Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 26 كانون الأوّل 2021

العدد 52

الأحد بعد عيد ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح

اللّحن 2- الإيوثينا 5

أعياد الأسبوع: *26: عيد جامع لوالدة الإله، الشّهيد في الكهنة آفثيميوس، القدّيسين الصِّدّيقين يوسف الخطيب وداوود الملك، ويعقوب أخي الرَّبّ، *27: القدّيس استفانوس أوّل الشّهداء ورئيس الشّمامسة، ثاوذوروس الموسوم *28: الشّهداء العشرون ألفًا الّذين أُحرقوا في نيقوميذية *29: الأطفال الـ /14/ ألفًا الّذين قتلهم هيرودوس، البارّ مركلّس *30: الشّهيدة في البارّات أنيسيّة *31: وداع عيد الميلاد، البارّة ميلاني الّتي من رومية *1: ختانة ربّنا يسوع المسيح، باسيليوس الكبير، غريغوريوس النّزيَنْزي والد القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ.

كلمة الرّاعي

ميلاد الرَّبّ

”ماران أثا“ (1 كو 16: 22)

المولود الإلهيّ من مريم هو ابن الله المتجسِّد. هو ”مولود من الآب قبل كلّ الدّهور“ ولادة هي سرّ (MYSTERY) علينا لأنّها هي سرّ الله الثالوث الآب والابن والرّوح القدس، فهي ولادة لا تشبه ما في عقولنا من معنًى إذ إنّها صدور وسُكنى في آنٍ معًا لأنّ الآب كلّه في الابن والابن كلّه في الآب مع أنّ الآب غير الابن كأقنوم، والابن غير الآب كاقنوم ولكنّه مساوٍ للآب في الجوهر أي أنّ الجوهر الإلهيّ واحد وحيد هو في الآب وفي الابن معًا دون انقسام.

ولادة ابن الله الوحيد من مريم هي ولادة من أمّ وحدها، أي أنّ الَّذي حُبل به فيها ليس من زرع رجل وليس زواجًا بين الله وإنسانة كما في الميتولوجيا الإغريقيّة. ابن الله بأقنومه سكن في أحشاء مريم واتّخذ من جسدها جسدًا وذلك بنعمة الرّوح القدس الّتي حلّت عليها وظلّلتها لتستطيع أن تحمل ابن الله في أحشائها دون أن تحترق كالعشب بالنّار، وكما سبق فعاين موسى نبويًّا حين ظهر له الله في العلّيقة الملتهبة دون احتراق وملاك الرّبّ في وسطها (راجع خروج 3).

*          *          *

ولادة ابن الله المتجسّد من مريم هي تحقيق لنبؤات العهد القديم ولا سيّما لنبؤة إشعياء النّبيّ القائل: ”ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل“ (إش 7: 14). ولادة الإله بحسب الجسد تمّ الإنباء عنها قبل قرون من التّجسُّد الإلهيّ. ولكن ”مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟“ (إش 53: 1). إنّ ميلاد الرّبّ هو استعلان لسرّ الثّالوث الَّذي يفوق كلّ عقل وفكر والَّذي لا يستطيع الإنسان أن يفهم كنهه بعقله لأنّه كيف للمخلوق أن يعرف سرّ الخالق الوجوديّ؟!...

*          *          *

الرَّبُّ، إذن، يأتينا ليشاركنا طبيعتنا بما فيها من ضعف وقابليّة للموت وإمكانيّة خطيئة وإمكانيّة بِرٍّ. هو يصير إنسانًا كاملَ الطّبيعة والخواصِّ الإنسانيّة، هو إله وبشر، هو صاحب مشيئة إلهيّة ومشيئة بشريّة وفعلٍ إلهيٍّ وفعلٍ بشريٍّ، أي هو حرّ بحسب الألوهة وحرٌّ بحسب الإنسانيّة.  ماذا يعني هذا؟ هذا معناه أنّه بحرّيّته الإنسانيّة اختار أن يطيع الله طاعة كاملة، وبحرّيّته الإلهيّة اختار أن يختبر ما لطبيعتنا من ضعف كالجوع والعطش والحزن والموت. هو كإنسان أطاع وكإنسانٍ نما جنينًا في أحشاء مريم وطفلًا في حضنها. لقد أُعطيَ لنا في يسوع، إذ نتّحد به، أن نشاركه ما للألوهة كونه أَتْحَدَ الطّبيعة البشريّة مع الطّبيعة الإلهيّة في أقنومه بدون اختلاط أو امتزاج وبدون انقسام أو انفصال.

