Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 27 تشرين الأوّل 2019

العدد 43

الأحد (19) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *27: الشّهيد نسطر، القدّيسة بروكلا امرأة بيلاطس *28: الشّهيد ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السّابويّ *29: الشّهيدة أناستاسيا الرّوميّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه *30: الشّهيدان زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرّسول كلاوبا *31: الرّسول سطاشيس ورفقته، الشّهيد أبيماخس المصريّ *1: القدّيسان قزما وداميانوس الماقِتا الفضّة وأمّهما البارّة ثيوذوتي، البارّ داوود (آﭬيا) *2: الشّهداء أكينذينوس ورفقته.

كلمة الرّاعي

في الكبرياء والرّياء

قد يظنُّ المرء أنّ الرّياء من الخوف والضّعف يأتي والكبرياء من قوّة، لكن ما يكشفه لنا الرَّبّ يسوع في مثل الفرّيسيّ والعشّار (لوقا 16) يوضح عكس ذلك. المسألة المَطروحة هي لماذا على الإنسان أن يستكبر ظانًّا في نفسه أكثر ممّا هو، وأن يُرائي محاولة منه للمحافظة على وهم الصّورة الّتي يريد أن يُقنع ذاته والآخَرين بها.

*    *    *

أسباب الكبرياء الخارجيّة مُتعدِّدَة، ولكن يوجد وازِع داخليّ أساسيّ هو حبُّ الاستقلاليّة عن كلّ كائن انطلاقًا من الرّغبة باختصار كلّ الوجود في "الأنا"(Ego)، "استقلاليّة الاستهلاك" المُستكبر هو من لا يُريد أن يحتاج أحدًا بل أن يكون هو المَطلوب والمُرتجى من الآخَرين إشباعًا لصرخة كيانه الطّالبة تأليه ذاته. هو يعرف أن يصير مهمًّا إذا كان له "مَوْنة" وسلطة على الآخَرين، إن كان بشكلٍ مباشَر أو غير مباشَر. ليس الكبرياء دومًا بَغيض الشّكل والأسلوب، المُراءاة تجعله جذّابًا في أحيانٍ كثيرة حتّى "يتنازل" المُستكبر لمن يعتبرهم أدنى منه لإيهامهم بالتّواضع... فيَزداد غرورًا وانتفاخًا إذ ينغمس أكثر فأكثر في عبادة ذاته...

*    *    *

تمرّ بلادنا في زمنٍ صعبٍ ودقيق وجميل ومُبشِّر بنقلة نوعيّة إلى وَعي أكبر لقيمة الإنسان لذاته ولمجتمعه عبر تغليبه لحبّ الوطن على حبّ الذّات والزّعيم والطّائفة... ضمان النّهضة الثّبات في إنسانيّة الإنسان وليس الإنفعاليّة والتّشفّي والانتقام بل السّلوك في نور الحقّ المُنبثق من الحبّ الصّادق لله وللإنسان الآخَر، لئَلّا يعيد التّاريخ نفسه إذ "لا جديد تحت الشّمس... ما كان فهو ما يكون" (سفر الجامعة 1: 9)، لأنّ الإنسان هو نفسه ما لم يتغيّر عن ذهنه وفكره بكلمة الحقّ وروحه... في حياةٍ جديدة أساسها بذل الذّات عَيْشًا للحبّ كغاية وطريق للوجود وليس استهلاكُ الآخَر أكان شخصًا أم جماعةً أم وطنًا لأجل الذّات!...

