Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 23 شباط 2020

العدد 8

أحد مرفع اللّحم  

اللّحن 3- الإيوثينا 3

أعياد الأسبوع: *23: بوليكربس أسقف ازمير، القدّيسة غورغوني أخت القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ *24: ظهور هامَة السّابق للمرّة الأولى والثّانية *25: طاراسيوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *26: بورفيريوس أسقف غزّة، فوتيني السّامريّة، البارّ ثيوكليتُس *27: بروكوبيوس البانياسيّ المعترف، ثلالاوس السّوريّ *28: باسيليوس المُعترف *29: تذكار جامع للآباء الأبرار الّذين تلألأوا بالنّسك والجهاد المقدّسَين، البارّ كاسيانوس الرّومانيّ، البارّتان كيرا ومارانّا.

كلمة الرّاعي 

لا حلول وسطيّة

البشر، بعامّة، لا يريدون حلولًا نهائيّة وقطعيّة في ما يختصّ بصنع الحقّ وطاعة كلمة الله والسّلوك بمقتضى الضّمير، بل يسعون ليجدوا حلولًا وسطيّة للتّحايل على الشّريعة الإلهيّة. أنا لا أتكلّم على حلول المشاكل الخارجيّة ومعالجة الأزمات بين النّاس، بل على الموقف الكيانيّ الَّذي يتّخذه الإنسان في أعماقه من الحقّ الإلهيّ. هذه هي المسألة الجوهريّة والّتي سيحاسبنا الرّبّ عليها، لأنّها مصدر كلّ معالجة لأيّ ثابت أو طارئ يتعاطاه الإنسان في حياته. من نبت في الإعوجاج لا يمكن إلّا أن ينمو معوجًّا، ما لم يتمّ تقويمه باكرًا قبل النّضج، إذ حينها لا ينفع تقويم بل الكسر والقلع هو الحلّ، هذا كشفه الرّبّ الإله لنا حين قال لارمياء النبيّ: "هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ. اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ" (سفر إرمياء 1: 9 - 10).

*          *          *

مشكلة الإنسان الجوهريّة أنّه يرى ضرورة تطبيق الحقّ والعدل على غيره دون نفسه. الآخَر هو بحكم المُساءلة لكن ليس الذّات. هذه هي مأساة التّناقُض الكيانيّ في أعماق الإنسان والّتي تزداد يومًا فيومًا بسبب التّغرُّب عن الله.

الدّهريّة (Secularism) جوهرها الكذب لأنّها توجّه وجود الإنسان إلى العدم عبر جعل هذا العالم غاية وهدفًا بحدّ ذاته. الدّهريّون يخربون الكنيسة متى تغلغلوا فيها مدّعين إيمانًا زائفًا مبنيًّا على فصل الحياة عن الله عبر اختراع إلهٍ على شاكلة أهوائهم ومادّيتهم ومحاصرة الإله الحقّ في الهياكل والطّقوس والشّرائع البشريّة ... "لكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ" (2 تيموثاوس 2: 9). لا خلطة بين النّور والظّلمة بين البِرِّ والظّلم بين المحبّة والحقد. الإنسان الدّهريّ، وإن كان، ظاهريًّا، في الكنيسة إلّا أنّه خارج عن الإيمان ومخرِّبٌ رَجِس، لأنّه يعمل للتّفرقة وتهديم المحبّة والسّلام بإسم الحقّ الكاذب المبنيّ على المصالح الذّاتيّة ورفض طاعة الله بإسم الوصيّة ... الدّهريّون في الكنيسة خدّام للباطل وإبليس ولا يمكن أن يكون لهم مكان فيها، إذ هم من تراب هذا العالم بينما الكنيسة هي إلهيّة - بشريّة أي ترابيّتها مضاءة بالنّور غير المخلوق المنبعث من الثّالوث القدّوس والصّادر من الآب بالابن في الرّوح القدس والّذي يكشف الخفايا بالكلمة الإلهيّة "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين 4: 12).

