Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

  


الأحد 27 كانون الثاني 2019

العدد 4

الأحد أحد 14 من لوقا (الأعمى)

 

اللّحن 2 - الإيوثينا 2

أعياد الأسبوع: 27: نقل جسد القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، القدّيسة ماركيانيس *28: البارّ أفرام السّريانيّ، البار بلاديوس *29: نقل بقايا الشّهيد في الكهنة إغناطيوس المتوشّح بالله *30: الأقمار الثّلاثة وأمّهاتهم: آميليا – نونة – أنثوسة *31: كيرُس ويوحنّا العادِما الفِضّة، الشّهيدة أثناسيّا وبناتها *1: تقدمة عيد الدّخول، الشّهيد تريفن *2: دخول ربّنا يسوع المَسيح إلى الهيكل.

 كلمة الراعي

عيد دخول السّيّد على الهيكل

"الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ أيُّها السَّيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ ..."

( إنجيل لوقا 2: 29)

الخلاص المُنتَظَر منذ بدء الخليقة، الحَمَل المَذبوح منذ إنشاء العالم (أنظر: سفر رؤيا يوحنا اللّاهوتيّ 5: 12) يأتي ليُقَدَّم حملًا فاديًا كلّ بكرٍ فاتِحِ مستودَعٍ، والمستودع المفتوح في البتوليّة والعذريّة ليُقَدِّمَ أبكارًا أبدًا لله هو رحم الكنيسة المقدَّسة الّتي هي العروس البكر الواحدة الوحيدة للمسيح.

*          *          *

إعلانٌ أوَّل لحضور المسيح في العالم كان بشارة مريم البتول من الملاك جبرائيل، وهذا السّرّ استُعلِن لأليصابات ويوحنّا المعمدان النّبيّ في حشا أمّه. إعلانٌ ثانٍ هو ميلاد الرَّبّ وكشف سرّه للمجوس والرّعاة بالنّجم والمَلائكة. إعلانٌ ثالث هو دخول ربّ الهيكل إلى الهيكل لإتمام الشّريعة الّتي هو أبدعها ولينقل البشريّة إلى زمنٍ جديد زمن النّعمة ... هذا السّـرّ شُهِدَ له من حنّة النّبيّة وسمعان الشّيخ ...

كلّ انتظار البشريّة للخلاص تحقّق في المسيح الإله-الإنسان. كلّ التّحضير للخليقة من آدم إلى نوح فإبراهيم فموسى ... في زمن ما قبل الشّريعة إلى زمن الشّريعة وعبر الأنبياء تحقَّق في يسوع المسيح الّذي لمّا أتى الهيكل وتمّم النّاموس ألغاه أي حرَّر البشريّة من دينونته وفتح للبشريّة باب الخلاص بتصوّره كحمل حولي مقدَّم إلى الهيكل لفداء كلّ أبناء الإنسان وليُعيد الإنسانيّة إلى بنوّة الله فيه.

المسيح دخل الهيكل وخلّص الإنسان إذ تمّم الشّريعة وبالشّريعة أمات الشّريعة ليجدِّد بالموت عن العتاقة الطّبيعة البشريّة فيه، وليكشف الرّموز الظِّلِّيَّة فنعرف الله وجهًا لوجه فيه ...

*          *          *

"كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ، يَكُونُ لَكَ. غَيْرَ أَنَّكَ تَقْبَلُ فِدَاءَ بِكْرِ الإِنْسَانِ ..." (سفر العدد 18: 15).

الشّريعة حدّدت تخصيص الأبكار لله، بكر الإنسان والحيوان. الإنسان مُكرّس لخدمة الرَّبّ. أي هو ليس لذاته ولا لأهله بل لخالقه. هذا الأمر مُنِح لكلّ إنسان مُعَمَّد. هو يصير مكرَّسًا للرَّبّ: كاهنًا وملكًا ونبيًّا. الإنسان رأس الخليقة، كلّ شيء وُجد لأجله، هذه هي حقيقته الأنطولوجيَّة. ما لم يُدرك الإنسان هذا الأمر لن يعرف قيمته حقًّا بل سيبقى في الدّونيّة الّتي تحكم السّاقطين ...