*          *          *

ماذا يعني لنا اليوم ميلاد ابن الله إنسانًا من مريم فتاة الله الدّائمة البتوليّة؟ إنّه عيد تحقيق ولادتنا الجديدة من فوق بالَّذي نزل من فوق ليرفعنا إلى فوق. أُعطينا في يسوع المسيح ابن الله إمكانيّة اتّحادنا بالله اتّحادًا حقيقيًّا بسُكنى النّعمة الإلهيّة فينا. هذا يعني أنّنا نصير والمسيح واحدًا في وحدة بدون ذوبان أساسها قبولنا حبّه اللّانهائيّ وانفتاح قلوبنا وكياننا لهذا الحبّ مجاوبين الحبّ بالحبّ وممتدّين بالشّوق إلى أصل وجودنا ومحقّقه بالإيمان الفاعِل بالمحبّة طاعة لمن يعطينا وصيّة الحياة الأبديَّة هبة ونعمة لا ثمن لها نقدّمه نحن بل ثمنها دمه الَّذي قدّمه على الصّليب ليقول لنا أنّنا مختارو الله منذ خلق العالم بالحمل المذبوح منذ إنشاء العالم.

أيُّها الأحبّاء، نحن نعيِّد كمسيحيِّين حين ندخل سرَّ الوجود بالابن الوحيد المولود من الآب بدءًا لا بدءَ له، والمولود من العذراء في كمال الزّمان لخلاصنا. نعيِّد حين نأتي مع الملائكة والكوكب، مع الرّعاة والمجوس إلى بيت لحم الّتي هي عالمنا وإلى المغارة الَّتي هي قلوبنا لنقدِّم للرّبّ هدايا هي هباته الّتي حبانا إيّاها. الله الآب قدّم لنا ابنه الوحيد إنسانًا مولودًا من العذراء، ونحن علينا أن نقدّم لله الآب حياتنا وكلّ ما لنا من خلال بذلنا لما أعطاه هو لنا لأجله في الآخَر. هذه مسيرة صعبة لا بل مستحيلة على الإنسان لأنّها إخلاء للذّات بكلّ ما للكلمة من معنى، ولكنها تصير ممكنة إذا ما لجأنا لله بالمسيح في روحه القدّوس. يولد المسيح في قلوبنا وحياتنا والعالم حين نعرف أن الله حياتنا وأنّه ليصير حياتنا يجب أن نعترف بأن الآخَر هو حياتي وأنّني لن أكون في المسيح ما لم يصر المسيح في الآخَر حياتي. هذه هي الولادة الجديدة في المسيح الّتي لا تصير إلّا بالموت عن الأنا بكلّ تشعّباته...

تعال يا ربّ... ها أنا أفتح لك قلبي... تعال يا ربّ واسكن فيّ... أنت يا أخي وأنتِ يا أختي... ماران أثا...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

 عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريّة عيد الميلاد (اللحن الرّابع)

ميلادُكَ أيُّها المسيحُ إلهُنَا قد أطلعَ نورَ المعرفةِ في العالم، لأنَّ السّاجدينَ للكواكب به تعلَّموا من الكوكبِ السّجودَ لك يا شمسَ العدل، وأن يعرفوا أنّك من مشارقِ العُلوِّ أتَيت، يا ربُّ، المجدُ لك.