*          *          *

"وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" (متّى 3: 10 ولوقا 3: 9). هذه هي الدّينونة منذ الآن، الشّجرة الّتي تصنع ثمار الخباثة والكذب والحقد والشّرّ لا بدّ من قطعها، لا بل اجتثاثها من جذورها، لئلّا تعود وتثمر خرابًا ... هذا هو المبدأ الَّذي لا تستقيم حياة جماعة أو يرتفع بنيانها ويثبت بدونه.

"اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟" (مزمور 14: 2 و53: 2). البشر بمعظمهم، لا يطلبون الحقّ لأنّهم لا يطلبون الله. لا ينفصل الحقّ عن الله لأنّ الرَّبّ هو الحقّ (انظر: يوحنا 14: 6). البشر الدّهريّون، بإسم الحقّ يصنعون ظلمًا وبُطْلًا، وإن كانوا من الّذين يدّعون الإيمان أكانوا إكليروسًا أم علمانيّين. مشكلتهم مَنْطِقُهُم الدَّهريّ الدّنيويّ السّاقط لأنّه ليس مؤسَّسًا على حبّ الله وحبّ القريب بل على محوريّة الأنا وانتفاخها. كلمة عقلهم المستَعْبَد لأهوائهم يضعونها فوق الوصيّة الإلهيّة باحتيال إبليس عليهم وفيهم ليزرعوا الزّؤان مع الحنطة، لكنّ الرّبّ سيفصل بينهما في النّهاية إذ يقول: "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلًا الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني ..." (متّى 13: 30).

*          *          * 

أيّها الأحبّاء، لا مجال للتّسويات مع الله فإمَّا أن نكون له، وله وحده، وإمّا أن نكون مع عدوّه: "لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا" (مرقس 9: 40). قرار الإنسان، الَّذي يُدعى مسيحيًّا، بطاعة كلمة الله ليس اختياريًّا، لأنّه حين يطلب هذا الإسم يكون قد اختار المسيح ربًّا وسيِّدًا لحياته وإلهًا له. الخيار قد تمّ، فإمّا أن نسلك بمقتضى هذا الاختيار الحرّ ونكون مستعدّين لتحمّل كلّ ما ينتج عن هذا الخيار والرّبّ أمين أن ينصرنا ويحفظنا له، وإمّا أن نسلك في وهم الاحتيال على كلمة الرّبّ وترتيب الأمور والمسائل بما يحفظ لنا ماء الوجه أمام النّاس ويُسقِط وجوهنا أمام الله.

لا مجال للحلول الوسطيّة حين يتعلَّق الأمر بحقّ الله وكرامة الإنسان الّتي في المسيح وأصول الحياة الكنسيّة واستقامة السّيرة،  على الإنسان أن يختار. السّؤال المطروح على ضمير كلّ إنسان، والّذي ينتظر الرّبّ منه الإجابة عليه هو التّالي: "حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ" (1 ملوك 18: 21). فما هو جوابك أيّها الحبيب! ...

"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي ..." (رؤيا 3: 12)

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)

لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

قنداق أحد مرفع اللّحم (باللّحن الأوّل)

إذا أتيتَ يا الله على الأرضِ بمجدٍ. فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها. ونهرُ النّارِ يجري أمامَ المِنبر. والمَصاحفُ تُفتَّحُ. والخفايا تُشَهَّر. فنجِّني حينئذٍ من النّار الّتي لا تُطفأ. وأهّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدَّيانُ العادِل.

الرّسالة ( 1 كو 8: 8 – 13 ، 9: 1 – 2)

قُوَّتي وتَسْبِحَتي الرَّبُّ

أدباً ادَّبَني الرَّبُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلمني

يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص ولكنْ أنظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضُّعفاء. لأنّه إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ مُتَّكِئًا في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيَهلكُ بسببِ علمك الأخُ الضّعيفُ الّذي مات المَسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم، وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المَسيح. فلذلك، إن كان الطّعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلّا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا؟ ألستم أنتم عملي في الرَّبّ؟ وإن لم أكن رسولًا إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الرَّبّ.

