Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 26 آذار 2023

العدد 13

الأحد (4) من الصّوم (البارّ يوحنّا السُّلَّميّ)

اللّحن 8- الإيوثينا 8                       

أعياد الأسبوع: *26: الأحد الرّابع من الصَّوم (البارّ يوحنّا السُّلَّميّ)، عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، القدِّيس استفانوس المُعتَرف *27: الشَّهيدة مطرونة التّسالونيكيّة، النّبي حنانيا *28: البارّ إيلاريون الجديد *29: القدِّيس مرقس أسقف أريثوسيون، القدِّيس كيرلُّس الشّماس والَّذين معه *30: خميس القانون الكبير، تذكار البارّ يوحنا السُّلَّميّ، النّبي يوئيل، القدِّيسة آففولي والدة القدّيس بندلايمون  *31: المديح الكبير ، الشَّهيد إيباتيوس أسقف غنغرة *1: سبت الأَكاثِسْتُس (المديح الكبير الَّذي لا يُجلَس فيه)، البارَّة مريم المصريَّة، الشُّهداء يارونديوس وباسيليوس.

 الكلمة الافتتاحيّة

أحد القدِّيس يوحنّا السُّلّميّ

هو صاحب كتاب (السُّلَّم)، أخذ لقبه من اسم الكتاب. به التقى الفكر المسيحيّ والكتابيّ والكنسيّ والآبائيّ، فتحقَّق لنا منه فضائل كثيرة نحياها بعيدًا عن الرَّذائل والأهواء.

تكلّم السُّلَّميّ معنا عبر كتابه، كطبيبٍ روحيّ، خبيرٍ، فارتقينا بمساعدته إلى حيث يقيم يسوع، لأنّنا بفضله اقتنينا نفسًا طيّبةً، وجسدًا نقيًّا نظيفًا، وروحًا مُشرقةً بنورٍ معطىً لنا من الله ليقيم داخل صدورنا، فيُحوّلنا إلى أشخاصٍ فَرِحين، والأهمّ أنّ الله يفرح بنا.

رحلتنا الصّياميّة اليوم شاقَّةٌ، إلَّا أنّ ثمارها يانعةٌ، ففيها تتهذّب الأنفس، مُرتقيةً عن طريق الصَّلاة والصَّوْم إلى فوق.

رتَّبتْ الكنيسة اليوم ذكرى السُّلَّميّ، لتكون درجات سلّمه أداة قوّةٍ، وتعزيةٍ، وثباتٍ في استمراريّة الجهاد الصّياميّ بِبُعدَيْه الرّوحيّ والجسديّ. لأن من فضائل كتاب السُّلَّم تكوَّن الإنسان المؤمن، ليكتسب شفافيّةً تُريه الله.

بين ثنايا تلك الدَّرجات الرُّوحيّة، نكتشف أنّ بداية الطّريق في رؤيتنا لله، تستدعي زُهْدًا بالمقتنيات، يقابله تعلُّقٌ باقتناء محبّة الله. ويكتمل هذا بطاعتنا لله، وتوبتنا لِبَدْءٍ جديدٍ نقيم فيه عهدًا مع الله لا ينفصم عراه. فنصبح هكذا بعيدين عن الحقد والنَّميمة، والكذب والشَّراهة، وقريبين من الطَّهارة في سهرٍ مع صلاةٍ، وفي وداعةٍ مع تواضعٍ في النّفس.

هذه المقتنيات الرُّوحيّة المكتسبة، علينا ألّا نخسرها بالكبرياء، لذا علينا اقتناء فضيلة التَّمييز، هذه الفضيلة الكبيرة الَّتي نمتلكها فقط عندما يسكن المسيح داخل أنفسنا، فنميّز بأحكامه السّاكنة في قلوبنا، معرفة ما هو من الله؟ وما هو مِن عدوّ الله؟ ففضيلة التَّمييز نورٌ يسكبه الله في الصُّدور لرؤية الحقائق الإلهيّة.

بعد امتلاك هذه الرُّؤية يصعب على الإنسان أنْ يتعايش مع الأهواء والرَّذائل، لأنّ الفضائل ترسّخت في ذاته حسب قول بولس الرَّسول: "لست أنا الَّذي أحيا، بل المسيح هو الَّذي يحيا فيّ" (غلا 2: 20).

