Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ۲٥ شباط ۲٠١٨

العدد ٨

أحد الأرثوذكسيّة  

اللّحن ٥- الإيوثينا ٥

كلمة الرّاعي

استقامة الايمان والجهاد الرّوحيّ

 حدَّدَتِ المجامع المسكونيّة السبعة عقائد الإيمان المسيحي، وهذه العقائد الأساسيّة هي التالية:

  1. يسوع المسيح هو مولود من الآب قبل كلّ الدهور وقد تجسِّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وهو إله تام مساوٍ للآب في الجوهر أو بالأحرى واحد في الجوهر مع الآب؛
  2. الروح القدس هو الرب المحي المنبثق من الآب وهو إله تام واحد مع الآب في الجوهر؛
  3. الله واحد مثلّث الأقانيم، هذه الأقانيم هي واحدة في الجوهر وغير منفصلة. الله هو الآب والابن والروح القدس؛
  4. مريم العذراء وَلَدَتِ ابن الله بالجسد بدون أب، لذلك نسميّها ”والدة الإله“؛
  5. الرب يسوع المسيح هو إله تامّ وإنسان تامّ، وقد ضمّ، في التجسّد، الطبيعة البشـرية إلى أقنومه الإلهي، فصار أقنومًا إلهيًّا بطبيعتين إلهيّة وبشريّة متَّحدتَين بدون انقسام أو انفصال وبدون امتزاج أو تشوّش. هذا أدّى إلى ما يُسمَّى بتبادل الخصائص بين الطّبيعتين أي صار ما يخص كلتا الطبيعتين يُنسب لأقنوم ابن الله يسوع المسيح، فالإله المتجسد ذاق الجوع والعطش والألم والحزن والموت بالجسد، مع بقاء الوهيّته منزّهة عن كلّ هذه الحالات الّتي عاشها بإنسانيّته. والطبيعة البشريّة تمتّعت بما للألوهة من طاقات وقوى غير مخلوقة، فكان الإنسان يسوع المسيح يشفي ويقيم الموتى بقوّة الألوهة الّتي فيه، وهو قام بذات سلطانه من الموت. ونتيجة هذا الأمر علينا كبشر هو سكنى النعمة الإلهيّة غير المخلوقة فينا بالروح القدس واتحادنا بها عبر وحدتنا مع المسيح بحسب مشيئة الله الاب؛
  6. كلّ طبيعة من طبيعتَي أقنوم ابن الله المتجسّد، لها مشيئتها الخاصة وفعلها الخاصّ، فالطبيعة البشرية تخضع بمشيئتها للإله وتطيعه. كلّ طبيعة تقوم بأعمالها حسب مشيئتها من خلال الأقنوم الواحد بدون أن يوجد تعارض بين المشيئتين الإلهيّ والبشريّة.
  7. وبما أنّ ابن الله صار إنسانًا فقد صار ممكنًا لنا أن نصوِّره في إنسانيّته. الألوهة لا يمكن أن يُعبَّر عن جوهرها بأية كلمات أو صور، فقط نرسم الإله في جسد تأنسه مُظهرين صفاته الإلهيّة من خلال الرّموز في الأيقونات. والنعمة الإلهيّة السّاكنة في جسد المسيح تسكن في المادّة، لذلك نكرّم رفات القديسين لأنّ النعمة الإلهيّة تسكن في القديسين في حياتهم وبعد رقادهم وتصنع العجائب وتفيض الأشفية للطالبين. أيضًا، هذه النعمة الإلهيّة تسكن في الأيقونات، لأن الأيقونة تمثِّل الشّخص المتقدِّس الَّذي عليها. القديسون هم أيقونات للمسيح، فنحن نكرّم ايقونات والدة الإلهي والقديسين ونسجد لها إكرامًا للعنصـر الأوّل أي من تمثِّل ولمصدر القداسة أي الله، نحن، إذًا، نكرِّم القديسين لأنهم صاروا هياكل لله. لكننا نسجد سجود عبادة لله فقط أمام ايقونة الرب يسوع. نحن لا نسجد للخشب والألوان بل لمن هو حاضر حقًّا في أيقونته بالنِّعمة الإلهيّة.

