Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ۲٩ تمّوز ۲٠١٨

العدد ٣٠

الأحد (٩) بعد العنصرة

اللّحن ٨- الإيوثينا ٩

كلمة الرّاعي

آفة المخدرات

ماهيّة المخدّرات

المخدِّر لغويّاً يعني: "مادّة تسبِّب فقدان الوعي بدرجات متفاوتة، كالحشيش والأفيون، وتحدث فتورًا وارتخاء في الجسم وضعفًا في الإحساس وخمولاً في الذِّهن". المخدِّر، إذًا، مادة كيماويّة تسبِّب النعاس والنوم أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم. وهي تسبّب الإدمان وتسمِّم الجهاز العصبي. القانون يحدِّد أسبابًا طبّيّة لزراعتها وتصنيعها واستعمالها، وفي ما عدا ذلك يحظّر استعمالها. إذا ما اعتاد الإنسان تناولها يصبح عنده حالة تسمّى بـ "التَّحَمُّل" أي أنّ جسده يعتادها فيصير الشخص بحاجة إلى كمّيّات أكبر لتعطي التأثير  نفسه الذي كان يحصل عليه بكمّيّات أقلّ.

كَثُرَت أنواع المخدرات وأشكالها، لكن يمكننا تقسيمها بحسب مفاعيلها كالتالي: (1) المُسَكِّرات كالكحول والبنزينيّات؛ (2) مسبِّبات النّشوة كالأفيون ومشتقَّاته كالمورفين والكوكايين والهيرويين؛ (3) المُهلوِسات؛ (4) المنوِّمات.

خارج الاستعمال الطّبي يتمّ تعاطي المخدّرات عن طريق التدخين أو الشرب أو الأكل.

*          *          *

أسباب تعاطي المخدّرات

ضعف أو غياب دور الوالدَين، المشاكل الأُسريّة، التفكُّك العائلي وأوقات الفراغ والضّجر والرفقة السيئة هي من أهم أسباب تعاطي المخدّرات.

عندما تكون العائلة غير متماسكة والمشاكل بين الأب والأم ظاهرة وعلنيّة أمام الأولاد، والوالِدان لا يقومان بدورهما الطبيعي في تربية أولادهما واحتضانهم بالإيمان والحنان الأموميَّين والسلطة والأمان الأبويَّين، أو حين تكون الروابط بين الأهل متفكّكة بسبب الخيانات أو التّلهّي عن أولادهم بالعمل ومحاولة التعويض عن حضورهم الفاعل معهم بالهدايا والمال، حينها يبحث الأولاد عن تعزيات وأمان خارج العائلة، فيصيرون عرضة للوقوع في أيدي المُفسِدين بسهولة كُبرى لأنهم يطلبون ما يُخرجهم من دوامة عدم الوجود التي يعيشون فيها بسبب إهمال والديهم لهم.

الأساس في مشكلة تعاطي المخدرات - شاء من شاء وأبى من أبى - هو البعد عن الله. لأنّ الرجل والمرأة المؤمنَين لا يُهملان أولادهم ويربّيانهم على حياة الإيمان بمثالهم أوَّلًا قبل أن يعلّماهم بالكلام. العائلة هي الحصن الأوّل والأم هي السّاهر عليه. الكنيسة هي الحصن الرئيسي الّذي يوجد فيه حصن العائلة. والرب هو محور هذين الحصنين وأساس ثباتهما. الأم تنقل الإيمان لأولادها، ترضعهم إيّاه مع حليب أحشائها. إذا كانت الأم بعيدة عن الله وتحيا خارج الكنيسة، أي بحسب منطق هذا الدّهر، فهي ستهمل أولادها لأنّ همّها الأوّل هو نفسها. وغياب الأب عن مرافقة أولاده يجعلهم ينمون من دون أمان ممّا يجعلهم عرضة للإنفساد من أصحاب السوء ومن تسلُّط الضّجر.

من هنا، العائلة السليمة أساس بنيان سليم للأولاد وتطعيم لحياتهم ضدّ أمراض النفس البشرية المتعدِّدة. والعائلة المريضة أو الموجودة بالشكل هي من أهمّ أسباب انحراف الأولاد وخراب حياتهم.