أمّا فضيلة (المحبّة) الَّتي اهتمّ بها السُّلَّميّ غاية الاهتمام، فإنّه يتحدّث عنها في آخر كتابه، لكونها تساعدنا على العيش بحسب الصّورة الإلهيّة لأنّ "الله محبّة". والإنسان يلبس الله من خلال حبّه له وتعامله مع الآخر؛ الله والإنسان. فيتحوَّل الإنسان بهذه المحبّة الإلهيّة، إلى حالٍ شبه ملائكيّة، لأنّه يحيا حينها بالرُّوح.

أحد يوحنّا السُّلَّميّ المرتبط بالفضائل من جهة النُّسْك المسيحيّ، يختلف طريقه عن الأحد الَّذي يليه (مريم المصريّة) وهو أحد النُّسك أيضًا. إلَّا أنّه مرتبطٌ نسكيًّا بالتّوبة، وهذا الأحد هو أحد الفضائل الَّتي بها تتحقّق لنا توبةً معاشةً بفضائل المسيح.

نعود للسُّلَّميّ الَّذي خلّده التّاريخ بفضل كتابه ذي الدَّرجات الثّلاثين، والَّتي يبتدؤها بموضوع (الاغتراب)، لأجل أن نتغرّب عمّا ليس مطلوبًا، أي أن نتغرّب عن كلِّ شيءٍ نحن لا نستفيد منه في حياتنا الرُّوحيّة.

بعد ذلك، أخذ كتاب السُّلَّميّ بِيَدِنا إلى حالة جهادٍ قويٍّ في التُّقى والفضيلة والنَّقاوة، لنتمكّن من العيش في حياتنا الأرضيّة بعالم دُنيانا، في الأسرة والعمل، وفي حياة الرّاهب في الدَّيْر، وفي الوظيفة أو أيّ مهنةٍ أخرى.

نهاية كلِّ ما تقدَّم، هو أنْ يكون لنا حياةً تشاركيّة، على مثال الحياة الَّتي يحياها أفراد الأسرة الواحدة، لنصل جميعًا، من خلال تعلّم وعيش هذه الفضائل الَّتي وضعها السُّلَّميّ بين أيدينا، إلى مثل هذه الحياة المقدّسة، ولكن يبقى الارتكاز والاتّجاه الأوَّليّ نحو فضيلتين اثنتين تتلخّص بهما الفضائل كلّها، وهما (التَّواضع والرَّحمة). آمين

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)

انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

طروباريّة البشارة (باللَّحن الرّابع)

اليوم رأسُ خلاصنا، وإعلان السِّرُّ الَّذي منذ الدُّهور، فإنَّ ابنَ الله يصيرُ ابنَ البتول، وجبرائيلَ بالنِّعْمَةِ يُبشِّر، لذلكَ نحن معه فلنهتف نحو والدة الإله: ”افرحي أيَّتها الممتلئة نعمةً الرَّبُّ معكِ“.

قنداق (باللَّحن الثّامن)

إنّي أنا عبدكِ يا والدة الإله، أكتب لكِ راياتِ الغلبة يا جُنديّةً مُحامية، وأقدّم لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ من الشَّدائد، لكنْ بما أنّ لكِ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب، أعتِقيني من صنوف الشّدائد، حتّى أصرخ إليكِ إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عب 6: 13-20)

الرَّبُّ يُعطي قوّةً لشَعبْه                  

قدّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله 

يا إخوة، إنَّ الله لما وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن أن يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنَفسِهِ قائلًا: لأباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيرًا. وذاك إذ تَأنْى نالَ الموعد. وإنّما النَّاسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقضي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينُهم بالقَسَم للتَّثْبيتِ. فَلِذلكَ، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثة الموعِد بيانًا لعدم تَحوُّل عزْمِهِ، توسَّط بالقَسَم حتّى نَحصُلَ، بأمْرين لا يتَحَوّلان ولا يُمْكِن أن يُخِلفَ اللهُ فيهما، على تَعْزيَةٍ قوَّية نحنُ الَّذين التجَأنا إلى التَّمسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوع أمامَنا، الَّذي هو لنا كَمِرساةٍ للنَّفْسِ أمينَةٍ راسِخةٍ تَدْخُلُ إلى داخلِ الحِجابِ حيث دَخَلَ يسوعُ كسابقٍ لنا، وَقدْ صارَ على رُتبةِ مليكصادَقَ، رئيسَ كهنةٍ إلى الأبَدِ.