*    *    *

أيّها الأحبّاء نحن المسيحيّين مؤتمنين على الشّهادة الحقّ وتعليمه ونشره بالعمل أوّلًا ثمّ بالقَول. الرّبُّ يطلب منّا أن نكون حاملي نوره إلى العالم لتصيرَ الحياة "أفضل" (يوحنّا 10: 10). لنكُن مِصفاةً لكلّ فكرٍ مُضلِّل ولنسلك بالرّوح في حكمةٍ واستنارَةٍ بكلمةِ الرَّبّ يسوع في تواضعٍ يكشف رياء المُستكبرين وفي صدقٍ يُعَرِّي استكبار المُرائين لنكون خميرة جديدة تُخمِّر فَطير العالم. ليست مُشكلة الإنسان الدّين بل الطّائفة الّتي هي انغلاق واستكبار ورياء واستهلاك للإنسان والجماعة باسم الإيمان.

ليست المسيحيّة كذلك. الكنيسة ليست طائفة إنّها مطرح تجلّي ملكوت الله، من شهادة البرّ والعدل والرّحمة والمُصالحة لشفاء العالم من مواتيّة رفض الآخَر والخوف منه والدّخول في شرّ الحياة الجديدة الّتي بالحُبّ الّذي لا يفرِّق بين إنسانٍ وإنسان بل يكون مَبذولًا من أجل الحقّ في كلّ بشر... هذا هو الحقّ، هذا هو التّواضع فلننبذ كلّ كبرياء ورياء فنكون في المسيح ضمانةً لوطنٍ أفضل وعالم مِلؤهُ الإنسانيّة...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني) 

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (2 كور 11: 31-33، 12: 1– 9)

يا إخوةُ، قد عَلِم الله أبو رِبِّنا يَسُوعَ المسيحِ المُبارَكُ إلى الأبدِ أنّي لا أَكْذِب. كانَ بدِمشقَ الحاكِمُ تحتَ إمرةِ الملكِ الحارثِ يَحرُسُ مدينةَ الدّمشقيّينَ لِيَقبِضَ عليَّ. فدُلِّيتُ مِن كُوَّةٍ في زِنبيلٍ مِنَ السُّورِ ونَجَوْتُ من يَدَيهِ. إنَّهُ لا يُوافقُني أن أفتَخِرَ فآتيَ إلى رُؤى الرَّبِّ وإعلاناتِه. إنّي أَعرِفُ إنساناً في المسيحِ مُنذُ أربَعَ عَشَرَةَ سنةً (أَفِي الجَسدِ لستُ أعلمُ أم خارجَ الجَسَدِ لستُ أعلم. اللهُ يَعلم)، اختُطِف إلى السَّماءِ الثّالثَة. وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أَفِي الجَسَدِ أَمْ خارِجَ الجَسَدِ لَستُ أَعلَمُ. اللهُ يَعلم)، اختُطفَ إلى الفِردَوسِ وَسَمِعَ كَلِماتٍ سِرّيَّةً لا يَحِلُّ لإنسانٍ أن يَنطِقَ بِها. فَمِن جِهَةِ هذا أفتَخِر، وأمَّا من جِهَةِ نَفسي فلا أفتخِرُ إلّا بِأَوْهاني. فإنّي لَو أرَدْتُ الافتِخارَ لَم أكُنْ جاهلاً، لأنّي أقولُ الحقَّ، لكنّي أَتَحاشى لِئَلّا يَظُنَّ بِي أحَدٌ فَوقَ ما يَراني عليهِ أو يَسمَعُهُ منّي. وَلِئَلّا أسْتَكْبِرَ بِفَرْطِ الإعلانات، أُعطِيتُ شَوكَةً في الجَسَدِ، مَلاكَ الشّيطانِ لِيَلْطِمَني لِئَلّا أَستَكْبِر، وَلِهذا طَلَبتُ إلى الرّبِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أن تُفارِقَني، فَقالَ لِي تَكفِيكَ نِعمتي لأنَّ قُوَّتي في الضُّعفِ تُكمَل. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخرُ بِالحَرِيِّ بِأَوْهاني، لِتَسْتَقِرَّ فِيَّ قُوَّةُ المسيح.