الإنجيل (مت 25 : 31 – 4)

قال الرَّبُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الرّاعي الخرافَ من الجِداء. ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للّذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآوَيتموني، وعريانا فكسَوتموني، ومريضًا فعُدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ. فيُجيبه الصّدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعًا فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك أو عُريانا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للذين عن يسارِه: إذهبوا عني يا ملاعينُ إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأني جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريباً فلم تؤووني وعُرياناً فلم تكسوُني ومريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعاً أو غريباً أو عُرياناً أو مَريضاً أو مَحبوساً ولم نخدمْك؟ حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءُ إلى العَذابِ الأبدي، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.

حول الإنجيل

أيّها الأحبّاء، يدعى هذا الأحد المبارك بأحد مرفع اللّحم، ونقرأ فيه نصّ إنجيل الدّينونة الّذي من خلاله يوضِح الرَّبّ لنا الأفعال الّتي يتمّ على أساسها محاسبة وإدانة العالم، والّتي تؤكّد لنا أنّ دينونة الإنسان تبدأ على الأرض كما يبدأ الملكوت على الأرض أيضًا. ولكن نسأل لماذا هذا المثل وضعته لنا الكنيسة المُقَدَّسَة اليوم، وخاصّة بعد المَثَلَيْن السّابِقَين، مَثَل الفرّيسيّ والعشار، ومَثَل الابن الشّاطر. لماذا؟

الجواب: لكي إذا ما رأى الإنسان تعطّف الله وحنانه  الوارد في المَثَلَيْن السّابِقَيْن ليبدأ حياته بالكسل والتّهاون والهوان مُتّكلًا على أنّ الله عَطوف وحنون ومُحبّ للبشر، وعندما أسقط في الخطيئة وأرجع عنها وأتوب يمكنني أن أعمل كلّ شيء بسهولة. رتّب آباء الكنيسة هذا اليوم (يوم أحد الدّينونة) ليذكرونا بذكر الموت وتوقّع النّتائج السّلبيّة الّتي تجعل الإنسان يشعر بالرّهبة والخوف وخاصّة الكسالى والمُهملين، بأن ينهضوا من كبوتهم وأيضًا ليحذّروهم بأن لا يثقوا بعطف الله فقط بل لينظروا دائمًا بأنّ الله ديّان ويُجازي كلّ واحد بحسب أعماله.

لأجل ذلك، وضع هذا الأحد تنبيهًا لنا بأنّنا في الأحد القادم بواسطة آدم سنُخرج من الفردوس على أمل أن يأتي المسيح ويردّنا للفردوس ثانية عند مَجيئه الثّاني. الّذي سيأتي بمجد للدّينونة ليدين الأحياء والأموات، بعكس مجيئه الأوّل إلى الأرض، جاء بهدوء بخَفَرٍ وبغير مجد، إذ أخلى ذاته متواضعًا وقد ظهر ليس لِيَدين بل ليخلّص. أمّا في المجيء الثّاني، في يوم الدّينونة، فسيأتي بمجدٍ عظيمٍ مُختلفًا عن صورة الضّعف الّتي عاش فيها بالجسد على الأرض منذ وُلد في المِذْوَد حتّى صلب على الصّليب. سيأتي مع الملائكة ويجلس على العرش ليَدين العالم كلّه.

الرَّبّ يسوع يُريد أن يُشدِّد على أنّ المحبّة هي أساس ومقياس الدّينونة، سوف نُدان بناء عليها. الدّينونة سوف تكون على أساس حياة الشّركة وليس على أساس حياة الفرد أو الفرديّة، بمعنى أن أكون أنا مسؤولًا عن أخي، أي الآخر، إن كنتَ مؤمنًا بوجود الله ويوم الدّينونة. دينونة الله أو عدل الله سوف يحكم عليّ حسب نجاحي في هذه المسؤوليّة، مسؤوليّة محبّة الآخر مهما كان الآخر. وليس على مقياس الصّوم ولا على صنعي للعجائب.