الإنجيل (مر 9: 17-21) 

في ذلك الزَّمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ وسَجدَ له قائلًا: يا مُعَلِّمُ قد أتيْتُك بابْني بهِ روحٌ أبْكَم، وحيثما أخذهُ يصرَعُهُ فيُزْبدُ ويصرْفُ بأسنانه وَييبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أنْ يُخرجوهُ فلم يَقدِروا. فأجابَهُ قائلًا: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم، حتّى متى أحتْمِلُكُم؟ هَلمَّ بهِ إليَّ. فأتوهُ بهِ. فلما رآهُ للوَقتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ فسَقَطَ على الأرضِ يَتَمَرَّغُ ويُزبدُ. فسأل أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزَّمان أصابَهُ هذا؟ فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيرًا ما ألقاهُ في النّار وفي المياهِ ليُهلِكَهُ، لكنْ إنْ استَطَعْتَ شيئًا فَتَحَنَّنْ علينا وأغِثنا. فقال لَهُ يسوعُ: إنْ استَطَعْتَ أنْ تُؤمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُستَطاعٌ للِمؤُمِن. فصاحَ أبو الصّبيّ مِنْ ساعَتِه بدموعٍ وقالَ: إنّي أُومِنُ يا سيِّد، فأغِث عَدَم إيماني. فلمّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يتبادَرون إليهِ انتهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قائلًا لَهُ: أيُّها الرُّوحُ الأبْكمُ الأصَمُّ، أنا آمُرُكَ أنْ أُخْرُجْ مِنهُ ولا تعُدْ تَدخُلُ فيه، فَصَرَخَ وخبَطةُ كثيرًا وخرَجَ مِنهُ فصارَ كالميت، حتّى قال كثيرونَ إنَّه قدْ ماتَ. فأخدَ يسوعُ بيدِه وأنهضه فقام. ولمّا دخل بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نخرجه؟ فقال لهم: إنَّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلَّا بالصَّلاة والصَّوم. ولمّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يرد أنْ يدري أحد، فإنَّه كان يعلِّم تلاميذه ويقول لهم: إنَّ ابن البشر يُسَلَّم إلى أيدي النّاس فيقتلونه وبعد أن يُقْتَل يقوم في اليوم الثّالث.

حول الإنجيل

"قومي يا صبيّة"، "إذهب بسلام، قُمْ"، بهذه البساطة يَدعونا يسوع لحياةٍ جديدةٍ، فإنْ كنّا معه بالإيمان يكون معنا بالأَمان. الله يُعطينا أكثر مِمّا نطلب وبالتَّالي أعمق ممّا نحتاج، لأنّ رحمته علينا أكثر من اتّكالنا عليه وهو الأقرب إلينا مِنْ ذَواتِنا. "يا بني أعطني قلبك"، الله يردّنا إلى جمالنا الأصليّ، لا إلى ما يريد النّاس تصنيفنا به. هذا جمال الشِّفاء واللِّقاء، يدخل الله أعماقنا وأمراضنا وحتّى موتنا ويكمن في جمالٍ جديد. يُلاقينا يسوع كما لاقى في انجيل مرقس اليوم هذا الرَّجُل على طريق شَكِّه فيقول له: «إنْ استطعتَ أن تؤمن فكلُّ شيءٍ مُستَطاع للمؤمن». الرَّبُّ يتنازل إليه عَلَّه يتحرَّك، لَعَلَّه يؤمن. يَبكي هذا الرَّجل كأنَّه رأى في سؤالِ يسوع له دعوةً إلى إيمانٍ متزعزع عنده.عند ذاك، يقول هذا الرَّجُل: «إنّي أؤمن يا سَيِّد، فأَعنّي على رغم عدم إيماني»، والأفضل أنّها تعني: "قَوِّ رغبتي في الإيمان ورغبتي في شفاء ولدي". أخرج يسوع الأخرس مِنْ عُزلته، وصار بإمكانه أنْ يتَّصِل بالنَّاس الَّذين حَوْلَهُ. هتاف الَّذين كانوا حول يسوع يذكِّرنا بهتاف أشعياء النَّبيّ القائل: "حِينَئِذٍ تَتَفَقَّحُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَس" (أش 35: 5-6)، بعد حادثة الشِّفاء سأل التَّلاميذ المعلِّم: "لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟"، قال لهم: "إنّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج إلّا بالصَّلاة والصَّوْم" هذه الآية نسمعها في الصَّوْم لنفهم أنَّ الصَّلاة والصَّوْم لا ينفصلان وبهم يتلقّى المؤمن كلَّ عطيَّةٍ صالِحَة، وإذا فهمنا كما ذكرنا أنّ كلَّ شِفاءٍ هو قيامة ولقاء نفهم إذًا أنّ اتِّحادَ الصَّلاة والصَّوْم هما للحياة الجديدة أي قيامتَنا مِنْ كلِّ عَتاقَةٍ وتفاهَةٍ لنكون نحن في موسم المواسم العيدَ الحقيقيّ. صلاتَنا والرَّجاء ألّا يبقى أحدٌ أَخرس كما كان الولد المُصاب في هذا الفصلِ الإنجيليّ، لأنّنا مَدعوُّون إلى أكل الكلمة الإلهيَّة صَوْمًا وصلاة، لِنَصيرَها لكي نكون متجدِّدين بنعمةِ الرُّوح القدس سالِكين ومُبَشِّرين بالتَّوبة للكلمة الإلهيّة لأنَّها وحدها تشفينا مِنْ كُلّ خرسٍ أو ظلامٍ كما ومِنْ كلِّ موت. الله حَيّ.

