Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 24 تشرين الثّاني 2019    

العدد 47

الأحد (23) بعد العنصرة

اللّحن 6- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع:*24: الشّهيدان كليمنضوس بابا رومية وبطرس بطريرك الاسكندريّة *25: وداع عيد الدّخول، الشّهيدة كاترينا عروس المسيح، الشّهيد مركوريوس *26: البارّان أليبيوس العموديّ ونيكن المُستَتِيب، البارّ أكاكيوس، ستيليانوس *27: الشّهيد يعقوب الفارسيّ المقطّع *28: الشّهيد استفانوس الجديد، الشّهيد إيرينرخُس *29: الشّهيدان بارامونوس وفيلومانُس *30: الرّسول أندراوس المدعوّ أوّلًا.

كلمة الرّاعي

رسالة المؤمن ودوره في بناء الدّولة 

نجد في الرّسالة إلى ذيوغنيتوس، وهي نصّ مسيحيٌّ قديم، وصفًا لحقيقة المسيحيّين في حياتهم، يكشف نظرتهم الوجوديّة للإنسان والكون والمجتمع والوطن من خلال مبدأ الآخِرِيَّة (Eschatologie). إليكم جزء ممّا يقوله في هذه الرّسالة: "لا يختلف المسيحيّون عن سائر البـشـر بالمكان الَّذي يقطنونه، ولا باللّغة الَّتي يتكلّمونها، أو العادات الَّتي ألفوها. فهم لا يقطنون مدنًا خاصّة، ولا يتحدّثون بلهجة مختلفة، ولا يحيون عادات مُغايرة... صحيح أنّهم يقطنون مدنًا يونانيّة وبربريّة، حسب إقامة كلّ منهم، ويتبعون العادات المحلّيّة في ملبسهم وطعامهم وسائر ضرورات معيشتهم، ولكنّهم يحيون حياة غريبة ومدهشة بالفعل. يقطنون أوطانهم، فتحسّ أنّهم ضيوف مؤقّتون أو سكان راحلون. وقد يشاركون مواطنيهم في كلّ شيء، إلّا أنّهم يعتبرون أنفسهم غرباء. البلد الغريب موطنهم، وموطنهم كالبلد الغريب... يحملون الجسد ولا يَحْيَون حسب الجسد. يجتازون حياتهم على الأرض ولكنّهم من سكّان السّماء".