     أحد الأرثوذكسيّة هو هذا الاعتراف بأن مسيرتنا الإيمانيّة وجهادنا في الصّوم هما في خطّ استقامة الرأي، ”الأرثوذكسيّة“، لأنّ الانحراف عن ”الأرثوذكسيّة“ يقود الإنسان إلى الابتعاد عن غاية الجهاد والصوم النّهائيّة ألا وهي الدّخول في سرّ الحياة الجديدة بالقيامة، أي سكنى النّعمة الإلهيّة غير المخلوقة في الإنسان وتألهه، أي صيرورته على شبه الله.

     الأرثوذكسيّة هي خبرة القداسة، هي خبرة ”تعال وانظر“ الرّبّ يسوع المسيح حاضرًا في كنيسته، في قدّيسيه، في الأسرار، في الأيقونات، في المؤمنين المجاهدين في طريق التّطهّر والاستنارة والمعاينة الإلهيّة. الأرثوذكسيّة هي الصدق في الجهاد الروحي انطلاقًا من معرفة الإيمان الحقّ ومعرفة النّفس بالنسك والصلاة والصوم.

     ألا منحنا الرب أن نجاهد الجهاد الحسن والمستقيم في هذا الصّوم المبارك لكيما نصير أيقونات تكشف حضور المسيح ونوره وحياته في هذا العالم البائس...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

 

طروباريّة القيامة (باللّحن الخامس)

 لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزليّةِ وعدمِ الابتداء. المولودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجسدِ على الصليب. ويحتمِلَ الموت. ويُنهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.

طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة (باللّحن الثّاني)

لصورتِكَ الطاهرةِ نَسجدُ أيّها الصَّالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهُنا. لأنّكَ سُررتَ أن ترتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا، لتُنجِّيَ الَّذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فلذلك نهتِفُ إليكَ بشُكرٍ: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.

القنداق (باللّحن الثّامن)

إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّةً محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّةَ التي لا تُحَارَب، أَعْتِقِينِي من صُنوفِ الشَّدائد، حتّى أَصْرُخَ إليكِ: اِفْرَحِي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عبرانيّين 11: 24-26، 32-40)

مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا

 لأنَكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا

يا إخوةُ، بالإيمانِ موسى لمّا كَبُرَ أبى أن يُدعى ابنًا لابنةِ فِرعَون، مختاراً الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتّع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبراً عارَ المسيح غنىً أعظمَ من كنوزِ مِصرَ، لأنّه نظر إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضاً؟ إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أَخْبَرْتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ وعمِلوا البِرَّ ونالوا المواعِدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسود، وأطفأُوا حِدَّة النارِ، ونجَوا من حَدِّ السَّيف، وتقوَّوا من ضَعفٍ، وصاروا أشِدَّاءَ في الحربِ، وكسروا معسكَراتِ الأجانب. وأخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِّبَ آخَرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضاً والسِّجن. ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا، وماتوا بِحَدِّ السَّيف. وساحُوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعِزٍ، وهم مُعْوَزونَ مُضايَقونَ مَجهودون (ولم يَكُنِ العالمُ مستحقّاً لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبالِ والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاءِ كُلُّهم، مشهوداً لهم بالإيمانِ، لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سبقَ فنظر لنا شيئاً أفضلَ، أن لا يُكمَلوا بدونِنا.