*          *          *

نتائج تعاطي المخدّرات

فساد المجتمع وتفكّكه وانحلال الأخلاق وانتشار الآفات الاجتماعية والسرقات والجرائم وضرب الأسرة والانتحار والقتل...، هذا على الصعيد العام. أمَّا على صعيد المتعاطي، عدا استعباده لكلّ المُفسِدات، فتخرب صحّته النفسية والجسديّة والروحيّة ويبتعد عن الكلّ ويُبعِد عنه الَّذين يحبّونه ويهمّهم أمره لأنّه مستَلَبُ الإرادة. جسده يعتلّ ويمتلئ بالأمراض ونفسه يسيطر عليها اليأس والكآبة تتملّكها، أمّا روحه فتسكن جحيمًا ما بعده جحيم من الوحدة والضياع والألم الَّذي لا شفاء له لأنّه يكون قد دخل في دائرة مُفرَغَة لا خلاص منها.

*          *          *

الحلّ

من يقع في عبوديّة المخدّرات لا يُشفى إلّا بمعجزة من الله. لا شفاء ممكن من دون نعمة الله. لا تَحَرُّر إلّا بالإيمان بالمسيح المخلّص من كلّ القيود الجسدية والنفسية والروحيّة. يحتاج المرء لإرادة صلبة ولاحتضان كبير مع تفهّم وحوار لحلّ المشاكل الأساسيّة الّتي أدّت إلى هذا المرض. لا بدّ من مصالحة مع النفس ومع المحيط وعودة إلى الذّات بالتوبة. الخلل الَّذي تحدثه المخدرات يحتاج وقتًا طويلًا لإصلاحه لأنّه يطال كلّ كيان الإنسان. وإذا لم تُصلَح العائلة والمحيط تغيَّر فإمكانيّة الشفاء تتدنّى. لا بدّ من العودة إلى الله بالصلاة والتأمّل، وتنقية الفكر بالكلمة الإلهيّة والقراءات الآبائيّة، والحصول على الأمان والشّفاء في حضن الكنيسة عبر فتح القلب والاعتراف بالخطايا في خبرة الأبوّة الروحيّة والأسرار الكنسيّة...

مسيرة الشفاء قد تكون طويلة ولكنها تكون ناجحة، لأنّ المرض ليس في البدن بل في الروح، ومتى شُفيَت الروح يتحرَّر الجسد من كلّ عبوديّة، ومتى انفتح الكيان للنعمة الإلهيّة زال الألم وفاض الفرح والسلام والاستقرار.

كلّ واحد منّا مسؤول عن سلامة مجتمعنا من آفة المخدرات، ولكل واحد دوره. فلنبدأ ببناء عائلات مسيحيّة مؤمنة ممارسة، ولتكن الكنيسة بيتًا لكلّ إنسان في الفرح والحزن، وليكن المؤمنون سدودًا منيعة في وجه كلّ وباء يهاجم المجتمع ولنعن بعضنا البعض في ضعفاتنا، لأنّ الكلمة الإلهيّة توصينا:

"اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ" (غلاطية 6: 2).

ومن له أذنان للسمع فليسمع

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللّحن الثّامن)

اِنْحَدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتنا، يا ربُّ المجد لك.

القنداق (باللّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرّدودةِ، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلْبَةِ، يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرَّميك.

الرّسالة (1 كو 3: 9-17)

صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إلهَنَا

اللهُ مَعْرُوفٌ في أرضِ يهوذا

يا إِخْوَةُ، إِنَّا نحنُ عامِلُونَ معَ اللهِ وأَنْتُم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ المُعْطَاةِ لي كبَنَّاءٍ حَكِيمٍ وَضَعْتُ الأساسَ وآخَرُ يَبْنِي عليهِ. فَلْيَنْظُرْ كُلُّ واحِدٍ كيف يَبْنِي عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحَدٌ أنْ يضعَ أساسًا غيرَ الموضُوعِ وهوَ يسوعُ المسيح، فإنْ كانَ أحدٌ يَبْنِي على هذا الأساسِ ذهبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشبًا أو حَشيشًا أو تِبْنًا، فإنَّ عملَ كلِّ واحدٍ سيكونُ بَيِّنًا لأنَّ يومَ الرَّبِّ سَيُظْهِرُهُ لأنَّه يُعْلَنُ بالنَّارِ، وسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كلِّ واحدٍ ما هو. فَمَنْ بَقِيَ عَمَلُهُ الَّذي بَنَاهُ على الأساسِ فَسَيَنَالُ أُجْرَةً، ومَنِ احْتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخْسَرُ وسَيَخْلُصُ هُوَ، ولكِنْ كَمَنْ يَمُرُّ في النَّار. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ سَاكِنٌ فيكُمْ، مَنْ يُفْسِدُ هَيكلَ اللهِ يُفسِدُهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ وَهُوَ أنتم.