سلّم الفضائل

ينبغي لحياتنا أن تكون مسيرةً إلى الكمال. يعلِّمنا القدّيس يوحنّا السُّلَّميّ كيف نرتقي إلى الفضائل العُليا: المحبّة والتّواضع. لذلك جاء كتاب "سلّم الفضائل" الَّذي اشتهر القدّيس يوحنّا فيه حتّى أخذ لقب "السُّلَّميّ،" والَّذي وضعه إبّان رئاسته لدير جبل سيناء، ثمرةَ خبرةٍ طويلةٍ في الحياة النّسكيّة وأطوار النّفس البشريَّة، كما يُظهر مكانًا للاعتدال إلى جانب الجدّ والصّرامة، ممّا يجعله من بين أكثر المعلِّمين روحيّةً وإنسانيّةً.

وهذا الكتاب يتألّف من ثلاثين مقالةٍ، يتناول القدّيس في كلٍّ منها فضيلةً معيّنةً مبتدئًا بالفضائل العمليّة التّربويّة الأوّليّة ومنتهيًا بالفضائل التّطبيقيّة. ويُعتَبر مرجعًا للرُّهبان خاصّةً، والمؤمنين عامّةً، فهو يحرّض قارئه على التّوبة، والصُّعود بنفسه ممّا هي غارقةٌ فيه من جهلٍ روحيٍّ يبعدها عن الله.

يقول القدّيس: "بالنُّسك وممارسة الفضائل نأتي إلى معرفة الحقيقة، وليس بالعقل فقط". ويضيف: "إنّ المجاهد يحفظ غيرته متّقدةً إلى النّهاية".

كلّ مؤمنٍ مجاهدٍ في حياته مدعوٌّ إلى الكمال في ارتقائه سلّم الفضائل، وجهاده هذا يفترض فضيلة التّمييز، كما يكافح جسده بذكر الموت. ولا يستطيع أن يتعاطى صوم الجسد وموت الجسديّات إلَّا إذا كان مشتعلًا بالحبّ الإلهيّ.

في أعلى السّلّم نصل إلى الهدوء. فبحسب القدّيس يوحنَّا السُّلَّميّ، الهدوء صخرةٌ جاثيةٌ على شاطئ بحر الغضب.

درجات هذا السّلّم تعني أنّنا جميعًا مدعوّون لندرّب ذواتنا مع كلّ نَفَسٍ، لنحيا حياةً مسيحيّةً صحيحةً، وهذا يتمُّ من خلال توبةٍ مستمرّةٍ وسعيٍ دؤوبٍ لاكتساب الفضائل لبلوغ السّماء. عندها تفرح بنا الملائكة، كما في إيقونة السّلّم إلى الله. المسيحيّ إنسانٌ مناضلٌ من أجل الخلاص الأبديّ، لأنّ لا أحد يعرف متى يأتي السّيّد الرّبّ، لذا علينا أن نكون متأهّبين، حاملين سلاح الله الكامل، لكي نقدر أن نقاوم ونثبت، ممَنطَقِين بالحقّ ولابسين درع البرّ وحاذين أرجلنا باستعداد إنجيل السّلام، مُتدرِّعين بترس الإيمان وخوذة الخلاص، ومعنا سيف الرّوح الَّذي هو كلمة الله فتنكسر أمامنا جميع سهام الشّرّير الملتهبة.