 الإنجيل (يوحنّا 1: 43-51)

 في ذلك الزمان، أرادَ يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجَدَ فيلبُّسَ فقالَ له: "اتبَعْنِي". وكانَ فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجَدَ فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقالَ له: "إنَّ الذي كتبَ عنه موسى في الناموس والأنبياءِ قد وجدناه، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الذي من الناصرة". فقالَ له نثنائيلُ: أَمِنَ الناصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح؟! فقالَ له فيلِبُّسُ: "تعالَ وانظر". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقبلاً إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه". فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تعرفُني؟" أجابَ يسوعُ وقالَ له: "قَبْلَ أن يَدْعُوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحتَ التينةِ رأيتُك". أجابَ نثنائيلُ وقالَ له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجابَ يسوعُ وقالَ له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التينةِ آمَنْتَ. إنَّكَ ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقالَ له: "الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم، إنَّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحةً، وملائكةَ اللهِ يصعدونَ وينـزِلونَ على ابنِ البشر".

حول الإنجيل

لكل أحد من آحاد الصوم أهميته في كنيستنا، وهذا الأحد هو أحد الأرثوذكسية، أحد الإنتصار، أي انتصار إيمان الكنيسة على التعليم الكاذب، ضد بدعة محطمي الأيقونات وإعادة تكريمها في القسطنطينية سنة ٨٤٣ م. ابتدأَ هذا الانتصار منذ تجسَّدِ الله وصيرورته إنسانًا ، فاتَّحَدَت الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة، كما تشير طروباريّة عيد البشارة: "اليوم رأس خلاصنا وإعلان السر الذي منذ الدهور فإن ابن الله يصير ابن البتول ...". لذلك، في هذا اليوم نعيّد لرفع الأيقونات المقدسة، وعيد الأيقونة هذا إنّما هو عيد الإنسان الذي هو على صورة الله. فالمسيح المتجسّد هو المثال الجوهري والأصلي لجميع الأيقونات.

يتحدث انجيل اليوم على شخصين تعرّفا على المسيح، الأول هو فيلبس وقد دعي من المسيح، حيث بدا عليه التأثر لإدراكه أن الواقف أمامه هو المسيح المخلص، لم يُخْفِ فرحَه أمام صديقه نثنائيل فقال له: وجدنا المعلم، الإله، ابن الله. طبعًا بكلمة "وجدناه" مَثَّل فيلبس كل البشرية، وهي ليست كلمة نظرية فكرية إنما تأخذ وجودها الحقيقي من عيش الكلام الذي علّمه المسيح، فيجيب فيلبس "تعال وانظر" وهذا يعني بأننا ندرك الحقائق عن تعليم المسيح عندما نتوجّه نحوه فاتحين قلوبنا نحو معرفته، عندها ندرك أنه المسيح ابن الله وبلا توقف يهب لنا النعم غير المنظورة والفرح الحقيقي.

نحن بحاجة إلى اجتهاد كثير وإلى سهر كبير لكي نفحص عمق الكتب المقدسة. يجب أن نتعب لندرك معانيها ويجب أن نطالع تفاسير الآباء والكتب الروحيّة لندخل إلى أسرار الكتب المقدّسة. فبعد أن رأى نثنائيل الربّ يسوع، آمن وجاهر عن إيمان قائلاً "أنت ابن الله" (يوحنا ٤٩:١)، فهو لم ينتظر أن يرى عجائب ومعجزات ليعترف أنه ابن الله لكنه اكتفى باللقاء بمن تحدثت عليه الكتب المقدّسة ليعلن إيمانه. رغم كل ذلك فالرب يسوع رفعهما تدريجياً من الأرض إلى السماء حين قال لهما "من الآن سوف ترون السماء مفتوحة"، وهذه  كلها ليجعل نثنائيل وفيليبس يعترفان به ليس فقط كملك أرضي بل كسيّد على الملائكة. وهذا مطلوب منّا جميعاً، نحن الذين آمنّا واعتمدنا أن نتعمّق بإيماننا ومدلولاته وندقّق في الكتاب المقدّس وأقوال الآباء القدّيسين ونفتح مجالاً للربّ يسوع ليصعد بنا إيمانياً نحو السماء.

