Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 24 أيّار 2020   

العدد 21

أحد (5) بعد الفصح (الأعمى)

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *24: البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب *25: وجود هامة السَّابق  ثالثًا *26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى *27: وداع الفصح، الشَّهيد في الكهنة ألّاذيوس، القدّيس يوحنَّا الرُّوسي *28: خميس الصّعود الإلهيّ، إفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المُتبالِه *29: الشَّهيدة ثاودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الاسكندريَّة *30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدلماتن، البارّة إيبوموني.

كلمة الرّاعي

الظّلمة والبصر البصيرة والنّور 

"اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟" (مزمور 27: 1)

الإنسان المؤمن يحبّ النّور ويمجّ الظّلمة. هو لا يستطيع أن يسكن خارج النّور، لا بل هو لا يستطيع أن يحيا ما لم يكن النّور فيه، لأنّ الله نور لا يُدنى منه ومع ذلك هو نور الحياة وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يبصر شيئًا في العالم، لأنّ الحياة ليست سوى الله ذاته... هكذا كشف لنا يسوع الله، لأنّه هو "نور العالم" (يوحنا 8: 12)، لكنّ النّاس يحبّون الظّلمة أكثر من النّور لأنّ أعمالهم شرّيرة (راجع يوحنا 3: 19).

هكذا رفض الفرّيسيّون عمل يسوع الإلهيّ إذ شفى الأعمى منذ مولده ناسبين عمله إلى "ضدّ الله" لأنّه خالف شريعة السّبت!... هل يُعقل أن يصل التّحجُّر في العقول إلى هذه الدّرجة والعمى الرّوحيّ إلى هذه الدّركات من الظّلمة؟!... ما هي هذه الطّبيعة الّتي ترفض عمل الله الجليّ بسبب غنى الرّحمة الظّاهرة فيه؟ كيف يستطيع الإنسان أن يُغلق قلبه إلى هذه الدّرجة من القسوة؟!...

*          *          *

"كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟" (يوحنا 9: 16). الدّينونة المتأتّية من الحسد صنعت هذا الرّأي. السّؤال يحوي الجواب، أي أنّ هذا العمل لا يمكن أن يكون عمل إنسان خاطىء، لأنّ ما صُنِع هو عمل الله. لم يتجرّأ الفرّيسيّون أن يمتدّوا في تفكيرهم إلى هذا الحدّ، لأنّهم لا يستطيعون أن يقبلوا بأنّ ابن النّجار يصنع أعمالًا بقوّة الله تفوق ما صنعه أنبياء العهد القديم. من هو هذا السّائح على دروب اليهوديّة جائلًا ومبشِّرًا بملكوت الله بقوّة الكلمة وفعلها كما يُخبِر إشعياء النّبيّ: "كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ" (إشعياء 55: 11).

الأعمى منذ مولده، خلق له الرَّبّ عينين من الطّين، لكنّه كان يملك عينَين للقلب مبصرتَين. الرَّبُّ رآه أوَّلًا، لأنّه كان ناظرًا إيّاه منذ الحبل به، لا بل قبل أن يُخلَق... هو أتى إليه ليكشف الحقيقة والحقّ، لقد جاء ليُتمِّم ما قاله الرَّبّ في إشعياء النّبيّ: "اذْهَبْ وَقُلْ لِهذَا الشَّعْبِ: اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا. غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى..." (إش 6: 9 - 10). في مجمع محاكمة يسوع من قبل الفرّيسيّين، كان الأعمى هو المبصر والمستنير والباقون عميانًا مظلمين...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، حيث نور الوصيّة فهناك الرّحمة وحيث الرّحمة فهناك النّور الإلهيّ. هذا ما نفهمه من مثل السّامريّ الشّفوق (لوقا 10: 25 - 37) ومن إنجيل الدّينونة (متّى 25: 31 – 46). الرَّبُّ أتى إلينا ليكون نور حياتنا، لأنّ بغيره لا يوجد نور إذ ما عداه ظلمة حالكة وإن تغطّت بأنوار كاذبة، فثمار نور المسيح جُرأة في الشّهادة للحقّ وفرح في الضّيق وسلام في الحرب وبصيرة إلهيّة تميّز ما هو من الله ممّا هو من الشّرّير... مع محبّة للإنسان لا تُقيَّد من بشر لأنّها قوّة الله الفاعلة في الإنسان المتقبِّل لنور إعلان ربّنا يسوع المسيح: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ..." (مرقس 1: 15)