خسـر الإنسان مجده لأنّه طرد الله من فردوس قلبه واسكن فيه إبليس بحبّ اللّذّة ... لم يكن الإنسان ساكنًا في الفردوس بل كان هو الفردوس لأنه مسكن الله. كان الله يأتيه وكأنه من خارجه ليجعله في الإزائيّة، مع أنّه كان في داخله بالرّوح  القدس. لا يستطيع الإنسان أن يتواصل مع الله إلّا بروح الله في كلمته. لذلك، كان الله يتواصل مع الإنسان بـ "الكلمة" (اللوغوس) وكان الرّوح القدس الّذي في الإنسان يُعطي هذا الأخير أن يتقبَّل "الكلمة" فيه فيحيا الكلمة بقوّة الرّوح بحسب مشيئة الله الآب. هذا طريق الارتقاء في معرفة الرَّبّ بالخبرة المُعاشة في كلّ نَفَسٍ وحركة يتمّمهما الإنسان. هذا هو جوهر الحياة المُكَرَّسَة للرَّبّ ...

*          *          *

بعد السّقوط كرَّس الإنسان ذاته لاستعباد الآخَرين الّذين كرَّسهم لخدمة أناه ... هذا هو مصدر بؤس البشريّة في كلّ زمان ... كثيرًا ما حاول البشر أن يرتقوا من هذه التّرابيّة بقوّتهم وذكائهم ولكنّ جهودهم كانت تبوء بالفشل لأنّه ليس لدى الإنسان القدرة بعد أن خسر سُكنى روح الرَّبّ فيه من أن يتحرَّر من ذاته، لأنّه "حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ ..." (رسالة بولس الرّسول الثّانية إلى أهل كورنثوس 3: 17).

أتى الرَّبّ يسوع ليُنجز سعي البشريّة للتّحرّر من قيود الأهواء واستعبادها ومن حرفيّة الشّـريعة ليقذف البشريّة جمعاء فيه إلى مدى الحرّيّة الإلهيّة الّتي في الحبّ بنعمة الثّالوث القدّوس الآتية من الآب بالابن في الرّوح القدس لأجل الحياة الأبديّة.

*          *          *

كلّ مُعمَّد مُكرَّس للرَّبّ وبالتّالي هو خادم لسرّ الحياة الأبديّة، لســرّ الغلبة على الموت، لسرّ الوحدة مع الله والإنسان، لســرّ خلاص الخليقة المنظورة وغير المنظورة ...

سمعان الشّيخ عاين خلاص الله وانعتق من الحياة في الموت وانطلق بالموت إلى الحياة الأبديّة، ونحن هل نريد أن نتحرَّر من رباطات العالم السّاقط ونرتبط بالمُنقِذ المخلّص لنا من كلّ القيود الّتي فينا من الدّاخل والّتي تأتينا من الخارج لنصير بشرًا محقِّقِين صورة الله فينا؟! ...

بطاعة الكلمة الإلهيّة وعيش الوصيّة بالصّلاة والصّوم والخدمة في التّواضع والوَداعة بقوّة النّعمة نقتني خلاصنا المحَقَّق في المسيح ...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع ....

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريّة القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم  (باللَّحن الثّامن)

لقد أَشرَقَتِ النّعمَة من فمكَ مثل النّار، فأنرتَ المَسكونة ووضعتَ للعالم كنوزَ عدم محبّة الفضّة، وأظهرتَ لنا سموَّ الاتّضاع، فيا أيّها الأب المؤدِّب بأقوالك، يوحنّا الذّهبيّ الفم، تشفَّع إلى الكلمة المسيح الإله أن يخلِّص نفوسنا.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل  (باللَّحن   الأوّل)

يا مَن بمولدِكَ ايّها المسيحُ الإله للمُستودع البتوليِّ قدَّستَ، ولِيَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركتَ وخلَّصتَ، إحفظ رعيتَّكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الّذين أحبَبْنَهم، بما انّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.

الرّسالة   (عب 7: 26– 28، 8: 1– 2)

يا إخوة، لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ. الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلًا عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ. وأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا ،قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ، خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ.

الإنجيل  )لو 18: 35– 43 )

في ذلك الزّمان، فيما يسوع بالقربِ من أريحا، كان أعمى جالِسًا على الطّريق يستعطي. فلمَّا سمع الجمعَ مُجتازًا سأل: ما هذا؟ فأُخبِرَ بأنَّ يسوعَ النّاصريَّ عابرٌ. فصرخ قائلًا: يا يسوع ابنَ داودَ ارحمني. فزجرهُ المُتقدِّمون لِيسكتَ فازداد صُراخًا يا ابنَ داودَ ارحمني. فوقف يسوع، وأمر أنْ يُقدَّمَ إليهِ. فلمَّا قرُب سألهُ: ماذا تريد أن أصنَعَ لك؟ فقال: يا ربُّ أن أُبصِر. فقال لهُ يسوع: أَبصِر. إيمانك قد خلَّصك. وفي الحال أبصَرَ، وتبعَهُ وهو يمجّد الله. وجميعُ الشّعب اذ رأوا سبَّحوا الله.