الإنجيل (لو 8: 41– 56) (لو قا 7)

في ذلك الزّمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ اسمُهُ يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخَرَّ عِندَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وطَلَبَ إليه أن يَدخُلَ إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدةً لها نحوُ اثنتَيْ عَشْرَةَ سنةً قد أشرفَتْ على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يَزحَمُونَه. وإنّ امرأة بها نَزْفُ دَمٍ مُنذُ اثنتَيْ عَشْرَةَ سنة، وكانت قد أنفقَتْ معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يَشفيَها، دَنَتْ مِن خَلْفِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوبِهِ، وَلِلوَقْتِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِها. فقال يسوع: "مَن لَمَسَني؟" وإذ أنْكَرَ جَميعُهُم، قال بُطرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: يا معلّم إنّ الجموع يضايقونك وَيَزْحَمُونكَ وَتقولُ مَن لَمَسَني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لَمَسَني واحدٌ، لأنّي عَلِمْتُ أنّ قُوّةً قد خَرَجَتْ مِنّي". فلمّا رأَتِ المرأةُ أنّها لم تَخْفَ، جاءت مرتعدةً وخرَّتْ لَهُ وأخبرَتْ أمامَ كُلّ الشّعبِ لأيّةِ عِلّةٍ لَمَسَتْهُ، وكيف بَرِئَتْ للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، إيمانُكِ أَبْرَأَكِ فَاذْهَبِي بِسَلام". وفيما هو يتكلّم، جاءَ واحدٌ مِن ذَوِي رئيسِ المجمعِ وقالَ لَهُ: إنّ ابنتَكَ قد ماتَتْ فلا تُتعِبِ المعلّم. فسَمِعَ يسوعُ فأجابَهُ قائلاً: لا تَخَفْ، آمِنْ فقط فتبرأَ هي. ولمّا دخل البيتَ لَم يَدَعْ أحداً يَدخُلُ إلّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصبيّةِ وأمَّها. وكان الجميعُ يَبكُونَ وَيَلْطمونَ عليها. فقال لهم: لا تبكوا إنّها لم تَمُتْ ولكِنّها نائمة. فضَحِكُوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتَتْ. فأمسَكَ بِيَدِها ونادى قائلاً: يا صبيّةُ قُومي. فَرَجَعَتْ رُوحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لِتَأكُل. فَدَهِشَ أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.