"إِنَّ اللهَ سَيُعِيدُ إِسْرَائِيلَ بِسُرُورٍ فِي نُورِ مَجْدِهِ بِرَحْمَةٍ وَعَدْلٍ مِنْ عِنْدِهِ" (باروخ 5: 9)، هذا تجلّى في يسوع الّذي كشف أنّ الأعمى هو "إسرائيل الله" (غلاطية 6: 16)، الحُرّ بالمحبّة الإلهيّة والرّاجع من سبي دينونة "إسرائيل القديم" الّذي بقي قابعًا في عبوديّة الحرف مطفئًا الرّوح في كلمة الله المُعطاة له، لتصير هذه الكلمة للحكم عليه وليس للخلاص...

الرَّبُّ يأتي إلى كلّ واحد منّا مريدًا أن يخلق لنا حواسًا روحيّة. لا داعي لنطلب هذا بل كلّ ما علينا فعله هو أن نتقبّل عطيّة الله. هكذا صنع الله للأعمى لأنّه عرف استعدادات قلبه. الأعمى لم يطلب شيئًا. يسوع أتى إليه وحرّره من ظلمة العالم الخارجي لأنّه كان بالإيمان الدّاخليّ حرًّا من ظُلمة الكيان منتظرًا بأنين الرّوح فيه استعلان نور الرَّبّ له...

استعدادنا هو إدراكنا لعمانا وطلبنا للنّور في رجاء الإيمان بالتّوبة عن كلّ تعلّق بأنوار هذا العالم الكاذبة أي كبرياء المال والمعرفة والجمال وتسلّط حبّ الظّهور والمديح وقنية البشر وعبوديّة اللّذّة ...

ومن له اذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 16: 16– 34)

أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْتُرُنا في هذا الجيل

خَلِّصْنِي يا ربُّ فإنَّ البَارَّ قَدْ فَنِي

في تلك الأيّام، فيما نحن الرُّسُّلَ مُنْطَلِقُونَ إلى الصَّلاةِ، ٱسْتَقْبَلَتْنَا جاريةٌ بها روحُ عِرافَةٍ، وكانت تُكْسِبُ موالِيَهَا كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إِثْرِ بولسَ وإِثْرِنَا وتصيحُ قائلة: هؤلاء الرِّجال هم عبيدُ الله العَلِيِّ وهم يُبَشِّرونَكُم بطريق الخلاص. وصنعَتْ ذلك أيَّامًا كثيرة، فتضجَّرَ بولسُ والتَفَتَ إلى الرُّوح وقال: إنِّي آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيح أن تخرجَ منها، فخرج في تلك السَّاعة. فلمَّا رأى مَوالِيَهَا أنَّه قد خرج رجاءُ مَكْسَبِهِم قبضوا على بولسَ وسيلا وجرُّوهُما إلى السُّوق عند الحُكَّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائِلِين: إنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُبَلْبِلانِ مدينَتَنا وهما يهودِيَّان، وينادِيَان بعادَاتٍ لا يجوزُ لنا قَبُولُهَا ولا العملُ بها إذ نحن رومانيُّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزَّق الوُلاةُ ثيابَهُمَا وأمروا أن يُضْرَبا بالعِصِيِّ. ولـمَّا أَثْخَنُوهُما بالجراح أَلقَوهُمَا في السِّجن وأَوْصَوا السَّجَّانَ بأن يحرُسَهُما بِضَبْطٍ. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيَّة، أَلقاهُما في السِّجن الدَّاخليِّ وضَبَطَ أرجُلَهُمَا في الـمِقْطَرَة. وعند نصف الليل كان بولسُ وسيلا يصلِّيَان ويسبِّحان اللهَ والمحبوسون يسمعونَهُما. فحدثَ بغتَةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتَّى تزعزعتْ أُسُسُ السِّجن، فٱنْفَتَحَتْ في الحال الأبوابُ كلُّها وانْفَكَّتْ قيودُ الجميع. فلمَّا ٱسْتَيْقَظَ السَّجَّان ورأى أبوابَ السِّجْنِ أَنَّهَا مفتوحةٌ، اسْتَلَّ السَّيفَ وهَمَّ أن يقتُلَ نفسَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ المحبوسِينَ قد هَرَبُوا. فناداهُ بولسُ بصوتٍ عَالٍ قائِلًا: لا تعمَلْ بنفسِكَ سُوءًا، فإِنَّا جميعَنَا هَهُنَا. فطلبَ مصباحًا ووثَبَ إلى داخلٍ وخَرَّ لبولسَ وسيلا وهو مُرْتَعِدٌ، ثمَّ خرجَ بهما وقالَ: يا سَيِّدَيَّ، ماذا ينبغي لي أَنْ أَصْنَعَ لكي أَخْلُصَ؟ فقالا: آمِنْ بالرَّبِّ يسوعَ المسيحِ فَتَخْلُصَ أنتَ وأهلُ بيتِك. وكلَّمَاهُ هو وجميعَ مَنْ في بيتِهِ بكلمةِ الرَّبِّ، فَأَخَذَهُمَا في تلكَ السَّاعةِ من اللَّيْلِ وغسلَ جراحَهُمَا وٱعْتَمَدَ من وقتِهِ هو وذووهُ أَجْمَعُون. ثمَّ أَصْعَدَهُمَا إلى بيتِه وقدَّم لهما مائدةً وابْتَهَجَ مع جميعِ أهلِ بيتِه إذ كانَ قد آمَنَ بالله.