"إقتناء فكر المسيح"..!..

قال الرّبّ يسوع المسيح لتلاميذه... "تعلّموا منّي... فإِنّي وديعٌ ومتواضع القلب... تجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) ...

هذه القولة... أَنطبِّقها.؟. نحن الّذين تبتَّلنا للمسيح واعدينه "بأَن يكون كلامنا نعم... نعم... ولا... لا"...

كلام الحقِّ الإِنجيليّ هو كلام المصداقيّة، الّتي أَخذ بعض تلامذة الرّبّ الوعد على أَنفسهم، بأَن يقولوا كلمة الحقّ، مهما كلَّفهم هذا الأَمر من مواقف يخضِّبون فيها الفكرَ المسيحيّ، روحَ الحياة الحقّانيّة... بدمائهم، فدية للفكر المستنير الّذي وعدهم به المسيح...

ويبقى التّسآل: هل اجترأَ التّلامذة كلّ أَيّامهم مع يسوع، أَن يقولوا كلمة الحقِّ مجيبين كلَّ تسآل واجههم ربُّهم به وبكلمتهِ الّتي لا تتغيَّر إن كانوا قد سمعوها من "معلِّمهم" يسوع أَم لا.؟.

منذ بدء الخليقة والإنسان يحيا في "كذبة" حبّه للآخر، والحقيقة أَنّ كلّ إنسان لا يحبّ إلّا ذاته.!. كلامه... موقفه... آراءه... ومساندته للحقّ الإنجيليّ، أَينما كان دون أَن يتسلَّط عليه روح الكبرياء والتّعالي والمحسوبيّة للآخرين... ألخ...

"تعلّموا منّي... فإنّي وديع ومتواضع القلب، تجدوا راحة لنفوسكم"... (مت11: 29)

الوداعة الحقيقيّة، هي أَن لا يقول الإنسان... "أَنا فعلتُ هذا... أَو أَنا نجحتُ في هذا... أَو أَنا علَّمتُ رفقائي ذلك... حتّى لو كان الإنسان قد عاش كذلك طيلة أَيّام حياته"...

قال الرّبّ يسوع المسيح عن نفسه إنّه وديع، لأنّه، بالحقيقة، قَبِلَ قرار الآب له، أَن ينسلخ عنه من حِضنِه لينزل إلى العالم، ليعلِّمهم "كلمة الحقّ".!. مات عن نفسه ليحيا الإله فيه ومعه.!.

"أَبي أَعظم منّي"... "أَنا والآب واحد"... كيف نطابق هذه الأَقوال الإلهيّة، الإنجيليّة، الواحدة مع الأُخرى.؟!. وهذان القولان كيف نقتنيهما ليصيرا بالحقيقة واحدًا أَمام وجه الرّبّ يسوع المسيح... وهو قال: "تعلّموا منّي".؟...

أَن نتعلَّم من الرّبّ يعني أَن نحبّه بكلّ القدرة والنّفس والرّوح والقلب... والقريب كالنّفس...

هكذا يعود القلب ليبقى هو وحده الواقف ليُصلح كلّ هَنَّةٍ وزلّةٍ في حياتنا، لا توافق روح الرّبّ القدّوس...

"تعلَّموا منّي": تعني أَن نتبنّى الصّليب ونحمله لندخل به الفردوس الإِلهيّ... "مَن لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يستحقُّني"...

أَلا، ربّي، إِذ نقف منتظرين وصول الصّوم الإلهيّ الكبير، علّمنا أن نسمع صوتك ينادينا: "تعالوا إليَّ يا أيّها المتعَبون والثّقيلو الأَحمال وأَنا أُريحُكُم"...

"تعلّموا منّي... فإنّي وديع ومتواضع القلب تجدوا راحة لنفوسكم".

اقتناء فكر المسيح يعني أن نحبّه كما هو أحبّنا على الصّليب وفيه...

انقر هنا لتحميل الملف