*          *          *

فَقَدَ المسيحيّون، اليوم، هذه الرّوح الآخِريَّة الّتي هي أساس تعاطيهم مع حياتهم في هذا العالم. ما معنى هذه النّظرة الآخريّة؟ كما رأينا في الرّسالة إلى ذيوغنيتوس، المبدأ بالنّسبة للمؤمن هو أنّه ابن السّماء، ابن الدَّهر الآتي. هذا يستتبع أنّه يعيش وهو عالِمٌ أنّه ليس باقيًا في هذه الدُّنيا، يسلك في رحيل مستمرٍّ أي لا يتمسَّك بشيء من هذا العالم إلّا ما يستطيع حمله معه في رحلته إلى الملكوت السّماويّ. هو لا يعيش غريبًا عن أبناء البلاد الّتي يقطنها، بالعكس هو مواطن كامل وصالح لأنّه يطيع كلمة الحقّ الّتي بيسوع المسيح ربّنا، يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه أحد لأنّ ضميره الَّذي في الكتب المقدَّسة وصلاته وتعليم آباء الكنيسة وقدّيسيها وشهدائها ينخسه بالرّوح القدس المتكلّم معه بالملائكة... لذلك، يظهر المسيحيّ غريبًا عن العالم وفيه إذ هو يتبع منطقًا مختلفًا عن السّائد في العالم، هذا المنطق الَّذي يقول ”الشّاطر بشطارته“ ... وغيره من الأمثال الّتي تدلّ على أوَّليَّة الأنا. العالم السَّاقط المبنيّ على المَكْيَڤِيلّيّة القائلة بأنّ ”الغاية تُبرِّر الوسيلة“ ممجوج عند المسيحيّ إذ لا خلطَة بين الحقّ والباطل وبين المحبَّة والفردانيّة ... من هنا، المؤمن ينبغي أن يكون أوَّل وأنقى من يتبنّى قضايا البشريّة المحقِّة، لأنّه لا ينقاد لا لغريزة ولا لشهوة ولا لهوًى ولا لإنسان، إذ همّه إرضاء معلّمه الأوحد الرّبّ يسوع المسيح له المجد. هكذا، المؤمن لا يساوم على الحقّ ولا يمكن أن يُشتَرى ويُباع لأنّه يؤمـــن بما تعلّمته الكنيسة من الرّسول بولس: ”قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ“ (1 كورنثوس 7: 23). المؤمن يعلم أنّه ليس لنفسه، هو للرّبّ، والرّبّ يعتني به. لا يخاف الموت ولا الجوع ولا الألم ولا القمع لأنّ الموت قد غُلِب بقيامة المسيح، والَّذي يقوت طيور السّماء لن يَبخُلَ على المؤمنين به بالطّعام السّماويّ والأرضيّ، والألم من أجل المسيح-الحقّ بالنّسبة إليه عطيّة ونعمة ”لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ ...“ (فيليبي 1: 29)، والقمع له تدريب على محبّة المسيح فوق كلّ شيء وحرب ضدّ الأهواء إذ هو مقتنع مع الرّسول بولس بخبرته، وبدل أن يدلِّل ذاته ويفسدها بالرّخاوة يقول ” أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِـــــــــيــــــــرُ أَنَا نَفْـــــــــــسِي مَرْفُوضًا ...“ (1 كورنثوس 9: 27).

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، في هذا الظّرف التّاريخيّ الَّذي تعيشه بلادنا، وفي ظلّ هذه الأزمة، أزمة الثّقة بين الشّعب من جهة والأحزاب والزّعماء والحكّام من جهةٍ أخرى، دورنا كمؤمنين أن نكون شهودًا للحقّ لكي يبقى التَّوازن في التّحرّكات الشَعبيّة فلا تنحرف إلى قمع حرّيّة الآخَر ولا يتحوّل التّخاطب فيها للتّعبير عن المطالب المحقّة إلى الإسفاف، ولا تُمتَهَن فيها كرامة أيّ إنسان، وتُحافِظ على سِلْمِيَّتها واحترام الإنسان وحياته ولقمة عيش الفقير والمعدوم وسلامة المريض وخاطر المحزون وأن لا تنجرّ إلى العنف والتَّخريب ... النّضال اللّاعنفيّ هو سبيل المؤمن ... ودورنا، أيضًا، أن نشهد للحقّ لكي تقوم الدّولة بواجبها وإحقاق الحقّ ونبذ الظّلم وانصاف الفقير والمعوز والمريض والمحتاج وأن يكون الكلّ سواسية تحت ظلّ القانون العادل وأن لا يضيع حقّ مواطن وأن تقوم الدّولة بواجباتها تجاه شعبها وأن يقوم الشّعب باحترام دولته.

كلّ مؤمن، حيثما وُجِد، فليقم بطاعة وصيّة الرّبّ ولا يخضعنَّ إلّا لضميره في الحقّ الإلهيّ، وهكذا نكون فاعلين حقًّا بقوّة الله ليصير العالم مكانًا أفضل وتتحقَّق إنسانيّة الإنسان برجوعه إلى الله ...

ومن استطاع أن يفهم فليفهم ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس) 

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

 طروباريّة دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)

اليومَ العذراءُ الّتي هِيَ مُقَدِّمَةُ مَسَرَّةِ الله، وَابتِداءُ الكِرازَةِ بِخَلاصِ البَشَر، قد ظَهَرَتْ في هَيكلِ اللهِ علانية، وَسَبَقَتْ مُبَشِّرَةً لِلجَميعِ بالمسيح. فَلْنَهْتِفْ نَحوَها بِصَوتٍ عظيمٍ قائلِين: اِفرحي يا كَمالَ تَدبيرِ الخالق.

قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)

إنَّ الهيكلَ الكُلِّيُّ النّقاوَة، هيكلَ المُخلِّصِ، البتولَ الخدرَ الجزيلَ الثَّمَن، والكنزَ الطّاهرَ لمجدِ الله، اليومَ تَدخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معها النّعمةَ الّتي بالرُّوحِ الإلهيّ، فلتُسَبِّحْهَا ملائكةُ الله، لأنّها هي المظلّةُ السّماويّة.

الرّسالة (أف 2: 4– 10)

خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثك

إليكَ يا ربُّ اصرُخُ إلهي

يا إخوة، إنَّ الله لكونِهِ غنيًّا بالرّحمَةِ ومن أجل كثرَةِ محبّتِه الّتي أحبَّنا بها حينَ كُنَّا أمواتًا بالزَّلاتِ، أحيانَا مع المسيح. (فإنَّكم بالنِّعمَةِ مُخَلَّصون). وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السّماويَّاتِ في المسيحِ يسوع ليُظهِرَ في الدّهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللّطفِ بنا في المسيح يسوع، فإنَّكم بالنِّعمَةِ مُخَلَّصُونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله، وليسَ من الأعمال لئلَّا يفتَخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوعَ للأعمال الصّالِحةِ الّتي سبَقَ الله فأعَدَّها لنسلُكَ فيها.

الإنجيل (لو 18: 18-27) (لوقا 13)

في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ مجرِّبًا لهُ وقائلًا: أيُّها المعلّم الصالح ماذا أعمَلُ لأرثَ الحياةَ الأبدَّية؟ فقال لهُ يسوع: لماذا تدعوني صالحًا وما صالحٌ إلَّا واحدٌ وهو الله. إنّك تعرِفُ الوصايا: لا تَزْنِ، لا تقتُلْ، لا تَسرِقْ، لا تَشْهَدْ بالزُّور، أكرِمْ أباك وأُمَّك. فقال: كلُّ هذا قَدْ حفِظْتَهُ منذُ صَبائي. فلمَّا سمِعَ يسوعُ ذلك قال لهُ: واحدةٌ تُعْوِزُكَ بَعدُ. بِعْ كلَّ شيءٍ لك وَوَزِّعْهُ على المساكينِ فيكونَ لك كنزٌ في السّماء، وتعال اتبعْني. فلمَّا سمع ذلك حزِن لأنَّه كان غنيًّا جدًّا. فلمَّا رآه يسوعُ قد حزِن قال: ما أعسَرَ على ذوي الأموال أن يَدخُلُوا ملكوتَ الله! إنَّهُ لأسهلُ أن يدخُلَ الجَمَلُ في ثَقْبِ الإبرَةِ مِن أنْ يَدْخُلَ غنيٌّ ملكوتَ الله. فقال السامِعون: فمن يستطيع إذنْ أنْ يَخلُص؟ فقال: ما لا يُستطاعُ عند الناسِ مُستطاعٌ عند الله؟

حول الإنجيل

"أيّها المُعلّم الصّالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟"، هكذا بادر الرّجل الغنيّ الرَّبَّ يسوع سائلًا إيّاه عن الحياة الأبديّة، فلماذا ذكر الإنجيليّ أنّ هذا الإنسان سأل الرَّبّ مُجرّبًا إيّاه؟ لأنّه كان مقتنعًا بما يعمله ولا يريد أن يغيره، وهذا يدلُّ على نقصٍ وفراغٍ في داخله بالرّغم من أنّه كان يطبّق الوصايا. لماذا كان هذا النّقص والفراغ موجودًا؟ لأنّه بكلّ بساطةٍ، لا يعرف الله.