حول  الإنجيل

من عادة العُميان وذويّ العاهات الجسديّة والفقراء الجلوس على أبواب المُدُن حيث تكثر حركة السّياح والدّاخلين والخارجين ممّا يسهّل لهم عمليّة التّسوّل.

هذا الأعمى أحسّ بروحه أنّ إنسانًا عظيمًا قادمًا ومعه بيده معجزة شفائه. لذلك اعتبر أنّ اللّجاجة هي فرصته الوَحيدة ليصل صوته إلى آذان الله. رغم أنّه مغلق العين ولكنّه مفتوح القلب ويملك بصيرة روحيّة داخليّة قد لا تكون مُتوافِرة لدى كثيرين من المُبصرين جسديًّا.

" انتهره المتقدّمون ليسكت" الأصوات الرّادعة لطلب الأعمى تمثّل الأهواء والشّهوات والرّذائل الّتي تحاول خنق المشاعر الرّوحيّة عند النّاس وتمنع اقترابهم من الخالق. فالعلاج الوحيد يكمن في الثّبات في الإيمان واللّجاجة والطّلب. لولا إيمان الرّجل ما وقف المسيح عند سماعه لعبارة "يا ابن داود" هذا الإيمان قاد الرَّبّ يسوع لشفائه. والهدف هو الشّفاء الرّوحيّ أوّلًا ومن ثَمّ الشّفاء الجسديّ. عندما منحه المسيح الشّفاء تبعه مع الجموع وهو يشكر الله وكلّ هذا كان دافعًا لتسبيح الجموع كلّها للرَّبّ.

نَقاوة القلب !!..

"قلبًا نَقيًّا" أُخلُقْ فيَّ يا الله وروحًا مُستقيمًا جَدِّد في أَحشائي...

لا تَطرحني من أَمامِ وَجهِكَ... روحُكَ القُدّوس لا تَنْزِعْهُ مِنّي...

امنَحني بَهْجَةَ خَلاصِكَ وبِروحِكَ المُدَبِّر أُعضدني... فاُعلِّمَ الأَثَمَة طرقك والكفرة إليكَ يرجعون"..!!! (مز ٥٠).

*             *              *

هذه كانت وستبقى صرخة النبيّ العظيم داوود لإلهه الّذي إذ عاش قلبه الحجريّ مُطوِّبَهُ لِلَذّاتِهِ الّتي استعرت في حشاه، فأَعمَتْ بصيرة "روح قلبه" الإلهيّ مُخْرِجَةً إيّاهُ عن طورهِ ومُلْقِيَةً إيّاهُ في بَحْرِ الدِّماء الّتي سَبَحَ فيها باحثًا عن "أَنا قلبِهِ" لتثبيت شخصانيّةَ ملوكِيَّةِ رئاستِهِ الّتي اعتلت به إلى قُمَّةِ الأَوْحالِ العائِشِ فيها والّتي خَنَقَتْهُ مُنسِيَةً إِيّاهُ أَنَّه وإِنْ صارَ مرسومًا من العليّ ملكًا، خانَ الأمانة بالإستِرقاقِ لِجَسَدِهِ، لِيَجْعَلَ تاليًا خطيئتَه تتحكَّم به، بل تَصير هي مليكته وهو عبدها!..

ما نَقاوة القلب؟!...

أَن تحفظ هديّة خالقكَ لَكَ منذ مَوْلِدِكَ من حشا روحِهِ القُدّوس، والّتي إذ أعطاكَ روحَهُ نافِخًا فيكَ قلبه، صِرْتَ أنتَ فيه ساكِنًا كما أَتاكَ هو بدءًا ساكنًا فيكَ حتّى تَحْيا أَنتَ بِهِ منهُ وفيه.!!.

"كيف هذا لي يا إلهي وأنا إنسانٌ دَنِسٌ، رَجِسٌ تهمُّني ذاتي أَكثر منك؟!."

"يا بنيَّ أَعطني قلبَكَ!!."

من هنا بدأتْ حياة الإله في مولودِهِ، البكر، الإنسان الّذي أَرادَ أن يخلق ذاته في وجهٍ من وَجْهِهِ وروحًا من روحه ليحيا مخلوقه حياة من حياته... بل ليحيا حياة الإله فيه!!...

"أين قلبي يا الله؟!... أَهل أَفصله عن جسدي وعقلي وروح نَفَسي وحياتي؟!... أَأَنا قلبٌ فقط؟!... وما نَفْعُ قلبي أن كان عقلي لا يفهم وروحي لا تُبَلْسِمَ جراح كياني بكلّيَّته؟!.."