 ترتيلة  ”إني أنا مدينتك“

سنة ٦٢٦ م نشبت حرب بين الروم والفرس. استطاع الفرس أن يتقدموا حتى مدينة خلقيدونية. طمع الآفار، وهم قوم من البرابرة، بالاشتراك في الحرب ضد الروم ظانين أنهم بهذا سيحصلون على غنائم جمّة. اندفعوا إلى أسوار المدينة المتملّكة، القسطنطينية. الإمبراطور هرقل، الذي كان متغيباً عن العاصمة بسبب انشغاله بالحرب، جعل البطريرك المسكوني سرجيوس وصيّاً على ابنه ونائبه في الحكم. بإزاء الخطر المحدق بالعاصمة، هبّ البطريرك بكل فصاحة وشجاعة يُثير الهمم ويشدّد العزائم، ويدعو المحاصَرين إلى التوكل على الله ووالدته الفائقة القداسة بقوله لهم:

”تشجعوا يا اولادي فإن رجاءنا بالنجاة ملقىً على الله وحده ونحن رافعون إليه من كل قلوبنا ونفوسنا أيدينا وأبصارنا. هو الذي يبدّد المصائب والنكبات النازلة بنا ويدمّر مظالم أعدائنا“. وأخذ البطريرك يطوف مع الشعب شوارع المدينة ويدور حول أسوارها، حاملاً أيقونة المخلّص وأيقونة والدة الإله المقدسة مناجياً وباكياً هكذا :”قم يا الله وليتبدد أعداؤك وليبيدوا كالدخان ويذوبوا كالشمع من أمام وجهك“ ( مز٦٧: ١ ). أصبح البطريرك على حسب تعبير أحد المعاصرين ”خوذة العاصمة ودرعها وسيفها“. ويقول فيه معاصر آخر: ”إن البطريرك ما فتئ يواجه قوات الظلمة والفساد بأيقونتَي المخلّص والسيدة العذراء حتى زرع في قلوب الأعداء الرعب والخوف. فكانوا كلما عرض البطريرك من الأسوار أيقونة الشفيعة حامية العاصمة أعرضوا هم عن النظر إليها“.

أتمّ زعيم الأعداء كل ما يلزم لتهيئة الهجوم. ملأ خليج القرن الذهبي بالسفن وحاصر الأسوار بالعساكر المشاة. ثم أمر بالهجوم على المدينة. ردّ الجنود المستعينون بالمخلّص ووالدته بشجاعة هجمات العدو الغادر. امتلأ ميدان القتال بجثث البرابرة، وفي الوقت عينه عصفت ريح عاتية جعلت البحر هائجاً مائجاً، الأمر الذي أدى إلى إغراق معظم سفن الأعداء وتحطّمها.

فتح شعب القسطنطينية أبواب المدينة وطارد البرابرة إلى معسكرهم. عند ذلك أحرق الأعداء جميع الآلات التي كانوا قد جاؤوا بها لتهديم أسوار المدينة وتقهقروا ومعهم الجيش الفارسي الذي مُني هو أيضاً بخسائر فادحة لمشاركته بالحملة.

أما الشعب المتعزّي بمعونة والدة الإله السريعة الإجابة فرنّم أمام أيقونتها المقدّسة: ”إني أنا مدينتك يا والدة الإله أكتب لك رايات الغلبة يا جندية محامية وأقدّم لك الشكر كمنقَذَة من الشدائد لكن بما أن لك العزة التي لا تحارب أعتقيني من صنوف الشدائد حتى أصرخ إليك، افرحي يا عروسا لا عروس لها“. واَحْيَ الليل كلّه واقفاً على الأقدام مصلياً ومرنّماً للشفيعة السماوية نشائد المديح والشكر.