الإنجيل (يو 9: 1– 38)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمَى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنَّا نعلَمُ أنَّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمَى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمَّا نحن فإِنَّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعُ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.

حول الإنجيل

نُقيم اليوم تذكار أحد الأعمى الّذي هو الأحد الأخير قبل وداع الفصح وصعود الرّبّ يسوع. وقد قرأنا في المقطع الإنجيليّ عن ذاك الأعمى منذ مولده الّذي فتح يسوع عينيه وبات في الأخير مؤمنًا به ومبشّرًا باسمه.

ساد في الأوساط اليهوديّة والفرّيسيّة تحديدًا اعتقادان مغالطان حول الخطيئة كانا سببًا مباشرًا لسؤال التّلاميذ: "يا معلّم، من أخطأ: أهذا أم أبواه حتّى وُلِد أعمى؟". الاعتقاد الأوّل هو التّقمّص، أي أنّ النّفس الإنسانيّة تدخل بعد الموت في جسدٍ آخر لتتطهَّر من خطاياها، ولذلك من الممكن بالنّسبة إليهم أن يكون هذا الأعمى قد خطئ في حياةٍ سابقةٍ حتّى عُوقِب في الحياة هذه ووُلِد أعمى كي يتطهّر من خطاياه. أمّا الاعتقاد الثّاني وهو سائدٌ حتّى في أوساطنا اليوم، فهو أنّ خطيئة الوالدين قد تنعكس على الأولاد، فيولدون وهم يعانون من مشاكل صحّيّةٍ، فتكون هذه المصيبة قصاصًا للأهل على ما فعلوه.

بَيْدَ أنّ الرّبّ يسوع دحض هذين الاعتقادين بقوله إنّ كلا الاثنين لم يُخطِئا، بل أنّ كلّ ما في الأمر هو أن تظهر أعمال الله فيه. فبسبب مرضه هذا أتى يسوع إليه وحوّل ظلمته إلى نور، فقام بعمليّتَي شفاءٍ فعليًّا، أي شفاء عينيه وحدقتَي نفسه. والشّفاء الثّاني هو الأهمّ لأنّه أدّى إلى إيمان الأعمى بالرّبّ يسوع، ومجاهرته بهذا الإيمان علنيًّا أمام اليهود دون قلقه من إمكانيّة إخراجه من المجمع كما وعدوا.

يرمز هذا الأعمى إلى كلّ مسيحيٍّ، فجميعنا جُبِلنا من الرّبّ يسوع الّذي تَفَل فينا نسمة حياة. كما أنّ جميعنا اغتسل بالمعموديّة كما اغتسل هذا في بركة سلوام. بالتّالي حصلنا كلّنا على نعمة البصر الّتي لا تعني النّظر المادّيّ بل الرّوحيّ. لكنّ المسألة تبقى في مدى تمثّلنا بهذا الأعمى عن طريق محافظتنا على هذه النّعمة ومجاهرتنا علانيّةً بالإيمان دون أيّ خوفٍ من محيطنا. فنحن كثيرًا ما نهمل أبسط الأمور الرّوحيّة في حياتنا مثل الصّلاة اليوميّة وقراءة الإنجيل كلّ يومٍ، بالإضافة إلى تقصيرنا أحيانًا حتّى في مجيئنا إلى القدّاس الإلهيّ. هذا فضلًا عن أنّنا نستحي كثيًرً في قول كلمةٍ إيمانيّةٍ حقّةٍ في محيطنا بسبب خوفنا من نظرة الآخرين إلينا.