إسمع!! "الإنسانُ قلبٌ يا بُنَيّ..."

"أَحْبِبِ الرَّبَّ إلهكَ من كلّ قلبك ومن كلّ قدرتك ونفسك وفكرك"

وانتفَضَ الإنسان "من يُخاطبني"؟!...

قريبكَ... أَخاكَ... صديقكَ الّذي صَدَقَكَ روحُ الرَّبِّ السّاكِنِ فيكَ، المُعلِّمَكَ كيف تحيا ولمن تَحيا بوداعَةٍ!!..

الرَّبّ حبٌّ و مسيحِهِ الّذي كلٌّ منّا دَقَّ مسمارًا في جسده يصرخ إلينا اليوم!!.

"أحبّوا بعضكم بعضًا ليعرف العالم أنّكم تلاميذي"!!.

هكذا تجدّون وَعْدَ ”نَقاوةِ القلب“ كلّ مطلع صبحٍ وغروبِ شمس...

أشكرك يا ربّي يسوع المسيح!!..

 روى القدّيس مقاريوس الإسكندريّ أنّه في يوم من الأيّام إذ كان جالسًا عند باب قلايّته، حضر بين يديه رجلٌ عليه أسمال باليّة، وسجد له قائلاً: يا أبتاه أسألك أن أكون تحت ظلّك، وآخذ بركة صلواتك المقدسة. فأجابه القدّيس: حبًّا وكرامة.

سكن هذا الغريب في قلايّة إلى جانب قلاية القدّيس. كان فقيرًا جدًا في أمور العالم لكنّه كان غنيًا بنعمة ملكوت السّموات.

وفي إحدى ليالي الشتاء القارصة، وقع ثلج ورعد وبرد شديد ولم يكن له شيء يتغطّى به غير قطعة عباءة مخرّقة.  فتذكّر القدّيس مقاريوس ذلك الرّاهب وضعف حاله وأخذ عكازه وخرج يفتقده. وإذ وقف بباب القلّاية وكان الظّلام شديدًا، سمع صوته من داخل وهو يتهلّل ويفرح ويشكر الرَّبّ يسوع المسيح ويقول:

       ”يا ربّي أشكرك إذ وهبتني هذه النّعمة العظيمة الجزيلة والمواهب الجليلة الفاخرة الّتي هي العافية! يا ربّي كم من الملوك والأكابر والسّلاطين يواجهون أعداءهم الآن، ومنهم من كُسروا ونُهبت أموالهم وأملاكهم، وأولادهم يباعون، وقوم منهم دُكَّت حصونُهم وقلاعهم وهربوا وغيرهم في السّجون، قلوبهم مملوءة أحزانًا. أما أنا يا ربّي، فخالي القلب والفكر من جميع هذه الشّرور والهموم...

       أشكرك يا ربّي يسوع المسيح... كم من الأغنياء من ذوي الأموال الكثيرة فيهم مرضى وبرص ومصابون بعللٍ شديدة، وغيرهم عيونهم تلفة بأصناف أوجاع كثيرة لا تنفعهم أموالهم وليس لهم شفاء، يشتهون أن يكونوا كغيرهم...

       أشكرك يا ربّي يسوع المسيح... كم من السّجناء الآن ينتظرون قطع أعضائهم وربّما موتهم، وقلوبهم مملوءة همومًا وأفكارًا. وأنا، يا ربّي، في منأى عن كلّ هذه المصائب...

       أشكرك يا ربّي يسوع المسيح... كم في العالم من السّجناء في هذه السّاعة مُثقلون بالحديد لا يستطيعون مدّ أرجلهم، وأنا، يا ربّي، أمدّ رجليّ هكذا، مرتاحًا“...

       ثم مدّ رجليه وقبّل الأرض، وشكر الرّب:

       ”أشكرك يا ربّي يسوع المسيح... كم من إنسان قُطعت يداه أو رجلاه أما أنا فسالم اليدين والرّجلين وسائر الأعضاء! أشكرك، يا ربّي وإلهي يسوع المسيح، على هذه النّعمة العظيمة الّتي أعطيتني“!

       ثم قام ليصّلي وإذا بالمسكن قد أضاء كلّه من نوره. فلمّا رأى القدّيس العظيم مقاريوس ذلك تعجّب من كثرة تمييز هذا الإنسان وانصرف وهو يسبّح الله له المجد.

عن موقع عائلة الثّالوث القدّوس- دوما

انقر هنا لتحميل الملف