طروباريّة القدّيسين (باللَّحن الثّاني)

يا يوسف بشّر داود جَدَّ الإله بالعجائب الباهرة. لأنّكَ قد رأيتَ بَتولًا حاملًا فمع الرُّعاةِ مجَّدتَ، ومع المَجوسِ سجَدتَ، وبالمَلاكِ أُوحِيَ إلَيْكَ. فابتهِل  إلى المسيحِ الإله أن يُخلّصَ نفوسنا.

قنداق الميلاد (باللَّحن الثّالث)

اليومَ البَتُول تَلِدُ الفائقَ الجوهر، والأرضُ تُقرِّبُ المغارة لِمَن هو غيرُ مُقْتَرَبٍ إليه. الملائكة مع الرُّعاة يمجِّدون، والمجوسُ مع الكوكب في الطّريق يَسِيرون. لأنّه قد وُلِدَ من أجلنا صبيٌّ جديدٌ، وهو الإلهُ الَّذي قبلَ الدُّهور.

الرّسالة (غلا 1: 11-19)

 رتِّلوا لإلهنا رتِّلوا

يا جميعَ الأممِ صفِّقوا بالأيادي

يا إخوةُ، أُعلِمُكم أنَّ الإنجيل الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأني لم أتسلَّمْهُ أو أتعلَّمْه من إنسان،ٍ بل بإعلانِ يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بِسيِرتي قديماً في مِلَّةِ اليهودِ أني كنتُ اضطَهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وأدمِّرُها. وأزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرينَ من أترابي من جِنسي بِكوني أوفرَ منهم غَيرةً على تَقليداتِ آبائي. فلمَّا ارتضَى اللهُ الذي أفرزني من جوفِ أمي، ودعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِن ابنَهُ فيَّ لأُبشِرَ بهِ بينَ الأُمم،ِ لساعتي لم أُصغِ إلى لحم ودم، ولا صَعِدْتُ إلى أورشليم،َإلى الرسلِ الذين قبلي، بل انطَلَقتُ إلى ديارِ العربِ. وبعدَ ذلكَ رَجَعتُ إلى دِمشق. ثمَّ إني بعدَ ثلاثِ سنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لأزورَ بطرسَ، فأقمتُ عندَهُ خمسةَ عَشَرَ يوماً، ولم أرَ غيرَهُ من الرسلِ سوى يعقوبَ أخي الربّ.

الإنجيل (متى 2: 13– 23)

لمّا انصرفَ المَجوسُ، إذا بملاكِ الرَّبّ ظهر ليوسفَ في الحُلم قائلًا: قُمْ  فخُذِ الصّبيَّ وأمَّهُ واهرُبْ إلى مصرَ، وكُنْ هناك حتّى أقولَ لك، فإنَّ هيرودسَ مُزمِعٌ أنْ يطلبَ الصّبيَّ ليُهلِكَهُ. فقام وأخذ الصّبيَّ وَأُمَّهُ لَيلًا، وانصرفَ إلى مصر، وكان هُناك إلى وفاة هيرودس، لِيَتِمَّ المَقُولُ مِنَ الرّبِّ بالنّبيّ القائل: مِن مِصرَ دَعَوتُ ابني. حينئذٍ، لمَّا رأى هيرودسُ أنَّ المجوسَ سَخِرُوا بهِ غَضَب جدًّا، وأَرسلَ فقَتَلَ كُلَّ صِبيانِ بيت لحم وجميعِ تُخُومِها، من ابنِ سنتَينِ فما دُونَ، على حَسَبِ الزّمانِ الّذي تَحقَّقَهُ مِنَ المجوس. حينئذٍ تمَّ ما قالهُ أرمياءُ النّبيُّ القائل: صوتٌ سُمع في الرَّامةِ، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثيرٌ. راحيلُ تبكي على أولادها، وقد أبتْ أنْ تتعزَّى لأنَّهم ليسوا بموجودين. فلمَّا مات هيرودس، إذا بملاكِ الرَّبِّ ظهر ليوسفَ في الحُلمِ في مصر قائلًا: قُمْ فخُذِ الصّبيَّ وأمَّهُ واذهبْ إلى أرض إسرائيل، فقد مات طالِبُو نَفْسِ الصّبيّ. فقام وأخذ الصّبيَّ وأمَّهُ، وجاءَ إلى أرض إسرائيل. ولمَّا سمع أنَّ أرْشيلاوس قد مَلك على اليهوديّةِ مكانَ هيرودسَ أبيه، خاف أنْ يذهبَ إلى هناك، وأُوحيَ إليهِ في الحلم، فانصرف إلى نواحي الجليل، وأتى وسكن في مدينة تُدعىَ ناصرة، لِيَتِمَّ المَقُولُ بالأنبياءِ إنَّهُ يُدعَى ناصِرِيًّا.