تذكاراً لهذا الانتصار والانتصارات الأخرى الممنوحة بمساعدة والدة الإله حدّدت الكنيسة المقدسة عيد مديح والدة الإله الفائقة القداسة في يوم السبت من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير كل سنة حين ترنّم خدمة مديح العذراء الفائقة النقاوة المسمّاة ”أكاثيسطون“ أي ”التي لا يُجلس فيها“ لأن الشعب رتلّ هذه النشائد الشـريفة في البدء واقفاً الليل بطوله.

كان يُحتفل بالمديح هذا في كنيسة البلاط الإمبراطوري حيث حُفظت أيقونة والدة الإله القائدة العجائبية مع ثوبها وزنّارها الشريفين وفي المكان الذي أقام الشعب الصلاة ساهراً ليلة هجوم الآفاريين والفرس على مدينة القسطنطينية. في القرن التاسع أُثبت هذا العيد في قوانين ديري سابا المتقدّس وستوديون، ومنهما انتقل إلى كتاب التريودي الذي يضم صلوات الصوم الأربعيني المقدس. وهكذا انتشرت خدمة ”المديح“ الكنيسة الشرقية جمعاء.

اشتهرت أيقونة ”إني أنا مدينتك“ بجريان الميرون الزَّكيّ الرائحة منها. هي صغيرة الحجم وقاتمة لذلك فإن تمييز تفاصيلها صعب. الأيقونة موجودة في كنيسة على اسمها في دير ديونيسيو حيث يُتلى المديح يومياً. تعرضت للسرقة مرتين، المرة الأولى كانت سنة ١٥٩٢ والمرة الثانية كانت سنة ١٧٦٧ وفي المرتين اضطر سارقوها إلى إعادتها للدير.

في سنة ١٥٩٢ هاجمت مجموعة من القراصنة دير القديس ديونيسيوس وسرقت الأيقونة المباركة ووضعتها في صندوق بعد تغطيتها بأغطية كثيرة وأبحرت مسـرورة بما فعلت. وما إن ابتعدت السفينة عن الشاطئ حتى تتالت ظهورات والدة الإله لزعيم القراصنة قائلة له: ”لماذا وضعتني في السجن أيها الرجل الشرير؟ أرجعني إلى مسكني الذي أقيم فيه بهدوء وسلام“. ولمّا لم يبالِ الزعيم بكلامها، قامت عاصفة هوجاء مفاجئة وتهددت السفينة بالهلاك. فعاد الزعيم إلى نفسه وتذكر ظهور العذراء له فأسرع إلى الصندوق الذي وُضعت فيه الأيقونة فألفاه محطّما إلى قطع صغيرة والأيقونة مبللة بالميرون الطيب العرف مع الأغطية التي عليها. وما إن رفع الأيقونة بيديه المرتجفتين حتى سكنت الريح وهدأت العاصفة. للحال عاد اللصوص أدراجهم إلى الشاطئ وأرجعوا الأيقونة إلى الدير. هذه الحادثة دفعت العديد من القراصنة إلى التوبة والعودة إلى الله تاركين لصوصيتهم الأثيمة، فاعتمدوا وقد بقي قسم منهم في الدير وترهب.

أما في العام ١٧٦٧، فقد سرقت عصابة من دالماتيا الأيقونة مجدداً، وفي طريق عودة العصابة إلى مقرّها، لاحظها بعض الرعاة اليونانيين فأخذوا منها الأيقونة ووضعوها في جزيرة سكوبوليس. رفض مشايخ القرية إعادة الأيقونة لرهبان دير الديونيسيو. وما إن مرّ ثلاثة أشهر عُوقبت المنطقة بوباء الطاعون، فأدرك السكان خطأهم وتابوا وأعادوا الأيقونة إلى الدير ووهبوه أمطشًا في جزيرتهم (من صفحة السراج الأرثوذكسي الالكترونية).

انقر هنا لتحميل الملف