مختارات مِن كتاب السُّلّم إلى الله

+ شاهدتُ نفوسًا دنسةً قد انغمسَتْ في عشقِ الأجسادِ انغماسًا شديدًا، وإذ اتّخَذَتْ خبرةَ العشقِ الجسديّ حافزًا لِتَوبَتِها، حوَّلَتْ هذا العشقَ إلى عشقِ الرّبّ، واجتازَتْ حالًا كُلَّ خوف، وتطعَّمَتْ بـمحبّةِ الله الّتي لا يُشبَعُ منها. لذلك لـم يَقُلِ الرَّبُّ عن تِلكَ الفاسقةِ الـحكيمة إنّها قد خافت، بل قد أحبَّتْ كثيرًا (لو 47:7)، واستطاعت بسهولةٍ أن تُفحمَ العِشقَ بالعِشق.

+ كـما أنّ قاطِفَ التُّوتِ الـخبيرَ يأكلُ النّاضجةَ منها ويتركُ الفَجّة، هكذا العاقلُ الرّشيدُ يلاحظُ بدِقَّةٍ كُلَّ ما يراهُ عند الآخَرِينَ مِن فضائل... أمّا الـجاهلُ فيفتّشُ عن نقائصِ الآخَرينَ وعيوبِـهم.

+ رأيتُ كهنةً شيوخًا تلعبُ بـهم الشّياطين، فيمنحون بركةً لِشُبّانٍ ليسوا تـحتَ طاعتِهم كي يَنقُضُوا صيامَهُم في احتفالاتٍ رسميّة، ويأكلوا ويشربوا مـمّا على الـمائدة. فإذا كان هؤلاءِ الشُّيوخُ مشهودًا لـهم فلْنأكُلْ باعتدال، أمّا إذا كانوا من الـمُتهاوِنِين، فلا نكتَرِثْ لِبَرَكَتِهِم، لا سيّما إذا كُنّا في صراعٍ مع النّار.

+ الـمُتكبِّرُ هو رُمّانةً مهترئةٌ من الدّاخل ولَـمّاعةٌ من الـخارج.

+ الوَداعةُ سَنَدٌ لِلصَّبر، بابٌ لِلمَحَبّة، أو بالأحرى أُمٌّ لَـها، أساسُ التّـمييز، لأنّ "الرَّبَّ يُعَلِّمُ الوَدِيعِينَ طُرُقَهُ" (مز 9:25).

+ إنّه لَـمُستحيلٌ أن يتولّدَ مِن الثّلجِ لَـهيب، وإنّه لأكثرُ استحالةً أن يوجدَ تواضعٌ عند الـهراطقة، لأنّه خاصٌّ بالـمؤمنين والـحسَني العبادة، لا سيّما الأنقياء الَّذينَ تطهّروا من الأهواء.

+ كثيرًا ما تكون مظاهرُ الـمحبّة في أن ندعَ قريبَنا أثناءَ زيارتِهِ لنا يتصرّفُ كـما يشاء، ونُظهِرَ له بشاشةً وحُبورًا.

+ الـمؤمن ليس من يظنُّ أنّ الله قادرٌ على كُلِّ شيء، بل الّذي يؤمن بأنّه سينالُ منه كُلَّ شيء.

+ الطَّعامُ يُصلَحُ بالزَّيتِ والـمِلح، والصّلاةُ تُـجَنَّحُ بالعِفَّةِ والدُّموع.

+ يزدادُ الـحصانُ الأصيلُ حـماسةً كُلَّما عدا وطالَ جَرْيُه. فالـجَرْيُ هو التّسبيح، والـحصانُ هو الذِّهنُ الشُّجاعُ الَّذي يَشْتَمُّ رائـحةَ الـحربِ مِن بعيد، ويتأهّبُ لـها، ويَلبَثُ غيرَ مُنهَزِم.

أنقر هنا لتحميل الملفّ