حول الإنجيل

الرَّجاء في زمن الخوف

في بركات عيد الميلاد المجيد، ينفعنا التّأمّل بالظّروف المحيطة بتجسُّدِ الله في العالم، خصوصًا في أزمنة الظّلمة الّتي نعيشها والخوف من الأيّام الآتية. يساعدنا على ذلك إنجيل اليوم الّذي يتكلّم عمّا حصل مباشرةً بعد ولادة يسوع. توحي هذه الأحداث بأنّ مشروع الله في العالم فاشل، لا أمل له بالنَّجاح.

يظهر يسوع ضعيفًا، فقيرًا، وحيدًا ومطلوبًا قتله، "فيتهجّر" إلى مصر. بالشّكل، الشَّرّ منتصر، الأولاد يُقتلون والأبرار يهربون. ولكن رغم هذه الظُّروف القاتمة، انوجد من بقي أمينًا لمشيئة الله ومُطيعًا لكلمته. يوسف الصِّدِّيق الّذي نُعيِّد له في الأحد الّذي يلي عيد الميلاد.

يتكرّر الأمر مع ولادة الكنيسة. مجموعة تلاميذ خائفون مختبؤن مضطَّهدون ومطلوبٌ قتلهم. لنا كنموذج استفانوس أوّل الشّهداء الّذي عيده غدًا. استفانوس صورة عن الكنيسة الحديثة الولادة. شاب مؤمن مندفع محبّ للخدمة، يحاصره اليهود ويقتلونه، بقيادة شاول الّذي فاق أترابه اليهود في اضطهاد المسيحيّين.

كما يسوع كذلك الكنيسة، جماعة تلاميذ فقراء خائفين مختبئين يُضطَّهَدون ويُقتلون. ولكن أيضًا انوجد من بقي أمينًا على كلمة الله، مُطيعًا صابرًا وثابتًا في إيمانه. أوّل هؤلاء استفانوس والّذين أتوا بعد ذلك وكرّموا رفاته واستمرّوا رغم الخوف والهرب والتَّهجير.

ولكن ما كانت النَّتيجة؟ شاول، مضطّهد الكنيسة الأوّل وقائد حملة القتل، تَحَوَّل إلى المبشِّر الأوّل بالمسيح. استفانوس الّذي قُتل بطريقة رهيبة ومؤلمة، رقد بطريقة نشتهيها كلّنا: بسلام، ممتلئًا من الرُّوح القدس، ناظرًا السَّماء مفتوحةً، والمسيح عن يمين الله ينتظره، وهو نقيٌّ من كلِّ بُغضٍ أو حقدٍ أو خوف، يطلب المغفرة لقاتليه. هذا ليس انكسارًا بل انتصارًا كبيرًا ليسوع ونهجه في العالم.