نستطيع رؤية الخلل في طريقة تصرُّف هذا الغنيّ، لأنّه يُطَبِّق الوصايا ظاهريًّا، يُطَبِّق الوصايا بحسب مفهوم وأخلاقيّات المجتمع. هذه الأخلاقيّات الّتي أصبحت أقوى اليوم، أنتجت ما يُسمّى "العَلمَنَة" أو بالأحرى ”الدَّهْرَنة“ (sécularisation) وعندما نقول ”دَهْرَنَة“ نعني بها الخضوع لذهنيّة هذا العالم وضياع الحياة الدّاخليّة.

أحد أوجه هذه الدَّهْرَنة الأساسيّ هو ”التّقوى الظَّاهريّة“ أعني: أن يفعل الإنسان كلّ شيء من أجل أن يراه النّاس، أن يعمل عملًا صالحًا من أجل أن يراه النّاس، أن يعمل عملًا اجتماعيًّا خيِّرًا من أجل أن يراه النّاس، أن يدعم الكنيسة ويأتي إليها من أجل أن يراه النّاس.

لماذا يفعل هكذا؟ لأنّ الله غير حاضر في حياته، لذلك، أيّة وصيّة لا تُطبَّق أمام النّاس هي بنظره باطلة. وهذا ما نعيشه اليوم، فالدَّهْرَنة على مستوى الإنسان هي قاتلة للإنسان الرّوحيّ. في زمننا المعاصِر، أصبح لدينا اليوم الكثير من التّشريعات والحقوق (حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حقوق الطّفل، حقوق الحيوان...) ولكنّ المجتمع يزداد سوءًا. لماذا؟! ... ألم يخطر على بالنا أن نسأل هذا السّؤال؟! ... لأنّ مفهوم الدَّهْرَنة والتّقوى الخارجيّة يُسَيْطر على مفهوم الإيمان بالله والحياة الدّاخليّة. أيُّ عملٍ نقوم به، اليوم، وإن كنّا منتمين إلى جمعيّة كنسيّة أم خيريّة هو لكي يراني النّاس أنّني قويّ، أنّني ناجح، أنّني ذكيّ، أنّني رحيم، أنّني مُحِبّ، أنّني متواضع... بالتّالي، لكي يراني النّاس ويُمَجِّدونني، كما أراد هذا الغنيّ أن يراه الرَّبّ يسوع ويمجِّدَه.

علينا أن نهرب من مظاهر التّقوى هذه الّتي للغنيّ والّتي هي بداخلنا جميعنا، لأنّ الرَّبّ أوضح بأنّه يجب أن: "لا تُعَرِّفْ شمَالكَ ما تفعَل يَمينُك" (مت 6: 3)، وإلّا سنسمعه قائلًا لنا: ما أعسر عليك أن تدخل ملكوت الله.

فنّ الصّلاة القلبيّة

بعد معموديّة الدّم توالت معموديّة النّسك، بعد مرسوم ميلانو 313 م. قامت أولى الجماعات النّسكيّة في مصر بردّة فعل بارزة في وجه امتثاليّة إمبراطوريّة قسطنطين التي سمِّيت بعد فترة "بالمسيحيّة". لم يعد المسيحيّون يواجهون، عبر لطفهم ووداعتهم، الشّرّ في حلبات الأسود، بل، عبر عفّتهم وتواضعهم وفقرهم، هذه القوى في الصّحراء. أصبحت مهمّة المسيحيّة من الآن فصاعدًا، بحسب القدّيس أنطونيوس الكبير، "زعزعة أسس العالم الشّيطانيّة" وأن تُدخِل إليه سلام ملكوت الله ومحبّته. سُمِّي هؤلاء النُّسّاك فيما بعد بـ "آباء البريّة" واعتُبروا أجداد "الآباء الهدوئيّين".