الإنجيل (14: 22-34 (متَّى 9))

في ذلك الزَّمان، اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أنْ يدخُلُوا السَّفينةَ ويسبِقُوهُ إلى العَبْرِ حتَّى يصرِفَ الجُمُوع. ولمَّا صرفَ الجُمُوعَ صَعِدَ وحدَهُ إلى الجبلِ ليُصَلِّي. ولمَّا كان المساءُ، كان هناكَ وحدَهُ، وكانتِ السَّفينةُ في وَسَطَ البحرِ تَكُدُّهَا الأمواجُ، لأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضَادَّةً لها. وعندَ الهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ من اللَّيل، مضَى إليهم ماشِيًا على البحرِ، فلمَّا رآهُ التَّلاميذُ ماشِيًا على البحر اضْطَرَبُوا وقالُوا إِنَّه خَيَالٌ، ومن الخوفِ صرخُوا. فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُم يسوعُ قائِلًا: ثِقُوا أَنَا هُوَ لا تَخَافُوا. فأَجابَهُ بطرسُ قائِلًا: يا رَبُّ إِنْ كنتَ أنتَ هُوَ فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إليكَ على المياهِ. فقالَ: تَعَالَ. فَنَزَلَ بطرسُ من السَّفينةِ ومَشَى على المياهِ آتِيًا إلى يسوع، فلمَّا رأَى شِدَّةَ الرِّيحِ خافَ، وإِذْ بَدَأَ يَغْرَقُ صاحَ قائِلًا: يا رَبُّ نَجِّنِي. وللوقتِ مَدَّ يسوعُ يدَهُ وأمسَكَ بهِ وقالَ لهُ: يا قليلَ الإيمانِ لماذا شَكَكْتَ؟. ولمَّا دخَلا السَّفينةَ سَكَنَتِ الرِّيح. فجاءَ الَّذين كانوا في السَّفينَةِ وسَجَدُوا لهُ قائِلِين: بالحقيقةِ أنتَ ابنُ الله. ولمَّا عَبَرُوا جاؤُوا إلى أرضِ جَنِّيسَارَتْ.

حول الإنجيل

"بالحقيقة أنت ابن الله". هذا الاعتراف الإيمانيّ أتى نتيجةً لِمُعايَنَة التّلاميذ للمسيح فاعِلًا عمل الله، لأنّ الله وحده هو الّذي يسود على المياه والرّياح. فالله هو وحده الَّذي يستطيع أن يأمر البحر والرّياح فتطيعه، وهو وحده الَّذي يستطيع أن يحوِّل هذا الشّرّ إلى خير، كما حصل في حدث الخروج لمّا صارت المياه موتًا لِفِرعَوْن وجيشه وحياةً لإسرائيل.

طبعًا، التّلاميذ في هذا الاعتراف الإيمانيّ لم يكونوا يعُون بعد المَعْنى الحَقيقيّ لكلِمة "ابن الله"، ولكنّ هذه الصّرخة مِنهم كانت بإلهامٍ من الله، إذ فَهِمُوا مَعناها الحَقيقيّ لاحقًا، أي بعد القيامة، بالتّحديد في العنصرة، لأنّ الرّوح القدس هو الَّذي يكشف لنا حقيقة الإنسان يسوع المسيح، أي أنّه إله وإنسان.