حول الإنجيل

ذهب المسيح إلى كفرناحوم وكان هناك رجلٌ اسمه يايْرُس، وهو رَئيس المجمع. كانت له ابنة توشك على الموت، لم تنجح معها علاجات الأطبّاء، قرّر الذّهاب إلى المسيح ليطلب مَجيئه إلى بيته، فأسرع يايرس بنفسه إلى الشّاطئ، وخرّ عند قَدَمَيْ المسيح وسجد له، فانفتح له باب الفرج، وتحوّلت مُصيبته إلى بركة أعظم. بسجوده أظهر يايرس كامل الإيمان بالمسيح. يستحيل أن يتغاضى المسيح عن طلب كهذا مَقْرون بإيمان، لأنّ الإيمان هو الدَّلو الوَحيد الّذي يسحب به الإنسان ماء الحياة من آبار الخلاص. وهو العين الوحيدة الّتي بها يرى الإنسان طريق السّماء ليسير فيه، وهو اليد الوحيدة الّتي بها يتناول الإنسان خبز الحياة ليحيا به "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالْإِيمَانِ يَحْيَا" (رومية 1:17). وبما أنّ يايرس أتمّ الشّروط الأربعة اللّازِمة لِنَوال بركات المخلّص، المَجِيء إلى المسيح، الاتّضاع أمامه، حرارة في الطّلب والإيمان الحَيّ به. فقد نال طلبه، وذهب المسيح معه إلى بيته. بسبب ازدحام الجموع فلا ريب أنّ يايرس استاء من هذا البطء، وزاده استياءً وقوف المسيح في الطّريق، ووقوف الجمهور معه بسبب امرأة مسكينة، كانت مريضة بنزف دم. غير أنّ هذا التّأخير عاد على يايرس بالبركة في تقوية إيمانه وإحياء رجائه. فقد اقتربت من المسيح امرأة مريضة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة، هدَّ قُواها، وضيَّع مالها على الأدوية بغير فائدة، كما أنّه كان يُعتبر نجاسة بحسب طقوس شريعة موسى. جاءت هذه المرأة وراء المسيح، فلم يرها ولم تلمس جسمه. فتوهّمت أنه لا يحسّ بما فعلته. لكن لأنّه عالِمٌ الخفايا، أوقف السّير وسأل: "من لمس ثيابي؟" فظنّ الجميع حتّى رسله أنّه سأل استعلامًا. وناب بطرس المُتسرِّع في الكلام عن زملائه في تلويم المسيح، وقال إنّ الازدحام جعل الكثيرين يلمسون ثيابك. لكنّ المسيح لم يسأل عن اللّمس البسيط، بل عن لمس الإيمان، إذْ لا شيء كالإِيمان، فإيمان هذه المريضة هو الّذي ميَّزها عن الكثيرين غيرها، الّذين كانوا مثلها يطلبون الشّفاء. قصد المسيح بهذه المعجزة شفاءً جسديًّا وروحيًّا، كما قصد تقوية إيمان تلاميذه ويايرس. وقد قال الكتاب: "لِأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلَاصِ" (رومية 10:10). فلمّا وَصَل المَسيح والأب والجمع إلى البيت، أمر أن يبقى تلاميذه مع الجمهور خارجًا، ما عدا بطرس ويعقوب ويوحنّا، فأدخلهم معه ليكونوا شهودًا للمعجزة العظيمة، وترك التّسعة خارجًا مع  النّائحين وإذ نرى الّذي قال عن حياته: "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" وبهذا السُّلطان يُمسك يد الجثّة، ويكلّم الرّوح الّتي فارقت الجسد، ويُرجِعها إليه بقوله: "يا صبيّة قومي". وللوَقت قامت الصّبيّة ومشت. ثمّ أمر أبويها أن يقدّما لها طعامًا. فأحدثت هذه المعجزة دهشةً عظيمة.

في النُّسْك الجسديّ والنُّسك الرّوحيّ!

قال النّبيّ داوود في صرخة من حشا قلبه: "ليت لي جناحان كالحمامة فأَطيرَ وأَستريح"!

كذلك الرّسول المصطفى بولس تمتم: "الّذي أُحبُّه لا أَفعله... أَمّا الّذي لا أُحبُّه (فإيّاه) أَفعل"...

لماذا هذا التَّضاد أَو هذا الإنشطار في "المشيئة" الإنسانيّة؟! الإلهيّة؟! أَلتلتقي الإزدواجيّة، وهي ليست من طبيعة الأُلوهة؟!

لم هذا الضّياع؟! أَمِن ترابٍ كوَّنَهُ الّذي هو أَبدعه إذ أَخذ الخالق حفنة ونفخ فيها روحه حتّى تبطل مواتيّة ولاشيئيّة الإنسان الأرضيّ والكلّيّ ليَصير هو ملء الملءِ الرّوحيّ؟! والكيان الكلّيّ التّمييز الّذي وَهَبَهُ الإله هديّة للإنسان، حتّى يعرف الإِله؟!

أَمِن جرن المعموديّة يَخْرُجُ الغثُّ والثّمين؟! أَو يجتمعان كطاقة مدمِّرة يحملها الإنسان في خبايا وخفايا كيانه، ليقابل بها طبيعة الحبّ والحنان الّذي يتميّز بهما "الفادي" المعلَّق على صليب مجده، مسَمَّرًا من فلذات كبده الّذين داخلهم الشَّرُّ لصلبه؟!