الهدوئيّة نهج نسكيّ بدأت تتوضّح معالمه بدءً من القرن الرّابع، في سيناء، مرورًا بنيلوس السّينائيّ، ذياذوخوس فوتيكي، يوحنّا الهدوئيّ، ويوحنّا كاسيان وصولًا إلى القرن الرّابع عشر مع غريغوريوس بالاماس في جبل آثوس والبيان المجمعيّ الّذي تبنّى تعليم هذا الأخير في آب 1341.

يُعتبر هذا النَّهج وسيلة لبلوغ الاتّحاد مع الله والتّألّه عبر الصّلاة الدّائمة المتمثّلة بجملة مقتضبة: "أيّها الرَّبّ يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ" سُمِّيت "بالصّلاة القلبيّة" أو "صلاة الرَّبّ يسوع". سلك هذا النَّهج النُّسْكيّ رجال ونساء انسحبوا إلى البريّة ناشدين الهدوء ليتذوّقوا سلام الله الّذي لم يعد العالم يقدّمه لهم.

بدءً من القرن الثّامن عشر انتشرت الصّلاة القلبيّة خارج الأديرة بعد نشر كتاب الفيلوكاليا على يد راهب يونانيّ، القدّيس نيقوذيموس الآثوسيّ عام 1782 وبعد ترجمته إلى لغات عديدة. ساهم القدّيسون سيرافيم ساروف، يوحنّا كرونشتادت، ثيوفانيس الحبيس، إغناطيوس بريانتشانينوف والشّتات الأرثوذكسيّ في انتشارها في أوساط الشّعب المؤمن شرقًا وغربًا.

يتمحور هذا النَّهج الهدوئيّ على الانسحاب من العالم وتأمين الهدوء وتلاوة الصَّلاة القلبيّة بتقنيّة خاصّة ترتكز على وضعيّةٍ جسديّة محدّدة مترافقة مع شهيق وزفير. شدّد آباء هذه الصّلاة على أن لا تُمارَس بتقنيّتها النَفَسِيّة والجسديّة إلّا تحت إرشاد معلّمٍ ذي خبرة فيها.

تقتصر ممارستها اليوم، عند بعض المؤمنين، عبر ترداد الصّلاة القلبيّة مع تلمّس كلّ حبّة من حبّات مسبحة خاصّة ومع سجدات في حال تلاوتها في المخدع. وتبيّن أنّها توفّر لممارسيها نوعًا من الصّيانة الفكريّة والحواسيّة نتيجة تردادها الدّائم.

هذه الصّلاة لا تقوم مقام الصّلاة اللّيتورجيّة الجماعيّة والفرديّة. كلاهما يؤدّيان للاتّحاد مع الله. من غير المسموح أن تمارَس هذه الصّلاة خلال الصّلاة الجماعيّة. هي صلاة فرديّة محض. أمّا في الصّلاة الجماعيّة فيكون تركيز العقل والقلب والحواس ومجمل الجسد على كلمات ومعاني الصّلوات الجماعيّة. حذار أن يقع في هذه التّجربة من يمارس الصّلاة القلبيّة.

من كتاب بستان الرّهبان

+ احذَرْ مِن أن تَعتَبِرَ نفسَكَ شيئًا، في أَيِّ أمرٍ مِنَ الأُمور، فإنَّ ذلك يُفقِدُكَ النَّوْحَ على خَطاياك.

+ إيّاكَ أن تقولَ في قلبِكَ مِن جهة إنسانٍ أنَّكَ أَحرَصُ مِنهُ أو أكثرُ معرفةً أو بِرًّا، بَلِ اخضَعْ لِنِعمةِ الله ولروحِ الحكمة، والمحبّةِ الّتي بِلا غِشّ، لئلّا تنطفئ بالعَظَمة، وَتُضِيعَ تَعبَك. فإنّه مكتوب: "يا أيّها الّذي تظنّ أنّك قائمٌ، احذَرْ لئلّا تسقط".

+ لا تَضَعْ في نَفسِكَ أنَّكَ حكيمٌ، فَتَقَعَ في أيدِي أعدائِك.

انقر هنا لتحميل الملف