لم يَخَف هذا الأعمى من طرد اليهود له من المجمع أمّا نحن فنخاف من تعييب الآخرين لنا واعتبارنا متخلّفين لأنّنا ما زلنا نؤمن ونلتزم بكنيستنا في زمنٍ صار فيه الالتزام عيبًا. حذاري من دفن هذه النّعمة الّتي فينا، فنعود عميانًا من جديد. لقد قال الرّبّ يسوع: "لدينونةٍ أتيت أنا إلى هذا العالم، حتّى يبصر الّذين لا يبصرون ويعمى الّذين يبصرون".

 حرّية أبناء الله

عند الخلق، أُعطي آدم طبيعة كاملة تميّز بها عن باقي المخلوقات. من حيث الفكر أعطاه الله العقل-المنطق والإرادة أي حرّيّة التّفكير والاختيار وذلك صورة لذكاء الله وحرّيّته، ومن حيث الأخلاق أعطاه البّر الّذي يتمثّل بحركة الضّمير (التّمييز بين الخير والشّرّ) أو الأخلاق الإنسانيّة، وذلك انعكاسًا لقداسة الله، وأخيرًا من حيث التّفاعل الإجتماعيّ لأنّ الإنسان خُلق من أجل عيش الشّركة، انعكاسًا لصورة حقيقة الله المثلّث الأقانيم ومحبّته. بالسّقوط تشوّهت صورة الله في الإنسان، واليوم، مازالت البشريّة تحمل صورة الله مشوّهة بآثار الخطيئة ومنها انحراف حرّيّة الإنسان إذ تمحور حول نفسه مؤلّهًا ذاته بذاته مستغنيَا عن خالقه... هكذا خسر الإنسان مشروع بنوّة الله إذ انفصل عن الباري جاعلًا نفسه مركز الكون...

من هم أبناء الله؟

أراد الرَّبّ أن يفدي الإنسان، ويعيد إليه الصّورة الإلهيّة، ليصير "إِنْسَانًا جَدِيدًا مَخْلُوقًا بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أفسس 24:4)، من خلال المسيح (كورنثوس الثانية 5: 17)، أي أبنًا حقيقيًّا للعليّ، على صورة إبنه الوحيد الّذي أطاعه حتّى الموت، موت الصّليب.

في سرّ المعموديّة المُقدّس، نلبس المسيح ونستعيد بنوّتنا للآب بواسطة الرّوح القدس، روح التّبنِّي، لنصير مشاركين للمسيح بالميراث (روم 8 :17). هذه هي "حرّيّة أبناء الله" (رومية 8: 21)، وصول الصّورة إلى المثال (الله) في يسوع المسيح الّذي هو ذاته "الحقّ والحياة والحرّيّة" بمؤازرة الرّوح القدس العامل في الكنيسة-الشّركة وفي كلّ صلاة نقيّة نرفعها الى الله، وكلّ حرّيّة أخرى خارج المسيح هي عبوديّة.

مِمَّ يتحرَّر الإنسان لينتقل إلى البنوّة في المسيح؟

أوّلًا، من عبوديَّة الخطيئة: هذا التّحرُّر من شريعة الخطيئة والموت المنتظَر (أش 59: 20-21)، حقَّقه المسيح بدمه على الصّليب (روم 6: 6 و 11: 26).

ثانيًا، من عبوديَّة الموت: لأنّ نتيجة الخطيئة هي الموت (تك 2: 17؛ راجع روم 5: 12). وهذا التّحرُّر هو ثمرة انتصار المسيح في القيامة على جميع أعدائه: ''وآخر عدوٍّ يبيده هو الموت'' (1كور 15: 26)، وهذه هي الغلبة الأخيرة الّتي تتحقّق في القيامة العامّة (1كو 15: 54).