عندنا إذًا صورةً عن واقعِ العالم: الشَّرُّ بالظّاهر منتصرٌ، والمكائد وشهود الزُّور مستمرّين، القتلة والسّارقين والفاسقين مستمرّين، ولكن كلّ ما هو مطلوب هو الشّيء نفسه، أن ينوجد من يبقى أمينًا لكلمة الله، ثابتًا فيها ومتّكلًا عليها. هذا هو كلّ المطلوب. مهما اشتدَّتْ الظُّروف عليك وعلى الكنيسة وعلى العالم، يبقى هذا كلُّه مثل الزَّوْبَعَةِ في فنجان. الأزمات ستمرّ، والخوف سينتهي، ومهما حصل، أمانتك تجعلك مكلَّلًا بالنَّصر، فلا تخف. يسوع يولد طفلًا ضعيفًا ولكنّه الإله الّذي قبل الدُّهور، مَنْ يدرك هذا السِّرّ، مَنْ يؤمن به ويثبت فيه فهذا من أبناء النَّصر مهما اشتدّت الظُّروف!

نقاوة القلب

للمطران أفرام كرياكوس

"طوبى لأنقياء القلوب لأنَّهم يُعاينون الله" (مت 5: 8).

فترة الصَّوم هي فترة التَّنقية للجسد والنَّفس معًا. ولا يستنير العقل إلَّا بالمعرفة. "المعرفة الحقيقيّة الكاملة ليست فقط حصيلة الدِّراسات بل تتراءى مع النَّقاوة وتستطيع وحدها التّمييز بين ما هو صالح ونافع حقيقة وما هو ليس كذلك. إنَّ الغاية الّتي تتوخَّاها هي المعاينة والمذاق السِّرِّيّ

(Mystique) والخفيّ للنُّور الأبديّ". هذا ما قاله القدّيس غريغوريوس بالاماس أسقف تسالونيكي الّذي تكلّم على النّور الإلهيّ غير المخلوق. يقول أيضًا: "لا نستطيع أن نملك الرَّبَّ فينا، أن نعاينه في النَّقاوة، أن نمتزج بالنُّور، دون اختلاط، على قدر إمكانيَّات الطّبيعة البشريَّة، إن لم نكن متطهِّرين بالفضيلة، إن لم نخرج من ذواتنا أو بالأحرى نتخطَّى ذواتنا مرتفعين فوق الأفكار والبراهين، لنستسلم كلِّيًّا لقوّة الصَّلاة..." (1)

*      *      *

نطرح الأسئلة: ما معنى الحياة؟ ما هو هدفها؟ كيف نقتني المحبّة؟ كيف نقتني التَّواضع؟ كيف نصل إلى فضيلة التّمييز بين الخير والشَّرّ، بين ما هو لله وما هو لغيره؟

هذه كلّها حصيلة جهاد الإنسان وفعل النّعمة الإلهيّة.

الإنسان الأرثوذكسيّ الحقيقيّ هو الّذي يستطيع أن يميِّز بين الأرواح، بين روح الله وروح الشّيطان، بين قوى الله غير المخلوقة والقوى المخلوقة.

الهرطقة، السّحر أو الشّعوذة هي الخلط بين هذه القوى. هذا يأتي نتيجة عدم استنارة العقل والقلب. النَّقيُّ القلب له "موهبة التَّمييز بين الأرواح"، له المحبّة الحقيقيَّة، له أن يلمس حضور الله في حياته.

*     *      *

ونحن في وسط هذا الصّيام المبارَك ماذا نقول، ماذا نفعل؟

إخوتنا المسلمون يدينون بهذه الوصيّة الثّمينة: "لا تنسى ذكرَ الله"، ونحن المسيحيّين نشدّد على ذكر إسم يسوع إلهنا ومخلّصنا في كلّ حين، مع ذكر والدة الإله مريم شفيعتنا الأولى لديه. "لنطرح عنّا كلّ اهتمام دنيويّ كوننا عازمين أن نستقبل ملك المجد" في عيد القيامة.

(1) راجع (الدّفاع عن القدّيسين الهدوئيّين) الثّلاثيّة الأولى صفحة 115، منشورات التّراث الآبائي – تعريب دير الحرف.

أنقر هنا لتحميل الملفّ