لا نخافنّ، يا إخوة، من تجارب الحياة وصِعابها. المسيحيّ لا يخاف الصِّعاب ولا يَهابُهَا لأنَّ المسيح لا يترك الَّذي يؤمن به يُجرَّب فوق الطّاقة، بل في اللّحظة الحاسمة يأتيه ماشيًا على البحر الهائج. علينا أن نسمع أبدًا في قلوبنا وأذهاننا صرخة يسوع لتلاميذه: "ثقوا. أنا هو. لا تخافوا". ولا نشكِّكنَّ كبطرس، ولا نتوهَّمنَّ كالتَّلاميذ بأنّ حضور يسوع في صعوباتنا وَهميّ، خياليّ. لِنَكُن أكيدين ومُتَيَقِّنين بأنَّ يسوع حاضر معنا في خِضَمِّ تجارب حياتنا، وهو ينقذنا منها إذا آمنَّا أنَّه هو الله المُخلِّص.

لا نَكونَنَّ قليلي الإيمان، يا إخوة، لأنّ سفينة عمرنا أي بيوتنا وكنيستنا الَّتي ننتمي إليها لا مأمن لها ولا هدوء ولا راحة من دون حضور المسيح في وسطها. وهو حاضر بحسب قول المزمور "الله في وسطها فلن تتزعزع".

لا بدَّ لنا من بطرس يكون مِقدامًا وجريئًا في علاقته بالله لنستجلي حقيقة ألوهيّة المسيح. أنتَ أو أنتِ قد تكونان بطرس. كلُّ مؤمن في الكنيسة مَدعوّ أن يأتي مع المسيح إلى الجماعة الَّتي تتخبَّط في عواصف تجارب عدم الإيمان ورياح أهواء البشر ليكون شاهدًا على خلاص يسوع له من الغرق في بحر العمر. متى عدنا إلى الاتِّكال الكلِّيّ على الله، كما حصل مع بطرس الَّذي كان يغرق لمّا صرخ: "يا ربُّ نجِّني"، حينئذٍ نصير شهودًا لخلاص المسيح في حياة العالم.

المسيحيَّة ليست كلامًا ونظريّات بل هي خبرةٌ حياة مع يسوع واكتشاف مستمرٌّ له كإله ومخلِّص. هذه خبرة كيانيّة وجوديّة لا يحصل عليها الإنسان من دون صلاة. صلاة بطرس: "يا ربُّ نجّني" هي نموذج الصّلاة الَّتي يستجيبها الله "للوقت"، لأنَّها تكشف لنا أنَّ الصلاة هي وعي أكيد لحقيقة موتنا من دون يسوع وصرخة من أعماق القلب بثقة وإيمان كلِّيّ بأنّه لا يتركنا بل هو حقًّا حاضرٌ معنا في شدائدنا وتجاربنا.

ومن له أذنان للسّمع فَلْيَسمَع.

(عن نشرة الكرمة - الأحد 5 آب 2012)

صوم السّيّدة

تُعَيِّد كنيستنا الأرثوذكسية لِرُقاد والدة الإله في ١٥ آب. بسبب أهميّة هذا العيد ودَور العذراء في سِرّ التّجسّد، تتحضّر الكنيسة والمؤمنون على مدى أسبوعين من الصّوم الاِنقطاعيّ عن الزّفرين، يتخلّلهما عيد التّجلّي في ٦ آب حيث يأكلون السّمك كتعزيةٍ وفرحٍ في يوم الرّبّ.

تُقام طيلة الأسبوعين مساءً صلاة الباركلـيـــــسي، وهي خدمة تضرّع وابتهال لأمّنا مريم البتول.

إنّ ما تداولته الكنيسة عن الصّوم لوالدة الإله يعود إلى العهد الرّسوليّ. لمّا حان الزّمن أن ينقل الرّبّ يسوع والدته إلى السماءّ، اختطف الرّسل سحبٌ من أقاصي الأرض حيث كانوا يبشّرون، وجَمَعَتهُم بِوالدة الإله في أورشليم، فأخبرتهم أنّ مَلاكًا أرسله الرّبّ لِيُخبِرَها بِقُرب انتقالها من الحياة الزّائلة إلى الأبديّة المغبوطة، وعزّتهم وتضرّعت من أجل سلامة العالم، وباركت الرّسل وهكذا أسلمت الرّوح. نَقَل الرّسل الجسد مع الملائكة بالنّشائد والتّسابيح إلى القبر. بعد ثلاثة أيّام حين كان الرّسل مُجتمعين لِتَناوُل الخبز المُقدّس، ظَهَرَتْ لهم بِجَسَدِها مُحاطةً بالنّور والملائكة قائلةً: "السلام لكم، افرحوا معي مدى الأيّام". وللحال استنار الرّسل وذهبوا للقبر فلم يَجِدوا الجَسَد، فأيقَنوا أنّ والدةَ الإلَه انتقلت إلى السّماء بِجَسَدِها مُتملّكة مع المسيح إلى دهر الدّاهرين.