هل صار الصّليب أَداةً للخلاص؟! أَم هو بواقعه أَداة الحياة الملء المستمدَّة من "المشيئة الإلهيّة"، الّتي رعى فيها الإله شعبه قبل أَن يسْلِمَهُ إلى الموت المحيي وإلى مواتيّة الشّرّ على الصّليب ليحيا الإله أَبديّة حبّه لوحدانيّة أَترابه معه على صليبه... إن آمنوا!

يولد كلّ طفل من حشا أُمّه، تاليًا من حشا جرن المعموديّة والغسل الإلهيّ، لكلّ دنس يلحق، أَو يكون قد لحق بأَسراريّة ولحظة التّغطيس، أَو في تلاوة الكاهن للاستقسامات الّتي يصرخها ليُحْيى من خلالها الرّوح، طاردًا تاليًا القوى السّلبيّة الشّيطانيّة، المعشّشةِ في الهواء حوله أَو في الكنيسة؟!

"النّسك الجسديّ هو الّذي تحيا فيه البشريّة"... هكذا وضع الإنسان عبر التّاريخ أَحكام وقوانين وشرائع حياته على الأَرض، خوفًا من "الشّرِّ الّذي لحق بالكيان الإنسانيّ... وهو في الفردوس"! لذلك فهو يصوم للتَّجمُّلْ... أَو بسبب الفقر، أَو من التّقليد الّذي يحيا في كنفه!

وهكذا نصل إلى إزدواجيّة الطّبيعة الإنسانيّة بعد أَن سَمَحَ الإنسان للطّاقة الغريبة أَن تتخلَّل خلاياه لتخرِّب الرّوح الإلهيّة الضّابطة إيّاه من الفردوس!

لماذا سمح الإله الآب، الضّابط والخالق، للنّفس الشّرّيرة بأَن تَدْخُلَ فسحات فردوسِهِ، "لتَهْمِسَ بكذبة" إِبداع الخالق النّاقصة؟! لمخلوقه الّذي هو أَبدعه...

أَلأَنّه أَحبّه؟! فساواه بنفسه جاعلًا إيّاه "حُرًّا من حرّيّة" الكلّيّ الإقتدار الإِله، الّذي لا يعتريه لا موت، ولا فساد، ولا تردُّدْ، ولا حوار مع الشّرِّ... بل  هو ملء الملءِ روحيًّا، وهو نور من ضياء النّور، بل هو النّور المالئ الكلّ... الّذي لا ابتداء له ولا انتهاء له!

هذا هو عمل الرّوح في الإنسان الحامل الرّوح الإلهيّ، إنسان الحياة الجديدة... أَي هو الإنسان الّذي لا نوازع في كيانه للحبّ أَو للبغضاء... الصّائر بلا هوى... الإنسان الجديد هو  إنسان الرّوح وهو إنسان النّور... هو إنسان الوداعة والتّواضع... هو إنسان الصّمت للإرتفاع إلى مراقي "النّعَمْ"، الّتي منها يستقي حِسَّ قولته: "لست أَنا أَحيا بعد... بل المسيح يحيا فيَّ"! ليصير بنطق الكلمة كلمة في الكلمة! في تلك اللّحظة، تمتدُّ روحُ الرّبّ من على الصّليب المُسَمَّر هو وخاصّته عليه ليقول:

..."لستُ أَنا أَحيا بعد! المسيح يحيا فيَّ"!

أَنا لا جسد لي إلَّا جسد إلهي! أَنا لا مشيئة لي إلّا مشيئة إلهي!

يا أَنا أَنتَ... أَفرغني مِمَّا لحق بي من ترابيَّتي... فأَنا لست منها أَحيا!

أَنتَ موئِلي ونُسكي ومَنْسَكي!

أَنتَ خالقي من حشا مريم أُمّي!

يا صليبي... يا أَبي... يا أُمّي... ويا إِنّيَّتي...

رُدَّني إِليكَ... كلّما التمعتَ لي وحولي...    

يا أَنا أَنتَ... ويا مسيحي...                      

آمين.

انقر هنا لتحميل الملف