ثالثًا، من الشّريعة: ''إنَّ شوكة الموت هي الخطيئة، وقوَّة الخطيئة هي الشّريعة'' (1كور 15: 56). عندما تحرَّرنا في المسيح بالرّوح القدس، تحرَّرنا أيضًا من الشّريعة (روم7: 4، 6) ''في حكم النّعمة'' (روم 6: 15). والانعتاق من الشّريعة يُدخِلُ الإنسانَ في شريعة الرّوح القدس (روم 8: 2)، الّتي هي شريعة المسيح (غل 6:2)، فيكون الإنسان حرًّا لأنَّه ممتلئ من الرّوح.

كيف نعيش حرّيّة أبناء الله؟

الحرّيّة البشريّة خارج المسيح لا تبالي بالآخرين، ثمارها الفوضى والتّسيّب والانفلات. هي تمركز الإنسان في ذاته متحرّكًا منه وإليه، عبورًا بالله والآخرين والأفكار والمخلوقات والأشياء. الرّبّ يسوع، بتجسّده، أعطانا فرصة التّحرّر من عبوديّة الذّات بسكناه فينا، إذا أردناه محورَ حياتنا وهدفها. حينها، فقط، يتحرّر الإنسان ويستنير بالنّعمة...

بالرّوح القدس نصبح أبناءً لله، فتظهر فينا ثماره (غل 5: 22 و23) وأعظمها المحبّة الّتي تتجلَّى بالطّاعة الكاملة لله؛ والوداعة المترجمة بالصّبر واللّطف... (راجع: كول 3: 12وطي 3: 2)؛ والخدمة الّتي هي أن نبذل أنفسنا في سبيل الآخرين دون مقابل. الحرّيّة المسيحيّة، إذن، هي أن يُفرغ الإنسان ذاته من أناه، وأن يتخطّاها بالإنعطاف نحو الآخر ليربحها. هكذا، نعيش الحرّيّة  في السّعي للاتّحاد بالله، أي الدّخول في شركة المحبّة الثّالوثيّة، بملء رغبتنا، وذلك من خلال الصّلاة    (1تس 5: 17) والأصوام (2كور 11: 27) واحتمال الشّدائد من أجل المسيح (1كور 4: 11) وممارسة الفضائل (1 تيم 6: 11؛ 2تيم 2: 22-25).

حرّيّة أبناء الله تتحقَّق عندما تتطابق إرادة الإنسان مع مشيئة الله، فيصبح هو إرادة الله في العالم بعد أن يكون قد تحرّر من نفسه بانعتاقه من كلّ شهوة وعادة بقبوله المسيح مخلّصًا. خلق الله الإنسان ليشاركه سرّ حبّه بملء إرادته وحرّيّته، لأنه يريد أبناءً أحرارًا يرثونه باختيارهم حبّه على كلّ حبّ آخَر ...

أخبارنا

رسامة الأرشيدياكون إرمياء (عزّام) كاهنا  

”كهنتك يا ربُّ يلبسون العدل، وأبرارُك يتهلّلون“ (2 أخبار 6: 41)

بنعمة الله ومشيئته، وبوضع يد صاحب السّيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري) الجزيل الاحترام، ستتمّ رسامة الأرشيدياكون إرمياء (عزّام) كاهنًا لله العليّ على مذبح كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ-الميدان، وذلك خلال القدّاس الإلهيّ بمناسبة عيد الصّعود الإلهيّ يوم الخميس الواقع فيه 28 أيار 2020. تبدأ السّحريّة السّاعة 8.30 صباحًا يليها القدّاس الإلهيّ عند العاشرة. ونظرًا لظروف التّعبئة العامّة  في البلد، وحفاظًا على السّلامة العامّة وسلامة المؤمنين، وبناء على قرار وزير الدّاخليّة الّذي يحدِّد إمكانيّة تواجد عدد ثلاثين بالمئة من القدرة الاستيعابيّة للكنيسة، فإنّنا نرجو من المؤمنين الأحبّاء متابعة الخدمة على صفحة الأبرشيّة للفايسبوك، على أن يلتقي الكاهن الجديد بالمؤمنين في القداديس اللّاحقة بحسب النّظام المتّبع في هذا الظّرف.

ليكن اسم الرَّبّ مباركًا من الآن وإلى الدّهر...

انقر هنا لتحميل الملف