراطور، في حلبة المصارعة. فقد سرى أنه كان لديمتريوس ضلعاً في ذلك، فيما ظن الإمبراطور أن ما حصل كان بتأثير سحر هذا المدعو مسيحياً. ‏ويقال إن خادم ديمتريوس، لوبّس، أخذ رداء معلمه وخاتمه من السجن بعدما غمسّه بدمه وإن الله أجرى بواسطتهما عجائب جمّة. وبقي كذلك إلى أن قبض عليه الجند هو أيضا وقطعوا هامته. أما رفات القدّيس فأخذها رجال أتقياء سراً ودفنوها. وقد أعطى الله علامة لقداسة شهيده أن طيباً أخذ يفيض من بقاياه ويشفي الكثيرين من أمراضهم، مما جعل الكنيسة تسميه بالمفيض الطيب. يذكر أن رائحة الطيب ما زالت تعبق بين الحين والحين من ضريحه إلى اليوم. وضريحه مودع في كنيسة (بازيليكا) القدّيس ديمتريوس في قلب مدينة تسالونيكي حيث يعتبر شفيع المدينة ومنقذها من الشدائد والضيقات. وهي لا زالت إلى اليوم تُقيم له احتفالات خاصة تشمل المدينة بأسرها كل عام وعلى مدى أسبوع كامل.

انقر هنا لتحميل الملف