عاشت العَذراء مُنذ العَهد الرّسوليّ في قلوب المؤمنين، الّذين اعتادوا على طلب شَفاعتها والصّوم في عيدها الكبير أي عيد رقادها وانتقالها. وعُرِفَ أحيانًا هذا الصّوم بِصَوم العَذارى كَسَنَدٍ للطّهارة والتَّبَتُّل. كما لم يكن مُقتصـرًا على الرّهبان والنّسّاك، لذلك، وإن دخل في قوانين الصّوم الكنسيّة في القرن الحادي عشر، إلاّ أنّه كان شائعًا بين المؤمنين في العالم منذ القرون المسيحيّة الأولى.

سنة ١٢٩٧ أصدر الإمبراطور البيزنطيّ أندرونيكوس الثّاني، أمرًا بالتّعييد وتكريم والدة الإله طيلة شهر آب. وهكذا يستمرّ الفرح بوالدة الإله حتّى وَداع العيد في ٢٣ منه.

وكانت كنيسة أورشليم أعلنت عيد رُقاد والدة الإله في ١٥ آب سنة ٤٢٥. وتَوالَت خطب الآباء القِدّيسين في مَديح وتمجيد وتكريم مَريم البَتول، ومِنهم أندراوس الكريتيّ، وغريغوريوس الذّيالوغوس الذي أورد في أواخر القَرن السّادس في كتابه "الأسرار" سِيرَة رقاد مريم وانتقالها، وجرمانوس بطريرك القسطنطينيّة والقدّيس يوحنّا الدّمشقيّ.

وأتت بعض الخطب الآبائيّة دفاعيّة بسبب هرطقة نسطوريوس (القرن الخامس) الّذي كما أساء لِناسوت المسيح، أساء للعذراء مُسمّيًا إيّاها "بوالدة المسيح"، بينما الكنيسة أجابته بأنّها "والدة الإله"، لأنّ الرّبّ منذ لحظة تجسّده في بطن مريم لم يفارق لاهوتُه ناسوتَه. ولاحقًا في القرون الحديثة شطح البعض فقال: "حُبِلَ بها بلا دنس" وهذه إساءة لحرّيّة وإرادة العذراء الاختيارية ولِمَفهوم سِرّ الخَلاص. كما شَطَحَ آخرون فاعتبروا أنّ العذراء علبة عادية تحمل ذهبًا، يؤخذ الذّهب ولا قيمة للعلبة، وهذه إساءة ثانية، لا للعذراء فحسب، بل لقيمة الرّبّ المتجسّد في بطنها.

إنّ أساس خبر رقاد العذراء مُستقاة من التّقليد كما ذكرنا. ونذكر هنا بعض آيات الكتاب المُقدّس الّتي ترمز إلى انتقال والدة الإله إلى السّماء بِجَسَدِها:

- "قُم يا ربّ إلى راحتك أنت وتابوت قُدسِك" (مزمور ١٣١: ٨)؛

- "قامت الملكة عن يمينه موشّحة بالذّهب".

- "ظهرت علامة في السّماء، امرأة ملتحفة بالشّمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا" (رؤيا ١٠ : ١)

عندما نقول تفرح الكنيسة بقدوم صوم السّيّدة، ذلك لأنّ المؤمنين يحبّونه وينتظرون صلواته ومن بينها صلاة البراكليسي. لذلك جعله النّاس مناسبة لتجديد حياتهم الرّوحيّة. يبقى الرّبّ يسوع محور اللّاهوت في كنيستنا ونتوجّه له بالعبادة والسّجود مع الآب والرّوح القدس.

صوم مبارك بشفاعات والدة الإله الّتي تُعينُنا.

انقر هنا لتحميل الملف